موت في ظل عشبة
دارين أحمد
- 1 -
ينامُ
لا يسكنه ملاك أو حسد
لا يخيفه وجهه المبتور
أو أصابعه الناعمة
قال مرة: "يسكنني خواء لا أدَّعيه"
ابتسمتُ
كان لعينيه جمود طابع بريدي
ولصوته جرس كاذب
ليلتها حلمت بالله عاريًا من ملائكته
يخبئ عوراته بورقات التوت
ويضحك... كما لم يضحك أحد.
- 2 -
بين
عينين فقدتا لونهما
وبين ذراع ميتة
وذراع مبدعة
اختفى شكله وظهر حليب محترق
قلنا: قد سئم الدعابات الغريبة
عن طيبته العطرة
سئم أنوفنا المثقوبة
ودمنا البارد.
قلنا: تعبنا منه ممتلئًا بشمس
في أيامنا الحالكة
وأرهقنا كماله...
له العلا
هذا المخلوق من ذاته
له العلا...
قلنا: سننام الليلة حائرين
وغدًا سيكون ظلام.
- 3 -
أنسى أنني عشبة
وأقبل على الحياة برسوخ شجرة زيتون
بقلقها وشكلها الشيخ
وأحيانًا أشم الندى
وجسدي ملتصق بالأرض ثقلاً
وأقول عيني في الهواء ترى
وجذعي يمتص الماء دون كلال.
هذا المساء متُ
بجواري أجساد كثيرة أخرى
ولا يُشم في الهواء عبق.
- 4 -
القوانين وعواميد الخيام
مثلثٌ وقبعةُ مهرج
وشكل حاجبيك المستقيم
وقليل من المطر
أعطى لنغمة شاذة إيقاعًا صحيحًا.
خفتَ على أطفالك من ضجيج مفتعل
فعقدت النية على استراحة
من طريق متعرجة على إحدى جانبيها جثة
محمية بقباب ومصلين ونساء ضاحكات.
أطفالكَ مرعاكَ وعشبكَ
وخزيك الوحيد هو هذا البطن المنتفخ؛
ما الذي فيه؟ كيف تكونت أطياف الوحل
من حلم أثيري شفاف كالملائكة؟
كيف تقنعت ألوانك كلها بذات القناع؟
كيف لم تهرب وأنت ثمرة العالم
ووباءه؟
شاكستكَ العقبات مثلما شاكستكَ الآلهة؛
يا ألمك الملقى على جسدي.
- 5 -
كلُّ آنٍ
على جانبه الأيمن ثقب صغير
تطل منه شمس ضاحكة
تغمز لقمر مختبئ خلف حجاب أيسر
يتطاول ويمد ذراعه
كاتمًا صوت المطر
وصوت الغيم
وصوت شق صغير في تربة جرداء
وصوت عشبة نهضت وحيدة
صماء بآذان طويلة
وقفتُ تحت فيئها
قزمةً مجنحةً
ولا فضاء أحلق فيه.
ألقيتُ أشيائي كلها
حتى أتخفف من كل ثقل
ويكون ارتدادي قويًا مثل رصاصة
في سلاح مغلق.
- 6 -
كأنني أستطيع تقبيل يديكِ
كأنني فعلتُ...
هل في فمي دم مستساغ،
أم هو عقلي يبرر الأفكار بألوانها؟
حاولتُ مسحكِ من جلدي وذاكرتي
بيد ظننتها بيضاء ثلجية
فرفضتِ كل شيء فيَّ،
أنت التي تبدين راكعة تحت رصاصة أو مئذنة.
- 7 -
فكَّر بالحياة
في اللحظات المتبقية من عمره.
لم نسمع الكلمات، فقط هسيس هادئ
لذاكرة تغيب
وكانت هناك غيمة تتبعثر فوقه
لا يراها بل يحدق في الله ويتخيله فاتحًا ذراعيه مثل أم ضاحكة.
*** *** ***