القتـل

 

المطران جورج خضر

 

في البدء كان القتل. قايين، قاتل أخيه، مثال لكل القتلة في كل زمان ومكان. الإنسان يسالم لأنه يخاف أن يُمات. السلام إذًا قناعة، إيمان. أما القتل فهو البدء. والبدء حيواني فينا إلى أن جاء الله وقال: لا تقتل. الهدوء غلب الطبع البشري. أتى بالتعليم الإلهي. أما الإنسان، فكما قال الرومان الأقدمون الإنسان ذئب للإنسان. أنت إن صرت إلهي الطباع والروح تكتسب السلام. تريده طمأنينة لك. الأساس أن تلغي الآخر. إنها نعمة أن تحس أن الآخر ضروري لك. وكثيرًا ما شعرت أن موته ضروري، أو موته يحييك. المحبة بمعناها الحقيقي الواسع ليست من مألوف قلوبنا. هي نعمة من فوق.

ألا تكون عنيفًا في فكرك قبل المعاملة أمر نازل عليك من فوق. أن تصير هادئًا حتى إعطاء السلام لكل مخلوق يعني أنك تجاوزت الحيوان الكامن فيك. أن تقبل الآخر كما هو، كما تراه تعني أنك قبلته خليقة الله وأنك اعترفت بالله. من أصعب الأشياء أن تعترف بالآخر في محبة. أن تحب هو ألا تتمسك بمصالحك ومنافعك، أن تكون معرضًا للآخر ونزواته وأحقاده. الاعتراف بالآخر هو المحك الذي تعرف به أنك محب لله. أنت لا ترى الله ولا تتأكد أنك محبه ما لم تكن محبًا للناس. أن تكون مسالمًا في المعاملة لا تكفي إذ قد تخفي مصالح لك ومنافع. أن يكون قلبك محبًا هذا كل شيء.

الإنسان في الأصل ذئب للإنسان إلى أن يتوب. المحبة من الله. المحبة لا تبقى فيك ولا تتأصل ما لم تكن خاضعًا لله ترى من خلاله البشر جميعًا إخوة. الإنسان قاتل للإنسان فكرًا أو عملًا ما لم يكتشف أن الإنسان الآخر حبيب الله.

إن لم تكن خائفًا من إنسان آخر تغفر له لإيمانك أنه حبيب الله. أنت تريد أن يبقى الرب عنده وتحس أنه أخوك بأمر من الله. بلا هذا الإلهام الإلهي لك مصالحك وله مصالحه. الرب وحده يكشف لك أنه أخوك وإذا ضعف إيمانك بالله تكون صلتك مع الآخرين قائمة على مصالح لك ولهم. الرب وحده جامع الناس إليه، أي أنهم يلتقون بعضهم بعضًا بالإيمان.

أنت لا تقتل لأنك تريد الحياة لك أيضًا. الذي يسالمك يريد الحياة لك ولنفسه. وهذا يأتي إما من خوف عنده وإما من محبة للسلام ليست قائمة على الخوف.

في البدء كان قايين أي كان القتل. المحبة جاءت في ما بعد. لذلك جاء في الكتاب عندنا "الله محبة" أي هو الجامع بينك وبين الآخر وهو الواضع فيك احترام الآخر وتصبح المسالمة طبعًا. في الحقيقة ليس من طبع. هناك النعمة تنزل عليك لأن الرسول عندما قال "الله محبة" أراد أنه هو الذي يعطيها. لا تكفي بشرتك لكي تحب لأنها تحب وتبغض أما إذا انحصرت في المحبة فأنت آت من الله.

كل من أبغض قاتل نفس وإذا لم تبغض تكون آتيًا من الله. وعندما قال يوحنا الرسول "الله محبة" أراد أن طبيعة الله هي المحبة. عندما نقول هذا نريد أن الله وحده هو القادر أن يخرج من نفسه ليضم الخلائق كلها إليه.

القاتل يقيم نفسه مقام الله لأنه يتولى الموت الذي هو أمر من الله فينا. الحياة يستردها من أعطاها لذلك لا تقتل أحدًا ولا تقتل نفسك.

*** *** ***

النهار

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني