مـجـرَّد اخـتـلاف!

مليكة مستظرف[1]

 

في هذا الوقت المتأخر من الليل يكون شارع محمد الخامس صامتًا، فارغًا وكئيبًا، إلا من بعض القطط الضالَّة. مواؤها مخيف، يشبه بكاء طفل رضيع. كلبة أمامي ترفع ذيلها وتلتفت إلى كلب أسود يعرج تنجح في غوايته. يركبها الكلب. يلتصقان، يلتحمان. تغمض الكلبة عينيها في انتشاء وتستسلم لحركات الكلب المثيرة. خَدَر لذيذ يسري في جسدي. كم هما محظوظان! يفعلان ذلك الشيء أمام الملأ: "ربي يشوف والعبد يشوف." لا يخافان من لارافل[2] أو من كلام الناس! بوشتى يصرخ:

-       اركل دين أمهم!

لا آبه له. يحمل حجرًا ويضربهما. يصدر عنهما أنين كالبكاء. يفترقان. لو كنت مكانهما لهجمت عليه وعضضته من إليتيه!

ساعتان وأنا أقطع الشارع جيئةً وذهابًا. ولا زبون واحد. الجفاف! أتحسَّس شفرة الحلاقة في جيبي. أحتفظ بها دائمًا تحسبًا لأية حركة غدر قد يفاجئني بها أحدهم. بوشتى يقف قرب المارشي سنطرال[3] مستندًا للحائط. يغنِّي أغنيته المفضلة بصوت ذي بُحَّة ناشزة: "الروج الروج أوا الروج الروج ما أحلى سكراته يا أمي." صوته الخشن يجرح سكون الليل. ينتظر أن يأخذ نصيبه عن كلِّ عملية مقدمًا. نحن نعرق، ونجف، ونتحمل سماجة الزبائن، وهو يأكلها باردة واجدة. الله يلعن دين...

نعيمة وجدت زبونًا مبكرًا. ذهبت معه على متن دراجته الموبيليت[4]. يبدو عاملاً في أحد المصانع.

-       أنا من أنصار الطبقة العاملة. هذا أفضل من التلاميذ الذين تضطر لتعليمهم أبجديات الحب. لست سيارة تعليم تكرر دائمًا.

كعب حذائي يؤلمني. لا أستطيع الوقوف طويلاً. أتمنى الرجوع إلى البيت. أحتسي قليلاً من البيرة وصحن بوزروك[5] بالفلفل الحار. هذه أفضل وصفة تجعل المرء يشعر بالدفء في هذا الجو البارد. لكن بوشتى لن يتركني وشأني. ثم لدي مصاريف كثيرة: الأكل، الملابس، المواصلات، والكراء. أهم شيء الكراء. أدفع نصيبي في الغرفة التي أكتريها مع نعيمة والسكامس[6]. أفكر في السكن بمفردي. لم أعد أطيق السكامس! فهي ما إن تشرب كاسين حتى تفضحنا في الدرب، وتدخل في حالة هذيان غريبة. تتفوه بكلام غير معقول، وتسب العالم كلَّه بكلام بذيء. الأمر يصبح أفظع إذا ما تصادف وجودُ السكارى بالدرب.

شفرة الحلاقة ما تزال بين أصابعي. تدربت على استعمالها منذ هاجمني أولئك الملتحون. قالوا إنهم يريدون تنظيف المجتمع! من يومها وأنا أكره الملتحين. "اللحية وقلة الحيا." قاموا بحلق شعر رأسي. بوشتى تصرف معي بنذالة. فرَّ وتركني. ولولا مرور لارافل لحصل ما هو أسوأ. لأول مرة أحب الشرطة وأفرح لرؤيتهم! هربت إليهم بعدما كنت أفر منهم. ومع ذلك، يحز في نفسي ضياع شعري. كان طويلاً وأشقر، كشعر الخيل. أمي كان يحلو لها أن تمشِّطه، وتتعمد أن تتركه طويلاً ومنسدلاً على كتفي.

ذات مرة عاد أبي من إحدى أسفاره الطويلة. يغيب شهورًا عديدة، ثم يعود محملاً بالهدايا وبعض الجبن والشاي وكثير من المشاكل. فاجأ أمي تضع أحمر الشفاه على خدي، وشعري معقوص على شكل إسفنجة. يومذاك ضَرَبَها حتى تغوطت في ملابسها، وقال لها:

-       هاد الولد غادي تخرجي عليه. سيصبح خنثى!

يده كالكماشة تطبق على ذراعي. يأخذني إلى الحلاق ويحلق لي على الزيرو[7]. أخفي رأسي بطاقية زرقاء صوفية. نعود إلى البيت. يأخذ مصحفًا بين يديه:

-       استظهر الفاتحة!

يفتح فمه عن آخره. تظهر أسنانه المتسوسة ولوزتاه. قلبي يدق بعنف تحت ضلوعي.

-       بسم الله الرحمن الرحيم...

أتلعثم.

-       ألا تعرف الفاتحة يا ابن المجوسية؟

يضغط على شفته السفلى بأسنانه الاصطناعية.

-       ستدخل جهنم يا ولد الزنى! جهنم تملوها النساء والز... من أمثالك.

يمسك المصحف بيديه وينزل به على رأسي. الغرفة تدور، الكرة الأرضية تدور، وكل الأجرام السماوية.

- ستدخل جهنم... أنت وأمك... اكتب ألف مرة... "أنا رجل... أنا رجل".

أطأطئ رأسي، أنظر إلى يدي، أمسك الخنصر:

-       أنا رجل...

ثم البنصر:

-       أنا امرأة... رجل... امرأة... رجـ... رجل... امر... امرأة.

آخذ ورقة وأجلس إلى الطاولة. يجلس غير بعيد عني. شفتاه لا تكفان عن الحركة. ربما يلعنني في سرِّه، أو يقرأ بعض سور القرآن. يراقبني بقرف وامتعاض، كأنه ينظر إلى جثة فأر متفسخة. كندورته البيضاء القطنية تشربت عرقه، فالتصقت بجسمه. من تحت كندورته البيضاء القطنية يظهر تبانه الأبيض ذو الخطوط السوداء. تبانه يشبه جلد الحمار الوحشي. لا أستمر في النظر إليه طويلاً حتى أجنِّب نفسي لسانه السليط.

يداه وراء ظهره. يحمل الشيطان فوق ظهره. هذا ما كان يقوله لي إذا ما ضبطني أضع يدي خلفي. لكن أمي تخبرني، وهي تمشط شعري، أن الرجال هم الشياطين والنساء قوارير. الرسول قال: "النساء قوارير." الرسول لا يكذب! وأبي يكذب. يقول إن النساء قوارير يختفي بداخلها الشيطان.

-       إشْ بغيتي تكون في المستقبل؟

-       پيلوط[8].

أقول بخجل وبصوت غير مسموع تقريبًا.

-       پينوط؟!

-       پييييييلوووووط... باللام.

-       پيلوط، پيلوط: پي... لوط.

يزم شفتيه الزرقاوين، يمدهما إلى الأمام. يبدو ساهمًا، كأنه يفكر في أمر جلل، وهو يردد: "... لوط، پي... لوط." يلتفت إلي:

-       تريد أن تسوق الطائرة؟ غادي تسوق الزبل يا وجه الويل؟!

* * *

أستاذ اللغة العربية يقول:

-       "الفاعل اسم مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره... المفعول به اسم منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره..."

أتحسس آخري. لا توجد فتحة. شيء ما بحجم الخنصر، كذيل جرذ صغير، يتدلَّى بين فخدي. يحرق الأستاذ ظهري بعصاه الخشبية. أتأوَّه. ينزع نظارته الطبية، ينظفها بطرف وزرته البيضاء. ينظر إلي من فوق لتحت ومن تحت لتحت. يضبطني أتحسس ذلك الشيء الذي يشبه ذيل الجرذ الصغير. يمسكني من ياقة قميصي ويرميني خارج الفصل وهو يردد:

-       هاد ولاد الحرام كثروا. لن أقبلك إلا برفقة والدك.

لم أخبر والدي بشيء، ولم أعد إلى المدرسة بعد ذلك.

أستاذ التربية الإسلامية يبسمل ويحوقل ويقول:

-       الفاعل والمفعول به في نار جهنم.

عيناه تدوران وتستقران على وجهي. التلاميذ ينظرون في اتجاهي. أحني رأسي في خجل، كأنني أعتذر عن وجودي بينهم. الأعين تحاصرني، وأنا وحيد بينهم. لا أشبههم. الكآبة تلفني. أعرق، أجف، وأتمنى لو أختفي، لو أتبخر.

صديقي يقول وهو لا يستطيع كتم سخريته:

-       مادونا وإلتون جون وبوشعيب البيضاوي سيؤنسون وحدتك في جهنم. جهنم غادي تكون مزوهرة. وفي الجنة سيكون أستاذ التربية الإسلامية ووالدك والطلبة الذين يقرؤون على القبور. ستكون الجنة كئيبة...

ينفجر من الضحك، وكالجَّرَب تمامًا تنتقل العدوى للجميع.

يخرجون من الفصل. يستبقيني الأستاذ. يلمس وجهي برفق ولطف. أشك في سلامة نواياه.

-       وجهك أملس أكثر من اللازم. كل أصدقائك نبتت لهم شوارب... إلا أنت.

ترتعش أصابعه، تسري الرعشة في جسمي. إحساس لذيذ و... آثم. أمسح قطرات العرق عن جبهتي. عيناه تلمعان بشيء غريب كالشهوة.

أطأطئ رأسي، أنصرف. يلاحقني صوته:

-       يجب أن تهتدي إلى الطريق القويم، القويم، القويم، القويم، القويم، القويم...

صوته يشبه قرقرة المصارين.

* * *

آخر مرة ذهبت فيها إلى الحمام للاستحمام تعود لسنوات. دخلت حمام النساء. وضعت دماليجي الفضية في الجيب الداخلي للحقيبة. وما إن هممت بنزع جلابيتي المليفة السوداء حتى تجمهرت من حولي النساء. قمن بشد شعري. واحدة منهن حملت عصا مكنسة وحاولت القيام بشيء مخجل وعنيف. وهناك مَن انزلقت يدُها تحت بطني لتتأكد من شيء ما. كنت أُعتَصَر بين نهودهن وأجسامهن المترهلة. رائحة العرق والحناء ومرطِّب الشعر تصيبني بالدوخة. أفلت بأعجوبة. قالت إحداهن: "أنت راجل... سير لحمام الرجال!" في الشارع كانت تصلني زغاريدهن وصلاتهن على النبي وضحكاتهن الخليعة. غضبهن كان مصطنعًا، وصراخهن أيضًا.

بعدها دخلت حمام الرجال. أمسكوني من قفايا وطردوني: "أنت امرأة... سيري لحمام النسا!" هكذا قالوا. كان أقسى يوم في حياتي! كلما أتذكره أحس بالمرارة تصعد إلى جوفي وأرغب في التقيؤ.

لا أفهم لماذا يتعاملون معي بهذه الطريقة! بخشونة. وفي بعض الأحيان بلا مبالاة حدَّ القسوة. في الشارع ينظرون إلي كأنني نزلت من كوكب آخر! ومع ذلك أحمل بين كتفي رأسًا لا تختلف كثيرًا عن باقي الرؤوس الأخرى. في البداية تتسع عيونهم، ينظرون إلي باستغراب، ثم بتقزز. يحاولون كتم ضحكاتهم، وفي كثير من الأحيان يهمسون بكلمة بذيئة تبدأ بحرف ز، أو يقولونها بفرنسية أنيقة حتى لا يخدشوا حياءً زائفًا. وهناك مَن لا يعرف كيف يخاطبني. يختلط عليه ضمير المخاطب بضمير المخاطبة، فتخرج الجمل شائهةً بلا معنى. ماذا به شكلي؟! لا أحد يختار شكله. "هذي خليقة الله."

الطبيب الذي زرته لا يكف عن حكِّ أرنبة أنفه والعطس. بعد عدة جلسات وكثير من الثرثرة والأوراق المالية وبعض التحاليل، أخبرني أشياء لم أستوعبها جيدًا. هرمونات، جينات، كروموزومات... وفي الآخر أخبرني أن علي أن أتقبل جسمي كما هو. يا للعبقرية! نعيمة قالت لي نفس الجملة بطريقتها: "ديري القطن في ودنيك وعيشي حياتك كيف ابغيتي أنت." كيف أقنع الآخرين باختلافي؟!

* * *

الساعة الثانية بعد منتصف الليل. أصابعي تكاد تتجمد من البرد. هذه الليلة فالصو[9]! سأعود إلى البيت وأحتسي قليلاً من البيرة وصحن بوزروك بالفلفل الحار.

*** *** ***

 

ملحق

مليكة مستظرف: رحلة الألم والإبداع

 

نعيمة النوري وخديجة بوعشرين

 

غيَّب الموتُ الروائية مليكة مستظرف بعد صراع مرير مع مرض القصور الكلوي الذي رافَقَها منذ العام 1986. غير أن هذا المرض لم يكن ليُضعِفَ قوةَ إيمانها بالكتابة ومقاومة الألم بالإبداع.

* * *

رحلت مليكة مستظرف، التي أكدت أكثر من مرة أن روايتها جراح الروح والجسد نسخة من الألم والغضب. فهي تحمل ملامح سيرتها الذاتية، حيث قالت في حوار سابق مع صحيفة الزمن:

ربما الظروف التي عشتُها عبر غسل الكلي بالدياليز وعملية جراحية فاشلة – كل هذه الأشياء دفعتْني إلى الكتابة، حيث كانت عليَّ ضغوطات، فكان يجب عليَّ أن أفجرها، بطريقة أو بأخرى، عبر الكتابة.

مليكة مستظرف قبل إصابتها بالمرض

الكتابة بالنسبة إلي هي نوع من المخدر، يلهيني عن التفكير في الألم. فإذا استمررت أفكر في الألم والمشاكل التي أعانيها صحيًّا، بكل صراحة سوف أجن، أو سأنتحر! لذلك الكتابة كانت عندي نوعًا من المخدر، نوعًا من المهدئ لهذا العالم الذي أعيشه، لأغرق في عوالم أخرى وشخصيات أخرى.

رحيل مليكة مستظرف تلقَّاه رفقاؤها بكثير من الألم والحسرة، حيث عبَّرت الروائية لطيفة لبصير عن حزنها لوفاة مستظرف لأنها لم تكن تتوقع أن تكون النهاية الآن، وقالت:

كنت أثق كثيرًا في قوتها وفي أنها لن ترحل الآن. لكن هذه القوة خدعتني، لأنه لم يمضِ وقت طويل على رؤيتي لها، وكانت صامدة. للأسف لا نجتمع حول الإنسان لحظة حياته. لم يكن اجتماع قوي بيننا للحديث حول ما يمكن لنا أن نقدِّم لمليكة مستظرف. كانت مبادرات، لكنها لم تأخذ بُعدها الجماعي. ولا نحس هذه المسألة إلا بعد الرحيل!

وأضافت لبصير:

تعرفت إليها منذ سنوات كثيرة. وكانت ساعتذاك بصدد إنجاز روايتها الأولى جراح الروح والجسد – هذه الرواية التي هي، نوعًا ما، سيرة روائية قريبة بشكل كبير من حياتها الخاصة. آنذاك عرفت مليكة مستظرف في علاقتها بالحياة اليومية، وفي علاقاتها الأسرية، وحتى في معاناتها مع مرض الكلى، الذي لم تكن نتيجته، للأسف، سوى هذه النهاية.

وأشارت إلى أن مستظرف "كانت في مسيرتها الإبداعية قوية في علاقتها بالمرض وفي علاقتها بالمحيط من حولها؛ وقوتها كانت تتجلَّى في تحدِّيها للمرض بشكل كبير. كانت تكتب، وكتاباتها التي حملتها مجموعتها القصصية الأولى ترنتسيس[10] كانت قوية، إضافةً إلى العديد من النصوص التي نُشِرَتْ فيما بعد ولم تأخذ شكل كتاب"، مؤكدة:

الأهم هو أن للراحلة نَفَسٌ خاص في الكتابة وفي السرد. وحتى صوتها كان مسموعًا. لها لغة قوية، لغة لا تخاف ولا تحتاج إلى حماية أو تغطية: هي لغة تعرِّي الواقع بنوع من السخرية السوداء. لغتها تمضي أحيانًا إلى البحث، ولكن هي نوع من انتقاد هذا الواقع المرير الذي عاشته، ونعيشه جميعًا. وقد جسدت كتاباتُها ذلك كلَّه.

واعتبر حسن البحراوي رحيل مليكة مستظرف "فاجعة أليمة للعاملين في القطاع الأدبي بالمغرب"، وتحدث بألم عن مسارها ومعاناتها منذ نعومة أظافرها مع المرض، الذي لم ينلْ من حجم عطائها الأدبي والإبداعي، حيث "قدمت رواية ظريفة تمثل إضافة نوعية في مجال الكتابة النسائية بالمغرب. وتتميز هذه الكتابات على الخصوص ببراعة أدبية، نظرًا لأنها تعالج قضايا المرأة والجنس في مجتمع مغربي تقليدي – مما فتح الباب على مصراعيه لتتمكن مليكة من إضفاء بصمتها الشخصية على هذا النوع من الكتابات". كما أن مجموعتها القصصية تشكل "شاهدًا على ميزتها الخاصة في المشهد الأدبي القصصي النسائي بالمغرب". وتحدث البحراوي عن حضور مليكة مستظرف في المشهد الصحافي الأدبي، حيث أجرت حوارًا مطولاً مع الكاتب المغربي محمد زفزاف ونشرتْه في إحدى اليوميات المغربية:

لقد ظلت الراحلة مليكة مستظرف تقاوم المرض ومؤثراته وتواجه مرضًا أكبر، هو مرض البيروقراطية في المجتمع المغربي. فقد نالت مليكة مستظرف شرف العناية الملكية لكي تعالَج، ولكن شاءت الظروف الإدارية والبيروقراطية إلا أن تؤخر هذه العناية وتعرقلها، إلى أن حلَّ قدر الله.

وأضاف البحراوي:

في إطار البحوث التي أشرفُ عليها بكلية الآداب بالرباط، أوسِّع الاهتمام بالفاعلين في الحقل الأدبي المغربي. لذلك كنت دائم الحرص على بعث مجموعة من الطلبة إلى مليكة مستظرف لرصد مسارها الأدبي والثقافي في بحوثهم. وكانت انطباعاتهم عنها جد جميلة، تشجِّع على اكتشافها عبر قراءة منشوراتها كافة. أتأسف لأني لم ألتقِ بها شخصيًّا. إلا أنني كنت حريصًا على علاقاتها في رواياتها وقصصها، وكذلك على الاستماع إليها عبر أمواج الإذاعة المغربية.

وتابع:

الجميل أنها كانت دائمًا تبعث لي السلام مع الطلبة الذين أبعثهم لها، وكأنني صديقها الوفي. وأظن أن هاته الصداقة هي صداقة إنسانية وأدبية، وهي أوثق من أنواع الصداقات كافة.

أما بهاء الدين الطود، فقد صَدَمَه نبأ وفاة مليكة مستظرف الذي علمه من الصحراء المغربية، وحزن كثيرًا على رحيلها، ودعا لها بالرحمة. كما تحدث عن ذكرى إرسال مليكة مستظرف لمجموعتها الأدبية إليه، حيث حرص على قراءتها وتوزيعها على مجموعة من معارفه وأصدقائه الصحافيين والكتَّاب، المغاربة والعرب، بغية الاستفادة من إبداعاتها في المشهد الثقافي العربي عبر إبرازها إعلاميًّا.

أما أحمد شكر، وهو قاص مغربي، فقد صُدِمَ لنبأ رحيل مليكة مستظرف، واعتبر رحيلها فاجعة للمغاربة:

هل قَدَرُنا أن نتجرع كلَّ هاته الفواجع، أن نرمق بأعيننا توالي غياب أسماء نعزها ونحترمها، أسماء لازالت قادرة على العطاء وفي عزِّ شبابها؟! مليكة مستظرف هي أكثر من اسم عادي: هي اسم حاول أن يحفر في النهر العميق بأبجدية الحياة، بنبشها في المختلِف وفضح الطابو العائلي، سواء من خلال روايتها الجرح العاري أو من خلال مجموعتها القصصية ترنتسيس أو من خلال كتاباتها وحواراتها المتعددة؛ هي اسم قاوم المرض لسنوات طويلة، مرضًا ليس بالعادي، وليس بالمرض الذي يمهل صاحبه.

وأضاف:

وأنا أسمع خبر الرحيل، يحضرني أول تعارُف برواق المعرض الدولي للكتاب، وهي تسند روحها بعكاز حديدي زادها بهاءً. كانت تحضِّر لاعتصام جملة من المبدعين للتحسيس بخطورة مرضها وبحقِّها في العلاج.

وتابع:

مليكة مستظرف إضافة نوعية، ليس للكتابة النسائية، بل للكتابة المغربية وللإبداع الحديث ولطريقة مختلفة في التعبير والفضح وقول "لا" للمؤسسة الأسرية ولكلِّ المؤسَّسات. ها هي ترحل أخيرًا، حاضنةً حزنها وألمها، مخلِّفة لنا حزمةً من الأسى وديوان بوح شفيف ميَّز مسارها وأسَّس لتمردها في الكتابة والحياة. وما كتبت لا يعبِّر عن كلِّ ما تحمل نفسُها الأبية من نَفَس أصيل وعبق حياة.

فليرحمك الله، مليكة، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

* * *

عن الصحراء المغربية، 12/09/2006


[1] قاصة وروائية مغربية توفيت مؤخرًا. خصَّتْ معابر بهذه القصة القصيرة "على أمل التعاون والفائدة"، كما جاء في رسالتها الإلكترونية.

[2] بالفرنسية la rafle: عملية مداهمة أمنية لمكان مشبوه؛ كناية عن الشرطة. (المحرِّر)

[3] بالفرنسية le marché central: السوق المركزي. (المحرِّر)

[4] بالفرنسية mobylette: دراجة نارية خفيفة. (المحرِّر)

[5] فواكه البحر.

[6] بالإنكليزية Scums: الحثالة. (المحرِّر)

[7] بالفرنسية à zéro: "على الصفر". (المحرِّر)

[8] بالفرنسية pilote: ربان طائرة. (المحرِّر)

[9] بالإيطالية falso: زائفة؛ كناية عن الخيبة. (المحرِّر)

[10] بالفرنسية trente-six: 36. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود