نادي السيارات
لعلاء الأسواني
عندما تصبح الرواية خطابًا سياسيًا بحتًا
باسم سليمان
القول: إنَّ الرواية هي نقل نصٍّ من لغة إلى أخرى - أليس الواقع نصًا؟
- وكأنَّنا نمازج بينها وبين الترجمة؟ أليست الترجمة فكُّ عجمة نصٍّ
بأنْ ننقله حرفيًا إلى اللغة المترجَم إليها؟ هذا من جهة الترجمة
المرآوية القاموسية. الأجود أن نتفهم حياة النصِّ المختلفة عن حياته في
النصِّ المترجَم إليه وبالتالي نلجأ للتأويل والدراسات المحايثة لنفهم
النصَّ في لغته ومن ثم ننجز الترجمة، فنكون مع نصٍّ مليء بالحياة. على
أي جانب نميل ونحن نترجم الحياة إلى متخيَّل روائي وهل تنفع فطرية
الأواني المستطرقة بإنجاز المهمَّة؟ أم علينا اللعب بالموازين؛ لنقدم
الحياة بسيرتها وصيرورتها؟
الأسئلة كثيرة، خاصة بعد أنْ صارتْ الرواية متعددة المذاهب ومفتوحة على
تجريبية لا تحدُّها حدود.
نادي السيارات:
رواية علاء الأسواني ذات الحجم الكبير. رواية تاريخية باعتبار أنَّ
شخصية "الكوو" كبير خدم الملك هو أحد المسننات الكبيرة التي تحرك
السَّرد سواء لجهة انتقاء الخدم وإشرافه على عملهم في نادي السيارات،
إذ هو من يعاقب ويجزي، كلُّ شيء يمرُّ من تحت إبطه، إضافة إلى أنَّه
صاحب الأصبع الخفية بقرارات الملك والعالم ببواطن الأمور، فارتباطه
بالملك يشرعن وجوده التاريخي وليس التأريخي هذا من جهة وفي المقلب
الآخر شخصية الملك مع بعض الشخصيات الثانوية التي وإنْ كانت موجودة
تاريخيًا ولعبت دورًا في أحداث الرواية كـ "كارلو بوتشيللي" الميكانيكي
الذي صار منظِّم حفلات الملك لترفيه عن نفسه وتأمين المحظيات له،
و"رايت" مدير نادي السيارات، فلا أهمية لها من هذه الناحية بحكم عدم
دخولها التأريخ.
الشخصيات الأخرى التي تُقاطع الحدث التاريخي هي عائلة عبد العزيز
الصعيدية التي تركتْ الصعيد بعد إفلاس عبد العزيز رغم الأطيان والعزب
التي يملكها لكنَّها ذهبت كلُّها بأعمال الخير وإعطاء المال وعدم
مطالبته بالديون المستحقة ممن استدانوا منه، أي عبد العزيز وهذا ما
سبَّب حقد ابنه الأكبر سعيد عليه وتفهُّم ابنه كامل تصرفات والده كذلك
صالحة أخته التي صدمت بما آلتْ إليه حالهم بالإضافة إلى محمود، الولد
الذي لديه بعض الغفلة، لكنه طيب القلب بالإضافة إلى الأم/الزوجة
الصالحة الصابرة. تنتهي حياة عبد العزيز بعد أهانته في النادي من قبل
"الكوو" كبير الخدم وتبدأ معاناة العائلة.
ليس هذا مكانًا لتلخيص الرواية، لكن اقتضت الإضاءة للدخول.
نستطيع أنْ نقول: إنَّ كلَّ رواية هي تحيين الحاضر مهما كان زمنها الذي
قُدمت به في الماضي أو المستقبل ومع ذلك، هذا المسقط الظلِّي للرواية
لا يقدم لها مدحًا أو مذمَّة.
تبدأ الرواية بالاعتراض على صوت الراوي الوحيد من قبل كامل وصالحة
والإعلان عن حقِّهما بالنصِّ الذي يكتبه الروائي ويقدمان نصَّهما كما
عاشاه وتبدأ الرواية من مخترع السيارة في بلاد الإنكليز وتكرُّ السبحة
بوصف "الكوو" وحياة الخدم وتنظيمهم وتعليمهم، فتتقاطع مع حياة عائلة
عبد العزيز ويروي كلُّ من كامل وصالحة وجهة نظرهما والباقي يكون بقلم
الروائي إلى أن تنتهي الرواية بثورة الخدم وقتل "الكوو" وسجن كامل
لانتمائه للحركة الوطنية التي يديرها قريب للملك مع مجموعة، منها ابنة
مدير النادي الإنكليزية التي ترفض الملك وتحبُّ كاملاً، فتتزوجه وهو في
السجن وضمنًا زواج صالحة وطلاقها وأحداث أخرى وتختم الرواية وفق النسخة
التي لدي بالصفحة رقم 666 وهذا الرقم رمز للشيطان كإشارة لقتل الشيطان
الممثل بـ "الكوو" على فرض أنَّ رقم الصفحات صحيح.
سرد خطي وصفي:
السرد الخطيُّ هو الذي يقيم مبناه على الثنائيات مثل: خيِّر وشرير، فلا
جدل داخلي ولا صراع مهم من حيث أنَّ الشخصية في الرواية وإنْ كانت
تُمثل أو تفترض أو تتخيل معادلاً موضوعيًا في الواقع أو لا تفترض، لابد
فيها من اعتمال حتى تصبح غنية وقادرة على التأثير، فشخصيات مثل الكوو
أو كامل أو عبدون أو سعيد وغيرهم تتوقع ببساطة المنحى الخطي لصراعاتهم
النفسية والوجودية. إنَّ غياب الخطِّ الأفقي والتعويل على الخطي جعل
الشخصيات رهن الوصف وكأنَّ الكاتب يصف مبنىً ما، بالإضافة إلى غياب
الصراع الجدلي الذي نستطيع أن نرمز له بالعامودي، سطَّح الرواية وحولها
إلى واقعية مبتسرة، تقول أفكارها بشكل مباشر قدمت السياسي بطريقة فجَّة
وكأننا أمام أفكار سياسية أو اجتماعية ألبست لبوس الرواية.
في الرواية هناك ما يمكن تسميته السرد المكتوب بحبر سرِّي نضرب له
مثلاً: الكلمات والأفعال والصفات المنتقاة، الأحداث وطبيعة تقديمها،
الاعتمالات الوجودية للشخصيات كمثل ردود أفعالها، الانعطافات الحادَّة
التي تصيبها، والرموز والإشارات وكلُّ ذلك ليجعل عجلة التأويل تشتغل
ليصبح النص الروائي عملية ترجمة وفكِّ عجمة يمارسها القارئ لينشط أفق
توقعه ويصبح لديه النص كما قال جنيت: إنَّه طِرْس.
ما سبق لم يوجد في الرواية إلا في حدوده الدنيا لربما يعود السبَّب
وببعض الظَّن الآثم أنَّ الرواية كُتبت لكي تتحول إلى شريط سينمائي أو
مسلسل والأفضل القول: إنَّ الرواية مؤدلجة بشكل فاضح، فحوادث مثل موت
عبد العزيز أو زواج الإنكليزية من كامل أو عبدون الذي يثور على وضع
الخدم المزري وزواج صالحة من عبد البر الضعيف جنسيًا والمدمن للمخدرات
وتحول محمود لآلة لإشباع رغبات المسنَّات جنسيًا ومن ثم الحركة الوطنية
من قبل أحد أقارب الأمير، وفساد الملك وارتهانه للانكليز، صالحة لأن
تكون مراكز مهمة لتأمين الكهرباء لخطوط السرد، لكن جاءتْ باهتة وصفية
بكليشات نجدها على قارعة أيِّ سرد.
حياة الخدم:
هذه الناحية من أفضل ما قدمته الرواية ولولاها لسقطتْ في العادي
المكرَّر ومع ذلك حتى هذه النقطة جاءت أقرب للتوثيق ولم تدخل حقًا في
بنية الرواية، فسردها الراوي العليم وأسقطها على حياة الخدم، فقد مارس
ما يمارسه "الكوو" وكما قُتل "الكوو" في نهاية الرواية لا ريب أنْ
تراود القارئ فكرة قتل هذه الرواية وهذا ما سيحصل إذ ستسقط من ذاكرته.
زمن الرواية:
تعالج الرواية المجتمع المصري قبل ثورة 52 وجلاء الإنكليز وذهاب الملك
وبتأويل بسيط لو قلبنا الرقم السابق لأصبح 25 وهو ذاته اليوم الذي بدأ
فيه الحراك في مصر ضدَّ نظام مبارك.
في النهاية نعرض لمقولة لميلان كونديرا، وهي: على الرواية ألا تروى.
نادي السيارات،
رواية لعلاء الأسواني عن دار الشروق – طبعة ثالثة 2013.
*** *** ***
الأوان،
السبت 14 أيلول (سبتمبر) 2013