|
مستمرُّون...
"الأمواج تضربها لكنها لا تغرق."
1 ها نحن، مع مطلع هذا الشهر، الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2008، نطلُّ على عام معابر التاسع. أجل، لقد انقضت ثمانية أعوام على تلك السهرة التي انعقدتْ في منزل أكرم أنطاكي وحَضَرَها، إلى جانب بعضهم ممَّن لا يزال إلى اليوم عضوًا في أسرة تحريرها، الشاعرُ أدونيس الذي ألقى خلال تلك الأمسية بعضًا من قصائده من الجزء الأول من الكتاب، ذلك العمل المقدَّر له، ربما، أن يخلد. وها نحن اليوم نردِّد، مثله ومعه:
أتراني
مللتُ يقيني في كلماتي لأنها ثمانية أعوام انقضت، ولأننا، مثله، نشعر بالإعياء ونواجه أنفسنا متعَبين... وإن كنَّا لا نزال نتطلع إلى المستقبل الذي مافتئ يدعونا إلى الاستمرار، فنراجع ما مضى ونقيِّم ما حققنا من نجاح ومن فشل. 2 ففيمَ نجحنا وفيمَ فشلنا؟ - لقد نجحنا في الاستمرار حتى الآن، على الرغم من الصعوبات التي واجهتْنا، كما جاء في افتتاحيتنا للإصدار الخامس (بُعيد عام من صدور معابر)؛ نجحنا في [...] أن نطوِّر المجلة (من حيث مضمونُها على الأقل، وضمن حدود الإمكانات المتوفرة لدينا)، وأن نكون الناطقين باسم "خط" إنساني جديد–قديم، علمي وروحي معًا، لا يهادن في الأخذ باللاعنف جوابًا على حُمَّى العنف التي تجتاح العالم، ويدعو إلى المحبة (على خطى البوذا وسقراط والناصري والحلاج وغاندي وسواهم) دواءً لأدواء الطائفية والتعصب الأعمى والحقد المستشرية في أصقاعه قاطبة، ويصرُّ على العمق الباطن للأديان والفلسفات، القديم منها والحديث، المتمثِّل في نواتها السِّرانية الأزلية – خطٍّ لا يستبعد أيَّ مسار فكري بما هو كذلك، بل يسعى إلى لمِّ شمل كلِّ ما هو إنساني، خيِّر، نقي، كريم، في الثقافة العالمية، دون أن يهمل التطورات الأخيرة في العلم الحديث، الذي تتلاقى مساعيه وهواجسه الإپستمولوجية الجادة مع كشوف الحكمة القديمة، على اختلاف مدارسها، دون أن يعني ذلك التطابق أو التماثل. و... - نجحنا، من خلال تطويرنا المستمر والدءوب (وإن البطيء أحيانًا) للمجلة، في أن تصبح لنا، من أجل نشر تلك الثقافة التي كنَّا ولا نزال ندعو إليها، · دارُ نشر أصدرتْ حتى اليوم ثلاثة كتب ورقية[1]، وهي على وشك إصدار الكتاب الرابع قبل نهاية هذا العام 2008. · مكتبة إلكترونية، لكنها مازالت متعثرة. وأصبحنا · إحدى المرجعيات الأساسية في فكر اللاعنف عند الناطقين بالعربية، حتى إننا بتنا نعقد ورشات عمل سنوية لنشر فلسفته وثقافته بين أصدقائنا وقرائنا. وأيضًا... - نجحنا في زيادة عدد قرائنا من 1500 قارئ شهريًّا إبان عامنا الأول إلى ما يقارب الثلاثة آلاف قارئ يوميًّا خلال العام 2006؛ لكننا فشلنا بسبب أخطاء منا في الحفاظ على هذا العدد وتكثيره، حيث اتفق له أن ينخفض إلى ما يقارب المئة قارئ يوميًّا خلال أواسط العام 2007، ليعود فينطلق متصاعدًا في بطء من جديد – وذلك لسبب أساسي مُفاده: ليس مدعاة لأيِّ فخر، بل تقريرٌ لواقع، أن موقع معابر وحيد من نوعه باللغة العربية، كدورية ثقافية (بالمعنى الجدي العميق للكلمة)، مجانية تمامًا، لا يسعى القائمون عليها إلى أية منفعة مادية، على المدى القصير أو الطويل. - وفشلنا حتى الآن في إشراك قرائنا في عملنا وفي تطوير منتديينا، العربي والإنكليزي، شبه المتوقفَين الآن. لكن، في شكل عام وعلى الرغم من كلِّ هذه المصاعب، الذاتية والموضوعية... 3 نجحنا في الاستمرار وفي التطور بفضل:
[...]
هؤلاء الذين ربما كانوا كذلك – ومازالوا – هذه الحفنة الصغيرة من الأصدقاء، ذلك
البعض من "هيئة التحرير" الذي لا يتجاوز عددُه أصابع اليد الواحدة؛ الذين ليس أي
واحد منهم متفرغًا لهذا المشروع كما ينبغي و/أو كما كان يُفترَض؛ أولئك الذين
قدَّموا ويقدِّمون لهذا العمل كلَّ ما لديهم من أوقات فراغ وراحة – بلا أيِّ مقابل.
وأيضًا... ما يعني، في المحصلة، أننا، على الرغم من كلِّ ما نشعر به من تعب وإعياء، مستمرون معكم، بفضلكم وبفضل كلِّ مَن يدعمنا، وسنتجاوز معًا تلك المصاعب العابرة التي تواجهنا... أجل، سنستمر... لأننا – وهذا هو الأساس – مقتنعون بأننا لبَّينا، ولم نزل، شيئًا ليس بالقليل من تلك الحاجة الأساسية إلى ثقافة إنسانية، حرة ونظيفة، هي بعض مما يحتاجه مواطنونا العرب من غذاء روحي قوامه أجمل ما آمنت به الإنسانية من قيم خالدة. 4 في المهابهارتا، ملحمة الهند الشعرية الكبرى وأضخم كتاب عرفتْه الإنسانية، مشهدٌ يصوِّر الأمراء من عشيرة پاندو يتمرسون على فنون القتال على يد درونا، المحارب الصنديد ذائع الصيت. وأغلب قرائها يتذكرون بالأخص حادثةً بعينها لأنها ذات مغزى عميق الدلالة: في أثناء إحدى دورات التمرس، وضع درونا على غصن شجرة عصفورًا خشبيًّا ونادى الأمراء الخمسة، واحدًا واحدًا، وسألهم: "ماذا ترون؟" فأجاب كل منهم: "أرى الشجرة... والعصفور... وأشقائي... وأنت." فطلب منهم التنحِّي جانبًا. وعندما جاء دور البطل أرجونا أجاب: "أرى العصفور." عندئذٍ سأله درونا أن يصفه، فقال أرجونا إنه لا يرى غير رأس العصفور. فأمره المعلم من فوره: "أطلقْ سهمك!" أجل، لقد كان أرجونا خير الرماة لأنه كان صاحب حسٍّ لا يضارَع بالهدف المطلوبة إصابته – دون سواه. فهل لنا مثل هذا الحس فلا يطيش "سهمنا"؟ رجاؤنا هو أن يكون لنا! *** *** *** [1] صدر حتى تاريخه عن "معابر للنشر" ثلاثة كتب: - جان ماري مولِّر، قاموس اللاعنف، بترجمة محمد علي عبد الجليل وتقديم د. وليد صليبي (بالتعاون مع الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية)، بيروت، 2007. - جِدُّو كريشنامورتي، التـأمـل، بترجمة وتقديم ديمتري أڤييرينوس، 2008. - كاثرين إنغرام، على خطى غاندي: حوارات مع مناضلين روحيين اجتماعيين، بترجمة أديب الخوري وتدقيق ديمتري أڤييرينوس، 2008. [2] راجع افتتاحية معابر لشهر نيسان/أبريل 2004.
|
|
|