لا أعرف شيئًا عن الثورة
مايا أبو الحيات
1
لا أعرف شيئًا عن الثورة
الثورة لا تدرَّس بالمناهج
لا ترضعها الأمهات لأطفالهن
لا يذكرها خطباء يوم الجمعة
لا يؤذن بها الآباء في آذان الرضع
الثورة لا يعرفها سوى الثوار
والثوار لا يرضعون من أم واحدة
ليعرفوا كيف يؤذن أباؤهم في آذانهم
ويأخذهم الخطباء إلى الجنة بهدوء.
لا أعرف شيئًا عن الثورة
لكنني أسمع أصوات الأطفال يبكون في الليل
أسمعهم يرفضون النوم دون قبلات أبائهم
وحين يحتد الصراخ
أسمع سباب الأمهات
اللواتي منحن كل ما عليهن منحه
من صبر وحب وأشياء لا تفهمها سوى
الأمهات – أو هكذا قيل لهن –
أو حين تمتد يدي التي لا تعرف شيئًا عن الثورة
تتلمس الوسائد المبلولة
بينما تقنصني العيون المحمرة
الغاضبة من شيء ما
والتي كرهت النوم على تلك الوسائد.
لا أعرف شيئًا عن الثورة
لكنني أرى القميص المندى بالدم
أراه قبل أن أغفو
وبعد أن أنام
تحته جسد
وفوقه جسد
وحين أبحث له عن قامة
أجد ألف قامة تنتظر أن تلبسه عند العصر.
لا أعرف شيئًا عن الثورة
لكن صاحب الصالون
الذي يلعب بشعري
كما يريد
والذي يسكن القدس مثلي
بتصريح
والذي يمر على قلنديا
ويلعنها مرتين في اليوم
مثلي تمامًا
قال لي وهو يلعب بشعري
إن إسرائيل العاهرة
لا تسمح بضرب البنات
لتأديبهن
قال لي
لا بد من إعلان الثورة.
لا أعرف شيئًا عن الثورة
لكنني غاضبة من صاحب الصالون.
2
حالة تكرار فراغية
1
أحفظ قصصي المكررة عن ظهر قلب
رئتاي شاحنتان
تنضحان بالنفس الميت
الرطوبة تفوح من تحت إبطي
لا عرق إلا ما تركته الأخبار على هذا الخد
شفتاي جائعتان
تأكلان ابتساماتي الزائفة على مهل
ليس حزنًا
ليس فرحًا
تمامًا كفيلم "لميج راين"
أحضره للمرة العاشرة
أحفظ النص والحركة القادمة
فيلم عاطفي أكرره كي أصدق
لا مكان يشكك به الحاضرون
لا وقت له
لأكسر المنبه
حالة تكرار فراغية
أنا.
2
أحفظ قصصي المكررة عن ظهر قلب
حكاية عن أبي
يجوب به الغرباء الشوارع
يتمنون لو أنه مات بالأمس
حيث المطر لا يصيب الرأس بالنزيف
يمددونه هناك
تمامًا حيث وضع صينية الكنافة – المسقاة بالقطر وماء الورد – في العيد الفائت
رأسه حيث أجلس
يحدق بالسقف
أسمعه يتمتم شيئًا
"أكملي الصحن كله"
أسمعه يصرخ بين الباكين حوله
"أكلة أم أتلة"
وأراني أكظم غيظي للمرة المئة
ولا أقول
"لملم ما نسيته في ذهني وارحل
كالحكام العرب"
أكاد أقول
ولا يخرج لي صوت إلا ويرجع
لماذا مع كل ما يرحل لا ترحل الصورة الأولى؟!
لماذا مع كل ما يرحل لا ترحل الصورة الأخيرة؟!
لماذا مع كل ما يأتي لا يأتي الدفء؟!
3
وأحفظ قصصي المكررة عن ظهر قلب
يعلقني الحب فوق الخزانة
بخيط من التبغ والعطر
صورة في إطار
تشبه ما كان يومًا
لا يشبه شيئًا
حبنا/
علبة بودرة تكسَّر فوقها الوجه
عدة مرات
مرآة لا تظهر إلا الباطن/
وجهي
سرير
يئن من الشبق
تحت الحاسوب
ساخن يلهب الفخذين
والمخيلة
حذاء بلون الشجر
وطعم الشوارع
يغيب طويلاً
ليرجع
منشفة تبللت بالحنين
من الحمام الفائت
لا تجف
ولا تحف
غرفتي
غرفتك
سرير
خزانة
ولا شيء قد لا يجف.
3
تلك الابتسامة... ذلك القلب
حين ترحل الابتسامات
تلك الصغيرة
التي تملؤها أسنان لم تتبدل بعد
حين لا تعود
تتوزع في ساحة البيت
عند دكان الجار الطيب
فوق رصيف شارع المدرسة
حين
لا تشرب الحليب
لا تفسدها السكاكر
حين ترحل
ليس من السوسة
ليس من لعبة كرة
ليس من خطأ عند طبيب الأسنان
حين ترحل
ابتسامات صغيرة في هذا الكون
حين لا تكبر لتصبح ضحكة مجلجلة
أو ابتسامة في وجه مسكين/
تجلب الحسنات
حين لا تكبر
لتصبح حلمًا فوق مخدة أمرأة عاشقة
حين ترحل
ابتسامات صغيرة
بعيون خضراء من شدة الأمل
عندها فقط... يصمت الكون قليلاً
وينوح.
*** *** ***
كيكا