|
الصوت: بوَّابة الكون
تمثِّل نظرية علم الصوت لساميا ساندري التي جاءت بها في العام 1988 معالجةً علميةً وميتافيزيقيةً وفلسفيةً للواقع، المنظور وغير المنظور، بواسطة الرنين أي الصوت، حيث يمثل الصوت الطاقة التي لا تنضب والتي يتجدد الإنسان بفضلها حتى يبلغ وعيُه الكون. وفي كتابها الصوت: بوابة الكون[*] توضح ساندري معنى اللغة الجوهري ومفعولها السحري والديني، كما تبين أن الإنسان كائن يرتبط بالمقدس وبالكون بفضل طبيعة صوته.
ففي أديان الشرق الأقصى، كان تطوير الصوت الداخلي أهم من التعبير بالكلام، في حين أن الصوت عند الهنود الأمريكيين كان يُستعمَل للشفاء؛ وهو الشيء نفسه عند بعض الصوفية المسلمين وفي الطب العربي القديم، حيث كان الغناء يُستعمَل وسيلةً للعلاج. وتضيف الكاتبة أن الإنسان يستطيع أن يصبح كونيًّا بصوته بتأهيل قالبه الصوتي وبتعلُّمه التنفس الإيجابي لتحرير مجرى الهواء، ثم بتوقيع كيانه وجسمه على الصوت المتصل بالكون. والحقيقة أن النظرية تحاول أن تحقق تكامُلها عبر أقسام الكتاب الأربعة، التي تبدؤها بـ"الصوت كتعبير عن المقدس"، موضحةً دور الكلمة الإلهية في تأسيس الواقع، ودور الكلمة نفسها في الديانات الكبرى، بالإضافة إلى دراسة الصوت من خلال الأساطير والنبوءات والديانات التوحيدية. وفي القسم الثاني من كتابها، تتناول ظواهر المجتمع المادي الحديث وما آل إليه من خسارة للعلاقة مع المقدس، بالإضافة إلى دراسة تكاملية المرأة والرجل والتحول الجديد للإنسان، وصولاً نحو الإنسان الكوكبي. أما القسم الثالث الذي تدرس فيه الرنة، باعتبارها أساس الصوت وجوهر الكون، ففيه تعرض لعلم الصوت ونظرية الأجسام العليا وكيفية تحديد هذه الأجسام، إلى جانب العلاج بالصوت ولمحة عن الممارسة التطبيقية للعلاج الصوتي. ويبحث القسم الرابع والأخير في كيفية تحقيق كونية الإنسان عبر صوته: إذ تتناول نظام الصوت الكوني وتفسير الحياة والكائنات من خلال الرنين والصوت والبحث عن الكائن عن طريق الصوت. إن علم الصوت، كما تؤكد الكاتبة، يسمح بربط عناصر الكائن المختلفة بما يحيط به، كالمتعلق بالعلم والماورائيات والبيئة وبتركيبته الفيزيائية والنفسية وبعلاقته بالكون. إذ يتم ذلك كله بواسطة الصوت الذي يصل الإنسان بالكون ويتيح له نظرة شاملة إلى العلاقة مع المقدس ومع جوهره ككائن. وجدير بالذكر أن المؤلِّفة تستند في نظريتها إلى الاكتشافات العلمية الحديثة، كالفيزياء الكوانتية والنسبية العامة ونظرية الانفجار الكبير؛ كما أنها تحاول أن تبحث في التراث الثقافي الإنساني البدائي والديانات الأولى التي ظهرت في التاريخ. وهي تلح في حديثها عن تكاملية الرجل والمرأة على أن هذه التكاملية أساس الخليقة: فهي ترى أن تطور المرأة وتعدد إمكاناتها في التعبير يضيف إليها أوجهًا كثيرة تجعلها تلاقي، في الوقت نفسه، مصاعب في الحفاظ على التناغم بين صوتها الداخلي ونبرته الخارجية الحقيقية المرتبطة بالكون. ولما كان جسم المرأة مصممًا في الأساس للإنجاب فإن تعبيرات جسمها ترتبط مباشرة بالكون. وهي ترى أن الصوت، على الرغم من أنه لا جنس له، فإن سلَّم الأنغام الصوتية النسائية العالية تميل إلى الشحن بالطاقة أكثر من سلَّم الأنغام الخفيضة. وتحاول ساندري أن تبين أن إنسان القرن الواحد والعشرين يخضع لآثار تحول عام، عَمِلَ هو نفسه على إيجاد ظروفه كلِّها. وهي ترى أن الأخلاقيات التقليدية، المركِّزة على الإنسان في صورته الخارجية، أخلاقيات ضيقة، غير قادرة على مواجهة التحديات التي تطرحها الثورة العلمية التكنولوجية. ولذلك بات عليها أن تكون أكثر شمولية على صعيدَي الإنسان والطبيعة، وأن تتجاوز الحدود التقليدية البالية، وكذلك حدود العلم الذي جرَّ الكائن الإنساني إلى الخيبة، بحيث تدعو إلى إدراك أبعاد جديدة في حياته ووعي بيئته ومسؤولياته تجاه هذه البيئة الطبيعية. *** *** *** تنضيد: نبيل سلامة [*] ساميا ساندري، الصوت: بوابة الكون، بترجمة ماري بدين أبو سمح، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، 318 ص.
|
|
|