عن الحبِّ والسفر
مختارات سورية–لبنانية
1
هذه قصَّة الوجه الآخر من التكوين
وَجَدْتُها وعيناي مُغمضتان
فالطريق حبيبتي.
أنسي الحاج،
الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع
2
خالقة
منْ نُعْمَياتِكِ لِي أَلْفٌ مُنَوَّعَةٌ
وَكُلُّ وَاحِدَةٍ دُنْيَا مِنَ النُّورِ
رَفَعْتِِنِي بِجَناحَيْ قُدْرَةٍ وَهَوًى
لِعَالَمٍ مِنْ رُؤَى عَيْنَيْكِ مَسْحُورِ
أُخَادِعُ النَوْمَ إِشْفاقًا على حُلُمٍ
حَانٍ على الشَّفَةِ اللَّمْياءِ مَخْمُورِ
وَزَارَ طيفُكِ أَجْفَاني فَعَطَّرَها
يا لَلطُّيوفِ الغَريراتِ المَعاطِيرِ
خَلَقْتِنِي مِنْ صَبابَاتٍ مُدَلَّهَةٍ
ظَمْأَى الحَنِينِ إِلى دَلٍّ وَتَغْرِيرِ
فَكَيْفَ أغْفَلْتِ قَلْبِي مِنْ تَجَلُّدِهِ
لَمَّا تَوَلَّيْتِ إِبْدَاعِي وتَصْوِيرِي؟
بدوي الجبل،
الديوان
3
البحيرة
لأنه حزين
ارتدى الأجراس الملوَّنة
قناعًا للفرح
أوثَقَ نوادرَه على طرف لسانه
كي لا تخونه في اللحظة المناسبة
وسار بخفَّيه المرصَّعين
وحيدًا كالليل
ولا نجوم بانتظاره
سوى عيني.
أيها الطائر المحلِّق عبر الآفاق
تذكَّر أن الرصاص في كلِّ مكان، تذكَّرني
– أنا المسافرة الأبدية –
طوال حياتي أغذُّ السير
وما تجاوزتُ حدود قبري.
سنية صالح،
حبر الإعدام
4
يا ليتَ لي أفقًا من الأيدي لأحضنها
وألفَ فَمٍ لأحملها إلى اللغاتْ
يا ليت لي شجرًا من الكلماتْ
محمد عمران،
مديح من أهوى
5
انتظار
إِذَا عَادَ الشِّتَاءُ، وَدَقَّ أَبْوابًا
بِرَغْمِ رَحِيلِهِ مازَالَ
يَذْكُرُها.
إِذا عَادَ الشِّتَاءُ، وَلَمْ تَعُدْ،
أُصْغِي إِلى المَطَرِ الذي في القَلْبِ
يَحْفِرُها
وَأَفْتَحُ بَابَ
ذَاكِرَتِي،
وَأَغْمُرُها.
جوزف حرب،
الخصر والمزمار
6
تحت ضوء القمر أحببتك،
وتحت ضوء القمر أحببت الله وأمِّي وخرير
الماء – الماء الحقيقي –
لكن روحي المشقَّقة كأرض الزلازل لا
يرويها شيء.
أعرف أن الحب يأتينا عنوة دون أن نهيِّئ
له، وأن المشدوهين والحزانى واليائسين
واللامبالين جميعهم يقعون فرائس
للحب،
كالآخرين.
حتى الأسرى،
الأسرى المساقون للموت،
الأسرى الذين انحدروا من جبال طوروس،
كانوا أيضًا يحلمون بالحب،
لكنهم ذُبِحوا وأُهمِلوا على السفوح.
سنية صالح،
قصائد
7
[هدوءٌ مؤقتٌ عند منعطف الرغبات]
لقد غابت آلهةُ الخطايا
وأوَتْ عصافير الكلام
إلى أعشاشها
القبعات تزيِّن رؤوس الساهرين
نُمسي كأننا نغتال صوتنا
فنرتكي على مخدَّة الطريق القاتل
في الأضلاع يرتجف الزمن الآتي
والكمائن تنتظر أجسادنا العارية
نوم يلوِّن برودة الضَّجَرْ
وسيدةٌ تتمدَّد
في هذه القصة القصيرة
جبران سعد،
أشعار و23 قصيدة واحدة
8
أَلرُّقَادُ اَلْبَاكِرُ يُوقِظُ طُيُورًا في عِزِّ هُجُرَاتِها.
أَصْرُخُ قَبْلَهَا لِتَبْقَى.
أَلرُّقَادُ اَلْبَاكِرُ يَهُزُّ سَحَابًا في عِزِّ مَائِهِ.
أُدْرِكُهُ فِي اَلْوَادِي لِيَذُوبَ عَلى عُرْيِيَ الأَخِيرِ.
أَلرُّقَادُ اَلْبَاكِرُ يُفْلِتُ نَهْرًا دَارَ طَوِيلاً في زَبَدِهِ.
أَلرُّقَادُ اَلْبَاكِرُ ثُمَّ بَابٌ يُوصَدُ خَلْفِي.
أَحْصِنَةٌ مَذْبُوحَةٌ تَتَدَحْرَجُ مِنْ أَعَالِي صَهِيلِهَا.
پول شاوول،
أوراق الغائب
9
ومع ذلك،
وفي كلِّ عام،
يقفز عاشق جديد،
يمضي بين أزهار القطن النامية على ثوب الليل،
وينطلق نحو الأبدية.
سنية صالح،
قصائد
10
دَمْع
تَحْتَ المَطَرْ،
يَسِيرُ في الشَّارعِ حَوْلَهُ
المَسَاءُ وَالشَّجَرْ.
لا يَنْزِلُ المَاءُ عَلَى جَبِينِهِ
الكَئِيبِ، أَوْ مَعْطِفِهِ القَدِيمِ،
أَوْ يَدَيهْ.
فَعِنْدَمَا يُصْبِحُ ذَاكَ المَطَرُ السَّاقِطُ
وَاصلاً إِلَيهْ،
يَنْزِلُ
مِنْ عَيْنَيهْ.
جوزف حرب،
الخصر والمزمار
11
فارس المخيِّلة يمتطي حصان الشجر
وحش الرغبة خارج الجسد
خارج المدِّ والجزر
وبيده نقود باطلة.
فارس المخيِّلة يمتطي حصان الشجر
يمرُّ مسرعًا من النوافذ
تاركًا الورقة العليا أكثر ترنُّحًا
وميازيب الأرياف يخدق منها المطر
الجميل.
هذا ما يتذكَّره تعساء القرن العشرين،
وتلك الشجرة التي تطلُّ بقرنيها الأخضرين
ليست ملكًا لهم،
ولا يمكن الفرار عليها – مع ذلك،
يحلمون... يحلمون...
سنية صالح،
ذكر الورد
12
يا باب بستان الطفولةِ، لوَّحتْكَ الشمسُ،
فلتأنسْ إلى ظلِّي،
إنِّي فرشتُ هواءَهُ نعَسًا
لأمتلكَ الرؤى في نومكَ الطفلِ.
صيفٌ على أقواسِكَ السمراءِ،
أم أيامُ عيد القمحِ في الحقلِ؟
جئْني كما تهوى،
كأنِّي لم أكنْ
رجلَ الخسارات الكبيرةِ والصغيرةِ،
فارسَ الوقتِ القتيلْ،
مَن جاءَ مِنْ موتٍ،
إلى موتٍ،
إلى عينيكِ،
يُعلنُ منهما الحُلُمَ البديلْ.
محمد عمران،
مديح من أهوى
13
XIX
دخلتُ إلى الكنيسةِ راكضًا فوقعتُ
أشاهدُ الفجرَ من جديد مثقلاً بالسنين
من أجلي وحدي ولخيري
هذه المرأةُ
التي ابتسامتُها بعضُ تُرابٍ على النَّهدين
للمرة الأولى أراني معكِ حين أنام
أنتِ الحاضرة في كنائس حلمي
جورج شحادة،
أشعار
14
48
في لحظةٍ
كان عليَّ اتخاذُ قراري
في لحظةٍ
كان عليَّ الاحتفاظ فقط بما أُريدْ.
بالطبشورة البيضاء
زَيَّحتُ على الأرضِ
مربعاتٍ صغيرةْ،
وقفزتُ في طفولتي،
في مريولتي الزرقاء المربَّعةْ،
دخلتُ المربَّعَ الأول وصدحتُ:
سَماء
شجر
مطر...
فَزَخَّ المَطَرْ.
هالا محمد،
على ذلك البياض الخافت
15
الحبُّ هو خلاصي أيُّها القمر
الحبُّ هو شقائي
الحبُّ هو موتي أيُّها القمر.
لا أخرج من الظلمة إلاَّ لأحتمي بعريكِ ولا من النور إلا لأسكر بظلمتك.
تربح عيناكِ في لعبة النهار وتربحان في لعبة الليل. تربحان تحت كلِّ الأبراج
وتربحان ضدَّ كلِّ الأمواج. تربحان كما يربح الدين عندما يربح وعندما يَخْسر.
وآخذ معي وراء الجمر تذكار جمالكِ أبديًّا كالذاكرة المنسيَّة،
يحتلُّ كلَّ مكان – وتستغربين،
كيف يكبر الجميع ولا تكبرين.
أنسي الحاج،
الوليمة
16
هكذا، عندما يقفل الزمن بابه على الجميع
أدخل قاطرة الموت برضى
أمسك خيط الغياب وأجذبه
فتأتي ذاتي الخيالية –
ذاتي التي ولدت من رحم المرايا –
بكلامها الغامض المريع
لكن الأجساد الخائفة تفرز ما ينجيها
وها هو باب السلام يُفتَح
بين الجنَّة والأرض.
الحياة وحدها تأخذنا وتعيدنا:
لقد بَطُلَ الموت
وانقرضت الديدان
وانشقَّ الحجر البشري
لتولد الأجيال.
أمَّا أنا
فسأحجز بويضاتِ الإنجاب
في رحمي
لتعيش هكذا، عذراء
من أجل ألا يُحشَر الربيعُ بين الرصاص
سنية صالح،
ذكر الورد
*** *** ***
اختيار
وترتيب:
جبران سعد