دنكان بريتشارد... عن أنواع المعرفة وعن الاعتقاد

 

جورج جحا

 

يتناول الباحث الأكاديمي البريطاني دنكان بريتشارد في كتابه المترجم إلى العربية ما المعرفة أمورًا عديدة تتعلق بهذا الموضوع الفلسفي.

بريتشارد أستاذ الفلسفة في جامعة سترلنج وأستاذ الابستمولوجيا في جامعة ادنبره في المملكة المتحدة يقيِّم كثيرًا من الآراء التي وردت في كتابه القيم على أسس أولية ضرورية لا بد منها، تتلخص في سؤال هو ما هي المعرفة، وما هي أنواعها، وما هو الاعتقاد، وهل تتناقض المعرفة مع الاعتقاد أو تتكامل معه؟

جاء الكتاب في نحو 300 صفحة متوسطة القطع، وورد ضمن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت. وقد نقل مصطفى ناصر الكتاب إلى العربية عن اللغة الانجليزية.

تحت عنوان أنماط المعرفة يسعى المؤلف إلى تبسيط موضوعه العميق فيقول:

على المرء أن يفكر مليًا في كل الأشياء التي يعرفها حاليًا أو على الأقل تلك التي يتصور أنه يعرفها. إنك تعرف على سبيل المثال أن الارض كروية وباريس هي عاصمة فرنسا. وتعرف أيضًا أن بإمكانك التحدث (أو على الأقل القراءة) باللغة الانجليزية، وأننا إذا أضفنا 2 إلى 2 فالنتيجة هي 4.

وأنت تعرف على سبيل الافتراض أن كل الأشخاص العزاب هم رجال غير متزوجين، ومن الخطأ إلحاق الأذى بالآخرين من أجل المتعة فقط، وأن العرَّاب فيلم رائع، والتركيب الكيميائي للماء هو اثنان هيدروجين وواحد أوكسجين.

وانتقل من هنا إلى إلقاء سؤال فقال:

ولكن ما الشيء المشترك في كل حالات المعرفة هذه؟ فكر مرة أخرى في الأمثلة التي أعطيناها لفورنا وتتضمن نوعًا أو آخر من أنواع المعرفة: الجغرافية واللغوية والرياضية والجمالية والأخلاقية والعلمية. إذا تأملنا هذه الأنماط التي لا حصر لها من المعرفة ربما جاز لنا أن نتساءل: ترى ما الرابط - إذا كان ثمة أي رابط - الذي يجمع بينها؟

هذا السؤال خصوصًا هو الذي يطرحه أولئك الذين يختصون بدراسة ما يعرف بـ الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة.

أضاف متحدثًا عن أنواع المعرفة فقال:

في الأمثلة التي وردت قبل قليل كان نمط المعرفة الذي تطرقنا إليه هو "المعرفة الافتراضية" حيث أنها معرفة تتعلق بـ "افتراض" معين. إن الافتراض هو ما تخبرنا به جملة معينة وتؤكد أو تثبت أنه شيء موجود ومتحقق في الواقع - مثلاً أن الارض كروية والعزاب رجال غير متزوجين و2 زائد 2 تساوي 4 وهكذا... سوف تكون المعرفة الافتراضية محور تركيز هذا الكتاب.

وقال إن هذا النوع ليس النوع الوحيد من المعرفة التي يمكن أن تتوافر لدينا:

هناك على سبيل المثال نوع آخر من المعرفة يسمى "معرفة قدرة" أو معرفة الطريقة التي تمارس بها فعالية أو نشاط معين. وتختلف معرفة القدرة بشكل واضح عن المعرفة الافتراضية.

إنني أعرف مثلاً كيف أمارس السباحة ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنني أعرف مجموعة من الافتراضات أو المعلومات التي تتعلق بطريقة ممارسة السباحة. في واقع الأمر ربما لن أكون واثقًا أبدًا من أن باستطاعتي تعليم غيري من الأشخاص كيف يمارسون السباحة مع أنني أعرف كيف أسبح ويمكنني إثبات ذلك باستعراض هذه القدرة أي القفز في بركة السباحة وأداء الحركات التي تتطلبها هذه الرياضة.

يضيف:

بالتأكيد تعتبر معرفة القدرة نمطًا مهمًا من أنماط المعرفة التي ينبغي أن يمتلكها الإنسان. إننا نحتاج إلى الكثير من هذه المعرفة بالقدرات... مثلاً طريقة ركوب الدراجة الهوائية أو سياقة السيارة أو تشغيل الحاسبة الشخصية.

ولكن علينا ملاحظة أنه في الوقت الذي تقتصر فيه المعرفة الافتراضية على كائنات متطورة نسبيًا من الناحية العقلية مثل البشر وحدهم... فإن معرفة القدرة تكون شائعة أكثر. ويمكن أن يقال عن النملة مثلاً إنها تعرف الاتجاهات التي تسلكها أثناء سيرها في محيطها. ولكن هل يعني ذلك أن لدى النملة معرفة افتراضية وأن هناك بعض الحقائق التي يعرفها النمل؟ هل يمكن للنمل مثلاً معرفة أن المسار الذي يسلكه حاليًا يمر عبر شرفة في منزل؟

الجواب البديهي هو النفي، وهذا يشير بوضوح إلى تفوق المعرفة الافتراضية في أهميتها على الأنماط الأخرى للمعرفة ومن بينها معرفة القدرة. وتلك الأهمية تتجلى في أن المعرفة الافتراضية تستلزم مسبقًا وجود نوع من القدرات الفكرية المتطورة نسبيًا التي يملكها بنو البشر. من هنا عندما نتحدث عن المعرفة عمومًا لا بد أن يتبادر إلى أذهاننا المعرفة الافتراضية تحديدًا إلا إذا ذكرنا ما يشير إلى عكس ذلك.

وزاد على ذلك قوله:

هناك شيئان يتفق عليهما كل المتخصصين في نظرية المعرفة تقريبًا... وذلك أن من متطلبات امتلاك المرء للمعرفة أن يكون لديه "اعتقاد" بالافتراض الذي يتكلم عنه وأن ذلك الاعتقاد لا بد أن يكون "حقيقيًا". لذلك إذا قلنا إنك تعرف أن باريس هي عاصمة فرنسا فذلك يعني أنك تعتقد أن ذلك شيء واقع موجود فعلاً وينبغي أن يكون اعتقادك حقيقيًا.

وانتقل إلى القول:

والآن لنتأمل في مطلب "الاعتقاد". بطبيعة الحال يحصل في بعض الأحيان أننا نضع الاعتقاد على طرف نقيض من المعرفة بشكل واضح مثلما يحدث عندما نقول: "لست أعتقد أنه كان بريئًا فحسب بل أنا أعرف ذلك".

وقد يتصور البعض أن ذلك ينطوي على القول ظاهريًا أن المعرفة تستبعد الاعتقاد في جميع الأحوال. لكن إذا فكرت في هذه التصورات فسوف يتضح أن المقارنة بين الاعتقاد والمعرفة تستخدم هنا ببساطة للتأكيد على أن المرء لا يعتقد بالافتراض المطروح للنقاش فقط بل هو يعرفه أيضًا. في هذه الحال من شأن هذه التأكيدات في الواقع أن تدعم القول إن المعرفة تتطلب الاعتقاد... لا أنها تبطل أهميته.

*** *** ***

رويترز، عن القدس العربي

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني