الـشـاعـر٭

بن لوري٭٭

 

يجلس رجل وينهي كتابة قصيدة. يعرف أنها ليست قصيدة عظيمة ولكنه مع ذلك كتبها. هكذا تجعله القصيدة يشعر بالفخر. وحيثما يحل يرددها في ذهنه.

وفي يوم ما تخطر بباله فكرة عظيمة.

سأبعث قصيدتي للنشر، يقول.

يذهب ويشتري ظرفًا ويرسل قصيدته في الحين.

أسابيع عديدة فيما بعد تعود القصيدة.

لقد رُفضت.

يحزن الرجل.

أنا أعرف أن القصيدة لم تكن عظيمة، يقول لنفسه. غير أنه على الرغم من كونها كذلك فقد ظننت أنها قصيدة جيدة.

من تراهم يكونون ليميزوا ما بين قصيدة جيدة وأخرى رديئة؟ يتساءل. من المحتمل جدًا أنهم لم يكتبوا أبدًا قصيدة في حياتهم.

هكذا يقرر الرجل أن يعيد إرسال قصيدته. يرسل القصيدة مرات ومرات عديدة وفي كل مرة تعود مرفوضة.

إن هذا غير معقول، يظن الرجل. هذا العالم فقد صوابه. ما خطب هؤلاء الناس؟

ويقرر الرجل أن ينشر قصيدته على نفقته. يأخذها إلى مطبعة توجد في إحدى زوايا المدينة ويطبع أربعة عشر آلاف نسخة. ثم يجول في المدينة، يوزعها على الناس. يضعها في ظرف ويدسها تحت الأبواب. يضعها في أظرفة خاصة بالطائرات ثم يرميها من العمارات. يقوم بالأمر لأيام وأيام وأيام إلى أن تنفد كل نسخه. ثم يذهب إلى المنزل ويستلقي على الأريكة.

لقد قمت بكل شيء يمكنني القيام به. ثم يشعل التلفاز.

في التلفاز ثمة أخبار كثيرة عن الرجل. أو بالأحرى عن قصيدته. كل الناس يتحدثون عنها. كل واحد. كل واحد. يُستجوب الناس في الطريق.

أظن أنها قصيدة جيدة، يقول رجل. أظن أنها جيدة.

ليست هذه القصيدة أفضل ما قرأت، يقول آخر، ولكنها قصيدة بالمجان. وهذا جيد بالنسبة لي.

لم تعجبني القصيدة، يقول ثالث. ولكن، مرة أخرى، أنا لا أحب في الحقيقة الشعر.

يا للقرف! يقول الرجل ويطفئ التلفاز.

وفي تلك اللحظة بالضبط يُطرق الباب.

يقف الرجل. يذهب ويفتحه. في الخارج تقف سيدة جميلة جدًا.

هل أنت هو الرجل الذي كتب تلك القصيدة؟ تقول له المرأة.

نعم. إنه أنا، يقول الرجل. من أنت؟

أنا كاتبة من مجلة مشهورة، تقول المرأة.

أود أن أستجوبك عن حياتك وقصيدتك. هل هذا ممكن؟

يستغرق الاستجواب فترة من الوقت. يتحدث الرجل عن طفولته ورؤاه للحياة ويتكلم بشكل مطول عن مهنته ومقدار كرهه لها.

وماذا بعد ذلك؟ تقول السيدة حين أنهى الرجل حديثه.

بعد ذلك؟ يقول الرجل. ماذا تعنين؟

التالي، تقول السيدة. التالي هو ما أعني. أنت تعرف، ماذا ستكتب تاليًا؟

يقطب الرجل جبينه، لم يفكر في هذا. لم يفكر في كتابة شيء آخر.

لا أعرف، يقول الرجل. لم أفكر في ذلك بعد.

طيب، تقول السيدة. ثمة شيء واحد مؤكد: لن تضطر للطبع على نفقتك مرة أخرى.

وحين تغادر السيدة يجلس الرجل لبرهة، مفكرًا في الأمر. ثم يخرج ورقة ويبري قلمه الرصاص. يجلس ويحاول أن يكتب، يحاول ويحاول ويحاول.

ولكن كل شيء يكتبه يكون عن السيدة الصحفية.

أود أن أخرج معك، تقول السيدة عندما يتصل بها.

لا بأس في ذلك، يقول.

يخرج الرجل والسيدة تلك الليلة. تحكي السيدة للرجل عن طفولتها ورؤاها للحياة وبشكل مطول عن مهنتها ومقدار حبها لها.

هل قررت ماذا ستكتب تاليًا؟ تقول السيدة عندما يبلغان نهاية الليلة.

حسن، يقول الرجل. بصدق أنا لا أفكر في الكتابة مطلقًا.

يقضي الرجل والسيدة كثيرًا من الوقت سويًا. ويطلب يدها وتوافق على ذلك. يقيمان حفل زواج جميل ويقتنيان منزلاً صغيرًا ويستقران في الضواحي وينجبان أطفالاً.

أربعة عشر سنة فيما بعد يكتب الرجل قصيدة. يكتبها في غرفة الجلوس عندما يكون الأطفال في المدرسة. وحين ينتهي من كتابتها يقرأها.

هذه أفضل! يقول.

يبتسم ويغلق على القصيدة في الجارور.

ترجمة: ادريس خالي

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ القصة مترجمة من: Stories for Nighttime And Some for The Day، ص ص: 113-117.

٭٭ بن لوري Ben Loory قاص أمريكي من مواليد سبعينيات القرن الماضي. يعيش في لوس أنجلس. يعتبر واحدًا من بين كتاب القصة الجدد المتميزين. نُشرت قصته TV في مجلة النيويوركر الشهيرة. صنف موقع مجلة The Nervous Breakdown  الإلكنروني كتابه Stories for Nighttime And Some for The Day الصادر عن دار النشر Penguin العريقة كأفضل كتاب لسنة 2011.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود