|
قطوف من شجرة الحياة 17
من الأمور البديهية في الحياة القول بأن الرفض لمجرَّد الرفض تصرُّف غير موضوعي، كذلك القول بأن القبول لمجرَّد القبول تصرف غير موضوعي. الرفض لمجرد الرفض، كذلك القبول لمجرَّد القبول، يجب أن يكون مسندهما الموقف المبني على معايرة الواقع بشفافية مطلقة، لأن الخروج من إطار هذه المعادلة لا بدَّ أن يسيء، مع مرور الوقت، إلى مبدأي الرفض والقبول معًا. إن مجرَّد السعي لتحقيق ما ينضوي تحت عنوان الغريزة العمياء لن تعرف له بداية ولا نهاية. من هنا غالبًا ما تنحرف الرغبات عن مجراها ويكون سقوط أصحابها على درب التجربة. *** يخطئ التقدير من يعتقد أن مرضًا ساريًا إذا ما اجتاح مجتمعًا من المجتمعات، على غرار الأمراض السارية التي عرفتها منطقتنا ومناطق أخرى مجاورة لها في أوائل القرن الفائت [كوليرا، تيفوئيد، السل،... إلخ]، يخطئ من يعتقد أنه لن تكون له امتداداته وصولاً إلى الأماكن الأكثر بعدًا عن مكان بدء سريانه. إن وعي هذه المعادلة لا بدَّ أن يجنِّب الإنسان، أينما كان وفي أي زمان كان، لا بدَّ أن يجنِّبه مخاطر الوقوع في شباك داء "الشائعات السارية" إن صح التعبير، وخصوصًا حين يكون غرض مطلقيها هزم خصوصهم نفسيًا أولاً في هذا البلد أو ذاك. *** لا توجد في الحياة أية عقبة لا تستطيع إرادة الرجال قهرها. هذه القاعدة أثبتت ذاتها على مدى الأزمنة كافة ولم تفشل يومًا. وحتى تحقق هذه القاعدة حضورها على أرض الواقع لا بدَّ أن تتوافر لدى المؤمنين بها الإرادة الكافية ليكون لها حضورها المؤثِّر والملموس. وفي سجل التاريخ البشري العديد من الأمثلة على صحة هذه القاعدة، وذلك بغض النظر عما يسمى اليوم بالإمكانيات المادية أو المعنوية. إرادة الرجال تصنع المستحيل وتتخطى كل العقبات التي تعرقل مسيرتهم للحيلولة دون وصولهم إلى أهدافهم. *** إن الفرد في مجتمعه، من حيث المبدأ وقبل أي شيء آخر، هو طاقة معنوية قبل أن تكون مادية لا تقدر بثمن. من هنا يعتبره علماء النفس الاجتماعي العامل الحاسم في المعارك التي تخوضها الشعوب لانتزاع حقوقها في الحياة لتعيش بحرية وبكرامة. هذه الطاقة إذا ما جرى تحصينها جيدًا، فإنها لن تفقد ألقها يومًا بل إنها ستزداد تألقًا مع مرور الزمن، وخصوصًا في ساعات حسم الموقف الذي يتطلب مواجهة الصعاب التي تقف عائقًا أمام سعي هذا المجتمع أو ذاك طلبًا لحرية وكرامة أبنائه. *** في اعتقادي، كما أقدِّر، أن رسالة الحياة هي، في اختصار، تحقيق الذات. ومع هذا فإن أحدنا لا يمكن أن يحيا بذاته وإنما مع الآخرين، سواء من كان منهم على قيد الحياة أو لم يكن. وكذلك ستكون رسالة الحياة بالنسبة للذين سيأتون من بعدنا. من هنا يتساءل أحدنا: ترانا نستطيع ممارسة الحياة – إن صح التعبير – من دون أن يكون لنا ماض أو حاضر أو مستقبل؟ المغرورون بأنفسهم فقط يعتقدون بأن الحياة خلقت لهم، ولهم فقط، وغالبًا ما ينزلقون إلى هاوية الادعاء بأنهم فوق الجميع ولا أحد يستحق الوصول إلى مستواهم. أسماء الكبار في تاريخ البشرية أصدق برهان على أن من غادر منهم دنياه لا يزال يحيا في ذاكراتنا إلى اليوم وكذلك سيبقى من سيأتي من بعدنا في المستقبل. *** يعتقد البعض من الناس أن المرونة في أسلوب تعاملهم مع الآخر دليل ضعف هذا الآخر أو فقدان ثقته بنفسه، ومن هذا المنطلق يحاول هذا البعض من الناس استثمار تبعات هذا الاعتقاد في العلاقات الإنسانية–الإنسانية لجهة تحقيق مكسب أو مصلحة شخصية على حساب هذا الآخر أو ذاك، وبمعنى ما يحاول هذا البعض أن يسجل موقفًا بغية المتاجرة به في وقت لاحق أو في مكان معين. وهذا ما يتضح بين الحين والحين في سلوك البعض من هؤلاء الناس، وخصوصًا حين تتبدل ظروف حياتهم فيسارعون إلى اتخاذ موقف جديد خلاف مواقفهم السابقة. ويحدث ذلك أيضًا بدافع قناعتهم بأن المرونة كأسلوب في التعامل مع الآخر دليل ضعف هذا الآخر أو فقدانه الثقة بنفسه وبالتالي يجري استثمار هذه النقطة لتحقيق مأرب كان مخبأ لديهم من قبل. *** يحاول البعض من سياسيي عصرنا الحالي أن يقنعوا الشعوب المنتمية إلى ما يسمَّى بدول العالم الثالث، يحاولون إقناعها بأن القوة تكمن فقط لدى من يمتلك السلاح. ويتناسى هؤلاء أن القوة الحقيقية تكمن في الإنسان ذاته لأنه هو الذي ينتصر أو يهزم بغض النظر عن نوع السلاح الذي يمتلكه. وفي تاريخ البشرية أمثلة لا تحصى عن غلبة الإنسان في صراعه مع القوى التي تحاول قهره حتى باستخدامها أشدَّ الأسلحة قدرة على التدمير فكان انتصاره بقدرته على امتلاك المعرفة، وبذلك استطاع أن يحصِّن، بما اختزنه من مخزونها، حضوره دفاعًا عن ماضيه الحضاري ويومه ومستقبله الآتي لا عن شهواته وغرائزه الدنيا. *** من الأمور البديهية في الحياة أن يتوقع أحدنا ردًا طيبًا على التحية الطيبة التي توجَّه إليه من قبل طرف آخر. هذا من حيث المبدأ، أي عندما لا تكون ثمة مصلحة أو غاية شخصية مرتبطة بمكان أو بمناسبة إلقاء مثل هذه التحية. ومن الأمور البديهية أيضًا، مقابل ذلك، أن نرى بيننا أناسًا يتنكرون لتداعيات التحية الطيبة حين تكون عقولهم مغلقة على ذاتها، ولذلك يردون على التحية الطيبة شكلاً بيد وبيد أخرى يمسكون أحيانًا بخنجر. وفي تاريخ البشرية العديد من الوقائع الموثقة التي تحدثنا عن عادات الغدر في سياق العلاقات الإنسانية–الإنسانية، وقد لا نجد لها تفسيرًا مهمًا إلا إذا عدنا إلى كتب المعرفة. *** *** *** |
|
|