مسامرات مع الشيطان 1

 

كاري الجويني

 

السؤال الوحيد هو كيف توقف سيل الأسئلة في ذهنك، وتدع المجال للصمت أن يحدثك ماذا أراد منك الكون أن تقول بلسانه. اسمع قلبك، فطرتك، دع خجلك وقيودك واغمض عينيك وانطلق. لن تخاف ظلامًا تمشيه وأنت مفتوح العينين أساسًا، فلطالما كان غدك مجهولاً يؤرقك، ظلامًا حالكًا لا تتوانى لحظة عن المسير نحوه دون تفكير مسبق. فماعساه يرهبك خوض بحر بلا تساؤلاتك؟ ألم تستنفذ بعد أطروحات فكرك الراحلة تارة نحو السماء وطورًا ضاربًا في أعماق السديم؟ ولن تغني زادك كذلك سواءً أبحرتَ شرقًا أو غربًا. ألم تتفطن، ولو مرة، في غياهب دورانك في عالم الاستفهامات أنها دوامة بلا قرار، تيه يملأه السراب، وحش يفتك بطمأنينتك برمي طعم المعرفة بفمك لتصبح سمكة تتوهم الحرية وهي عالقة بصنارة الوهم؟ نعم، وهمُ أنك تدرك حقيقةً ما. وهم أنك بأسئلتك تفتح أبوابًا موصدة. وهم أنك بتجربة ذاك وذاك تمنح لحياتك معنى ما. وهم أنك مخلوق الكون الذكي الذي سيدرك غايته يومًا ما. لكنك في النهاية تكون قد طرقت كل السبل واستوفيت المنافذ التي لا تنير دربك كما حلمت ولم تهتدِ إلى حكمة الكون كما طلبت، ولا يبقى بجعبتك سهام لكي تحتمي من شرور الحيرة. ولحظة استسلامك وأنت ترى أعين شررها تحدق بك من كل جانب لكنك لم تعد راغبًا في أن تواجهها. تقر أن الكون مهما بلغ تعقيده ودقيق تصميمه إلا أنه ليس عقلاً رياضيًا مليئًا بالمعادلات الخرافية، إنما هو بسيط بساطة نبتة تشق طريقها مغمضة الأجفان منذ أن كانت في رحم البذرة تستأنس بظلام التربة لتواجه نور الشمس وترتفع منتصبة القامة لا تلوي على شيء. مستقبلة أشعة الشمس وقطرات الندى والزائرين السائلين رحيقها وطعمها. مبتسمة. لا تحمل من هم لأنها تمتلئ يقينًا أن عقلها البسيط يدرك ما يلزمه، اليقين أنها مادامت بأمر الكون فهي منه وإليه. هكذا أنت مهما توهمت الاختلاف، وحلمت أن تكون استثناء الكون، وتضفي التميُّز على وعيك وتمنحه بركة الانفصال عن وعي النبتة أو الدودة التي تسكن لشهور كأنها أبدية شرنقتها. لن تفهم معنى وجودك مالم تنتمي لما يحيطك قلبًا وقالبًا، تراه فيك وترى نفسك في مرآته. كل تجاربك لن تنفعك مالم تمنحها صدق الغوص فيها. أنت لا تصلي وبيدك قائمة مطالبك من الرب، ولا تعتزم الرحيل في الصحراء وأنت تعول على كرم واحاتها. ولن تصدق إلا حين تمنح للصحراء مرساتك وتستأنس بنجومها وكثبانها. حينها فقط تفتح لك أسرارها وأمان قفارها.

ولن تصدق فيها مادمت لم تعلم كيف تريح بالك وتعود خاطرك أن ينعم براحة أن الكون لا ينسى مخلوقاته ولا شك سيختار الوقت المناسب ليتجلى فيك دون عناء منك مثلما تجلى في دودة القز بعد سباتها فراشة نضرة حرة جميلة. كل ما عليك فعله حمل هم سؤال وحيد: كيف تتحلى بيقين الدودة والنبتة والبيضة وتنعم بسبات الشرنقة والتراب ساكنًا. جرب أن ترمي الحيرة بجعبة سهامك الفارغة وابتسم لعلك تبدد العتمة داخلك.

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني