أنا عندي حلم

أديب الخوري

لستُ ندًّا لمارتن لوثر كينغ ولا سورية بقامة أمريكا... لكن لسورية حلمها أيضًا... وأنا عندي حلم! ما زلت أحلم، سأظل أحلم، وفي هذا عيد الأضحى المبارك أريد أن أهدي كلَّ أصدقائي، كلَّ أحبَّتي، كلَّ أبناء وطني، كلَّ حلمي... اليوم، ورغم صعوبات اليوم، ورغم الظلمة البادية في الأفق... بل ولأن الظلمة تطغى في الأفق... أريد أن أثابر على الحلم... وأريد أن أرى، وها إني أرى بصيص نور... أحلم أن سورية ستنهض من كبوتها لتبقى رسالة التاريخ للحاضر والمستقبل. أحلم أن المعارض والموالي، سيعودان أخوين يتساميان فوق كلِّ ألم ويتعانقان رغم الدمع والدم. أحلم أنَّ بنتيَّ ستكبران في مدرسةٍ وفي حيٍّ وفي مدينة وستتخرَّجان من جامعة ولا تُسألان هنا وهناك عن طائفتهما أو مدينتهما أو عرقهما. أحلم بسورية لا تشبه أيَّ بلدٍ في العالم: أحلم بسورية مثالاً لكلِّ بلدٍ في العالم، أحلم بسورية المحبة والسلام، أحلم بسورية الجمال والإنسان، أحلم بسورية ضيعة صغيرة: فيها يقول كلُّ شخصٍ لكلِّ مَن يلتقيه: صباح الخير. أحلم بسورية مدينة كبيرة: تضجُّ بالعمل الدؤوب ولا تعرف للعطالة معنى. أحلم بسورية في كلِّ يوم، أحلم بسورية في كلِّ فصل... أحلم بسورية بائع ورد جوري على رصيف نظيف في ربيع لطيف، أحلم بسورية البحر والجبل في صيفٍ قائظ، أحلم بسورية فتىً وصبية يغذَّان الخطى في مطلع خريفٍ جديد في حارةٍ قديمة إلى مدرسةٍ بناؤها بيتٌ دمشقيٌّ، أحلم بسورية تتوقَّف مركباتها لحظةً كي تعبر الطريق أمٌّ تحمل طفلها في شتاءِ خيرٍ ومطر. أحلم بسورية "بكرا بيجي نيسان"، و"يا شام عاد الصيف"، و"ورقوا الأصفر شهر أيلول"، و"شتي يا دنيي تـ يزيد"... أحلم بسورية سوريُّوها سوريُّون: أحلم بسورية لا تسافر سواعدها إلى الخليج ولو كان عربيًا، ولا تهاجر أدمغتها إلى الولايات المتحدة ولو كانت ديمقراطية. أحلم بسورية العلم والأدب والفن: أحلم بسورية في كلِّ بيتٍ فيها مكتبة صغيرة وآلة موسيقية... أحلم بسورية "لا تلبس طقمًا" فُصِّل وحِيكَ في الخارج ووُضِعَت عليه بطاقةٌ تحمل كلمة "ديمقراطية". أحلم بسورية تكتشف من جديد أنَّ الانتقال من سلطةٍ شمولية إلى سلطةٍ تُسمَّى ديمقراطية لن يجدي نفعًا، وأنَّ بيت القصيد هو استبدال مفهوم السلطة بمفهوم الخدمة. أحلم بسورية تستلهم من رؤية غاندي في بنائها الداخلي وفي علاقاتها الخارجية حتى ولو لم تُطبَّق هذه الرؤية في الهند نفسها... ولا أتمنى سورية تنتهج "ديمقراطية" مزعومة حتى ولو كانت كلُّ بلدان العالم تطبِّقها... أحلم بسورية كلها محميةً طبيعية: للزهور والأشجار... للتنوع الحيوي... وللتنوع الإنساني على الخصوص... أحلم بسورية يسير فيها السُّني والعلوي والشيعي والدرزي والمسيحي...، العربي والكردي والأرمني والتركماني والسرياني...، المؤمن والملحد والمتردد والعلماني واللاأدري...، البعثي والقومي والشيوعي والوحدوي والعروبي واللاحزبي...، الكبير مع الصغير والمرأة مع الرجل والملتحي مع الحليق وأستاذ الجامعة مع الأمي...، يردِّدون معًا: لبيكِ سورية لبيكِ... أحلم بسورية وأعمل بقدر ما أُعطِي لي أن أعمل لتحقيق حلمي...

*** *** ***