|
الصوفية
هي قلب الإسلام
السياسة
أفسدتْ قضية الحلاج
الذي مضى بعيدًا في تجربتهأستاذ
الإسلاميات شتيفان رايشموت في حديث عن تاريخ
الصوفية
شتيفان
رايشموت كان أحد المحاضرين خلال الورشة–الندوة
الدولية التي نظَّمها ودعا إليها المعهد
الألماني للاستشراق في بيروت تحت عنوان "الحقبة
الأولى للحكم العثماني في بلاد الشام:
التبادل الداخلي، الاندماج في الإمبراطورية،
الاتصالات مع أوروبا". أما المداخلة التي
قدَّمها رايشموت فكان عنوانُها "اندماج
التقاليد الصوفية في الشرق الأوسط العثماني (القرنان
السابع عشر والثامن عشر)".
أثار
رايشموت موضوع المجتمعات والحركات الصوفية
في العهد العثماني في بلاد الشام، مسلطًا
الضوء على تفاعلها مع السلطة ونتاجها الأدبي
ونشاطها الفكري والسياسي. *** ماذا
تدرِّس وأين؟ أدرِّس علم
الإسلاميات وتاريخ الإسلام في جامعة بوخوم
الألمانية. ويتركز اهتمامي الأساسي على حقبة
الحداثة، بدءًا من القرن السادس عشر؛ بل
أهتم، في شكل خاص، بالمقارنة الإقليمية
الإسلامية، وأصبُّ اهتمامي، قبل كلِّ شيء،
على الإسلام الأفريقي. أما اهتمامي العام فهو
تدريس تاريخ الإسلام في المناطق الإسلامية
المختلفة. ومن هنا اهتمامي بالصوفية. لهذا
السبب فقط؟ بلى، في شكل عام. ذكرتَ في
محاضرتكَ أن الصوفية ازدهرت في بلاد الشام في
الفترة العثمانية... بل أقول إن الصوفية
ازدهرت في كلِّ أنحاء الإمبراطورية
العثمانية: في الأناضول ومصر، فضلاً عن بلاد
الشام. ما هي
أسباب هذا الازدهار الصوفي؟ تختلف الأسباب بحسب
المناطق. الصوفية، كما أراها، هي نوع من
التنظيم المدني حيث ينظِّم الناسُ الذين هم
خارج نطاق القوة السياسية حياتَهم وفق المبدأ
الصوفي. يفعلون ذلك للتوصل إلى خلق حدود
جماعية وإقليمية مستقلة عن النظام الشرعي
والسياسي المهيمن. هل كان
هدف الصوفيين إضعافَ السلطة العثمانية؟ كلا، بل أقول –
والأحوال متشابهة بين كلِّ المجتمعات – إنه
قطاع مدني ينقسمُ جماعاتٍ، أو تجمعات دينية،
أو تجمعات فردية دافعُها الصداقة. من هذا
المنظار أرى إلى الصوفية. وعلى هذا المستوى،
قد تكون هنالك أحيانًا مجتمعات أنشأها
مهاجرون لإبقاء ذكرى مدينتهم الأصلية أو
بلدهم الأصلي قريبة منهم. الصوفيون كذلك –
ولذا هم مثل الجسر بين مختلف المؤسَّسات
والمهاجرين – يعتبرون أنهم يؤدون مهمات صعبة
على المستوى الاجتماعي. مادام
هذا النوع من الصوفية يقتصر على التنظيم
الاجتماعي فقط، لِم لم يبقَ أولئك الصوفيون
على إسلامهم الأول؟ لا يعرف المجتمع
الإسلامي أشكالاً مختلفة أو متنوعة من الحياة
الجماعية. والصوفية هي أحد أشكال تلك الحياة
الجماعية لدى المسلمين، في بلدان متعددة، وفي
ظلِّ معطيات تاريخية مختلفة، وبالطبع، في ظل
سلطة غريبة في شكل خاص. إنه، إذن، وإلى حدٍّ
ما، نوع من المعارضة – وإن تكن هذه المعارضة
غير دقيقة في أحيان كثيرة. فأحيانًا يتخذ
الغازي معتقدات الجماعة نفسها ويتضرع إلى
القديس الذي يتضرع إليه الآخرون. هذا ما فعله
المماليك، وكذلك العثمانيون. هل تعني
بذلك أنه كان لدى العثمانيين بعض الصوفيين؟ تأثير الصوفية على
السلطة العثمانية كان كبيرًا. كانت للمولويين
مهمة شبه رسمية. مثلاً، كانوا دومًا حاضرين
خلال التتويج. صحيح، من ناحية أخرى، أنهم
كانوا يلقون معارضة، بيد أنهم كانوا يتمتعون
مع ذلك بسلطة لا بأس بها بين أعضاء الطبقة
العثمانية الحاكمة. هل
اعتُبِرَتْ الصوفيةُ عهد ذاك نوعًا من
الانحراف عن سُنَّة الإسلام؟ كلا، على الإطلاق –
لأن الصوفية آنذاك كانت الدين الإسلامي
الحقيقي. هكذا كانوا يرون إليها. ولا يستطيع
الإسلام أن يكون أو يستمر من دون قلبه! إنها
سلالة الغزالي الذي كان شعبيًّا جدًا بين
العثمانيين والعرب. من ناحية أخرى، لعل
الصوفية بدت أحيانًا خارج الدين المستقيم –
ولكن ذلك يعود إلى أسباب سياسية؛ ذلك أنها
أضحت، بعد القرن الثامن عشر، مصدر قوة، إذ
أنشأ أصحاب السلطة فيها دولاً. خذي، مثلاً،
السنوسية وليبيا؛ ولنا مثل آخر في الأمير عبد
القادر في الجزائر الذي ناضل ضد الأوروبيين. من هنا أضحى لهم شأن
مهم في الميدان السياسي لاضطلاعهم ببعض
المسائل فيه، مما جعل السلطات الرسمية، التي
كانت على صلة تَفاهُم مع السلطات الدينية
الرسمية، تحارب تلك النشاطات الجانبية
والخارجة على سيطرتها. والأمر ينطبق على
السلطة العثمانية، ثم على الحكام العرب في ما
بعد. لكن النقد الأشد ضد الصوفية بَرَزَ في
الحقبة الوهابية، مما ساهم كثيرًا في محاربة
هذه الحركة اليوم في أنحاء العالم الإسلامي
كلِّه تقريبًا. هل ترى
أن الحركة الصوفية لا تزال فاعلة في أيامنا؟ ثمة جماعات صوفية
نافذة وشعبية، ليس في مصر فقط، بل في أفريقيا
الشمالية أيضًا، وفي إندونيسيا والهند
وبلدان إسلامية أخرى. ما سبب
محاكمة الحلاج؟
إنها قصة معقدة.
مشكلته مع الدين الإسلامي سببها "التماهي"
مع الله وامتزاجه به، حتى صارا واحدًا.
انتُقِدَ لأنه مضى بعيدًا في تجربته هذه،
معلنًا أنه ضاع في الله حتى أضحى مطابقًا له.
لكن ينبغي أن نعرف أن الكثير من السياسة
دَخَلَ في إدانته، مما أفسد قضيته إلى حدٍّ
بعيد. هل كان
الوحيد في إنتاج هذا السلوك الصوفي؟ لم يبلغ الآخرون ما
بلغه. الغزالي، مثلاً، بقي ضمن الحدود
الصوفية التقليدية – أو ما كان اتبع ذاك
المنهج في أيِّ حال. ما هي
النظرية الصوفية في الأصل؟
قوامها المبدئي
تطهير القلب والفكر ليصبح الصوفي وعاءً
لمباركة الله والتمكن من معرفته، للتخلص من
أيِّ عقبة تحول دون اللقاء بين الإنسان
والله، ولنسيان كلِّ ما ليس الله. إنها، في
تعبير آخر، تفريغ القلب من كلِّ شيء للعودة به
مليئًا بالله فقط. لكن ذلك،
على ما نرى، يضع الصوفي، تلقائيًّا ربما، على
طريق الحلاج! لا أستطيع أن أجزم.
لست صوفيًّا. نملك، في أيِّ حال، أدبًا
صوفيًّا واسعًا، فيه ما يُسمى بـ"الشطحات"
التي تضع الصوفيين في حالات غير مفهومة
ومتناقضة وغريبة! وبعضهم يؤثر عدم التكلُّم
على ذلك وعدم البوح بالسر. هل يتعلق
الأمر بسرٍّ ما، أم انهم لا يتكلمون، إذ لا
يعثرون على المفردة الملائمة لهذه الحالة
الفائقة الوصف؟ الصحيح أنها تجربة
داخلية، ولا يجوز لهم هذرها في كلام لا يسيطِر
عليه مرشدٌ عالم. هل كتب
العديدُ من الصوفيين، على غرار الحلاج، عن
تجربتهم الداخلية تلك؟ معظمهم لم يكتب. لكن
حركتهم تركت أثرًا كبيرًا في الأدب في الحقبة
الحديثة. ففي القرن السادس عشر نستطيع أن
نلاحظ كتابات عديدة تتجه نحو نوع السيرة
الذاتية – حيث سَرْدُ التجربة الشخصية –
وراج ذلك في الأدب. وثمة في الأدب التركي
العثماني اتجاهٌ نحو السرد الذاتي وسرد
الأسفار. وتستوعب الصوفية، من ناحية أخرى،
الشعر، المكثف منه خاصة؛ فنجد قصائد صوفية في
لغات مختلفة لدى الشعوب الإسلامية. ونجد لدى
الهندوس أدبًا صوفيًّا كبيرًا في لغة الأوردو.
حتى في الفارسية يكثر هذا الأدب. لِمَ هذا
الحضور الكبير للهند في الأدب الصوفي، وهي
ليست حضارة إسلامية؟ نجد بعض الجذور
الإسلامية في الهند، التي كانت، رغم عدم
انتمائها إلى الحضارة الإسلامية، متفاعلة مع
مختلف الحضارات الأخرى. ومن ناحية أخرى،
الجوُّ الهندي عامة مفعم بتلك الميول الفكرية
والنفسية لدى معظم المسؤولين الدينيين، على
اختلاف انتمائهم الديني. وفي أيِّ حال، من
الصعب أن نحدِّد في الصوفية ما هو إسلامي وما
ليس إسلاميًّا. لكن الإطار أو البنية هما
دومًا إسلاميان. هل أن
كلُّ صوفيٍّ في الهند مسلم؟ أجل. ثمة أدب فارسي
تأثر بالصوفية من خلال كتَّابٍ هنود صوفيين
كتبوا في لغة الأوردو لنشر الإسلام. لكن
كتابات أولئك – حتى الصوفية منها – تأثرتْ،
في الوقت نفسه، بالمناخ الهندي العام، لغةً
ومفهومًا، في نظرتهم إلى الطبيعة، وفي وصفهم
للأزهار والشجر، إلخ. هل كان
ثمة متصوفة بين الهندوس؟
نعثر في الهند على
بعض القديسين الذين يصعب التمييز في ما إذا
كانوا من هذا الدين أو ذاك – وقد يكونون
تابعين لأكثر من جهة في الوقت عينه. كذلك
بالنسبة إلى الفقهاء: فهم أحيانًا هندوس،
لكنهم يتقبلون الإسلام أيضًا. لذا فان إجلال
القديسين في الهند مسألة مختلطة. حتى هنا في
لبنان، توجد بعض الأضرحة المقدسة المسيحية
التي يزورها المسلمون!* *** *** *** حاورتْه:
صباح زوين عن
النهار، الخميس 21 شباط 2002 *
كذلك تمتد، بين مدينتي طرطوس وبانياس على
الساحل السوري، منطقة مختلطة السكان بين
العلويين والمسيحيين. وقد اتفق لنا، على
سبيل المثال، أن نزور هناك مقام الشيخ محمد
الرياحي، أحد أولياء الطائفة النصيرية
العلوية، الذي يعتبره المسيحيون أيضًا (الموارنة
في معظمهم) قديسًا مسيحيًّا يدعى مار
مانوس، ويعتقد بعضهم أنه كان مطرانًا! (المحرِّر)
|
|
|