|
قصص قصيرة جدًا - 3
منفاخ العلوم لما كنتُ قليل الاستطراد والاسترسال، عاجزًا عن ملء كل الثقوب وسلك مختلف الدروب وتسويد البياض، خمَّنتُ أن العلة كامنة في عدم توفري على مفتاح العلوم، فقصدت أحد المتمرسين في ملء هذه الثقوب والجيوب كي يعيرني مفتاحه. وما عرضتُ عليه حاجتي حتى استلقى على قفاه من شدة الضحك وقال: - شاخ المفتاح شاخ، أعز ما يُطلب في وقتنا وأكثر ما يُكتب مستقى من منفاخ العلوم. * * * نكايةً بحكاية ما مغرمٌ بحكاية "دارة جلجل". مغرمٌ بالجارة بلبل. تفنَّنَ في حيَّاكة الحكاية لها. تواعدا على اللقاء عند شطِّ حارة الفلفل. هناك ألفى البلابل بعدد النمل والرمل. طوَّقنه، جرَّدنه...، قبع وتقوقع متدثرًا باليم. لا نأمة في البحر، لا ناقة للنحر. بكى... نكى بالحكاية التي كانت ذات قروح وجروح. * * * جاذبية بديهي أن الأشياء تسقط من الأعلى نحو الأسفل، لكنني سقطت من الأسفل نحو الأعلى. لا يهمني خُرْقَ نيوتن وتفاحته المتواطئة، ولا الحَذْلقات السكولارية. أحاول أن أُلمْلِم الأشياء: مقصورة قطار، سرير ذو طابقين، فحيح أنثى. سقطتُ من مضجعٍ سفليٍّ نحو آخر علوي، ولم يَسْرِ علينا قانون الجاذبية إلا عندما انصهرنا معًا فكان السقوط هذه المرة مدويًا، مدويًا كجلمود صخر... * * * الحية الميتة حية رقطاء ممددة في الطريق. ألجمه الخوف، حلَّقتْ عيناه في كل اتجاه. تلقَّف صخرة، صوبها تجاه الأفعى، أخطأها... اتبعها بثانية وأخطأها كَرَّةً أخرى. قالت العجوز وهي تنشطر شظايا من شدة ضحكها: - ضاعت البلاد... إنها ميتة. - حسبتها حية تسعى. - لو كانت كذلك ما أمهلتك - مصيبةٌ في رأيك. قالت وهي تطوِّح بها: - المصيبة هو أنت. * * * حملة تمشيط الحاكم قادم، الحاكم ناقم. سيارات الشرطة تمشط الطرقات، تتلقف مجانين ومشردي المدينة. التقى المجنون بالمجنون: - إنهم يتعقبونهم. - من؟ - أمثالنا... علينا بالهروب. نظر كل واحد تجاه الآخر، وكأنهما يكتشفان أسمالهما التي تبرق بالسواد وتشي بحالهما. دون نذير، أياد كأنها كماشات تزج بهما داخل الفركونيت العاجة بالرؤوس. صرخ الأول: ما أنا منهم، أنا ميكانيكي السيارات. تبعه الثاني بهستيريا: ولا أنا كذلك، ما أنا إلا بائع فحم. * * * عصا ومآرب عصاه لا يتكئ عليها. لا يهش بها على غنمه. يعوج بها على مشارق ومغارب أخرى. مخترقًا الحوش في جوف الظلام، يلملمه السعال. يطرق باب بيته، يتواتر الطرق كأنه البرق. تتناهى إليه صدى خطوات مهرولة منفلتة من بعيد. مزلاج، صرير، بقايا أنثى. يهوي بعصاه على محياها مزمجرًا: - ماذا لو كنت مطاردًا، ملاحقًا... ألا من مغيث؟! * * * شفيرة تفيد المرتشي عمَّرتُ طويلاً عند عتبات المكاتب حتى عِيل صبري دون أن أظفر بمآربي. ولما جعجعني القهر، انضممتُ إلى موجة الصارخين في البلد منددًا متوعدًا. ألفيتُني وجهًا لوجه أمام السيد "دائم المرتشي" متزعمًا موكبًا من ضِجاج المواكب، ولما عرف بغيتي التي هي سبب بحَّتي انتبذ بي جانبًا، ودس في عبي شفيرة مفتولة كضفيرة موجهة لمن يهمه الأمر: "مبضع الصَّد لا يزيحه إلا سخاء المدّ". *** *** ***
|
|
|