|
الروائي الأميركي الكبير مارك تواين أوصى بنشرها بعد قرن كامل من وفاته
مئة عام من العزلة القاسية المتعمَّدة بدت كافية لحجب مذكرات الكاتب الأميركي الكبير، مارك تواين، عن العالم. كان ذلك بقرار شخصي منه أوصى فيه بألا تُنشر سيرته الذاتية إلا بعد قرن كامل من وفاته. وهكذا كان. وتنفيذًا لهذه الرغبة التي قبعت في الأدراج عقودًا عشرة من دون أن تفقد شيئًا من توهجها، آلت "مطبوعات جامعة كاليفورنيا" في الولايات المتحدة على نفسها أن تخرج هذه المذكرات من الظلال القاتمة إلى الضوء الساطع في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وتشتمل على أجزاء ثلاثة تصدر تباعًا في تواريخ متباعدة. وكانت مقتطفات متفرقة من هذه السيرة الذاتية قد أفرج عنها في الأعوام 1924، 1940 و1959. وما زاد في الطين بلة، أنها أبصرت النور على نحو يسيء إلى هذا الروائي الكبير، إذ اقتطع منها ما اعتبر في تلك الأثناء أنه لا يليق بسمعة الولايات المتحدة. من بين ما تجرأ مقص "الرقيب" على حذفه موقف مارك تواين مما يسميه الامبريالية الأميركية الجائرة وتدخلها العسكري المروِّع في كوبا والفيليبين، والسجل المشبوه للجنرال الأميركي ليونارد وود الذي عُيِّن حاكمًا عامًا على هافانا أثناء حياة الكاتب، ولحسن حظ المذكرات، فقد ازدادت غموضًا بنشر هذه المقتطفات التي لم تنتقص شيئًا من قيمتها الفعلية. بدا مارك تواين (توفي في العام 1910) في مذكراته الشخصية ناقدًا موضوعيًا، إذا جاز التعبير، قادرًا بسهولة على التملص من بوتقة الذات الضيقة إلى محيطها الأوسع. غالبًا ما كان يتحرك، في سيرته الذاتية، في نطاق هذه المعادلة من دون حرج. بدت نزعته الإنسانية جزءًا لا يتجزأ من الكيفية التي كان يدير من خلالها الأحداث التي كوَّنت سيرته الذاتية. وقد حدت به هذه النزعة المتحررة من التقاليد السياسية الراسخة والمعتقدات المتوارثة والمسبقة على وصم الجنود الأميركيين، على سبيل المثال، بـ"القتلة الذين يتسترون ببزاتهم العسكرية". وقد حملته جرأته واستقامته السياسية والأخلاقية والفكرية على وصف إبادة "ستمئة من الهمجيين العزل والضعفاء" على أيدي العسكر الأميركي، بـ"الرحلة الطويلة والمرحة التي لا يقدم فيها هؤلاء الأخيرون على فعل أي شيء أبدًا ما عدا الاسترخاء والاستدفاء بالنار وتسطير الرسائل إلى الأهل والأقارب وتكديس نصر فوق الآخر". وفي السياق عينه، اعتبر أن الطغمة المالية التي تحكم سيطرتها على بورصة وول ستريت في نيويورك، قد دمرت الطيبة المتأصلة في الأميركيين، وأحلت مكانها الجشع والأنانية. ما أشبه اليوم بالأمس. بدا تواين في سيرته الذاتية روائيًا كذلك، بالدرجة الأولى، ومعنيًا، على نحو لا يقبل الشك، بكل من الشخصيات التي أثارها في مذكراته وكأنه يتحدث عن نفسه. لا يفرط بأي منها أبدًا. يعطيها حقها في التعبير عن أحوالها وظروفها وقلقها وهواجسها. والأرجح أن كلاً من الوجوه التي يستدرجها هو مارك تواين الآخر الذي يسعى إلى تحريرها من اختناقاتها الثقيلة، بالرؤيا والكلمات والأدوار التي يخترعها لها. ومع ذلك، يصعب تجنُّب اغراءات السؤال عن الأسباب التي حملت الروائي الكبير على أن يشترط في وصيته تأجيل نشر مذكراته قرنًا من الزمن بالتمام والكمال. لا إجابة محتملة أو قاطعة عن هذا السؤال الغامض. قد يرى البعض أن في هذا الأمر ضربًا من الذكاء الخارق، بحيث أن مماطلة طويلة الأمد كهذه من شأنها أن تطيل عمره ردحًا إضافيًا من عمر الزمن. أو أن من شأنها أن تضعه من جديد رقمًا صعبًا في معادلة الكتابة المعاصرة والحديثة. توقعات فقط لا طائل منها، كما لا طائل أبدًا من هذا التساؤل الذي يبدو مبتذلاً أو سخيفًا أو عقيمًا إذا ما أريد الاستدلال به على شخصية مارك تواين. المهم، على الأغلب، أنه كان له ما أراد. نفذت وصيته بالحرف الواحد. وها هو يقوم من جديد، ليس من تحت الأنقاض، بل من قلب الحياة، بعمل ضخم قد يتجاوز سائر مؤلفاته أهمية وقدرة على الصمود الطويل. الآتي تعريب لمقتطفات متنوعة من السيرة الذاتية... ج. ت * حلقة 1 العام 1866 الأول من تشرين الأول/اكتوبر 1898. في تلك الأيام المبكرة، سبق لي ونشرت شيئًا صغيرًا (الضفدع الواثب 1866) في جريدة شرقية، غير أني لم أعتبر أن هذا أمر يُعتد به. في رأيي، إن شخصًا ينشر كتاباته في صحيفة فقط، لن يكون بمقدوره أن ينتزع اعترافًا بكونه كاتبًا أدبيًا. ينبغي له أن يتجاوز ذلك بأن يظهر في مجلة. عندئذ قد يصبح شخصًا أدبيًا. وقد يصبح أيضًا مشهورًا فورًا. كان هذان الطموحان يرخيان بثقلهما عليَّ. كان ذلك في العام 1866. أعددت مساهمتي، ثم نظرت من حولي إلى أفضل مجلة تتيح لي تسلق سلم المجد. وقع اختياري على "هاربر" وهي مجلة شهرية. قُبلت مساهمتي. وذيلتها بتوقيع (مارك تواين)، نظرًا إلى أن هذا الاسم يلقى رواجًا ملحوظًا في الساحل الباسيفيكي. إضافة إلى أن هذه كانت فكرتي لأحقق انتشارًا على مستوى العالم، الآن، بقفزة واحدة، ظهر المقال في عدد كانون الأول/ديسمبر، وقبعت انتظر شهرًا مترقبًا عدد كانون الثاني/يناير، بسبب أن هذه النسخة ستشتمل على القائمة السنوية بأسماء المساهمين، ومن بينهم اسمي، وسأصبح مشهورًا وأحظى بما كنت أتطلع إليه. لم يحصل ذلك. ذلك أنني لم أكتب اسم (مارك تواين) بوضوح. بدا اسمًا حديثًا بالنسبة إلى ناشري مجلة "هاربر"، وقد استبدلوه باسم آخر هو (مايك سواين، أو ماك سواين)، لم أعد أتذكر أيهما. وفي أي حال، لم أنل الشهرة التي كنت أتوقعها. كنت شخصًا أدبيًا، ولكن لا يعدو كونه مدفونًا، دُفن حيًا. كانت مقالتي تتناول الحريق الذي طاول السفينة الشراعية (هورنت) وهي تبحر في خطها المعتاد في الثالث من أيار/مايو 1866. كان على متنها، في تلك الحادثة، واحد وثلاثون رجلاً، كنت في هونولولو عندما وصل الناجون الخمسة عشر وقد بدا عليهم وكأنهم أشباح بعد رحلة استغرت ثلاثة وأربعين يومًا في مركب مكشوف وهم يكابدون لهب المناخ الاستوائي وليس في حوزتهم من المؤن إلا ما يكفي عشرة أيام. رحلة استثنائية للغاية، قادها قبطان بدا رجلاً استثنائيًا أيضًا، وإلا لما كان هناك ناجون. كنت في الجزر بغية كتابة رسائل إلى الطبعة الأسبوعية لصحيفة "يونيون" الصادرة في مدينة سكرامنتو، لم تكن هذه الجريدة تحتاج إلى أي من رسائلي على الإطلاق، ومع ذلك كان بمقدورها أن تنفق عشرين دولارًا في الأسبوع من دون مقابل. كان مالكو الصحيفة أشخاصًا محببين ومحبوبين، توفوا منذ زمن طويل. ولا يزال شخص واحد من بينهم، على الأقل، يشدُّهم إليَّ على نحو من الذكرى المشوبة بالعرفان بالجميل. ذلك أنني أردت بشغف أن أزور الجزر، وقد أصغوا إليَّ، ومنحوني تلك الفرصة في وقت كان ثمة احتمال ضئيل بإمكان الإفادة مني بحال من الأحوال. مضى على وجودي في الجزر أشهر عدة عندما وصل الناجون. كنت في تلك الأثناء مستلقيًا في غرفتي عاجزًا عن المشي. وقد لاحت مناسبة عظيمة لأقدم خدمة لصحيفتي في وقت لم أكن قادرًا على اغتنامها. تملكني إحساس بالقلق العميق. ولكن لحسن الحظ كان سعادة انسون بيرلينغايم هناك في تلك الأثناء، وهو في طريقه ليتسلم منصبه في الصين حيث تمكن من إنجاز خدمات هامة للولايات المتحدة. جاء ووضعني على نقالة وتدبَّر أمر وصولي إلى المستشفى حيث كان الناجون يتلقون العلاج، ولم أكن أحتاج إلى أن أسأل سؤالاً واحدًا. قام بنفسه بكل ما يلزم على هذا الصعيد، بينما لم يتوجب عليَّ إلا أن أدوِّن الملاحظات. كان من أولئك الناس الذين يتلقون بصدورهم الأزمات، كان رجلاً عظيمًا وأميركيًا عظيمًا. كان في طبيعته الطيبة أن يخرج من إطار منصبه الرفيع وأن يبدي هذه الالتفاتة الودودة كلما أمكن له ذلك. عندما عدت إلى كاليفورنيا بعد ذلك بوقت قصير، قصدت الصحيفة في سكرامنتو وقدمت كشفًا بالحساب حول الخدمات الخاصة المتعلقة بالسفينة (هورنت)، المتمثلة بكتابة ثلاثة أعمدة تتضمن مادة حقيقية لا نظير لها لقاء مئة دولار للعمود الواحد. لم ينخطف لون أمين الصندوق. بعث في طلب أصحاب الجريدة الذين حضروا ولم يعبِّروا عن اعتراضهم. ضحكوا فقط بأسلوبهم المحبب وقالوا إن في الأمر سرقة، ولكن لا بأس في ذلك، كان سبقًا صحافيًا كبيرًا (لست أدري ما إذا كان المقصود بذلك مقالتي أو الفاتورة التي قدمتها)، حسنًا، ادفعوا له مستحقاته. كانوا من أفضل الرجال الذين تملكوا صحيفة. جزر ساندويتش وصل الناجون من السفينة "هورنت" إلى جزر ساندويتش في الخامس عشر من حزيران/يونيو. بدوا، للنحول الذي أصابهم، هياكل عظمية. كانت ثيابهم تتدلى من حولهم كما يتدلى العلم من على ساريته في السكينة. ومع ذلك، فقد تلقوا عناية جيدة في المستشفى. وواظب أهالي هونولولو على تزويدهم بما لذ وطاب مما يحتاجون إليه. واستعادوا عافيتهم بسرعة وكأن شيئًا لم يحصل لهم. وخلال أسبوعين استقل معظمهم السفينة نحو سان فرنسيسكو. غادرت في السفينة عينها، وهي مركب شراعي. كان في عداد الركاب قبطان السفينة "هورنت"، ميتشل، إضافة إلى سيدين شابين من ستامفورد كونكتيكت، هما: الأخوان صاموئيل فيرغسون في الثامنة والعشرين من العمر، متخرج من كلية "ترينيتي" في مدينة هارتفورد، وهنري فيرغسون في الثامنة عشرة، تلميذ في الكلية نفسها، وقد أصبح اليوم أستاذًا فيها، وهو الموقع الذي شغله سنوات عدة. وقد بلغ هذا العام، 1898، الخمسين من عمره. كانت "هورنت" سفينة شراعية سريعة من الطراز الأول. بدت غرفتا الشابين في السفينة وسيعتين ومكدستين بالكتب، وأيضًا بمعلبات اللحم والفاكهة لمساعدة المسافرين. وعندما غادرت السفينة مرفأ نيويورك في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير، كان ثمة وعد بأن تبذل مجهودًا سريعًا ومرضيًا للمسافرين طوال الأربعة عشر أو الخمسة عشر ألف ميل التي ستجتازها. وما إن خرجت السفينة من المناطق الباردة ودخلت في مجال المناخ الصيفي، حتى تحولت الرحلة نزهة لتمضية العطلة. أبحرت السفينة في اتجاه الجنوب تحت سحابة من الأشرعة التي لا تسترعي الانتباه. ولم يطرأ أي تغيير من أي نوع كان خلال الأيام اللاحقة. كان الشابان يمضيان الوقت بالقراءة، يتجولان على ظهر المركب، يسترخيان ويتكاسلان في ظلال الأشرعة، ويتناولان طعامهما مع القبطان. وعندما ينقضي النهار يلعبان الورق معه حتى حلول وقت النوم، وبعدما تبددت عواصف الثلج والجليد، امخرت السفينة شمالاً نحو مناخ صيفي من جديد، وتحولت الرحلة نزهة مرة أخرى. حتى الصباح الباكر من الثالث من أيار/مايو، لم يكن ثمة أثر للريح، والبحر هادئ وكأن لا بحر، والسكينة سائدة كصمت الموت، وحرارة الجو استوائية مشتعلة، لا يمكن لأحد أن يتصورها ممن لم يكتو بنارها. كان هناك صرخة للحريق. وحدث أن أحد القباطنة المشكوك في نزاهتهم تمرد على الأنظمة ودخل، بنار مكشوفة، حجرة في أسفل السفينة ليأخذ قليلاً من الفرنيش من برميل خشبي، أسفر ذلك عن النتيجة المتوخاة وأصبحت ساعات السفينة معدودة. لم يكن ثمة وقت كثير لإضاعته، ولكن القبطان استثمر الجزء الأكبر منه. فقد جُهزت القوارب الثلاثة التي كانت على متن السفينة، أحدهما ذو شكل طويل والآخران أقصر طولاً. كان الوقت يمضي بسرعة. وكان هرج ومرج ناتجان عن ثقب طرأ على أحد القوارب بسبب اصطدام على الأرجح أثناء انزالها إلى الماء، إضافة إلى أن مجذافًا قد اخترق جانبًا من قارب آخر. كان من أولويات القبطان إحضار أربعة بحارة مرضى ووضعهم على ظهر السفينة بعيدًا عن أي خطر محدق، من بينهم بحار برتغالي. انتشر الحريق في السفينة بسرعة قياسية. كانت ألسنة اللهب والدخان تدفعان الرجال إلى الخلف، بينما كانوا منشغلين في الإحجام عن نقل المؤن إلى القوارب والاكتفاء بدلاً من ذلك بما يكفي لعشرة أيام فقط. كان كل قارب مزوَّدًا ببوصلة، وربعية (أداة تستخدم في الملاحة) وروزنامة للملاحة، واحتوى قارب القبطان على أداة لقياس الزمن. كان على متن السفينة واحد وثلاثون رجلاً. وقد أعد القبطان جردة بالمحتويات على النحو الآتي: أربع قطع من لحم الفخذ، 15 كيلو من الملح، نصف صندوق من الزبيب، 50 كيلو من الخبز، 12 كيلو من معلبات الصدف، بطلينوس، أصناف متعددة من اللحوم، برميل يحتوي على كيلوين اثنين من الزبدة، 12 غالونًا من الماء، علب كبريت، غلايين، خمسون كيلو من التبغ، لا أدوية بين هذه المحتويات. ابتعدت القوارب الثلاثة ثم استقرت على مسافة قريبة وتوقفت. كان ثمة رجلان ينزفان بغزارة. بعض الرجال كان منشغلاً بإفراغ القوارب من الماء، وبعضهم الآخر كان منهمكًا بسد الثقوب بالقدر المستطاع. استقل القبطان والراكبان الجريحان وأحد عشر آخرون القارب الطويل وفي حوزتهم بعض المؤن والماء وصعد على أحد القاربين الأصغر مساعد القبطان وثمانية رجال، واستقل سبعة آخرون القارب الآخر. لم يتمكن المسافرون من الحصول على شيء من ثيابهم باستثناء ما كانوا يرتدونه. بدت السفينة وهي مجللة باللهب يتصاعد منها عمود ضخم من الدخان الأسود، وكأنها صورة مهيبة في عزلة البحر. وساعة بعد ساعة جلس الركاب كالمنبوذين يرقبون السفينة من بعيد. في هذه الأثناء كان القبطان يحسب المسافة الممتدة بينه وبين أقرب أرض متوافرة، ثم راح يقسِّم المؤن لمواجهة حالات الطوارئ: نصف قطعة من البسكويت للفطور، قطعة من البسكويت وبعض اللحم المعلب للعشاء، نصف قطعة من البسكويت مع الشاي، جرعات قليلة من الماء مع كل وجبة. وهكذا راح الجوع يعض والسفينة لا تزال تحترق. في الرابع من أيار/مايو، كانت السفينة تحترق طوال الليل تحت بريق ألسنة اللهب. وكانت الآمال معلقة على أن تلحظ سفن أخرى الضوء المنبعث من الحريق فتهب للنجدة. لم يحدث شيء من هذا القبيل قبل ظهر هذا اليوم، وهكذا عقدنا العزم على أن نتوجه معًا إلى بعض الجزر الواقعة شمالاً وقليلاً إلى الغرب، مؤملين، في هذه الأثناء أن تنقذنا سفن مارة من هناك. في الخامسة صباحًا غرقت السفينة فجأة. كانت الشمس ترسل لهيبها، وقد حاول الجميع أن يتحاشاها قدر الإمكان. * حلقة 2 في أوروبا عندما أصبحت مفلسًا نتيجة لجهل تشارلز ل. وبستر وسوء إدارته، في أعقاب سرقة تقدَّر قيمتها بمئة وسبعين ألف دولار قام بها جايمس و. بايج، خلال السنوات السبع الماضية، ذهبنا إلى أوروبا من أجل أن نتمكن من العيش بما تبقى من دخولنا وكان ضئيلاً بما فيه الكفاية. وخلال السنوات العشر أو الاثنتي عشرة اللاحقة، لم يكن المدخول ليتجاوز في الغالب اثني عشر ألف دولار في السنة. وأظن أنه لم يصل في أي وقت من الأوقات إلى عشرين ألف دولار في السنة. وأنا على ثقة بأنه لم يتجاوز عتبة اثني عشر ألف دولار إلا قبل سنتين من عودتنا من أوروبا، في تشرين الأول/اكتوبر من العام 1900. ولكنه تحسَّن بعد ذلك بشكل ملحوظ، ولكن كان الأوان قد فات ليتحول هذا التحسن أمرًا ذا فائدة كبيرة للسيدة كليمنز. فقد اعتادت أن تتكبد الظروف الاقتصادية لتلك السنوات المتمادية من دون أن تتفوه بكلمة. والآن عندما أصبحت الثروة في متناول أيدينا كان الوقت قد تأخر. ابتليتْ بداء سقيم وتوفيت بعد اثنين وعشرين شهرًا من المعاناة، في فلورنسا ايطاليا في الخامس من حزيران/يونيو من العام 1904. كما ذكرت آنفًا، كانت عائلة كليمنز مفلسة. جاء اوريون لإنقاذها. ولكنني على خطأ. لم يحضر اوريون إلى هانيبال إلا بعد سنتين أو ثلاث من وفاة والدي. ظل يمكث في سانيت لويس. في تلك الأثناء، كان اوريون ناشرًا رحالاً يتقاضى رواتبه. دأب على مساعدة أمي وأخي هنري من مدخوله الخاص. كان أخي هنري يصغرني بعامين، وقد ساهمت شقيقتي باميلا في توفير هذه المساعدة من خلال تعليم تلامذة العزف على آلة البيانو. هكذا تدبرنا أمورنا ولكن في ظروف صعبة للغاية وغير مؤاتية. لم أكن أنا جزءًا من هذا العبء لأنني كنت انتزعت من المدرسة على الفور بعد وفاة والدي، ووضعت في مكتب هانيبال كمتدرب في مجال الطباعة، وسمح لي السيد ايمنت ناشر صحيفة (كورير) ومالكها، أن أحصل على التعويض الاعتيادي الذي يتقاضاه متدرب مثلي، كمثل الطعام والثياب، من دون أن أتقاضى أجرًا ماليًا. كانت الثياب تتكون من بزتين سنويًا، أحداهما لم تكن متوافرة، ولم يتم شراء الثانية طالما أن الثياب القديمة للسيد ايمنت ظلت قادرة على الصمود. كنت بنصف حجم ايمنت تقريبًا، وبالتالي، فإن قمصانه جعلتني أحسُّ بذلك الشعور المزعج بالعيش داخل خيمة في سيرك. وكان عليَّ أن أثني سراويله إلى أذني لتصبح قصيرة بما فيه الكفاية. كان هناك متدربان آخران. أحدهما يدعى وايلز ماكورميك في السابعة أو الثامنة عشرة وكان عملاقًا. عندما كان يضع نفسه في ثياب ايمنت، كان يعاني بشكل عام من حالة اختناق خصوصًا في أوقات الصيف. كان متهورًا، مرحًا، مخلوقًا رائعًا. لم يكن لديه مبادئ وكانت رفقته تبعث على السرور. في البدء كنا المتدربين الثلاثة، نتناول طعامنا في المطبخ مع الطاهية وهي رقيق سوداء وابنتها الشابة الخلاسية ذات الوسامة والذكاء والتهذيب. من أجل لهوه الذاتي، دأب وايلز على إقامة علاقة عاطفية بهذه الفتاة الخلاسية، على نحو دائم وثابت وعلني ومدروس، فنغص عليها حياتها وأدخل القلق الى قلب أمها حتى الموت. كانت تخاطبه قائلة: والآن يا مارس وايلز، مارس وايلز ألا تستطيع أن تكون مؤدبًا؟ ولكونه يتمتع بتلك الجرأة كان وايلز يقدم، بشكل طبيعي، على تحفيز ملاطفته والإصرار عليها. بدا هذا الأمر مضحكًا مبكيًا بالنسبة إلى كلينا رالف وأنا. والحق أقول، إن إحساس الأم العجوز بالألم من باب التظاهر فقط، كانت تدرك جيدًا أنه وفقًا لتقاليد المجتمعات التي يسود فيها الرق، كان يحق لوايلز أن يقيم علاقة مع تلك الفتاة إذا رغب هو في ذلك، ومع ذلك، كان الألم الذي يتآكل الفتاة حقيقيًا. كانت تتمتع بطبيعة مصقولة، كما كانت تتقبل علاقة وايلز المتهورة بها بامتعاض عميق. الزحف إلى القبو لم نكن نحظى إلا بتنوع قليل في الطعام الذي كان يقدم على طاولة المطبخ، ولم يكن ما يكفي منه في أي حال. لذا، كنا نحن المتدربين، نبقى على قيد الحياة بأساليب نبتكرها نحن. كنا مثلاً نزحف إلى القبو كل ليلة تقريبًا، من خلال ممر خاص اكتشفناه، لنسطو على البطاطا والبصل وأشياء مماثلة، ثم نحملها إلى مكتب الطباعة حيث كنا ننام على فرش من قش، وبعد ذلك نطهوها على الموقد ونستمتع بأوقات جيدة. كان لدى وايلز سر في طهو البطاطا، بدا رائعًا ومعتبرًا من مجهوده الخاص. ومنذ ذلك اليوم لم أر طريقة تطبخ بها البطاطا إلا مرة واحدة. كان ذلك عندما أمر امبراطور المانيا فيلهنم الثاني بمثولي على المائدة في مناسبة خاصة قبيل نهاية العام 1901. وعندما ظهرت تلك البطاطا على المائدة أخرجتني عن تحفظي وحملتني على ارتكاب خطأ لا يغتفر قبل أن أستعيد تحفظي من جديد. فقط حدث أنني استقبلت البطاطا بتعجب مرح متوجهًا بملاحظتي إلى الامبراطور الذي كان يجلس إلى جانبي من دون أن أنتظر إقدامه على تناول القطعة الأولى. وأعتقد أنه حاول بصدق أن يتظاهر بأنه لم يُصدم ولم يغضب. ولكنه بدا عليه ذلك بوضوح. كما بدا على وجوه نصف دزينة من النبلاء الذين كانوا يجلسون إلى المائدة. بدا عليهم الذهول جميعًا، ولم يكن بمقدور أحد أن يتفوه بكلمة لو أن الامبراطور حاول ذلك. خيم الصمت الثقيل ما يقرب من نصف دقيقة، وكان ممكنًا أن يدوم حتى اليوم بالطبع لو أن الامبراطور لم يكسره بنفسه، لأن لا أحد هناك كان مستعدًا للقيام بهذه المجازفة، كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف من مساء ذلك اليوم، ولم ينسحب الثلج كليًا من الجو إلا بحلول منتصف الليل عندما ذاب عن آخره أو تلاشى بفعل الفيضانات الكريمة للبيرة. كما ذكرت آنفًا، كانت الأوضاع الحالية للسيد ايمنت على شيء كثير من الكتمان والصلابة. بمرور الوقت، حصلنا، نحن المتدربين، على ترقيته، فانتقلنا من تحت الأرض إلى الطبقة الأرضية، كما سُمح لنا بالجلوس إلى مائدة العائلة وبحضور بيت ماكوري بدت الأوضاع المالية آيلة إلى الاستمرار. كانت السيدة ايمنت عروسًا، وقد أحرزت هذا الامتياز في وقت قريب جدًا بعدما انتظرت ردحًا طويلاً من الزمن من أجل ذلك. كانت المرأة المناسبة في المكان المناسب، ووفقًا للقول الأميركي المأثور، لم تكن تثق بحصولنا على وعاء السكر، بل كانت تحلِّي قهوتنا بنفسها. وفي حقيقة الأمر لم تفعل ذلك، كان يبدو أنها تضع ملعقة ملأى بالسكر الأسمر في كل من أكوابنا، ولكنها كانت تخدعنا وفقًا لوايلز. كان يقول إنها كانت تغمس الملعقة في القهوة أولاً ليلتصق بها السكر، وبعد ذلك تغرف السكر بأن تسقط الملعقة في الوعاء رأسًا على عقب فيبدو للعين أنها امتلأت بالسكر بينما لا تحتوي منه إلا طبقة رقيقة، بدا هذا الأمر حقيقيًا بالنسبة إلي، ومع ذلك كان صعبًا تصديقه إلى الحد الذي بدا فيه أنه لم يحصل البتة، كان إحدى كذبات وايلز. كنت ذكرت أن وايلز بدا طائشًا، وكان فعلاً كذلك. كان مرد ذلك الطيش إلى الروح الطيبة المنبعثة بشكل دائم كالفقاعة من مرح الشباب. وأعتقد أنه لم يكن بإمكان هذا الشاب أن يتدبَّر خمس دقائق يفكر فيها بنفسه. لم يكن بمقدور أحد أن يتوقع متى يتدفق، من بين خصائصه المشرقة، إحجامه الدائم عن قلة التوقير. بدا ذلك محببًا للغاية، لم يبد أنه كان لديه اهتمام بأمر جدي في حياته. لم يكن ثمة شيء يحمله على إظهار التوقير. 55 عامًا من الندم كان خلال سنتيه الأوليين من التدرب في مكتب "كورير"، أن أقدمت على عمل سعيت إلى إبداء الأسف عليه طيلة خمسة وخمسين عامًا. كان ذلك في يوم صيفي من بعد الظهر من تلك الأيام النموذجية بطقسها لفتى يبحث عن رحلة نهرية وحفلات سمر أخرى. غير أنني كنت أسيرًا. كان الآخرون قد ذهبوا لقضاء عطلاتهم. كنت وحيدًا وحزينًا. اقترفت جريمة من نوع ما، وكان هذا عقابي الذي تلقيته. كان ينبغي لي أن أخسر عطلتي وأن أمضي فترة بعد الظهر في العزلة. كان مكتب الطباعة متوافرًا لي بكامله، هناك في الطبقة الثالثة. كان لدي راحة واحدة تتميز بالكرم، هي عبارة عن نصف بطيخة حمراء طويلة وعريضة، طازجة وناضجة. قطعتها بسكين والتهمتها بكاملها حتى كاد عصيرها أن يخرج من أُذني. لم يبق منها إلا قشرتها، قشرتها الفارغة. كانت كبيرة على نحو يكفي ليصنع منها سريرًا هزازًا للأطفال. لم أرغب في التخلص منها، في الوقت الذي لم أكن قادرًا على التفكير بما أفعل بها لاستمتع بوقتي. كنت جالسًا إلى النافذة المفتوحة التي تشرف على جانب الطريق الرئيسي من تحت ثلاث طبقات عندما خطر لي أن اقذفها نحو رأس عابر سبيل من هناك. شككت في الغاية من ذلك وشعرت أيضًا بشيء من تأنيب الضمير، لأنني سأتحمل العاقبة الكبرى من هذا الفعل بينما يتحمل ذلك الشخص الجزء الأيسر من تلك العاقبة. ومع ذلك فكرت في أن اغتنم هذه الفرصة. أخذت أبحث عن الشخص المناسب، الشخص الآمن، غير أنه لم يظهر. وفي كل مرة كان يتراءى لي مرشح، رجلاً أو امرأة، تبيَّن أنه ليس الشخص الآمن، فأقدم على ضبط نفسي. وأخيرًا رأيت الشخص الملائم، كان شقيقي هنري. أفضل فتى في المنطقة كلها. لم يؤذ أحدًا يومًا، ولم يسئ إلى أحد أبدًا. كان طيبًا على نحو يثير الغضب. كانت الطيبة تتدفق منه، ولكن ليس إلى الحد الذي ينقذه هذه المرة. راقبت قدومه باهتمام بالغ. جاء متمهلاً وحلم الصيف الممتع يداعب خياله. لم يكن ليشك في شيء أبدًا. كانت العناية تحتضنه. ولو خطر على باله أنني كنت أرقبه لبدا أقل ثقة بتلك الخرافة. وبينما كان يقترب، كان شكله يبدو أقصر شيئًا فشيئًا. وعندما أصبح تحت نظري مباشرة، بدا قصيرًا جدًا بحيث لم يظهر منه، من موقعي المرتفع إلا طرف أنفه وقدماه المقربتان واحدة بعد الأخرى. بعد ذلك، وازنت البطيخة بين يدي، وحسبت المسافة ثم أطلقتها إلى الأسفل. كانت دقة الرماية تتجاوز الإعجاب. كان أمامه ست خطوات ليصبح تحت مرماي عندما ألقيت قشرة البطيخة التي تشبه زورقًا طويلاً ونحيفًا، وكان أمرًا محببًا وأن أرى الجسدين يقترب أحدهما من الآخر بالتدريج، ولو كان أمامه سبع خطوات أو خمس لتكللت رمايتي بالفشل. ولكن خطواته تمت بالعدد وتحطمت وتطايرت قشرة البطيخة قطعًا في كل الاتجاهات كالرذاذ الذي طاول زجاج الطبقة الثالثة. أردت أن أنزل إلى الأسفل لأطيِّب خاطره، ولكن ذلك لم يكن تصرفًا آمنًا، لأنه كان سيشك بي على الفور. ومع ذلك توقعت أن يشتبه بي في كل الأحوال. كنت مخدوعًا عندما ظننت أنه لن يشتبه بي. كان ظني خطأ. بدا أنه يترقب الفرصة المناسبة. ثم قذفني بحصاة كبيرة أصابت جنب رأسي وأحدثت تورمًا ضخمًا حملني على ارتداء قبعتين معًا لإخفائه. حملت هذه الجريمة إلى والدتي، لأنني كنت أتحرق شوقًا، على الدوام، إلى توريط هنري بالمتاعب معها من دون أن أحقق نجاحًا في مسعاي. واعتقدت أن لدي قضية هذه المرة ما أن يقع نظرها على التورم في رأسي. وعندما رأته قالت أن لا بأس في ذلك. لم ترَ حاجة في الاستفسار عن السبب. كانت تعلم أنني استحق ذلك وأفضل ما يحدث لي أن أتقبل ما حصل كدرس ثمين لن أنساه واستفيد منه. ورقة الخمسين دولارًا في يوم من منتصف شتاء العام 1856 أو 1857، أعتقد أنه كان في العام 1856، كنت أتقدم الخطى في الشارع الرئيس المسمى كيوكوك من قبل الظهر. كان الطقس سيئًا إلى درجة أن الشارع بدا مهجورًا على الأغلب. كانت زخات من الثلج الجاف تتساقط هنا فتشكل أنواعًا عدة من الصور الجميلة، ولكنها لبرودتها تبعث على القشعريرة. نفخت الريح قصاصة من الورق مرة بجانبي واصطدمت بجدار منزل. شيء ما في مظهر الورقة استرعى انتباهي. كانت ورقة من فئة الخمسين دولارًا، وهي الأولى من نوعها التي كنت رأيتها حتى ذلك الوقت، والمبلغ الأضخم من المال الذي وقع عليه نظري مرة واحدة. نشرت إعلانًا في الصحف وتكبدت ما تفوق قيمتها الألف دولار من التوسل والخوف والألم خلال الأيام القليلة اللاحقة وأنا أنتظر أن يقرأ صاحبها الإعلان في الصحف ويأتي إلي طالبًا استرداد ثروتي. مضى قرابة الأربعة أيام من دون أن يتصل بي أحد، ثم لم يعد بإمكاني أن أتحمل هذا النوع من التعاسة. وأحسست بأن أربعة أيام أخرى لن تمر على هذا النحو الآمن. تملكني شعور بأنه ينبغي لي أن أنقذ هذا الحال من خطر محدق. لذلك ابتعت تذكرة إلى مدينة سينسيناتي وتوجهت إليها. عملت هناك بضعة أشهر في مكتب الطباعة التابع لمطبوعة "واشنطن أند كومباني". كنت أتصحف رواية الملازم أول هيرندون حول مكتشفاته في الأمازون، ولأكثر ما شدني إليها ما كتبه عن الكاكاو. فقررت العزم على الذهاب إلى منطقة المياه العليا في القارب البخاري "بول جونز" وذهني مشبع بهذه الفكرة العظيمة. أحد قباطنة المركب المذكور كان يدعى هوراس بكسبي، أخذت أتقرب منه شيئًا فشيئًا، ولم يمض وقت طويل حتى كنت أدير دفة المركب عنه أحيانًا أثناء نوبة المراقبة النهارية. عندما وصلت إلى نيو اورلينز، استفسرت عن السفن المتوجهة إلى بارا واكتشفت أن أيًا منها لن يقصد تلك المنطقة، وعلمت أن شيئًا من هذا القبيل لن يحدث طوال ذلك القرن. لم يخطر لي أن استفسر عن هذه التفاصيل قبل قدومي إلى سينسيناتي. ومع ذلك كنت هناك. لم أستطع الذهاب إلى الأمازون. ولم يكن لدي أصدقاء في نيو اورلينز ولا مال كذلك. قصدت هوراس بكسبي وسألته أن يعلمني قيادة السفن. أجاب بأنه قد يفعل ذلك لقاء مئة دولار يتقاضاها نقدًا وفي الحال. وهكذا درت له دفة السفينة وهي في طريقها إلى ساينت لويس، واقترضت المبلغ من صهري ووضعت حدًا لهذه المقايضة. وكنت قد استعنت بصهري هذا قبل سنوات عدة. كان يدعى السيد وليام أ. موفيت، تاجر من فيرجينيا، ورجل طيب في كل الأحوال. تزوج شقيقتي باميلا. وخلال ثمانية عشر شهرًا أصبحت قبطانًا كفوءًا، وخدمت تلك الشركة حتى توقف الإبحار في نهر الميسيسيبي واندلاع الحرب الأهلية. في تلك الأثناء، كان أوريون يتعرق وهو يداوم على عمله في مكتبه الطباعي الصغير في كيوكوك، وهو وزوجته كانا يقيمان مع عائلة الثانية، ظاهريًا كنزلاء بأجر. ولكن من المستبعد أن يكون أوريون قادرًا، في الأساس، على أن يسدد كلفة إقامته. لم يكن في وسعه أبدًا أن يدرك أن العمل الذي ينجز من دون مقابل، مصيره الفشل، ولا قيمة له في الوقت الراهن، وأن الزبائن، في هذه الحال، سيضطرون إلى الذهاب حيث يمكنهم الحصول على فائدة أفضل حتى ولو كانوا مجبرين على دفع أثمان أغلى، كان لديه متسع من الوقت. وقد حدث أنه رفع لافتة كتب عليها أنه يقدم خدمات إلى الناس بصفته محاميًا. غير أنه لم يحظ بقضية واحدة، على الرغم من أنه بدا متشوقًا لتوفير خدمات مجانية في هذا المجال. كان ليبراليًا على الدوام في ذلك التوجه. في الوقت الحاضر، ذهب إلى قرية صغيرة تدعى الكسندريا، تبعد ميلين أو ثلاثة أميال على طول النهر، ووضع اللافتة المذكورة هناك. لم يحصل على أي مردود من جراء ذلك. بدت أوضاعه صعبة في هذه الأثناء. من ناحيتي، كنت وقتئذ قد بدأت اتقاضى راتبًا يبلغ 250 دولارًا في الشهر لقاء عملي قبطانًا، وهكذا دأبت على توفير المساعدة له حتى العام 1861، عندما أقدم صديقه القديم، ادوارد بايتس (أصبح في ما بعد وزيرًا في أولى حكومة للسيد لينكولن) على تعيينه في موقع السكرتير للمقاطعة الجديدة نيفادا. ترجمة وتقديم: جهاد الترك المستقبل، 19 و20 تموز، 2010، العدد: 3715 و3716، ثقافة وفنون، صفحة 20 |
|
|