|
علم نفس الأعماق
الإنـصـات الإنصاتُ إلى الأولاد... لا رصدُهم كموضوع بحث، ولا السعيُ إلى تأديبهم، بل أن يُحترَمَ فيهم هذا الجيلُ الجديدُ الذي يحملونه ويُحَبَّ. هل لنا أن نعرف يومًا إلى أيِّ حدٍّ ننصت من دون غش، من دون أن نُقحِمَ أنفسَنا، من دون أن نشوِّش على الموجات؟ ليس لنا أن نفرض على الأولاد شيئًا. فكرتي أنه ليس ثمة إلا طريقة واحدة لمساعدتهم: بأن نكون حقيقيين وبأن نقول للأطفال إننا لا نعرف، لكن عليهم هم أن يتعلموا المعرفة؛ إننا لا نصنع مستقبلهم، لكنهم هم الذين سيصنعونه، وذلك بأن نَكِلَ إليهم دورَ الاضطلاع بمصيرهم تمامًا مثلما يريدون هم أن يضطلعوا به. لكننا، للأسف، نؤثر فيهم أيضًا، حتى من غير أن نقصد. حيال طلبهم نتصرف وفقًا لآليات ناجمة عن تَرِكَةٍ وراثية وإشراط اجتماعي، نذعن لدوافعنا، لأمزجتنا، للضغوط الخارجية. لكن الأغلاط تجرح أقل عندما يكون مصدرَها الحبُّ الأخرق، عندما توجِدُ الثقةُ والاحترامُ المتبادلان مناخَ التفاعل. وإنه لمن الموفَّق الاهتمام لإيجاد "أماكن تربية". لكن من الخطأ أن نَكِلَ إلى الشخص نفسه العملَ التحليليَّ النفسيَّ مع الطفل ووظيفةَ مربي الطفل. إن اختلاط الدورين قد تسلَّل؛ وهذا لمما يؤسف له أشد الأسف، لأن المقترَبين متعاكسان.
قدَّمَ علماءُ العرب والمسلمين إسهاماتٍ جليلةً في مجال علم النفس تبهر كلَّ مَن يطَّلع عليها. فقد تشكَّل علم النفس في التراث الإسلامي كما تشكلَّتْ معارفُ المسلمين المختلفة. غير أن علم النفس في التراث الإسلامي لم يكن "صنعة" تجتمع عليها فئةٌ من الدارسين كما كان النحوُ صنعةً تجمع النحويين والشعرُ صنعةً تجمع الشعراء. فقد استعمل علماء التراث المناهج بأسلوب علمي، كالملاحظة ودراسة الحالة والاستبطان، وكان للمسلمين فضل السبق والإضافة في كثير من مجالات علم النفس. وقد عالج علماء التراث الظاهرات النفسية، كلٌّ من زاوية اهتمامه العلمي؛ إلا أن هذا العلم توزع بين المؤلَّفات التراثية المعنية بأسُس السلوك البيولوجية والكتب الفلسفية والفيزيائية والرياضية. وتُعَد كتبُ التراجم وطبقات الأعلام التراثية مصادر أساسية؛ فبعض هذه الكتب غني بمادته الپسيكولوجية، مثل طبقات الأطباء (ابن أبي أصيبعة وابن جلجل)، وبعضها الآخر يتسع ليشمل تراجم جميع أعلام الفكر. وتوفِّر هذه المؤلفات قاعدة متينة تمكِّننا من متابعة تطورات المفاهيم عند العلماء العرب. كذلك الأمر في خصوص كتب الأدب والمصنفات الأدبية، مثل: الأغاني، الإمتاع والمؤانسة، العقد الفريد، وغيرها؛ إذ تحتوي هذه المصنفات على تفاصيل هامة كانت قد أُهملت أو اختُزِلَتْ. وكذلك المؤلفات الفلسفية التي تضم آراء الفلاسفة في النفس، إضافة إلى بعض النظريات الهامة التي تشكل أساسًا نظريًّا لشرح التصور الإسلامي للإنسان وحياته النفسية. |
|
|