|
من سجلات فضائح
جنون كالي جزء
3 إلهة الزمن
مقدمة هذه السجلات خطرة جدًّا. إذا أردتَ قراءتها، فاقرأها بصمت وحذر. وإياك ثم إياك أن تحكم عليَّ
من خلالها، فتقع في فخ كالي، لأنك... إن حكمتَ عليَّ بالإيمان، كنتَ جاهلاً! وإن حكمتَ عليَّ بالكفر، كنتَ أحمق! وإن وقعتَ في الحيرة، فأنت مثلي، كلُّ
ما تعرفه هو أنك لا تعرف شيئًا! وإن حكمتَ عليَّ بالجنون، فكلانا ابن
كالي، وما هذه الفضائح سوى فضائحنا! وإن اتهمتَني بالشيطان، فقد ظلمتَني وجعلتَ منِّي إلهًا!
دعاء
فيثاغوراس في "أبياته الذهبية" آه،
زفس، أيها الآب الكلِّي، إنك
لتعتق الإنسان حقًّا من
الكثير من الأوجاع، إذ دَلَلْتَ البشر
على الشيطان الذي يخضعون له.
الفضائح
الجنسية في عصر كالي إن رغبة اختبار قدرة التخليق الإلهية
الكامنة في الإنسان تدفعه، بيولوجيًّا
ونفسيًّا وعاطفيًّا، إلى ممارسة الجنس.
وعندما يصل الإنسان إلى النشوة الجنسية، فإن
طاقة نسمة الحياة التي تتغلغل في جسمه تصعد
إلى الأعلى، وتمسُّ لحظيًّا طاقة برهمن
الموجودة في "العين الثالثة"، فيشعر
الإنسان آنيًّا بفرح الكائن
الأعظم وغبطته. وهذا ما يسمى بالنشوة الجنسية. عندما يمارس المرء الجنس مع طفلة
صغيرة، قبل نضجها النفسي
والعاطفي والبيولوجي، فإن عقلها الباطن
يختزن ذكرى الألم والقسوة والعنف الناجم عن
تلك العملية البشعة. وعندما تكبر الطفلة وتصل
إلى سنِّ الزواج، فإن عقلها الباطن يدفع
دائمًا بتلك الآلام إلى ذاكرتها، فتمنعها من
الوصول إلى النشوة الجنسية الطبيعية، مما
يؤدي إلى تشويه هذه الفتاة بعقد نفسية وعاهات
عاطفية، فتنشأ فيها طباع سوداوية، تصيبها
بالاكتئاب والميل إلى القسوة والعنف.
وعندما تكبر
الطفلة وتصبح سيدة قيادة وحُكْم، فإن رعاياها
يدفعون ثمن العنف والاغتصاب الذي تعرَّضتْ له. إن كتب التاريخ زاخرة بأمثال هؤلاء
"الفاضلات"، اللاتي زِدْنَ من همجية
التاريخ وقسوته، فدفعت البشرية ثمن اغتصابهن
آلاف السنين. واليوم تُخرِّج "معابد" هوليوود
و"صوامع" نسَّاك العولمة الآلاف من
المربِّين الجنسيين، ليعطوا العالم أرقى
الثقافات – في الخلاعة والإباحية والفسق
والمجون! فقد أصبح الجنس
يباع في
"فترينات"
المحالِّ
التجارية مع قوالب "الكاتو" والأحذية؛ ويباع في أقراص
ملفوفة، كما تباع قطع السكاكر؛ ويوزَّع في
حبوب مع الأقراص المهدئة؛ ويمكن طلبه على
الهاتف، ليأتي مع شطيرة "البيتزا"! أما النساء المتزوجات فإنهن كثيرًا ما
يُصَبْن بالضجر نتيجة وجود شريك جنسي واحد.
لذا فإنهن يذهبن إلى أشهى المطاعم الجنسية،
ويتصفحن "المينو"
– قائمة
الطعام – وينتقين ما يناسبهن. أما الكومبيوتر والإنترنت فقد اختصرا
عناء الذهاب والبحث. يكفي الإنسان أن يتصفح
مواقع المأكولات الجنسية، ويدفع مسبقًا ثمن
طلبيته
بـ"الكريدت كارد"
– البطاقة المصرفية
– لتصل طلبيته بأقصى سرعة، مع الموافقة على
كافة "الوضعيات"! محظوظ إنسان عصر كالي! لقد أصبح في
الجنة التي وُعِدَ بها، حيث يقولون إن لكلِّ
فرد في الجنة سبعين قصرًا، في كلِّ قصر سبعون
دارًا، في كلِّ دار سبعون غرفة، في كلِّ غرفة
سبعون سريرًا، على كلِّ سرير سبعون فراشًا،
على كلِّ فراش ألف حورية. وهاهو ذا إنسان عصر
كالي يدخل جنة الإنترنت للدعارة، التي بها
سبعون محرِّك بحث،
في كلِّ محرِّك بحث سبعون موقعًا، في كلِّ
موقع سبعون صفحة، على كلِّ صفحة ألف مومس –
وكالي تزيد ما تشاء! ومن لا تروق له جنة الإنترنت، يمكنه
دخول جنة "الديجيتال"، الذي فيه سبعون
قمرًا، في كلِّ قمر سبعون محطة، في كلِّ محطة
سبعون برنامج، في كلِّ برنامج ألف مومس – أو
زِدْ عليهن ما تشاء! يقول العلماء إن الجنس حاجة نفسية
وبيولوجية. لكن إنسان عصر كالي يؤكد أن الجنس
حاجة فحولية وعُهرية. فالإنسان لا يكتشف ذاته
إلا من خلال التجارب الجنسية مع الآلاف من
الجنس الآخر، وحتى مع أبناء أو بنات جنسه.
والقانون يحمي حقوق الإنسان، وحقوق الشاذين
جنسيًّا أيضًا. وهاهو ذا ينشئ لهم نقابات،
وربما وزارات، وربما في المستقبل حكومات،
لحماية حقوق اللوطيين والسحاقيات، كونهم لا
يستلطفون إلا أبناء جنسهم. والملوك في التاريخ السحيق لا
يتحسَّرون على ما فاتهم من رقيِّ حضارتنا. فها هم
يفاخرون بإنجازاتهم التاريخية الضخمة: الأول
يفاخر بأنه قد وطئ ألف أنثى، والثاني يفاخر
بأنه قد وطئ أربعة آلاف! وأولئك الفحول
التاريخيون لا يخجلون من نكاح الغلمان. وكان
فنُّ التقرب من السلطة هو إهداء الجواري
والغلمان أيضًا. إنه تاريخ شرف بشرف، نقرأ فيه عن لذَّة نكاح
الأموات. وتذكر لنا إحدى صفحاته "المشرقة"
أن الخليفة
يزيد بن معاوية راح يمارس الجنس مع جثة محبوبته، حتى
أنتنتْ، وفاحتْ رائحتُها، وراح
يتقيأ كلُّ مَن في القصر. ألا تشعر، يا سيدي، بأن كلانا بدأ
يتقيأ من هذه الصفحات؟!
القانون
في عصر كالي إن القانون في عصر كالي بألف خير،
مادام الحاكم يقدِّس انتماءه
لأنبيائه، ويحافظ على أمانته الإلهية. إن أقدس أمانة إلهية قد تسلَّمها الحاكم في عصر
كالي هي العصا! فهو ينش بها على شعبه، وله بها
مآرب أخرى: منها ما هو سحري، إذ يستنطق بها
الأصمَّ الأبكم والحجر؛ ومنها ما هو تربوي،
إذ يروِّض بها معارضيه السياسيين، أو كلَّ من تسوِّل
له نفسه اقتراف جريمة إبداء الرأي؛ ومنها ما
هو ترفيهي، إذ يدغدغ بها أذنابه وأذناب
أذنابه. والقانون في عصر كالي يحافظ على روح
الإبداع والتجدد. إذ إنه في اليوم الذي عجز
فيه عن ابتكار أدوات ووسائل عصرية لمكافحة
الاحتكار والفساد، استطاعت روح إبداعه
ابتكار أحدث الوسائل على الإطلاق وأذكاها
طرا، سُمِّيَ بـ"أسلوب العبد السعيد
برجوان لمكافحة الفساد"! فمن هو العبد برجوان؟ إنه عبد السلطان. ولماذا
هو سعيد؟ لأنه في غاية السعادة، إذ منحه الله
فحولة أربعين رجلاً. وما هو الوجه الإبداعي؟ لقد سيَّج
السلطان مجتمعه من المحتكرين والفاسدين، إذ
أطلق العبد برجوان يلوط بكلِّ متَّهم بالفساد! وهكذا تم مبدئيًّا كفُّ الفساد، الناجم عن البقايا
الاجتماعية المَرَضية، مثل المروءة والرجولة.
وعندما شُفِيَ المجتمع من تلك البقايا
المَرَضية، صار المفسدون يتلذذون بفحولة
العبد السعيد، حتى استنزفوها عن آخرها، ومات
المسكين!
وهكذا
تنغَّص المجتمع لفقده تلك النعمة الإلهية،
ورأى في دغدغة عصا السلطان خير عوض! تقول الثيوصوفيا بأن السلالة البشرية
الرابعة انقرضت، في عصر أطلنطس،
بسبب الفساد.
واليوم
يحق لنا أن نتساءل عما تبقى من أخلاق وقيم في
سلالتنا الخامسة المجنونة هذه!
الحكم
في عصر كالي الحكَّام في عصر كالي، تاريخُهم
متجذِّر في الأصالة المهنية العريقة، التي
يستحيل على سدة الحكم أن تفصل أو تحول بينهما.
ويومًا بعد يوم، يتناسى الحاكم مهمَّاته
القيادية، ويحنُّ إلى ماضيه المشرِّف ومهنته
العريقة التي قضاها في المسالخ البشرية! فالتاريخ دوَّن بأحرف من نور وليمة
الجدِّ الروحي الأكبر، أبو العباس السفاح –
قدَّس الله حكمته وأفعاله – لأحبَّته من
أبناء عمومته، حين لبوا دعوته، راجين تناسي
الماضي وفتح صفحة سلام جديدة. جاء المساكين
لتُشجَّ رؤوسُهم، وليُساموا
أسوأ أنواع العذاب. ويأبى أبو العباس أن تزهق أرواحهم
سدًى دون التلذذ بها. فهاهو ذا يكوِّمهم فوق
بعضهم بعضًا، ويفترش فوقهم الوليمة التي
وعدهم بها، ثم يتناول طعامه الشهي، ويتلذذ
كلما انتفض جسمٌ لحظة يسلم الروح! أما الحلاج فقد تعلَّم على جسمه أعظم
جزَّاري العصر
وطهاته. فقد تعلَّموا
طريقة هَرْسِ اللحم ودقِّه،
عندما دقوا له لحم
وجهه وهرسوه. ثم
تعلَّموا طريقة تشفية اللحم من العظم، عندما
قطَّعوا له أوصاله. وتعلَّموا أيضًا طريقة
تقديد اللحم الشهي، عندما دقوا المسامير في
جسمه على خشبة الصليب، وتُرِكَ للشمس كي
تقدِّد لحمه! ثم أحب الحكام أن يكتشفوا الفرق بين
رقاب الأغنام المذبوحة ورقاب البشر، فقطعوا
له رأسه، ليكتشفوا أن أعناق الشعوب لا تختلف
عن أعناق الأغنام! ثم أحبوا تطوير اقتصادهم
عبر البحث عن مصادر وبدائل أخرى لطاقة
التدفئة، فأحرقوا جثمان الحلاج، وعلَّموا
الناس وسائل جديدة للحصول على مصادر الطاقة! وحكام عصر كالي شديدو الغيرة على
مجتمعهم من الجوع وسوء التغذية. فها هم يهرعون
إلى ابن المقفع الجائع إلى اللحم الطري
الطازج المشوي، بكلِّ محبة وطيبة وإنسانية.
لكن ابن المقفع كان ناكرًا للجميل، ولم
يقدِّر عظمة تلك المكرمة، وراح يتذرَّع بحجة
سخيفة واهية، قائلاً: إن ذاك اللحم المشوي
الطازج هما يداي اللتان قطعوهما توًّا! أما
الحاكم فقد كانت نواياه سليمة، وأحب أن يصيد
عصفورين بحجر واحد: الأول، سد جوع ابن المقفع، دون أن يحتاج إلى
منَّة من أحد؛ وثانيهما، إراحة يديه من أن
تكتبا ما يمكن له أن يطيح برأسه!
©
شمس الحقيقة،
غسان بركات، هاتف: 296156 16 00963 بريد
إلكتروني:
barakat@sunoftruth.com
|
|
|