|
قواعد علم الطاقة الحيوية: الجزء الأول
"التنفُّس الكامل هو عبارة عن موجة تنفُّسية تعبر من خلال الرقبة وتصل إلى منطقة
الحوض، ومن هناك تعبر إلى القدمين، على النحو نفسه كما يتنفَّس الطفل". *
الجزء الأول القول الحقيقي، بالحرف الواحد، هو أن التحليل الطاقوي الحيوي نما من الأرض إلى أعلى. فأنا عندما أدركت اتصالي الراسخ مع الأرض بدأتُ بدراسة مرضاي: على أي نحوٍ يقفون على أقدامهم؟ وعلى أي مستوى من الحساسية كانت أقدامهم تسجِّلها؟ وأية إشارات كانت تبدي من نشاطها الحيوي؟ كنت أتركهم أمامي واقفين على أقدامهم حُفاةً، في الوقت الذي كنت أدرس فيه نوعية هذه الوقفة. اعترَتني المفاجأة لرؤيتي قلة منهم كان لديها إحساس جيد بأن تكون أقدامهم على الأرض – كانت أقدام الجميع طبعًا على الأرض، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك على نحو من الحساسية. فقد كان الاتصال مع الأرض بأقدامهم آليًا خاليًا من الحياة. وبشكل عام، كانت أقدامهم تظهر ممتقعة اللون، أو بيضاء مشيرة بذلك إلى نقصان في تدفق الدم إلى أعضاء الحركة هذه. كثيرون كانت أقدامهم مفلطحة، وآخرون كان انعطاف القدم عندهم منقبضًا، مما يعطي انطباعًا بعدم الاستطاعة على ترك ثقل الجسد يصل إلى الأرض أو الثرى. وكان ممكنًا في معظم الحالات أن أتحقَّق من تشوهات في حجم القدمين، ومشاكل مزمنة في مشط القدم، وتقلصات عضلية تلوي القدم أو القدمين أو أنهما غير متناسبتين (صغيرتان أو كبيرتان أكثر من اللازم) قياسًا لطول الجسم. القدمان ذاتا الحجم المناسب والمظهر الجيد والمتمتعتان بقوة حيوية كانتا نادرتين. كان هؤلاء الناس يسعَوْن إليَّ وذلك بسبب مشاكل انفعالية تؤخذ على محمل الجد، من حيث تعكيرها صفوَ حياتهم. كثيرون منهم كانوا أفرادًا كئيبين أو قلقين ومذعورين أو حتى متوترين ومراقَبين. كان عملي مع رايش قد جعَلَني واعيًا على نحو جازمٍ للاتصال الحميم بين الجسم والعقل: فالجسم هو التعبير الفيزيقي للشخصية، وبالطريقة نفسها فالعقل هو انعكاسها الواعي. كان رايش قد أدرك بشكل واضِح اشتغاله على توتُّراتي الجسمانية، وكذلك على الاتصال فيما بينها ومعوِّقاتي الشخصية. وبسرعة لاحظ أنني كنتُ أحافظ على صدري ممتلئًا، ومتضخِّمًا، مما كان يعني بالنسبة له أن هذا تمظهرٌ للخوف. وعندما قلَّلَ من شدة التوتر بتدليك صدري، جعلني في تلك اللحظة أصرخ بشدة وذلك بتحرري من ذلك الخوف المكبوت. دون أدنى شك، فتحَت تلك التجربة الدرامية بابًا حرَّرَ مشاعرَ أخرى، وذكريات مكبوتة، ومع ذلك فالعمل لم يذهب بعيدًا، ولم يبلغ عمقًا بما فيه الكفاية، ذلك أن رايش لم يمعن النظر، ولم يفهم الدينامية الكامنة على نحو خفي في شخصيتي: ألا وهو إحساسي العميق بانعدام شعوري بالأمان. فأنا كنت قد غلَّفتُ انعدام الشعور بالأمان هذا بقناع من الذكاء وحدَّة الذهن، مما كان يسمح لي باستباق المشاكل والسيطرة على الوضع الراهن. غير أن هذا لم يُنتِج مفعولاً إزاء مشكلة انعدام شعوري بالأمان. ولو أن وضعيتي كانت قوية بالقدر نفسه الذي كان عليه فكري، لكنتُ رجلاً أكثر قوةً بكثير وأقل ذعرًا. لكن، ما السبيل إلى ذلك؟ أولاً، فكرت بالوقوف على قدميَّ، وذلك مع قدمين متباعدتين، والركبتين منعطفتين على نحوٍ ضئيل، والجسم منحنٍ نحو الخلف. أعطتني هذه الوضعية إحساسًا دقيقًا بأن قدميَّ على الأرض. استمريت على هذه الوضعية بضع دقائق، ومن ثمَّ شعرت أنه عليَّ الانحناء إلى الأمام وملامسة الأرض برؤوس أصابع يديَّ. وبهذا الأسلوب الجديد مع ركبتيَّ المطويتين قليلاً، والقدمين متوازيتين على مسافة بينهما تصل إلى ثلاثين سنتيمترًا، صرتُ أيضًا أكثر قربًا من الأرض. وأبقيتُني على هذه الوضعية لعدَّةِ دقائق حتى أحسستُ باهتزازٍ لا إرادي يجري في الساقين، وذلك بقيامي بتمرين إطالة أوتار عرقوب بطن الساق. وثمة تفسير آخر أيضًا. فالجسد الحي في حالة اهتزاز أو خفقانٍ دائم، وهي حالة دقيقة جدًا بشكل عام لدرجة يصعب فيها إدراكها. إلا أنه عندما تزداد شحنة الطاقة في العضلات يصير هذا الاهتزاز اللاإرادي من القوة بحيث يستطيع المرء رؤيتَه أو الإحساس به. وظاهرة الاهتزاز هذه هي التي تجري أيضًا، وبشكل دائم، على أنها شحنة كهربائية تمر من خلال سلك معدني، وهي مسؤولة عن الذبذبة في الأسلاك الكهربائية عالية التوتر. وبما أن النشاط الاهتزازي للجسم الإنساني هو حركة فطرية، فنحن قادرون على الإحساس بها، وهذا الإحساس يشكل قاعدة وعينا الذاتي. إن حرمانًا كاملاً من هذه الأحاسيس ينمُّ عن جسد ميت. وللسبب نفسه، فإن قدمين ميتتين على نحو طاقوي هما خاليتان من الإحساس ولا تقدمان للمرء الإحساس بأنه متصل بالمحيط حوله. فأنْ يكون المرء متصلاً مع الأرض grounded يعني أن يكون على اتصال حسي معها. فالأرض هي، بالحرف الواحد، الينبوع، وهي دعامة وجودنا. ولهذا السبب فإننا ندعو كوكبنا بـأمنا الأرض؛ فنحن مخلوقاتها. في حقيقة الأمر، الطاقة متاحة لنا من خلال أمنا الحقيقية لأجل تطورنا ونمونا. ففي الرحم، وحتى لبعض الوقت خارجه، تُثَبَّتُ القواعد لوجودنا المستقل. والإحساس بالأمان في الحياة يتوقف إلى حد كبير على ما تقوم أمنا البشرية به من تأمين هذه الطاقة وهذه الدعامة في الأشهر الأولى من حياتنا. إن نوعية وقفتنا على القدمين، والشعور بالأمان، يعكسان إذًا الدعم الذي نتلقَّاه في سني طفولتنا الأولى. وسوف تؤثر تجاربنا اللاحِقَة أيضًا في نوعية الوقفة والكيفية التي نقف وفقها على أقدامنا. ولكن، ستصبح تأثيراتها أكثر ظهورًا. إننا نقيِّم النوعية والكمية للدعم المحدَّد حسب وقفة الشخص البالِغ على ساقيه الخاصتين. وعلى الرغم من كونها مقدمة بديهية بالنسبة للفكر الطاقوي الحيوي، فمن الممكن أن نحتاج بعض الوقت حتى يتوصَّل معالجو المستقبل أو المستجدون إلى تحقيق هذا النوع من التقييم. باستثناء الشعور بالأمان، فإن الإحساس بالاتصال مع كل مظاهر وخصائص المحيط الخاص يمدُّ بنوعية وقفة الشخص، وهو متصِلٌ بها على نحوٍ حميمي. فالشخص الذي لا يجرِّب هذا النوع من التجذُّر في سني حياته الأولى سيكون لديه الإحساس نفسه تجاه الحياة خارجًا. "فهذه هي جذوري"، ما يُتَرجَمُ أيضًا "هذا أنا". بالطبع، تؤثر كل تجاربنا على ما نحن عليه، ولكن تجارب حياتنا الأولى تسبب الأثر الأعظم. إذا لاحظتُ الطريقة التي تقف فيها على قدميك، فبوسعي أن أقول لك: من أنت. وإذا كنتَ تظن نفسك مميزًا في مجتمعك فإن وقفتك والنصف الأسفل من جسمك سوف يعكسان كبرياءك. ليس ممكنًا لشخص ما أن ينتصب فوق قدميه وساقاه ضعيفتان، ذلك أن هاتين الأخيرتين هما الأساسان اللذان يسندان الشخصية الراشدة. فالضعف في الساقين والقدمين لدى الكثير من الأشخاص يجري التعويض عنه من خلال نمو مفرط للأنا. فالأفراد ذوو السلطة المتمثلة بسطوة المال، والسلطة السياسية، والمكانة الاجتماعية، يعتادون على الاعتقاد أنهم آمنون، ويتحركون وفقًا لوجهة النظر هذه. فالسلطة تُستخدَمُ بشكل عام كتعويض عن الشعور بالدونية. وفي النتيجة، فما من أحد ينظر إلى قدمي ملك، وذلك لأن تاجه هو الذي يجذب الانتباه، فالتاج هو الذي يحدد مكانته. والثياب تغطي عريَنا، ولكنها تغطي نقاط ضعفنا أيضًا. إن ذكاء المرء متعلق بشكل مباشر بدرجة ونوعية تجذُّره في الحقيقة – أو بمستوى اتصاله مع الأرض grounding. ومن الممكن أن تنقص المرء المعارف الحديثة أو المتكلَّفة، لكنه سوف يملك شعورًا ولباقةً طيبين. فالشخص المتصنِّع يفكر من خلال دماغه الذي يعمل مثل حاسوب. في حين يفكر الشخص المتجذِّر من خلال جسده كله، حيث تشارك مشاعره وأحاسيسه كل أفكاره على نحوٍ قوي. إن مصطلح understanding [فهم] تعبير جميل، لأنه يدل على أن فكر الفرد يترسَّخ في مشاعره وأحاسيسه، كما أنه ينجم عنها، أي عن إحساسه باتصاله مع الأرض ومخلوقاتها. ليست هذه طريقة تفكير أنانية متمركزة بشكل أساسي حول الأنا، بل بالحري حول الـ"نحن". فما لدينا من أمور مشتركة مع أمثالنا هي ما تجعلنا إنسانيين على نحوٍ حقيقي. فالتشديد على الاختلاف يؤدي إلى فقدان الإحساس بالارتباط الذي هو صفة التجذُّر في الحقيقة. فالأناس المتجذِّرون grounded متصلون مع الأرض، ومع المحيط الطبيعي حولهم، ومع أجسادهم، ومشاعرهم، وأعزائهم الغاليين، وأمثالهم. في حين أن الفرد غير المتجذِّر منعزلٌ، كورقة انفصَلَت عن الشجرة التي تحملها، وهو كمخلوق ليس ثمة دار له. ذلك أن الجسد هو منزل كل واحد منا. وإن عدم الاتصال بطريقة كلها إحساس مع الجسد الخاص، يعني الحياة كمثل روح تائهة، تعوم فوق الحياة دون أي إحساس بالانتماء إلى أمر ما، أو إلى أحدٍ ما. فكل المرضى الذين اشتغلتُ عليهم، كانوا يشعرون بعدم الارتباط هذا، وأيضًا يشعرون بهذه العزلة إلى حد ما. فالقضية هي عبارة عن شكل تراجيدي للكائن. والغاية من عملي العلاجي هي مساعدة الأشخاص على استعادة شعورهم باتصالهم مع الحياة ومع الآخرين. فأن يكونوا متجذِّرين هي الطريقة الوحيدة لإعادة هذا الاتصال المفقود.
لقد فقدنا جذورنا منذ بداية حياتنا، وذلك عندما شعرنا بالخوف وانعدام الأمان بسبب غياب ما كان يسندنا. ففي لحظات الخوف تنكمش طاقة الجسد عن السطح، وتتركَّز في الأجزاء الداخلية، وفي المناطق الحيوية – أي الدماغ، والقلب. فهذا هو الخوف المنعكِس على نفسه، وبوسعنا الشعور به بسهولة فقط بمحاكاة تجربة الخوف: ترتفع الكتفان، وتجحظ العينان، ويمتلئ المرء هواءً. فعندما أنظر مريضًا ذا عينين جاحظتين، وكتفين مرتفعتين، وصدر ممتلئ، أدركُ أنه خائف، وعليه أن يعي ذلك شاء أم أبى. ذلك أن حركة الجسم نحو الأعلى تشكل ردة فعل طاقوية حيوية عفوية، وعند صدورها تُعَاشُ كمثل خوف. غير أنه إذا ما بقي الشخص في هذه الحالة من الرعب فسرعان ما سيفقد الإحساس بهذا الخوف الذي سيصبح في بنية الجسم نفسه على نحو توتر مزمن، والذي سيأخذ شيئًا فشيئًا بالابتعاد عن متناول الوعي. فلدى الشخص فقط وعي بالحركات الجسمانية الفطرية التي يمكن تبيُّنها بسهولة. فإذا تركنا الذراع ثابتًا لمدة خمس دقائق، فسنفقد إحساسنا بهذا الذراع، ذلك إنه يصبح كما لو أنه نائم. إذًا، يتعلق كلٌّ من الإدراك والوعي والإحساس بحركة ما عفوية في الجسد، أما الأموات فلا توجد لديهم أحاسيس. عندما تنسحِبُ الطاقة من الجزء الأدنى من الجسد، وذلك وفقًا لتجربة الخوف، فما يحصل في الحقيقة هو خسارة الاتصال بالأرض grounding، فوضع الشخص الآن هو الكبت، وهو في حالة معلَّقَة. وعوضًا عن العمل مع القدمين على الأرض، إيه نعم، ومع وعي الواقع، فإنه الآن يعمل على أساس أفكار ليست حقيقية، فيصير سلوكه الآن محكومًا من خلال الأنا الواعي لذاته، وليس من خلال أحاسيسه. وهذه هي الشخصية العصابية النموذجية في أزمنتنا هذه. فالفرد الذي في حالة كبت متعلِّقٌ بالقِيَمِ العصابية لثقافتنا. وإذا قارنا هذه القِيَم مع تلك التي تميِّز الشخص المتجذِّر في جسده وفي الأرض، فلسوف نتحقق بالضرورة كم أن الفرد الحديث معلَّقٌ في الهواء دون فعل، ويعيش داخل رأسه الخاص. يشرح الجدول التالي كل ما مر معنا قبل قليل:
تعطينا هذه المقارنات صورة عن مستوى اضطراب الشخص العصابي في أزمنتنا الحديثة هذه. وبدون أخذ هذه الوقائع بعين الاعتبار فسوف نظل متورِّطين في أحابيل ألعاب عقولنا الخاصة، ظانين أنه من الممكن حلُّ مشاكلنا من خلال معارف أو معلومات أكثر. نحن بحاجة إلى سقوطٍ ما، ولكن، سقوطٍ في الحقيقة، في حقيقة جسدنا، وعلاقتنا مع الأرض. فسابقًا لم نكن أفرادًا أرضيين، بل بالنسبة لكثيرين فإن هذا النزول إلى الأرض يظهر على أنه نزول طويل ومُظلِم، فالنزول في النهاية يستدعي الخوف من السقوط. بدا لي تمرين الاتصال مع الأرض grounding، الموصوف سابقًا، ضعيفًا جدًا في إحداث تغييرات ذات معنى. ومع ذلك، فمنذ إدخالي الطاقة الحيوية كمفهوم مميز، ومنذ أن قمت بإدخال التمارين المحدِّدَة للاتصال مع الأرض grounding، قام الشرط الإنساني بإفسادها على نحوٍ جسيم. فالناس هم أيضًا أقل اتصالاً بأجسامهم وأحاسيسهم مما كانوا عليه بين عامي 1953 – 1956 عندما كانت قد تمت هيكلة الطاقة الحيوية. فثقافتنا عبارة عن ثقافة دماغية. ومعظم الناس الذين يعيشون وسط ثقافة كهذه يتوجَّهون من خلال رؤوسهم، ويستخدمون إرادتهم في جهد لا جدوى منه من أجل استعادة نشاطهم الحيوي. والإرادة هي وسيلة الأنا التي تبعد المرء عن اتصاله بجسده وأحاسيسه. ولا يمكن حلُّ هذه المشكلة من خلال الرأس وإنما من خلال الأرض وثمَّ إلى أعلى. وبعبارة أخرى، علينا أن نبدأ من أقدامنا. إن وجود موجة طاقوية تثير أجسام جميع الحيوانات متعددة الخلايا، هي واحدة من الصيغ الأساسية للتحليل الطاقوي الحيوي. وهذه الموجة تنساب على نحوٍ طولاني من الأعلى إلى الأسفل عبر الجسم، وذلك من الرأس إلى القدمين، ومن ثمَّ في الاتجاه المعاكس، من الأسفل إلى الأعلى، من القدمين إلى الرأس، وذلك في نبضات إيقاعية. وصفتُ هذه النبضة الطاقوية لأول مرة في كتاب O corpo em terapia أي الجسد في علاج. فالأمواج التنفسية هي مظاهر من النبض الطاقوي حيث الزفير مشترك مع السيلان الصاعد للطاقة، أما الشهيق فيشكِّل جزءًا من السيَلان النازل للإثارة. فالزفير يقتضي انكماشًا للعضلات الموافقة لعملية التنفس، على خلاف الشهيق الذي هو سياق للاسترخاء. وبسبب الطبيعة الإيقاعية فإن السيلانات الصاعِدَة والنازِلَة متساوية فيما هي تشير إلى الكثافة والامتلاء. يكمن هذا المبدأ في أساس التحقُّق العام في الطاقة الحيوية، ذلك أن الشحنة أو الحمولة الطاقوية في العينين مساوية للشحنة في القدمين. وغالبًا من يحقق عملاً مكثفاً على التنفس والاتصال مع الأرض grounding، بأية طريقة على أن تزيد القدمان من الحمولة الطاقوية، يحصِّل تحسُّنًا ملموسًا في الرؤية، وتبدو العينان أكثر بريقاً وأكثر حدَّةً. إن العمل الجسدي جزء لا يتجزأ من الطاقة الحيوية، فمنذ البداية قد ساعدْتُ الكثير من المرضى. وقد قام أحد زبائني بتطبيق هذه التمارين قبيل مشاركته في اختبار كمغنٍّ في كوميديا موسيقية، وبينما كان المنافسون يعملون على تحْميَةِ أصواتهم في صالة المسرح، كان هذا الشخص ينحني إلى الأمام ويلمس الأرض برؤوس أصابعه ويقوم بالتركيز على تنفسه، وعندما نودِيَ الآخرون للغناء، كانت أصواتهم مشدودة ومتوترة بينما كان صوته مسترخيًا. وأعتزُّ بالقول إنه توصَّل تقريبًا إلى تأدية كل الأدوار التي كان عليه أن يترشح إليها، وصار نجمًا للكوميديا الموسيقية. رغم أن هذا الانحناء إلى الأمام كان قد ساعدني كثيرًا في الأربعين سنة الأخيرة، لم يتوصَّل التمرين إلى حلٍّ كامل لانعدام شعوري بالأمان؛ لا بالنسبة لي، ولا بالنسبة لمرضاي، حتى أن الأغلبية طوَّرَت اهتزازات في الساقين، لكن هذه الاهتزازات لم تمتد حتى القدمين، فصار واضحًا أنهم لا يملكون أحاسيس قوية في القدمين. ولكي نرفع من سوية النتائج طلبتُ من زبائني أن يقوموا بالتمرين تارة على إحدى الساقين، وتارة على الأخرى، وعند رفع ساق إلى الوراء وسحبها من فوق الأرض، استطعنا زيادة الضغط على الساق الأخرى مولِّدين بذلك اهتزازات أكثر قوةً وأحاسيسًا أكثر في تلك القدم. استخدمت هذا التعديل الفعَّال مع جميع المرضى. فقد طوَّر الأشخاص أحاسيسًا أكثر شدَّةً في القدم التي يستندون عليها. ومع ذلك كانت النتائج لا تزال دون المستوى المطلوب. فاجأتني تجربة منذ بضعة سنين وسحرتني، وذلك حينما كنت سائرًا ببطء في طريق مجاور بالقرب من منزلي على الشاطئ، فأحسَسْتُ بموجة من الطاقة تنساب من خلال جسدي كله حتى كان لها أثر في تقويمي وإعطائي شعورًا بأنني أعلى من الأرض على الأقل بخمسة سنتيمترات[1]، أما رأسي فكان يبدو أكثر علوًا، ولا غرو أنَّ ذلك كان إحساسًا جديدًا ومثيرًا. وفي الحقيقة لم أفعل شيئًا على نحوٍ واعٍ حتى أحصل على ردة فعل كهذه. وعلى الرغم من أنني لم أستطع معايشة تلك التجربة مرة ثانية، لكنني لن أنساها ما حييتُ. كلنا يعلم قانون الفيزياء الذي يقول "كل فعل يستلزم رد فعل"، فإذا ضغطنا على الأرض فالأرض تُرجِع الفعل ذاته نحوَنا. وهذا هو مبدأ المحرك الصاروخي: تفريغ طاقة طائرة نفَّاثة يدفع بالسفينة الفضائية إلى الأمام. وهذا القانون يعمل دائمًا أثناء مشينا. فعلى سبيل المثال، نحن لا ننتصِب على الأرض، وإنما ندفع بأنفسنا نحو الأعلى وإلى الأمام في كل مرة نخطو فيها على الأرض. وهذا ليس فعلاً واعيًا، إنما هو ملازِمٌ لقدرتنا على المشي. ولحسن الحظ فإن أغلبية الناس تستطيع المشي دون التفكير فيه على نحوٍ منطقي، الأمر الذي يجعل المشي واحدةً من مُتَعِ الحياة[2]. إلا أننا حتى عندما نمشي بوعي جليٍّ لحركاتنا فإن هذا المشي لن يكون عملية آلية بحتة[3]. إن توجيه الانتباه إلى جزء من الجسم يعني القيامَ بتركيز الطاقة في هذا الجزء. فعندما أبسط يدي، وأركز الانتباه في الأصابع، تبدأ هذه الأخيرة بالتنميل والاهتزاز. إن ما قمت به ليس أكثر من توجيه تيار الإثارة حتى اليد. وبشكل عام ليس ضروريًا تركيز الانتباه، بشكل واعٍ، على جزء من الجسد لكي نشعر بهذا الجزء، ذلك أن تيارات الإثارة تنساب عبر الجسد الحي، وذلك بدون تدخُّل أي فكر أو أي فعلٍٍ واعٍ. وتيارات الإثارة هذه تكوِّن قاعدة حياة الجسد اللاإرادية. وإذا كان الدفقُ حرًا، وممتلئًا، فسيعايش الشخص لحظةً من الشعور باللذة، أو الفرح، وذلك حسب شدَّةِ الإثارة. والحال، تَمنَعُ توترات عضلية مزمنة تدفقَ السيَلان مما يسبِّب لنا الألم. إن التوتر في الجهاز العضلي مزمنٌ عند كثير من الناس، وغياب السيَلان يؤدي إلى خسارة الإحساس أو إلى حالة من الهمود. لا يشعر معظم الناس بأقدامهم أثناء سيرهم – وبالحرف الواحد، إنهم لا يشعرون بأقدامهم على الأرض[4]. فبالنسبة لهم يعاني تدفق الإثارة الذي يعبُر الساقين حتى القدمين تقييدًا كبيرًا، ولا يمكن له أن يزداد على نحوٍ واعٍ. فالفعل الواعي يحدُّ نفسه، وبالتالي هو ليس عبارة عن تدفق حرٍّ وعفوي نشعر من خلاله باللذة، أو كإحساس نشعر به. إن سيَلان الإثارة مثل الماء الذي يسيل من الأنبوب. إن إغلاق نهاية الأنبوب يتحكَّم في توقف السيلان، وكذلك يؤثر الجزء العضلي من أخمص القدم بتدفق الإثارة من خلال الساق، وإذا كانت نُسُجُ هذه المنطقة متشنجةً، فإن طاقة الإثارة لا تخرج لكي تقوم باتصالها مع الأرض، ولن يشعر المرء باتصاله مع الأرض لأن الاتصال كان آليًا وليس حسيًا. وكما أنه ليس ثمة إحساس عندما يكون الاتصال آليًا، فلن يحس الفرد بالجزء العضلي من قدمه ولا حتى يعلم أين موضعه. يظن الكثير من الناس أن قوس رسغ القدم هو الجزء العضلي، أما الذين لديهم إحساس في أخمص القدمين فإنهم يشيرون إلى نقطة قريبة من قوس القدم مجوفة في القاعدة من الجزء العضلي. وهذه هي المنطقة الظاهرة بسهولة من القدمين. فإذا ما قمتَ بالضغط، بالإصبع المطوي، على هذه المنطقة فسوف يشعر الشخص بالألم وذلك بسبب التشنج، وسوف يشعر أيضًا بالشحنة تمر من خلال القَدَم، وتنساب إلى أعلى الساق. ومن الممكن أيضًا أن يكون للمرء الإحساس بهذه المنطقة، وذلك بضغط القدم على أي شيء كروي صغير، مثل كرة صغيرة جدًا نسميها الكلَّة، أو على حرف طاولة منخفضة – هذا إذا ما بقِيَ أحدهم ثابتًا في مكانه. ففي عيادتي أستعمل دعامةَ ذراع كرسي خشبي حيث اعتدت الجلوس عليه.
واليد أيضًا عضو يقوم باتصاله مع أشياء هذا العالم، ونحن في اتصالنا به. وتأخذ اليد على عاتقها مهمة مماثلة لذلك الجزء العضلي من القدم. وتتموضع هذه النقطة في اليد مباشرة خلف قوس مشط اليد. وبضغط إصبع مطوي في هذه المنطقة يتمكَّنُ الشخص من إدراك موجة حسية تتنقل من خلال الذراع. ويسبِّب هذا الضغط وجعًا إذا كانت أنسجة اليد متشنجة. ولكن عندما يتعلم المرء أن يرخي هذه المنطقة، بقدر ما لليد كذلك للقدم، يختفي الوجع. بعد أن يعرف المريض موقع الجزء العضلي من القدم أعطيه بعض التمارين البسيطة لكي أساعده على إطلاق التوتر من هذه المنطقة، وأوجهه للاستناد على ساق واحدة فقط، موازِنًا نفسه بمساعدة أصابع يديه على الأرض، وأطلب منه أن يرفع أصابعه وعقِبَه في الوقت نفسه. وعلى هذا النحو، سوف يتكئ أكثر أيضًا على الجزء العضلي من القدم على الأرض. وهو يتأرجح حول القدمين سوف يتمكَّن فعلاً من الإحساس بالجزء العضلي من القدمين اللتين تلمسان الأرض، مرافقًا أيضًا الشحنة الطاقوية التي تصعد من خلال الساقين حتى الردفين. ومن ثمَّ، فهو يستبدل الساق التي استندَ عليها ويكرر السياق في الجانب الآخر. هذا التمرين يتيح الشعور بالأحاسيس والإثارة في القدمين أقوى بكثير من الهيئة البسيطة في الانحناء إلى الأمام. عندما قمت بهذه التمارين تحققت من أن قدميَّ أصبحتا أكثر حياة وساقيَّ أكثر استرخاء. فالتمرينان يرفعان من قوة الاهتزاز في الساقين مما يشير إلى أن شحنة طاقوية تكون في حركة أكثر اهتزازًا. والمرضى الذين يقومون بهذه التمارين أثناء جلسات العلاج، أو في منازلهم، يروون عن إحساس أعظم باتصال أقدامهم مع الأرض وباتصالهم مع سيقانهم مما يُترجَمُ إلى أعظم إحساس بالأمان. أقوم بأداء هذا التمرين في كل الصباحات تقريبًا. ذلك أنني الآن رجل مسن، وبالتالي أدرك أن ساقيَّ وقدميَّ ليستا مرنتين بما فيه الكفاية، وهما طليقتان كما كانتا في السابق. وحينما أتوصل على إبقائهما مرنتين ومع شحنة طاقوية فإنني أصبح أكثر شبابًا. وأقوم أيضًا بتمرين آخر للاتصال مع الأرض grounding، الأمر الذي تعلَّمت القيام به منذ بضع سنين مع زميل لي في معهد الطاقة الحيوية كان قد تعلم هذه الحركة في ورشة عمل عند شعوره بألم في أسفل الظهر، وكان يدير ورشة العمل هذه فريق من أطباء العظمية. وباللجوء إلى الوضعية الأساسية للاتصال مع الأرض grounding كان الشخص ينحني إلى الأمام ويقوم بلمس الأرض برؤوس أصابعه، دافعًا بقوةٍ الجزء العضلي لأخمص القدم إزاء الأرض، ويدور في الوقت نفسه، وذلك على نحوٍ يدور فيه وركه بخفة نحو الجانب نفسه، حيث يُمَارَسُ الضغط. ومن ثمَّ، يُكرَّرُ السياق نفسه باتجاه الجانب الآخر. فحركة الردفين يجب القيام بها فقط من خلال فعل القدمين. لهذا التمرين مفعول إيجابي جدًا على مفصل الورك، لأن الحركة في هذه الوصلة لا تتعلق بأي نوع من الضغط على هذه المنطقة. ويشعر الشخص بانطلاقة الورك وبامتلاء منطقة حوضه بالحياة. يتنقَّل الهنود البدائيون يمنةً ويسرةً بشكل غير واعٍ، ولكن ذلك يؤدي إلى تغير ديناميكي وفقًا للطاقة أو الإثارة المصرَّفَة لكل ساق على نحوٍ تناوبي. في حين أن أناس الدول المتطورة يسيرون بصلابة أكبر بكثير، وبهيئة آلية مفرطة. إن أردافنا هامدة، ومن الضرورة بمكان القيام بجهد مقصود لخلق حركة تذبذبية. فهذا الهمود في منطقة الحوض، حسب رأيي، هو العامِل المسؤول عن مرض انحلال الأوراك الذي يشمل الكثير من المسنين في ثقافتنا هذه. بعد قيامي بهذه التمارين لسنين طويلة، كنت بحاجة إلى مواجهة واقع أنَّ العلاج الذي انتهجته لم يتوصل فعليًا إلى إحداث تغييرات ضرورية للمرضى، تغييرات تجعلهم يشعرون أنهم أكثر تحقيقًا لذواتهم. فهمتُ آنذاك، إلى حد ما، أن منظومة الطبع العصابية كانت عبارة عن حالة هامدة كما لو كان الشخص قد تلقى صدمةً في لحظة ما في بداية حياته. في الواقع، لم أفشل البته إزاء أي وضع ذي أهمية بالنسبة لي، إلا أنه في عام 1990 بدأت أدرك فشلاً ما في زواجي، وكذلك في العلاج الذي كنت أنتهجه مع المرضى. فملَكَتي الفكرية كانت قد وضعت قناعًا على عدم نضوج شخصيتي بما فيه الكفاية. وذلك بسبب عدة كتب شعبية كنت قد حررتها، وبسبب تأسيسي للتنظيم الدولي الذي حظِيَ باحترام على نطاقٍٍ واسع، وبالتالي اعتبرني كثيرون ناجحًا. لكن، برجوعي إلى الأرض، كان عليَّ أن أتخلَّى عن فخاخ النجاح. واستلزم هذا مني بعض التغييرات التي تضمنَّت التنحي عن مركز المدير التنفيذي للمعهد الدولي للتحليل الطاقوي الحيوي. وكانت النتائج إيجابية. شعرتُ بنفسي أكثر حرية، فأنا لم أعد مسؤولاً عن المعهد. ومن جهة أخرى تابعتُ عملي كمعالِج طاقة حيوية، وأبقيت أيضًا على بعض ورشات للعمل في المعهد. وخلال وقت طويل كنتُ قد بقيتُ في حالةٍ من الشعور بالصدمة، مما قد منعَني من رؤية أوضح لعمق ديناميكية مشاكلي. والمسألة التي كانت تفرض نفسها هي الاتصال مع الأرض، أي الـ grounding، لكنني كنت بحاجة إلى تقنية قادرة على إيقاف هذه الحالة من الشعور بالصدمة. ولذلك قمتُ بإدخال تمرين جديد صار أكثر فاعلية بكثير على مستوى العمل على الجسم. ففي هذا التمرين كان الشخص يضع جزء قدمه العضلية على كرة صغيرة للغولف. وعند وضع ثقله فوقها كانت تُرسَل شحنة قوية من الطاقة للجسم. وفي بعض الحالات تهتز من أعلى إلى أسفل. من الممكن أن يكون ذلك مؤلمًا جدًا، لكن هذا المفعول كان بوسعه أن يتجاوز العوائق حتى أنه يستطيع أن يجعل الجسد يهتز بقوة، واضعًا الفرد على حافة البكاء. فعلى الشخص أن يبقي قدميه على كرة الغولف الصغيرة حتى لا يعود بمقدوره احتمال الألم أكثر من ذلك. وإذاك فإنه ينتقِل إلى القدم الأخرى. يقوم مرضايَ بهذا التمرين مرتين لكل ساق، مختبرين إحساسًا قويًا في الجزء العضلي من أخمص القدم، وذلك عند سحبهم للكرة الصغيرة من تحت قدميهم. وبعد هذا التمرين مع كرة الغولف، يؤدي أي تمرين من التمارين الأخرى للاتصال مع الأرض grounding إلى تأثير فعَّال في الجسم كله – ويمكنه المساعدة على إيقاظ فعل الكونداليني[5]. وبدون كرة الغولف سيكون من الصعوبة بمكان رفع سوية اهتزاز طاقة الكونداليني على نحوٍ ملموس. إنني أقوم بهذا التمرين يوميًا حتى شعوري بدرجة من الألم غير محتمل، وهذا يكلِّفني فقط بضع دقائق. إن تمرين الـ grounding يساعِد المرء على الانفتاح على أحاسيس أكثر عمقًا، وعندما يُطبَّق مع تمارين التنفس والاهتزاز يتم الحصول على تجربة جسدية كاملة في الامتلاء بالحياة والطاقة. بالنسبة لي، فإن التغييرات التي تطرأ على المرضى كانت واضحة في كل جلسة. فهم يشعرون بأقدامهم تلامس الأرض عن طريق اتصالها بالأرض. وبالتالي كانوا يشعرون أنهم متصلون بالجسد ككل. ويبقى التنفس والبكاء عوامل أساسية في هذا السياق لأنهما يحرران التوتر في النصف الأعلى من الجسم. في حين أن التمارين الجنسية المعروفة مثل القوس الحوضي تساعد على انفتاح المنطقة الحوضية على نحوٍ أكثر امتلاءً. فالعمل الجسدي ضمن الطاقة الحيوية هو مُنَسَّق دائمًا مع العمل التحليلي لمساعدة المريض على فهم سلوكه العصابي بسبب صدمته التي عانى منها عند مقتبل العمر. إلا أن هذا الفهم يصير سياقًا للنمو بقدر تحوِّل كل تجربة جديدة للنشاط الحيوي ولذته كلاً من الجسد وشخصية المرء. يكمن سر الامتلاء الدائم في الاتصال مع الجسد ومع الذات، وفي التعبير عن النفس بشكل حر. فما يجعل العلاج أكثر سهولة بالنسبة لي هي الفوائد التي يشعر بها مرضايَ في كل جلسة علاج. ومع مرور الوقت، فإن التغيرات التي تطرأ عليهم تصير واضحةً أمامي. إن فقدان الشعور بالأمان ليس هو الثمن الوحيد الذي ندفعه من أجل طريقة حياة تفتقد الجذور في أعماق الأرض. وإذا لاحظنا أناسًا يسيرون في الشارع، وذلك ضمن أية مدينة كبيرة، فلسوف نلاحظ بادئ ذي بدء أن حركاتهم مقيَّدَة وهي ثمرة مجهود يقوم به المرء. وبالنسبة للأغلبية، ليس المشي نشاطًا ممتعًا، فهم يسيرون للوصول إلى مكان ما أو فقط باعتباره تمرينًا رياضيًا لا أكثر. ولهذا فهم يحسون بمتعة أقل ويمشون بدون رشاقة – وهذا ليس خسارةً لا معنى لها. فالحركات الرشيقة هي خاصية أساسية للمرء المتصل مع جسمه ومع الأرض. وعندما يتحرك المرء بطريقة رشيقة فهو على اتصال مع الإيقاعات الأكثر عمقًا للحياة. وإن نقصان الرشاقة أو الظرافة يشير إلى فرد غريب عن الكون الذي يعيش فيه، وذلك عوضًا عن انسياب حركاته الإرادية على نحوٍ كامل. وشخص كهذا هو شخص غير آمِنٍ وغير مرنٍ إطلاقًا. إن طبيعة الظرافة تكمن في الشعور بأنه لدينا دعمٌ وحافز من أمنا الكبرى، الأرض. فهرقل القدير لم يستطع قتل أنثيوس Anteus ابن الأرض الأم، ففي كل مرة يطيح هرقل به أرضًا كان أنثيوس ينتصِب معزَّزًا لا بل حتى بقوة أكبر، وذلك بفضل اتصاله بأمه. وكان هرقل يخسر معاركه مع أنثيوس على هذا النحو حتى أدرك هرقل من كان أنثيوس، إذاك عوضًا عن الإطاحة به أرضًا، أمسك هرقل بابن الأرض الأم وعلَّقه في الهواء – وهكذا استطاع قتله. وبالتالي، تأتي قوتنا من الأرض، بالطريقة نفسها التي تحصل فيها الأشجار على قوتها. فإذا قُطِعَت جذورنا من الأرض سنموت، لا موتًا جسديًا بل موتًا طاقويًا، أو بعبارة أخرى موتًا روحيًا. وهذا يُطبَّق على كثير من الأشخاص الذين يعيشون فقط في رؤوسهم، ذوو حياة تدور حول الحصول على السلطة، والتباهي بما فعلوه، واكتساب الشهرة. إنها شخصيات نرجسية في وقتنا هذا، أو شخصيات فصامية عديمة الاتصال بجسمها وأحاسيسها. إن أغلبية الناس في هذه الثقافة لا تدرك اتصالها ولا تشعر بأقدامها مغروسة في الأرض. إذًا، من الأهمية بمكان أن نركز المشكلة في بؤرة فقدان الإحساس بأين تكون أقدامهم. من الضروري أن نتفكر كيف يعمل الجزء العضلي من أخمص القدمين، لكي نتيح لهذا الاتصال أن يحصل. وأرى الصورة كموجة من الإثارة تنساب نحو الأسفل من خلال الساقين، وذلك في حركة حلزونية. وأخيرًا، فإن كل الحركات الحية لديها اتجاه حلزوني. فالحياة لا تجري وفق خط مستقيم. والجزء العضلي من أخمص القدم هو مثل نقطة في أعلى هذا الجزء الذي يركز ويفرِّغ السيَلان. فالتفريغ يحصل في حركة معاكسة للأعلى من خلال الساقين وصولاً حتى الخصر – اختبرت لمرات عديدة شخصيًا هذه الحركة الصاعدة. رغم ذلك لا تتوقف هذه الحركة عند الحوض أو الخصر في كل الحالات، بل موجة العودة هذه تتحرك إلى الأعلى من خلال الظهر حتى الرأس. فثمة نقطة في أعلى الرأس موازية لأعلى نقطة من الجزء العضلي لأخمص القدم. ولكن أعلى نقطة أخرى تتموضع في فروة الرأس حيث الشعر ينتشر في دوارة حول نقطة مركزية هي أيضًا نقطة تفريغ. فعندما تنساب شحنة طاقوية قوية نحو الأعلى وإلى خارج أعلى النقطة هذه، فإننا نقول إن المرء "أضاع صوابه"، وتصدر أحيانًا صرخة حادة ومشحونة بشكل عالٍ، والتي ترنُّ كضجيج صفارة إنذار وتمثِّل فعل فقدان السيطرة. إن القدرة على الصراخ في أعلى مستوى من الحدَّة يوافق الفعل نفسه للتفريغ الذي يجري في الجزء العضلي من أخمص القدم. فالراشدون، بدون اتصال بالأرض grounding، لا يستطيعون الصراخ. والرضَّع والأطفال ليس لديهم grounding بما نصطلح عليه باتصال أقدامهم بالأرض، فهم متصلون تمامًا من خلال علاقتهم مع أمهم الجسدية. وإذا ما انقطعت هذه العلاقة فالطفل يقوم بسحب طاقته ويصبح متوحدًا، وهذا يؤدي عند طفل صغير جدًا إلى حالة من الكآبة. للجسد أيضًا مجالات أخرى من الطاقة، من حيث مدخل ومخرج الطاقة للمنظومة الحية، أكثر قوة. آخذين بعين الاعتبار العينين. فبإمكاننا التأكيد بطمأنينة أن العين كرةٌ، ولهذا ندعو حدقة العين بـ globo ocular أي (الكرة البصرية) ووظائفها تتشابه مع تلك التي للجزء العضلي من القدم. فالعين هي أيضًا نقطة اتصالنا الرؤيوية مع العالم الذي نحن فيه. ويتناول الأمر ملحوظة: في الواقع إن طاقة حدقتي العينين تساوي طاقة الجزء العضلي لأخمص القدمين. وكما قلت آنفًا ما إن يقوم مريض بتمارين الاتصال مع الأرض للـ grounded لكي يرفع من سوية الطاقة في منطقة القدمين، حتى تصبح العينان أكثر بريقًا، وتتحسَّن الرؤية. فكل المرضى الذين عملت معهم يروون الظاهرة نفسها، وقد تحققت بنفسي في كل واحدة من هذه الحالات. يحتاج الجسد إلى توازن طاقوي. فقد أكَّد رايش الشيء نفسه في محاضراته في المدرسة الجديدة New School في عام 1940، بالرغم من أنه استخدم عبارات مختلفة. فالشحنة والتفريغ الطاقوي يجب أن يكونا متساويين، فإذا كانت شحنة الفرد قد ازدادت على نحوٍ أكبر من قدرته على تفريغها، فسيؤول الأمر به إلى انعدام توازنه، وحركاته ستصير شواشية، وسوف يشعر بالضياع. وإذا كان تفريغ الطاقة أعظم من سياق امتصاص الطاقة فسوف يضعف المرء ويموت. فاختلال التوازنات يمكن أن يحصل كما في الواقع، ولكنه يعالج بسرعة من خلال سياقات التنظيم الذاتي للجسم. وما قلته بخصوص طاقة العينين على أنها مساوية لطاقة الجزء العضلي للقدمين يُطبَّق أيضًا بشكل مساوٍ على المناطق الجنسية كالخصيتين والمبيضين. فالفرد النشيط، دون أدنى شك، فعَّال جنسيًا. والإثارة الجنسية تجعل العينين تبرقان. فالمرء مع الـ grounding أكثر حيوية جنسيًا، وعيناه تدخلان على نحو نشيط في اتصالهما مع الشخص الذي ينظر إليه. والمرء بصريح العبارة متصلٌ على كل المستويات. لا أريد ترك الانطباع عند الآخرين بأنَّ كون المرء متصلاً بالآخرين وفعَّالاً جنسيًا، وعلى اتصالٍ طيبٍ مع الأرض grounded، هو سياقٌ سريع وسهل. فتدفق الإثارة في جسم أغلبية الناس صار مقيدًا، ومحجوزًا، وذلك من خلال تقلُّصات عضلية مزمنة. فما من أحد يحدِّد أو يحصر الحياة نفسها بأقل ما يكون من أجل البقاء على قيد الحياة. ولكنه خوف كبير من أن يصبح المرء ذا نظام أكثر حيوية، ويشعر بالخوف والحب والغضب والحزن متخليًا عن أنظمة دفاع طبعه العصابية. فالخوف من الاستسلام للأحاسيس، وللحياة، وللجسد هو أمر معدٍّ في هذه الثقافة التي تسخِّر الجسد لخدمة العقل، ففي ثقافة كهذه يعد فكر الفرد أسمى من مشاعره وأحاسيسه، وحب السلطة أكثر أهمية من المتعة ومن العمل، الذي يفتقده، على تحقيق الغاية من الحياة. فهذا الموقف يميز الشخص النرجسي الذي صار الآن الشخصيةَ المسيطِرَة على ثقافتنا المعاصرة. ترجمه عن البرتغالية: نبيل سلامة [1] راجع كتاب التصوف البوذي والتحليل النفسي ترجمة ثائر ديب، حين يقول مؤلف الكتاب د.ت.سوزوكي: سألني أحدهم ما هي تجربة الاستنارة الروحية، فأجابته أن تكون أعلى بقليل فوق الأرض، الأمر في غاية البساطة. (المترجم) [2] يُحكَى أن جار لاوتزو، حكيم التاوية الكبير، كان يشاركه رياضة المشي كل صباح وذلك لسنين طويلة، وكان جاره يعرف أن لاوتزو يحب الصمت، فكان يمتنع عن الكلام، إلى أن أتى ذات يوم زائر جديد رغب بممارسة رياضة المشي مع هذا الحكيم، لكن صمت الحكيم جعل الزائر يضجر منه فقال له: انظر ما أجمل الصباح... الخ، لكن لاوتزو لم يحب الإجابة حتى اعتبر هذا الزائر الجديد إنسان ثرثار، فحسب رأيه أن الكلام لا يغني ولا يفيد سواء قلنا أن الشمس تشرق، أو لم نقل، فإنها تشرق وتضيء العالمين، إذن ما الحاجة للكلام، حسبنا أن ننتبه، ولعل المشي كان بالنسبة للحكيم فعل تأمل لا فكر فيه، ووعيه يضيء أكثر من الشمس بمئات المرات، فما حاجته للكلام. (المترجم) [3] يذكر أحد حكماء التانترا، في كتاب صيدلية النفس تأليف أوشو، حول عملية الركض الذي نقوم به تلقائيًا، أننا نتنفس بعمق ويتحرر فائض الطاقة، وأن الدم يصبح أكثر نقاوة، ويتعرَّق الجسم وبالتالي يفرز خارجًا كل ما يسمم الدم. وهذا الحكيم يسمي الركض الالتحام بالوجود، ويسميه الرقصة التي تجعل من المرء أكثر التصاقًا بالأرض، وذلك دون تفكير في أن المرء يفعل ذلك، فلطالما أن الجسد يستهلك كل الطاقة فليس ثمة طاقة كافية لتجعل المرء يفكر، ومن هنا يصير الركض كالمشي فعلاً تأمليًا، أو تأملاً رائعًا، كما مر معنا قبل قليل مع حكيم التاوية لاوتز. (المترجم) [4] يذكر الفيلسوف الكبير برتراند راسل، في كتابه الفوز بالسعادة ترجمة سمير عبده في فصل السأم والإثارة، حول طفل ذي سنتين في لندن رآه حين كان يمشي في الضاحية الخضراء، وكان الفصل شتاء، وكل شيء مبلَّل وموحِل، ولم يكن في نظر البالغ أي شيء يستوجب الفرح والسرور، ولكن عند هذا الطفل نشأ شعور غريب بالبهجة، فركع على الأرض المبللة، ووَضَعَ وجهه على العشب وصدرت منه صيحات البهجة والحبور، وكان سروره بدائيًا بسيطًا، فالحاجة العضوية التي أُشبِعَت عميقة جدًا، وأستطيع القول إن هذه الحاجة هي حاجة الاتصال بالأرض، على نقيض اللذات الأخرى كلعب القمار، الذي يستشهِد به الفيلسوف، كنوع من اللذات والإثارة التي تفتقد الاتصال مع الأرض. وبالتالي، يقول المؤلف: "الملذات التي تصلنا بحياة الأرض فيها شيء يرضي أعماقنا، ومتى انقطعت بقيت لنا السعادة التي جلبتها لنا". (المترجم) [5] حسب اليوغا في الفكر الهندي، توجد منظومة مكونة من سبعة مراكز طاقة على امتداد العمود الفقري، وتستند على القوة المركزية التي تدعى بـالكونداليني، وهي القوة الأولى، وتمثل الاستنارة، والأساس، صيانة الحياة، الوظيفة، ويُرمَز لها بالأفعى الملتفة على نفسها، ولكنها عندما تتحرك فإن حركتها تتجه من الأسفل إلى الأعلى، وهي على هذا النحو متحركة دونما توقف عند استيقاظها من نومها، ولذلك فهي تعبِّر عن طاقة الأرض الأنثوية، والتي عند استيقاظها يتحول اتجاهها من الأسفل إلى الأعلى. (المترجم)
|
|
|