مع كلام غير مباح للقاصة ميسون أسدي

 

زياد جيوسي

 

ضمن غلاف أنيق يحمل لوحة بريشة الفنان أسامة المصري، ومن خلال تدرجات اللون الأزرق، يشدنا العنوان الذي اختارته القاصة ميسون أسدي لكتابها، والعنوان مأخوذ من قصة تضمنتها ثنايا الكتاب، والذي تعبِّر فيه عن المسكوت الذي لا يجري البوح به. وللحقيقة، فقد قرأت معظم هذه النصوص عبر صفحات الشبكة العنكوبتية، وقد لفتت نظري كثيرًا، بحيث كنت دومًا أحتفظ بها ضمن ملف خاص في حاسوبي، وكنت أشعر فيها شيئًا جديدًا يلامس جرحًا مفتوحًا، ولكن يجري التعامي عنه. وقد سجَّلت ملاحظات كثيرة على النصوص، وكنت أفكر بإعادة صياغة هذه الملاحظات ونشرها من خلال موضوع يتناول نصوص ميسون أسدي، حتى فوجئت بنشرها ضمن كتاب يحمل العنوان أعلاه، واتصال من الصديق أسامة المصري يعلمني باسمه واسم زوجته ميسون أنهم أرسلوا نسخة من المجموعة كهدية، فشكرته كثيرًا على هذا اللطف الذي اعتدته منه رغم أننا لم نلتق حتى اللحظة مواجهة؛ فهكذا حالنا في الوطن الفلسطيني الممزق تحت سياط الاحتلال. لقد وجدت في العنوان خلاصة الفكرة التي كنت أدوِّن ملاحظاتي حولها، ووجدته معبِّرًا بدقة عن المواضيع التي تتناولها القصص المتناثرة التي ضُمت بين دفتي كتاب.

المجموعة تتكون من عشرين قصة قصيرة تتناول العديد من القضايا بجرأة متميزة، وتبحث في موضوعات مسكوت عنها رغم أهمية تناولها، فهي قضايا نعيشها في مجتمعاتنا العربية عمومًا، كما نحياها في مجتمعنا الفلسطيني خصوصًا، وإن كان هذا التعايش معها يختلف نسبيًا حسب المناطق والتجمعات الفلسطينية؛ فالمجتمع الفلسطيني الذي وقع تحت السيطرة الإسرائيلية بعد حرب النكبة في العام (1948)، وبحكم انعزاله عن مجتمعه الفلسطيني وامتداده العربي لسنوات طويلة، والذي أصبح عرضة لمحاولات التذويب وسلب الهوية، اختلف نسبيًا في التعامل مع العديد من القضايا عن المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة الذي كان يخضع طوال الفترة نفسها للإدارة المصرية، أو عن المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية الذي كان تحت حكم الأردن وتم التعامل مع أبنائه كمواطنين أردنيين يحملون الجنسية الأردنية، ولهم حقوق المواطن الأردني نفسها وعليهم نفس الواجبات.

من هنا، وخلال قراءة هذه المجموعة، علينا أن ندرك هذا التمايز، فالظروف الذاتية والموضوعية، لما أصبح يسمى فلسطينيو الداخل، تختلف نسبيًا عن فلسطينيي الضفة والقطاع، حتى لا نقع في خطأ التعميم وكأننا نتعامل مع مجتمع متجانس يخضع للشروط نفسها، ويعايش الواقع نفسه.

يمكننا أن نقسم المجموعة القصصية إلى مجموعات رغم التقارب بشكل أو آخر بينها وهي:

المجموعة الأولى: وتتحدث عن المشكلات الاجتماعية في أنماط التربية السائدة في المجتمع، وفشلها في التعاطي مع أجيال جديدة بحاجة إلى اهتمام كبير وخاص. ونجدها في قصص: "مريم، شاي وبسكوت وسكر، الحب كافر، درب ليلى الحمراء، أحضري فورًا"؛ ففي قصة مريم نرى المراهقة التي تقع في الحب الأول، وحين يعلم أهلها لا يعالجون الموضوع بروية، ولكن يلجأون إلى القمع وتزويجها عنوة من قريبها الذي يغتصبها اغتصابًا في ليلة عرسها. وفي القصة التالية شاي وبسكويت وسكر، تتكرر الحالة مع طفلة تطرح تساؤلات عدة، ولكن الأمهات لا يستطعن إشباع فضولها بالشكل الصحيح. بينما نجد في قصة الحب كافر طرحًا لمشكلة الزواج بين حملة الأديان المختلفة وكيفية تعامل الأهل بقسوة في حالة، وفي حالة أخرى نجد وعيًا من الأب بكيفية التعامل، بينما نجد، وبأسلوب متميز يثير الضحك في نهاية القصة، كيفية تعامل أم مع طفلها وأسئلته التي أحرجتها حيث تتهرب من الإجابات، حتى تكتشف أن لديه الأجوبة من كتاب تعليمي أهدته إياه، ما يشير إلى مشكلة تربوية كبيرة، فالأطفال الآن مطلُّون على الإعلام والإنترنت والفضائيات، ويلتقطون الكثير، ما يستدعي أسلوبًا آخر في التعامل معهم. فلو أن الأم قرأت ما أهدت ابنها مسبقًا لكان بإمكانها المناقشة بدون الالتفاف والتبرم. وكذلك في قصة حمالة الدلع تتكرر قصة عدم فهم الأطفال، ما يؤدي إلى مشكلات نفسية لديهم. وأيضًا نجد الفكرة نفسها في قصة الدخول في التجربة، وكذلك قصة زرعنا لو..، وقصة الفستان الأحمر.

المجموعة الثانية: وتتحدث عن وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال في الجزء الذي أغتصب في العام (1948)، ونلمس ذلك بوضوح في مجموعة قصص هي: الورقة البيضاء، وهذه المجموعة تبحث في وضع الفلسطينيين في الداخل تحت حكم إسرائيلي يدَّعي الديمقراطية، لكنه يربي أبناءه على كراهية العربي بغض النظر عن دينه، وتتعامل مع العربي على أنه عدو يسعى للتخلص منه بعد أن استولى على أرضه. فحتى الجامعة التي تدرس فيها عبير تخضع لإشراف من أجهزة المخابرات. والعربي هناك يكون معرضًا لكل أشكال الظلم والابتزاز. وأيضًا في قصة أحضري فورًا... نحن بحاجة إليك نجد قصة اجتماعية تصور ما يفعله الاحتلال ببعض المواطنين، وكيف تمكنت بطلة القصة من الخروج من المستنقع والوصول إلى درجات متقدمة في العلم والعودة لخدمة الوطن لأن يافا بحاجة إليها. وتتكرر الحكاية بشكل آخر من خلال قصة في انتظار شمبانيا من خلال ناديا. وقصة البعبوص من خلال المدرسات والتزلف للمشرفين من اليهود.

المجموعة الثالثة: وهي قصص غرائبية مسقطة على واقع اجتماعي وهي: كتيطخ إيباحر، وفي القصة الأولى تبحث في قضية زنا المحارم حين تتعرض امرأة لمحاولة الاغتصاب من والد زوجها الذي يقتلها حين يفشل، فتهيم روحها في الفضاء تخطط وتنفذ كيفية الإنتقام، وإن كانت الفكرة غرائبية إلا أنها بمحتوى المشكلة المطروحة واقعية، فقد بينت العديد من الدراسات أن سفاح القربى هو من المشكلات المنتشرة وتذهب المرأة ضحيتها دومًا. وكذلك نجد قصة غريبة لجنان بطلة قصة كلام غير مباح، والتي حملت المجموعة القصصية اسمها، والتي تعاني من مشاكل اجتماعية توصلها إلى مشكلات نفسية. ورغم أن الكاتبة لم تجد الحل علانية، لكنها كانت تشير بشكل مبطن إلى أنه إن لم تحل المشكلات الاجتماعية فلا حلول أبدًا للمشكلات النفسية، بل ستتراكم وتزداد. وكذلك قصة قضية ضد معلوم حين تتحول بطلة القصة إلى إنسانة لا تفكر سوى في الانتقام نتيجة الظلم الاجتماعي. ونجد فكرة جميلة للمشكلات النفسية في قصة بحكم العادة، وكذلك قصة مرآتي يا مرآتي التي تتحول فيها بطلة القصة إلى شبه مجنونة بسبب العقد النفسية، وكذلك قصة اليوم عاد.

المجموعة الرابعة: وهي مجموعة قصص تؤكد على الانتماء بين فلسطينيي الداخل ومجتمعهم العربي الذي يعزلون عنه بالكامل، ومثال ذلك نجده في قصة كابوس ليلة صيف، وفي قصة صيد الصقور التي تروي حكاية الخائن من جيش لبنان الجنوبي الذي التجأ إلى إسرائيل وقتلوه أيضًا، والذي يرفضه فلسطينيو الداخل من زاوية خيانته لبلده العربي لبنان.

ومن خلال استعراض هذه المجموعة القصصية بأقسامها المختلفة، يمكن أن أشير إلى أن الكاتبة تمكنت بنجاح من إيصال فكرتها، وتمكنت من استخدام الكلام "غير المباح" ضمن الانغلاق الفكري الحالي بطريقة مميزة وناجحة بشكل عام، علمًا أن استخدام هذا الأسلوب ليس جديدًا في الأدب العربي، فقد لمسته بوضوح في الأدب القديم عمومًا ومرحلة الدولة العباسية في قمة ازدهارها خصوصًا، وإن كان من الضروري الإشارة إلى أن الكاتبة في بعض القصص خرجت من أسلوب القصة إلى أسلوب الخطابة تارة، وإلى أسلوب الحكاية تارة أخرى، مضافًا إلى ذلك أن الكاتبة لجأت إلى الوصف الجسدي بصورة مبالغ فيها في بعض القصص بحيث كادت أن تبتعد عن الفكرة التي تسعى إليها. وأسجل هنا ملاحظتين فنيتين حول الكتاب، فقد وضعت الكاتبة أسلوبًا غير مألوف في بداية الكتاب وهو إهداء مطبوع وما على من يصله الكتاب إلا أن يضيف اسمه له، ومن وجهة نظر خاصة أعتقد أن هذا أسلوب غير صحيح، فالإهداء المباشر بخط الكاتب يحمل في طياته أفكارًا جميلة، ويترك لمن يشتريه أن يجعل الكتاب كأنه إهداء خاص له، والثانية هي تجميع التعليقات التي كانت حول القصص في وسائل النشر المختلفة خصوصًا الإلكترونية التي نشرت هذه القصص، ووضعها في نهاية الكتاب، وهذا يؤثر في الفكرة التي يمكن أن تتكون لدى قارئ الكتاب، خصوصًا حين يقرأ ملاحظات أوردها كتَّاب معروفون.

وفي النهاية فلا بد من الإشادة بالجهد الكبير الذي بذلته الكاتبة ميسون أسدي، وتمكنها من المزج بين دراستها وعملها في المجال الاجتماعي، وبين قصصها التي قدمتها. ويبقى الحديث، نهاية، إلى أن ما هو غير مباح من بحث للقضايا المختلفة، لا بد أن يتحول إلى مباح من خلال هذه الجهود، وحينها ستكون الحلول من خلال حل الكثير من المشكلات الاجتماعية، ومن خلال التحرر من ربقة احتلال يهمه أن نتلهى بمشكلاتنا.

بين رام الله المحتلة وعمَّان، 24-1-2009

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود