|
دماغ السَّاعة ومَن يقف على عقاربها ساخرًا
هكذا كان يجب أن تطلَّ من باب الغرفة، وتتجه سريعًا نحو بطئكَ القادم – ليس لأنك محاصَر بقليل من الحكايات، أو لأنك تريد أن يكون لعينيكَ مشهدٌ آخر يعج بأطياف لذيذة. قررتَ أن تكون هناك فقط، على ذلك المقعد بالضبط، حيث يمكن لكَ أن تتلف نهاركَ كلَّه بدمعة واحدة دون أن يشعر بكَ أحد. ولأنك أجبن من أن تقول، كان عليك أن تصمت. هكذا قررتَ قبل أن تصل إلى ملاذكَ المؤقت في تلك الغرفة الضيقة. مَن يجرؤ على النظر إليكَ الآن؟! تتساءل، وأنت تعلم أنْ لا أحد يريد أن ينظر إليك. يبتلعك الحزنُ للحظة، قبل أن تُصدِرَ كحةً خفيفة تبدأ بالعلو. تنظر إلى الآخرين الذين أداروا وجوههم نحوك ببطء. يبتسم لك أحدُهم، فيبدأ دماغُك بالترنح. تبتسم، وينتهي أمرُ كحتكَ العارفة. إذًا، أي شيء ستقرره الآن؟! تفتح دفترك الصغير، وتقرأ: كأنك تخرجين من المرايا ووجهكِ شاحب في ظلِّ كفي كان عليَّ أن لا أكسر روحي الآن كان عليكِ أن تلزمي الصمت في حضرتي.
حزني كبير، يا ماري، ونكهةُ دمعك تشبه مذاق الخوخ خوفي كبير، يا ماري، وعليَّ أن أجرَّ جثة هديري إليكِ.
كل وجه أراكِ فيه يتسلق قلبي... تغلق الدفتر، وتغمض عينيك. تخرج ماري من ماء البحر فيهما. تراها تمشي وسط الزحام في الشارع المؤدي إلى بيتك. تقرِّر أن تغير اسمها، فيستيقظ دماغكَ، وتعود مسحة الحزن إلى وجهك. تفكر في أنه ما كان يجدر بكَ أن تأتي باكرًا إلى هنا. ويلتقط دماغكَ مشهدًا عمره ساعتين وعشر دقائق: أنت: لقد نسيتُ مفاتيحي! [تضحك] هو [ضاحكًا]: انتبه إلى نفسك، يا ابني... ستنسى عقلكَ يومًا ما! أنت: لو أنني أستطيع نسيانه لَما نسيت شيئًا آخر! أنت الآن فرح بهذا الاكتشاف! وما عليك فعله هو المحاولة فقط. ألم تُفلِت زمامَ نهاركَ للمصادفة التي ستقود خطاك؟ لماذا ترهق نفسكَ بالندم الآن؟! أي شيء هام كنتَ ستفعله لو أنك لم تأتِ إلى هنا باكرًا؟! تعود إلى دفتركَ الصغير، وتقلِّب صفحاتِه تقليبًا عشوائيًّا. تغلقه. تختار سماكة ما للأوراق، تفتح الصفحة وتقرأ: الآتون على جنح الظلام ملتحفين بالعفة يتركون سراويلهم على وجوه حبيباتهم ويأتون عراة إليَّ.
لماذا لا تطرق بابَ بيتي هذا المساء؟ أثلج غيابُك أصابعي وها أنا أهدهد اسمك أخبِّئ معبد أنانيتي خلف عينيك والآن في يدي منـ... تغلق الدفتر، ولا تغمض عينيك هذه المرة. تفكر بأن المُحاضِر قد تأخر كثيرًا، وتنظر إلى ساعتك كنتيجة حتمية لما طرأ في ذهنك. يدهشكَ أن الوقت الذي داهمتَه بالكثير من الأمكنة والأزمنة لم يتجاوز الخمس دقائق. الآن، يمكن لك أن تأخذ نفسًا طويلاً............... يدخل المُحاضِر ويلقي التحية على الجميع. تتفحصه، وتقرر أنه أصغر حجمًا مما ظننت. تبتسم. هل هو لزام عليك أن تمنح الصور أكثر من حقِّها؟! دائمًا تفعل ذلك. وتذهب بكَ اللحظةُ إلى مكان آخر، حيث كنت تعبر رصيف الجسر ناظرًا إلى الصور المنشورة على القضبان المعدنية. يداهمكَ السؤال: - هل تستطيع القضبان المعدنية منع أحد من إلقاء نفسه في النهر/ على الطريق/ في الفراغ، إنْ هو قرر ذلك؟! تترك سؤالكَ معلقًا في فراغ آخر، وتتابع الصور المرصوفة جنبًا إلى جنب. للوهلة الأولى لم تستطع أن تميِّز فيما بينها إلا بالجنس: هذا ذكر، هذه أنثى... وفجأة، ترى شفاهًا حمراء كبيرة، كبيرة جدًّا. تنسى أن هناك نِسَبًا تحكم العالم، وأنك عندما تستطيع أن تجعل من شيء ما كبيرًا جدًّا فإنك تجعل أجزاءه كبيرة أيضًا. في تلك اللحظة، لم يكن من أحد يستطيع أن يقنعكَ أن تلك الشفاه هي شفاه امرأة توصف بالجمال! شعرتَ بأنك صغير مثل حشرة، هلامي ومنبوذ مثل بقعة زيت تنساب على شفتَي وجه شَرِه. يبدأ المحاضر بالكلام... وتعود أنت إلى ماري: عندما تنهضين مع بزوغ الفجر يغرف الله ندى يومه من جسدك لستُ إلهًا، يا ماري، أنا صديق فجركِ وأعرف سرَّ الياسمين فيه أعرف كيف أزرع الورد في كلِّ أرض جرداء لم تطأها قدماكِ بعد. *** *** *** |
|
|