|
العَلمانية تحتضن، لا تهدِّد
العَلمانية قيمة إنسانية. وقد كثر استعمالُ هذه الكلمة في بلادنا – لمحاربتها أو لاعتمادها في برامج سياسية مختلفة. لذلك أضحت العَلمانية عندنا في خطر. ولما كنت أعتبر العَلمانية قيمة أساسية، أصبحت أخاف عليها مِن الذين يقصِّرون عن فهمها الحقيقي. وبما أن العَلمانية، كباقي القيم الإنسانية، – العدالة والمساواة والديموقراطية والمُواطَنة والحرية والتضامن إلخ، – تحتاج إلى تحديد متفَقٍ عليه، بعد التعمق في مفهومها، فمن الضروري أن يلتقي مؤيدوها ومحاربوها على حوار علميٍّ هادئ، يصل إلى نتائج إيجابية يوافق عليها الجميع. وقد بدأ هذا الحوار فعلاً منذ سنتين حول "تيار المجتمع المدني"، وتوسع منذ ثلاثة أشهر، فأخذ يشترك فيه أكثر من ثلاثين هيئة مدنية تعتبر ذاتها لاطائفية، إنْ لم تكن عَلمانية بالمعنى الشامل، تحت اسم "لقاء العَلمانيين في لبنان" الذي يضم هيئات وشخصيات مختلفة.[*] وقد قدم "تيار المجتمع المدني" ورقة عمل للمساهمة في بدء الحوار، يمكن اختصارها بما يأتي: العَلمانية الشاملة هي نظرة شاملة إلى العالم، تؤكد استقلالية العالم ومكوِّناته وأبعاده وقيمه بالنسبة إلى الدين ومكوِّناته وأبعاده وقيمه. وهي علاقة حياد إيجابي تجاه جميع الأديان والإيديولوجيات. و"الاستقلالية الإيجابية" هذه لا تعني، إذن، إلحادًا ولا شكًّا ولا ابتعادًا تجاه الأديان، بل اعتبار أن لكلِّ جهة كيانَها وقيمتَها من دون رفض أو استيعاب. والعَلمانية "شاملة" لأنها تشتمل على: العَلمانية الشخصية، التي تؤكد قيمة كلِّ إنسان من دون الرجوع إلى معتقده الديني. والعَلمانية السياسية، التي تؤكد استقلالية الممارسة السياسية عن الانتماء الديني. والعَلمانية الوظيفية، التي تؤكد استقلالية الوظيفة الحكومية عن الانتماء الطائفي. والعَلمانية المجتمعية، وهي في المعنى الحصري استقلالية المجتمع المدني، بأفراده وتجمعاته، عن الطوائف، فلا تقبل بفيدرالية طائفية. العَلمانية المؤسَّسية، وهي استقلالية المؤسَّسات التربوية والصحية والاجتماعية الأخرى عن الطوائف ومجالسها وسلطاتها. العَلمانية القانونية، أي استقلالية قوانين البلاد عن الشرائع الدينية، من دون التناقض مع ما تعتبره الأديان جوهريًّا. العَلمانية القيمية، أي استقلالية القيم الإنسانية، كالعدالة والمساواة والديموقراطية والحرية إلخ، عن المصادر الدينية أو اللادينية. أنا مؤمن بالله، ومؤمن بالعَلمانية الشاملة: مؤمن بالله، ولذلك أنا عَلماني؛ ومؤمن بالعَلمانية دعمًا لإيماني بالله. وإيماني المسيحي على مسافة واحدة من جميع الأديان. وأنا مقتنع بأنه كلما أصبح المسيحيون مؤمنين بالإنجيل حقًّا، والمسلمون مؤمنين بالقرآن حقًّا، أصبحوا جميعًا قادرين على تكوين وطن عَلماني حقًّا. لا شكَّ أن مشكلات لبنان برمته كثيرة جدًّا، لا تُختصَر بالطائفية، وأن العلاج للمشكلات لا يُختصَر بالعَلمانية – ولاسيما المشكلات الحياتية، الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية. لكن الطائفية تضيف على كلِّ مشكلة تعقيدًا. لذا يجب أن تصبح العَلمانية صفةً لحلِّ كلِّ مشكلة. النظام الطائفي هو أحد التهديدات الفعلية للإيمان؛ بينما النظام العَلماني هو الحاضنة الإيجابية لحرية جميع الأديان والمعتقدات. *** *** *** عن النهار، الأحد 25 أيلول 2005، السنة 72، العدد 22437 [*] وقد بدأ الإعداد لمؤتمر، مفتوح لجميع مَن يرغب في الاشتراك، سيُعقَد في آذار 2006. |
|
|