|
هل يمكن للحضارة أن تدوم بدون الله؟-2
حوار مع كريستوفر وبيتر هيتشنز
دعا منتدى بيو حول الدين والحياة العامة The Pew Forum on Religion & Public Life الأخوين كريستوفر وبيتر هيتشنز للتداول في مسألة ما إذا كانت الحضارة بحاجة إلى الله. كريستوفر مؤلف له أكثر من 10 كتب، بما فيها كتاب الأخير Hitch-22: مذكرات، والبيان الأكثر رواجًا: الله ليس عظيمًا: كيف يسمِّم الدين كل شيء God Is Not Great: How Religion Poisons Everything. وهو محرر مساهم في أتلانتك The Atlantic وكاتب عمود في فانيتي فير Vanity Fair، وله كتابات غزيرة في الدوريات الإنكليزية والأمريكية، منها The Nation (الأمة)، The London Review of Books، Granta (غرانتا)، Harper’s (هاربرز)، Los Angeles Times Book Review، New Left Review، Slate، The New York Review of Books (مراجعة الكتب، نيويورك)، Newsweek International (نيوزويك الدولية)، The Times Literary Supplement (ملحق التايمز الأدبي)، The Washington Post (واشنطن بوست). وحاز في العام 2007 على جائزة المجلة الوطنية تكريمًا لأعماله في Vanity Fair. بيتر مؤلف له أربعة كتب، منها: إلغاء بريطانيا The Abolition of Britain، الكتاب الأكثر مبيعًا في تلك البلاد، والكتاب المنشور مؤخرًا: الغضب ضد الله: كيف قادني الإلحاد إلى الإيمان The Rage Against God: How Atheism Led Me to Faith، الذي كتبه معارضًا كتاب كريستوفر الله ليس عظيمًا. وهو صحفي بريطاني ومؤلف ومذيع، ويكتب حاليًا لـ The Mail on Sunday، ككاتب عمود ومراسل خارجي في المناسبات. كما يساهم (مع آخرين) في The Spectator (المشاهد)، Prospect (المشهد)، Standpoint (وجهة نظر)، The Guardian (الغارديان)، The New Statesman (رجل الدولة الجديد)، American Conservative (المحافظ الأمريكي). وكونه ملحدًا فيما مضى، يعزو عودته إلى الإيمان إلى حد كبير إلى تجربته مع الاشتراكية في التطبيق، التي شهدها خلال سنوات عمله الطويلة كمراسل في أوروبا الشرقية، والسنوات الثلاثة تقريبًا كمراسل مقيم في موسكو أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي. وفي هذا العام، حاز على جائزة أورويل للصحافة تكريمًا لتقاريره الخارجية. المتحدثون: كريستوفر هيتشنز، كاتب ومحرر مساهم في The Atlantic وكاتب عمود في Vanity Fair. بيتر هيتشنز، مؤلف وكاتب عمود في The Mail on Sunday. منسق الجلسة: مايكل كرومارتي، نائب رئيس مركز الأخلاق والسياسة العامة Ethics and Public Policy Center. * * * باربرا برادلي هاجرتي (NPR): سوف أحوِّل هذا إلى أمر شخصي، لو سمحت لي. كنت أستمع إلى هيئة الإذاعة البريطانية BBC – راديو 4 – وكانت مقابلة مع كليكما تعود إلى العام 2007، وبدا أنه جدل حاد جدًا بينكما. هل تذكر تلك المقابلة؟ بيتر هيتشنز: إن كانت تلك المقابلة التي تعنين... كانت قصيرة جدًا. برادلي هاجرتي: حسناً، لكن ليس بمعايير NPR. بيتر هيتشنز: أجل، لكن مع BBC، على خلاف مؤسستك الرائعة. لو كنت محلي وأجرت BBC مقابلة معك، لعرفت أن لديك 15 ثانية قبل أن يقاطعوك. لذا عليك أن تسرعي. برادلي هاجرتي: ما كان مثيرًا للاهتمام بخصوص الاستماع إلى هذا النوع من المشاركة الثلاثية، كما كنا ندعوها في NPR، هو أنها كانت بالفعل حادة إلى أقصى درجة. أنا لم أسمع قدرًا كافيًا من الحب الأخوي في تلك المقابلة؛ كان من الصعب اكتشاف ذلك. أنا أتساءل فقط إن كان هنالك تغير في الطريقة التي تنظران فيها إلى بعضكما البعض، تنظران فيها إلى الجدالات حول وجود الله أو الحياة بعد الموت وضرورة الدين لبلوغ حضارة أخلاقية. كريستوفر، هل تغير أي من تلك الفحوى منذ ذلك الحين التي كنت قد شخَّصتها؟ كريستوفر هيتشنز: لا أعتقد أن فحوى اتجاهي العام قد تغير. العلاقة بيني وبين بيتر مؤطرة تمامًا في المقطع من كتابه الذي قرأه مايكل في البداية. أعني، إن كنت تودين المعرفة، ازدرائي للعزاء الديني المُتكلِّف ازداد منذ أن أصبحت مدركًا أنه، ربما، لم يعد لي عمر مديد أعيشه. لكنه ليس الأمر الذي أرغب في جعله محورًا لمناقشتنا هذه. برادلي هاجرتي: لو سمحت لي فقط أن أتابع أمرًا واحدًا. كانت هناك مناقشة عامة إلى حد ما حول ما جرى من تأثيم لك في بعض الأحيان، ومن إشعال الحماسة فيك في أحيان أخرى لكون الناس يصلُّون من أجلك أو يفكرون بك. أود أن أطلب منك التوسع حول تصريحك الأخير حول ما تشعر به من ازدراء، لأن قراءتي لما قلته في الآونة الأخيرة بدت لي كما لو أنه كان هناك، ربما، تهليلاً لك إلى حد ما أو دفئًا عن طريق بعض التعابير الإيمانية. كريستوفر هيتشنز: حسنًا، لك حق الكلام، وأنت مصرَّة على ذلك. بالرغم من امتعاضي – من الواضح أن التعبير عن التضامن معي يسعدني ويؤثر بي جدًا أيًا كان الشكل الذي يُصاغ به. أنا أستاء فعلاً، ولطالما كنت مستاءً، من فكرة أنه من المفترض أن تكون الآن، بطريقة ما، فَزِعًا أو بائسًا أو ربما محزونًا؛ وأنه من المؤكد قد آن الأوان لكي تتخلى عن المبادئ التي نذرت عمرك لها. لطالما كنت أعتقد أن هذه المقاربة هي نمط بغيض لفهم الأمور، وهناك تاريخ مقرف لأناس حاولوا التصويب على هدايات فراش الموت، مثل حالة توماس باين، في ضرَّائهم، أو اختلقوا الأكاذيب حولها فيما بعد، كما فعلوا حول تشارلز داروين وآخرين عديدين. إنني أرى في ذلك وضاعة. في ما يخصني، الأمر لا ينطبق علي بتاتًا؛ بالتأكيد، ينبغي علي أن أفكر بتلك الأمور الآن أكثر مما كان علي ذلك من قبل. لا، لا على الإطلاق. لقد فكرت بها طويلاً وطويلاً. شكرًا لكم، مع ذلك. هناك نقطة مثيرة للاهتمام سوف أثيرها – حسناً، أنتم تحكمون فيما إذا كانت مثيرة للاهتمام أم لا. (ضحك) النقطة التي أعنيها هي: قرأت منذ فترة طويلة، عندما كنت لا أزال، على حد علمي، بصحة جيدة، دراسة عن صلاة شفاعة؛ وهي الأكثر شمولاً وإدراكًا مما قرأت على الإطلاق. وقد بيَّنت، ولم يفاجئني ذلك إطلاقًا، أنه ليس هناك من ارتباط بين صلاة الشفاعة وبين البهجة في بلوغ الهدف أو ما شابه من تلك الأغراض التي تُعدُّ الصلوات من أجلها أو تُتلى. باستثناء ما وُجد لدى بضع الناس الذين كانت مجموعات من الزملاء والأصدقاء يصلون من أجلهم، كانت هناك نتيجة سلبية طفيفة في ما يتعلق بالمعنويات. لو لم تتحسن أحوالهم، لشعروا بالسوء بخصوص ذلك بعد كل المشكلة التي حصلت. فكرت، هذا مثير. لكن اليوم، أنا أدرك كم كان ربما صحيحًا لأنني تلقيت جرعة كبيرة من التشجيع العلماني. يقول الناس، لقد انتقى السرطان الخصم الخطأ في جسدك. بوسعك التغلب على هذا إذا كان بإمكان أيٍّ كان فعل ذلك. الكثير من هذه الأمور جعلتني أغوص في الكآبة لأنني لا أريد أن يشعر الناس بالخذلان. ومهما قد يكون ذلك مثيرًا للاهتمام، أعتقد أنه يُظهر أن البنية النفسية لهذا هي تقريبًا نفسها سواء كنت تُسلِّم بالبعد الماورائي أم لا. بيتر هيتشنز: في الحديث عن الجانب الديني للمناقشة، أنا أعتقد أيضًا أنه سيكون من بالغ الغرابة أن نتصور شخصًا ما يجب أن يُصاب بالسرطان لكي يُبصر فضائل الدين. إنها فكرة سخيفة. أنا لا أعرف السبب الذي يدعو أحدًا ما إلى تصور أن الأمر يجب أن يكون على هذا المنوال. كرومارتي: لكن باربرا، أعتقد أن سؤالك كان يتضمن أمرًا آخر حول علاقتهما. لذا، بيتر، هل لك أن تتحدث عن ذلك. كريستوفر: أعتقد أننا قمنا بذلك. كروماتي: حسنًا، كريستوفر فعل ذلك. لا أعرف إن كان بيتر يريد أن يعلق. كريستوفر: أنا كنت أقتبس من بيتر. كروماتي: أنا كنت أقتبس منه، في الحقيقة. (ضحك) أجل، اقتبست منك فعلاً – فعلت ذلك نيابة عنك. بيتر هيتشنز: حسنًا، من بين الأمور التي أتذكرها، وهو الاكتشاف الأكثر تحققًا للسعادة في حياتي، وكان عمري بين 11 و12 سنة، هو أنه بوسعك الاختلاف مع الآخر بدون غضب أو ضغينة. وفي الحقيقة، الباعث على الرضا أكثر هو أن تتصرف على هذا النحو فعلاً. كنت أعتقد بذلك على الدوام، وأنا حقًا لا أرى الغاية هي إفساد مناقشة جيدة بإثارة حالة من الغضب مع معارضك. ولقد كان [كريستوفر] خصمًا لي معظم فترات حياتي. ومن المؤكد أنني كنت أغضب منه في الماضي، لكن لابد لي من القول أن ذلك قد انتهى. مايكل جيرسن (واشنطن بوست): اسمحوا لي أن أطرح سؤالاً فلسفيًا نوعًا ما. أود حقًا أن أسمع كلا الأخوين يردَّان على ما يدعى ربما تحدي فريدريك نيتشه، الذي يحتل حيزًا واسعًا في الأبولوجيتيكا المسيحية (الدفاع عن العقائد المسيحية)، وهي الفكرة القائلة أنه في غياب السمو، كل ما يُخلَّف لك هو إرادة إنسانية وحشية. لذا أحب فقط أن أسمع وجهة نظر كلا الأخوين عما إذا كان نيتشه غريب أطوار أم نبي. كريستوفر: بوسعي إعادة صياغة السؤال المطروح للمناقشة. جيرسن: بالطبع، تفضل رجاء. كريستوفر: قال نيتشه، كما هو مشهور عنه، إنه في غياب المقدس، كل ما يكون هناك هو إرادة إنسانية للقوة. ذلك هو كل ما يُورَّث لك. ولهذا السبب تُستخدم النيتشوية غالبًا كبديل تقريبًا بين الناس الذين أعرفهم عوضًا عن عمل آين راند على سبيل المثال. وهو، ضمنًا، يمكن أن يثير الإعجاب. ولابد لي أن أخبرك بأنني كنت ذات مرة في مقابلة مع محطة إذاعية إنجيلية، وقد وُجَّهت لي أسئلة بلطف مبالغ فيه حول كتابي ضد الله. ومن ثم، في نهاية المقابلة، سألوني إن كنت من المعجبين بنيتشه؟ قلت، في الحقيقة، إنني لست من المعجبين به على الإطلاق. كان من الواضح أن جوابي أصابهم بخيبة أمل، لكنه واصلوا بسؤالهم لي إن كنت أعرف أن نيتشه قد كتب معظم كتبه المعادية للدين تحت وطأة (الصوت غير مسموع) شلل سفلسي؟ فأجبت أنني على علم بذلك، أو أنني قد سمعت بهذا الزعم المقبول ظاهريًا. فقالوا إنهم يتساءلون فحسب إن كانت حالة نيتشه توضِّح حالتي. (ضحك) فكرت، حسنًا، لا أعتقد ذلك، ومع ذلك أشكركم لشفقتكم علي. انظروا، ربما تكون كل هذه الأسئلة هي أسئلة إزاحة. أليس صحيحًا أيضًا القول إن الحافز الديني هو تعبير عن إرادة القوة؟ من بوسعه إنكار ذلك؟ أحد ما يقول، أنا لا أعرف كيف يجب أن تعيش، لكن لدي تفويض إلهي مُوحى لي هنا، في بعض الحالات حصريًا، يمنحني ترخيصًا لمعرفة ذلك. ما معنى هذا إن لم يكن إرادة القوة، أيمكنني أن أتساءل؟ أعتقد أنه مثال بالغ الوضوح عن إرادة القوة. إذا نحيت سؤال نيتشه، وهو ما أفعله على الغالب، فهناك الأخوة كارامازوف بدلاً من ذلك. إنني أنسى أي الأخوين هو، أو ربما هو سميردياكوف... لا يهم. يقول إذا لم يكن هناك إله، كل شيء مباح – مسألة قابلة للتفكير. الكل يفهم القضية عندما تُصاغ بهذا الشكل. لكن ألا يكون الحال أيضًا أنه مع الله، أو مع الإيمان به، يمكن أن يُعطى الترخيص من قبل أيٍّ كان لفعل أيِّ شيء لأيِّ أحد، كان وما يزال؟ لسوء الحظ، تلك الأسئلة ليست قابلة للحسم وفقًا لموقفك تجاه عالم ما وراء الطبيعة. هذه هي مشاكل المجتمع الإنساني والنفس الإنسانية – لربما تقول، الروح – مهما كان الموقف الذي نتخذه من الإنسوية أو المتعالي. بيتر هيتشنز: بداية، هناك اعتراض بسيط على ما قيل. يبدو لي أن قراءة الأناجيل المسيحية تتم وفقًا لأهواء من يقرأ، وخصوصًا أن الأيام القليلة الأخيرة حفلت بأشد أشكال الشجب لممارسة القوة ولسلوك الغوغاء وللمحاكمات الصورية وكل الأنشطة التي تنظمها الحكومات والسياسيون. هناك في السخرية الموجهة ضد يهوذا – "الفقراء دائمًا معكم" – الملاحظة الشكوكية الأولى في تاريخ البشرية على الإطلاق حول المثالية الاشتراكية. لذا، أعتقد أن من الصعب الإدعاء أن الأناجيل المسيحية تمنح الإذن في إصدار الأوامر للناس. ويبدو من نافل القول إن مركز العبادة المسيحية هو شخص تم تعذيبه في الحقيقة حتى الموت من قبل الأقوياء. لكن إذا تركنا هذا جانبًا، أعتقد أنه يجب على الملحدين إيلاء المزيد من الانتباه إلى نيتشه، فأنا أحسب أنه يؤطِّر فعليًا الكثير مما نادرًا جدًا ما يقولون إنهم يرغبونه. حسنًا، لقد اقتبست في كتابي مقطعًا مطولاً من كتاب سومرست موم العبودية الإنسانية، حيث يقرر البطل فيه – وهو شخص إدواردي ترعرع في جو من الإيمان المسيحي في كنف كاهن إنكليزي – أنه لم يعد يؤمن بالله، ويقول بشكل واضح: "هذه لحظة تحرُّر هائلة. لم يعد بي حاجة للقلق بشأن الأمور التي كانت تقلقني من قبل. لم أعد مكبلاً بالالتزامات التي كانت تكبلني فيما مضى. أنا الآن حر". ما هو الموقع الآخر لكونه ملحدًا؟ لكن رغم ذلك، عندما توجه السؤال إلى الملحد، فإنه ينحو إلى القول: "أوه، لا، ليس أنا. إنني قادر على اتباع القواعد الأخلاقية تمامًا بقدر ما أنت قادر، حتى وإن كانت القواعد الأخلاقية المسيحية". يحدث هذا باستمرار ويلتف كالدوامة في دائرة رفض الملحدين قبول فكرة أن هناك صواب مطلق أو خطأ مطلق إذا لم يكن هناك الله، وأنهم لذلك متحررون. لماذا لا يشعرون بغبطة أكبر لكونهم متحررون، ولماذا لا يبتهجون أكثر؟ ربما لأنهم لا يريدون نشر الفكرة على نطاق واسع جدًا مما يجعلها تتغلغل في أوساط الكثير من الناس. ديفيد آيكمان (المشاهد الأمريكي): هذا السؤال موجه في المقام الأول إلى كريستوفر. أعتقد أن كل المتحلقين حول الطاولة يوافقون على أن قيام أنظمة من النموذج الطالباني أو الأنظمة الملتزمة بالشريعة في أماكن مثل مقديشو هي أمثلة مرعبة تمامًا على ضلال السبيل عندما يتولى السلطة أناس مؤمنون بنمط معين من المعتقدات. ولا أستثني العالم المسيحي من احتوائه على عناصر مثل هذه. ورغم ذلك، أريد أن أسأل: أيمكنك أن تحسب أنه في أية فترة تاريخية – في أية حضارة – تحاشى فيها النظام أساسًا المقدس بكل أشكاله، ترعرعت درجة من الحضارة بين البشر؟ بيتر، بالطبع بوسعك الإجابة على السؤال أيضًا. كريستوفر هيتشنز: قد تفيد كلمة "يتحاشى" معنى الإحجام عن ممارسة التعاليم الدينية أو التسبيح لها. تلك ليست من الأمور التي يمكن أن يقوم بها النظام فعليًا. ما تفعله الأنظمة عادة، وعلى نحو نموذجي، هو إمَّا التعايش مع الدين – بغرض استيعابه – أو، كما في بعض الحالات البالغة التطرف، محاولة التخلص منه و/أو تأميمه، كما كان الحال في كل من الثورتين الفرنسية والروسية، على سبيل المثال. بمعنى أن تجعله جزءًا من الدولة، مع التبرؤ من الكثير من تعاليمه. لم نكن قادرين على إيجاد معيار صاف حتى الآن، كما يبدو لي. أنا أقصد، لو كان ينبغي وجود مجتمع يتم فيه تدريس مبادئ توماس باين وتوماس جيفرسون وباروخ سبينوزا (الذي أصبح لاحقًا، بنيديكت سبينوزا) وألبرت إينشتاين وتشارلز داروين وبرتراند راسل... يدرِّس الأطفال أساليب تعلُّم وفهم تلك التعاليم والمبادئ الأخلاقية والقضايا الأخرى المتوافقة معها، فأنا لا أعتقد أنه أمر سيء. أعتقد أن الولايات المتحدة هي الأقرب إلى أي مجتمع نعرفه بشأن الحسم في أن التعددية الدينية – لأن الحضارة مستحيلة بدون حرية الضمير، لذا من البديهي أن يكون هناك حرية عبادة تكون مضمونة من قبل الدولة التي تهملها – تتجنب، كما صُغت أنت العبارة، أي دور على الإطلاق في تقرير المسائل الدينية. آيكمان: لكن، كريستوفر، إذا جاز لي أن أرد على ذلك، أعتقد، مجددًا، أن ذلك لا يأخذ الكثير من الاعتبار لمؤسسي الولايات المتحدة، حيث أن الأغلبية العظمى منهم آمنوا بممارسة الأخلاقيات المسيحية، وكانوا في الواقع من المؤمنين بشكل ما من الأشكال اللاهوتية، حتى وإن لم يكونوا مسيحيين أرثوذكس. ومن المؤكد أنهم كانوا إما ربوبيين أو من رواد الكنائس المسيحية. ورغم ذلك، من الواضح، إذا نظرت إليهم، أن القلة منهم بدا معتقدًا بإمكانية الحفاظ على تماسك المجتمع إلا إذا كان مستوحى من التقاليد الأخلاقية، وأساسًا تحت غطاء الإيمان المقدس بالصواب والخطأ. كريستوفر هيتشنز: أنا أختلف معك تمامًا. من المؤكد أن الأمر ليس صحيحًا، على الأقل فيما يتعلق بالاثنين اللذين يهمَّاني جدًا، أو يهمَّان هذه المناقشة إلى أبعد حد، وأعني السيد جيفرسن والسيد ماديسن، اللذين اقترحا معًا "قانون فيرجينيا حول الحرية الدينية"، والذي هو حقًا أساس "التعديل الأول" للدستور المتعلق بذلك القانون. لم يكن جيفرسن بالتأكيد، وإلى حد بعيد جدًا، مسيحيًا. وقد بدا لي كارهًا مُرًّا للدين. لا أستطيع إثبات أنه كان ملحدًا، رغم أنه يمكنني أن أُحيلك إلى رسائله التي كتبها والتي توحي لي بقوة أنه كان ملحدًا سرًا. لا يهم ذلك. لكنه أمر لافت للنظر وإن كان غير حاسم. أما بالنسبة لجيمس ماديسن، وإن لم يجرؤ طوال حياته على قول ما قاله جيفرسن، إلا أنه لم يكن مقتنعًا بضرورة وجود قسس ملحقين في القوات المسلحة. لم يكن يعتقد حتى أن جلسات الكونغرس يجب أن تُفتتح باسم الله. كان مؤيدًا للحكم المطلق فيما خصَّ قضية الانفصال. ولذا، بمعنى ما، لا يهم حتى إن كان مؤمنًا تقيًّا. فالأمر سيكون سيَّان. الانفصال هو القضية المهمة. ومن المؤكد، وأحتكم إلى من يعتبر نفسه مؤمنًا من بينكم، من الأهمية البالغة الحيلولة دون تلوث الكنيسة من قبل الدولة حين تُدار الدولة من قبل الكنيسة. ما يزال البابا يرتكب الزنى مع الامبراطور، كما قال دانتي. الأمر سيء لكلا الطرفين، كما يمكن أن يتصور المرء. بيتر هيتشنز: الأمر الذي يستوقفني حول المجتمعات التي هي أجدر بالتفضيل والمجتمعات التي لم أكن سأرغب في البقاء فيها فترة أطول مما كان يجب هو أن المجتمعات الجديرة بالتفضيل تحتكم إلى القانون. ويبدو هذا لي أنه التمييز بين مجتمع حر متسامح وآخر ليس كذلك، وهو الأمر الحاسم إلى أبعد حد. أنا مفتون بأصل الفكرة القائلة بسيادة القانون، حيث يمكن أن تكون الظروف مهيأة لمحاسبة شخص يتمتع بقوة جسدية، بثروة فاحشة، من قبل قوى لا يمكنه تحدِّيها عندما يتعلق الأمر بالالتزام بالقانون، والتي هي عديمة الأهمية، وبوسعه، نظريًا، التغلب عليها. أعتقد أن منشأ هذا يجب أن يكون، وبالضرورة، فكرة حقيقة غير قابلة للتعديل في صلب القانون. القضاة الإنكليز يتحرُّون في القانون العام المكتوب – وأعتقد أن الأمر نفسه قائم هنا – لاكتشاف ما هو القانون؛ ويبدو لي أن ما يحاولون اكتشافه مبني على افتراض أنهم سوف يعثرون هناك على حقيقة مطلقة بشأن ما يجب أن يكون القانون عليه. وبدون ذلك، في النهاية، لن يكون لديك شيء ما عدا الحاجات المتغيرة للقوة الإنسانية. ويبدو لي، مرة أخرى، عدم الجدوى في محاولة الملحدين النكوص بالكامل إلى أحضان أصدقائهم في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الروسي – البلشفي، بين هلالين – الذي كان حليفهم الموثوق إلى أقصى حد، والذي هدف في أحد مراسيمه المبكرة، مرسوم لينين-تروتسكي، إلى منع التعليم الديني في المدارس، وفي الحقيقة خارج المدارس أيضًا، بل وأصدر مرسومًا يقضي بعدم لزوم كتابة كلمة "الله"، والتي هي " Бог" باللغة الروسية، بأحرف كبيرة. لقد كان المرسوم مُكرَّسًا من أجل استئصال الدين. في كتابي، الذي أوصي من لم يقرأه منكم بقراءته، هناك ربما وصف موجز لكنه الأكثر إحاطة للقمع الديني الذي مارسته السلطات السوفييتية. ليس هناك نظير لهذا الوصف باللغة الإنكليزية، وقد استغرق تجميعه الكثير جدًا من وقتي، ولا أريد له أن يضيع هباء. إنه يقوِّض تمامًا الفكرة القائلة إن الاتحاد السوفييتي نفسه كان مجتمعًا دينيًا بشكل ما. في الحقيقة، كان هناك متملِّقون وبقايا الكنيسة الأرثوذكسية وبعض اليهود، الذين توجهوا إلى السلطات السوفييتية وعرضوا خدماتهم. لقد انتهى بهم الأمر – كلهم – إلى السجن، بل والقتل في النهاية. لم تكن خدماتهم مُرحَّب بها لأن الأساس الكلي لهذا النظام كان رفضًا مطلقًا لفكرة وجود عالم ما وراء المادة. هذا ما كان عليه الحال في تلك الأيام حين كان الاتحاد السوفييتي محط إعجاب قبل أن يُودَع في متحف التاريخ، أيام كانت فيها كوبا قبلة للمعجبين، وبجنون، من الكثيرون في أوساط اليسار الغربي؛ أيام كانت فيها الصين أيضًا محط إعجاب ولوقت طويل في الخمسينات والستينات من الناس أنفسهم الذين كانوا يعجبون دومًا بهذا النوع من الظاهرات في تلك المرحلة، سواء كانت الحركة الساندينية أو مهما اتفق أن كان اسمها. وما يزال الوضع على حاله: الطوباويين يكرهون الله على الدوام. كرومارتي: كريستوفر، كان لديك تعليق لطيف للغاية حول ذلك المقطع من كتاب بيتر، وأعتقد أن الناشر يودُّ سماع ذلك الاقتباس من أجل دعاية للتعريف بالكتاب مستقبلاً. ماذا قلت بالضبط؟ كريستوفر هيتشنز: إنه قطعة نثرية جَزِلة ورفيعة للغاية، وقد تعلمت منه الكثير – كنت أعتقد أنني أعرف الكثير عن الحملات المعادية للإكليركية التي كان يقوم بها الحزب البلشفي، لكن كان في الكتاب قدرًا كبيرًا مما لم أقرأه مطلقًا من قبل، ولذا أوصي بقراءته. قد يكون في إضافتي بعض الرخص، لكنني لا أستطيع إلا أن أفعل ذلك. بيتر هيتشنز: أوه، تابع. كريستوفر هيتشنز: كل بلد يرغب في تحرير نفسه ويتطور بأية طريقة كانت لابد له في النهاية من الدخول في مواجهة مع تحالف الكنيسة والدولة وتحطيمه. عادة، ثمة ترابط ما بين سوء هذا التحالف وتعفُّنه وبين الظلم والاضطهاد والتفتُّت. في أمريكا، كان التفتُّت أقل إيلامًا؛ لقد تضمن نزع الصفة الرسمية عن الكنيسة الإنكليزية والحظر القانوني لإعادة تأسيس كنيسة أخرى. ولم يكن على أحد أن يعاني نتيجة لذلك سوى المصادرة أو الإبعاد. في فرنسا، حيث كانت الكنيسة جزءًا من الابتزاز الإجرامي للإقطاعية والحكم الملكي، كان التفجُّر، بطبيعة الحال، أكثر قسوة وعنفًا. وفي أسبانيا، خلال الحرب الأهلية، ولاسيما في كاتالونيا، شعر الناس فعليًا بدفق من القوة بما يكفي للقيام بحرق الكنائس. وهذه الحالة كانت من المواجهات الكبرى بين اثنين من كتَّاب الثلاثينات المفضلين لدي: دبليو. إتش. أودن وجورج أورويل. ولدهشتي، لم يُبدِ أورويل اكتراثًا بحرق الكنائس، بل إنه اعتقد أنها تستحق الحرق. أما بالنسبة لأودن فقد قال إنه لا يستطيع العيش في بلد لا توجد فيه كنائس. وأنا لا أستطيع أيضًا. لقد أدركت ذلك، إذا كان الأمر محط اهتمام. أنا نفسي لا يمكنني ذلك. لكن علينا ألا ننسى أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية هي كنيسة القنانة والعبودية والحكم المطلق. إنها الكنيسة التي أنجبت بروتوكولات حكماء صهيون. ولو كسب الجانب الإكليركي والجيش الأبيض الحرب الأهلية لكانت الكلمة الفصل في انبثاق الفاشية من صنع روسي وليس إيطالي. كان لزامًا تحطيم سلطة هذه الكنيسة ومصادرة ثروتها؛ ليس لدي مأخذ على ذلك. وأنا لست مقتنعًا بوجوب التعليم الديني في المدارس، ولا يهمني إن كان لدى الناس إيمان كاف بالله أم لا لكي يروا اسمه مكتوبًا بدون حرف كبير، كما أعتقد أنه يمكنكم ملاحظة ذلك في اللغة العبرية. بيتر هيتشنز: لكن إلى حد إصدار الدولة مرسومًا بذلك؟ كريستوفر هيتشنز: إصدار الدولة للمرسوم هو طريقة أخرى لإضفاء الصفة القانونية على ذلك الأمر، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لا يمكنك تدريس الدين في المدارس. بيتر هيتشنز: إلى حد إصدار الدولة مرسومًا بأنه لا يمكن كتابة اسم الله بحرف كبير؟ كريستوفر هيتشنز: لا. تلك جرعة روسية. (ضحك) بيتر هيتشنز: عندما تقول إنك لا تعتقد بوجوب التعليم الديني في المدارس، هل تعتقد أن الدين يجب ألا يُعلَّم في المدارس، وهو الأكثر تحديدًا؟ هل تعتقد بوجوب منع التعليم الديني قانونيًا في المدارس، كما فعل هؤلاء الناس بكل تأكيد، وتعليم الدين في البيت في واقع الأمر؟ كريستوفر هيتشنز: أعتقد أن البيت هو المكان المناسب تمامًا لتعليم الدين، مادام لا يكون مصحوبًا بأمور مثل تشويه الأعضاء التناسلية أو التلقين بأن جيرانك المنتمين إلى طائفة أخرى سيذهبون إلى الجحيم أو أمور مشابهة معادية لمصلحة المجتمع. الاعتداء بالضرب والتعذيب الوحشي وما شابه – أو الزواج التعددي أو بيع الأطفال مهرًا للأعمام العجائز الفاسقين في يوتا. أجل، تعليم الدين في البيت، وليس أي مكان آخر. ليست لدي رغبة في معرفة ما دينك. وأنا أستمتع بدراسة الدين. لقد اخترته موضوعًا للدراسة لأنني أريد ذلك. أنا لا أريد معرفة ما يعتقد به الآخرون. احتفظ به لنفسك. ألا ينبغي أن يجعلك ذلك سعيدًا؟ لديك مُخلِّص. لديك أحد ما يقدم لك مباركة تامة وسعادة إن أحسنت السجود الصحيح و(الصوت غير مسموع). لماذا لا يكون ذلك مُرضيًا لك؟ لماذا يتوجب علي معرفة ذلك؟ لماذا يتوجب عليك المحاولة والعمل على نشره؟ أنا لا أرغب في المعرفة. مايكل بارون (The Washington Examiner): سأحجم عن توصيف آرائي الدينية، ما أمكن. فقط أريد أن أضيف إلى ما سألتْ باربرا كريستوفر عن صلاة الشفاعة وهلم جرًا. كريستوفر، أعتقد أنَّ ما نراه هو فقط موجة عارمة من المودة نحوك من مواطنيك من مختلف المشارب والمعتقدات الذين هم ممتنون لكونك مواطنًا منهم ويتمنون لك كل خير. كريستوفر هيتشنز: حسنًا، شكرًا جزيلاً لك، مايكل. بارون: أمر رائع حقًا. في ملاحظاتك الافتتاحية، وضحت رسمًا تخطيطيًا لعالم ما بعد 1914؛ عالم كانت فيه أوروبا علمانية وغير مؤمنة، وعالم إسلامي كان يعجُّ بالظلم والاضطهاد باسم الدين. لكننا لم نرَ أيضًا، بتفحص أجزاء واسعة من العالم، أمكنة حطمنا فيها، في الواقع، تحالف الكنيسة والدولة في نواح إيجابية عمومًا – شمال أمريكا، أمريكا اللاتينية، وحتى الهند. مازالوا يحرقون المساجد من حين إلى آخر ويذبحون الناس، لكن ليس بقدر المستويات التاريخية. نحن نتكلم عن نصف سكان العالم، أو ما يقارب ذلك، حيث هناك مجتمعات تضم كتلاً بشرية مختلفة، وفي أغلب الأحيان معتقدات راسخة، وأناس بسطاء وجاهلين بالمسائل الدقيقة لأمور العقيدة، كما وضحت، لكنهم أيضًا يحيون في سلام تام مع بعضهم البعض. كريستوفر هيتشنز: إذا أخذنا العالم الإسلامي كمثال، أقول إنه يمثل رسمًا بيانيًا، يمكن أن نعتبره دالَّة: كم هو علماني هذا البلد الإسلامي وكم هو مزدهر، كم منفتح، كم هو ديمقراطي، وكم شعبه سعيد؟ إنه يشبه دالَّة. أجل، حالة إندونيسيا، جزئيًا، كما أعتقد، لأن إندونيسيا كانت متحولة إلى الإسلام أكثر من كونها بلاد فتحها المسلمون. لقد جرى فتح بعض أجزائها، لكن الإسلام انتشر بالتحوُّل بشكل رئيسي. أما بالنسبة إلى تركيا، فبرأيي أنها كانت دولة ملحدة بسبب أتاتورك. لم يكن لزامًا عليه أن يكون علمانيًا، لكنه ساعد على ذلك. أنا أعتقد أن أتاتورك كان ملحدًا. لقد كان مستعدًا حقًا لإطلاق النار على الملالي ونصب المشانق لهم لو أنهم أصبحوا حجر عثرة في طريق تحديث البلاد. لقد استطاع أن ينجز لتركيا في غضون سنوات قليلة ما قد يحتاج إنجازه قرون. ونحن الآن قلقون من احتمال تعطيل هذا الإنجاز أو في طريقه إلى التعطيل. لكن تركيا بلد نموذجي، نظرًا لأن غالبية سكانها يؤمنون بما يقولون إنهم يعملونه سرًا. ويمكن أن تكون تونس مثالاً آخرًا على بلد تضعف فيه الهيمنة الدينية – الطرف الديني واقع تحت سيطرة دقيقة جدًا، كي لا نقول تحت القهر. إن بلدًا كتركيا مؤهل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. إنه يعمل الكثير جدًا من أجل ذلك طوال الوقت. يقول جيمي كارتر، في كتابه حول مفاوضات كامب ديفيد، إن السبب الذي يوقع إسرائيل في ورطة هو أنها ضلَّت سبيل الأنبياء. لذا عليكم أن تتصوروا أن هناك أناس يعتقدون بأنه لو كانت إسرائيل أكثر تديُّنًا فحسب لكانت عملية كامب ديفيد أكثر. أقول هذا لأنني أحيانًا أقرأ أمورًا لا يمكنني تصور لماذا يؤمن الناس بها. فمن المؤكد أن انتصار العلمانية هو الفرصة الوحيدة للاستقرار في المنطقة. ورغم أن بلدانًا مثل هولندا قد لا تكون مميزة من بعض النواحي، إلا أن مردَّ الازدهار والسعادة التي يعيشها الهولنديون له علاقة إلى حد كبير بحقيقة أن هولندا بمنجى من التعصب الديني المسيحي منذ القرن السابع عشر. فأعمال سبينوزا وديكارت لم تكن ستظهر لولا ذلك النوع من العلمانية. لذا أنا مطمئن إلى أن ما اعتقده هو قضية مقنعة تمامًا. سالي كوين (The Washington Post): يبدو أن هذا الشهر هو شهري مع الملحدين. قضيت وقتًا طويلاً بإجراء مقابلة مع كريستوفر في وقت سابق، ثم قبل أسبوع مع ريتشارد داوكنز، واليوم مع سام هاريس. لقد ألَّف هاريس كتابًا بعنوان المشهد الأخلاقي، وأنا مفتونة بقضية المبادئ الأخلاقية لأن فيها تكمن الفكرة القائلة بأنه لا يمكنك أن تكون أخلاقيًا ما لم تكن متدينًا. بيتر هيتشنز: لا، لا تجد مثل هذه الفكرة. نستمر بالقول بأن هذه ليست المسألة. من أين تستمد أخلاقك؟ كوين: لا، أنا لم أقل أنك... بيتر هيتشنز: إنها ليست... بالطبع، أنت يمكن أن تكون شخصًا أخلاقيًا، لكن من أين تجيء الأخلاق التي تسلِّم بها فعليًا بوصفها أخلاقًا؟ كوين: من أين تجيء الأخلاق؟ حسنًا، في الحقيقة أنا لم أقل إنك قلت ذلك. أنا قلت، يبدو أن هناك مثل هذه الفكرة. يتحدث كل من ريتشارد داوكنز وسام هاريس – وهاريس هو عالم مختص بالأعصاب، لذا يتحدث عن علم الدماغ – عن شعورهما بأن المبادئ الأخلاقية تتطور وبأننا نصبح أكثر أخلاقية كلما تطورت البشرية. أصلاً، عندما جاء كونفوشيوس بداية بفكرة القاعدة الذهبية Golden Rule، نُظر إليها على أنها فكرة عملية أو براغماتية، ذلك أن المجتمع لم يكن يؤدي وظيفته وبالتالي كانت هناك ضرورة لفكرة ما يمكن أن توحد الناس في وحدات مجتمعية لكي تحفظ لهم الأمن وتخلق مجتمعًا فاعلاً. عندما كان الدين يضطلع بذلك الدور، أضحت المبادئ الأخلاقية مقاطعة من المقاطعات الدينية. أما الآن، حيث يبدو الدين موضع تساؤل في أغلب الأحيان، ينظر الناس إلى المبادئ الأخلاقية من وجهة نظر مختلفة ويقولون إن الدين حقًا ليس على هذا القدر من الأهمية لكي تُبنى عليه المواقف والقيم والمبادئ الأخلاقية. لكن الفكرة تتطور ببساطة في الرأي القائل إن المبادئ الأخلاقية كائنة لأنها جزء من الدماغ البشري – نحن مبرمَجون لكي نكون أخلاقيين – وأننا نصبح هكذا باضطراد يومًا بعد يوم. كريستوفر هيتشنز: أنا مدين بردٍّ على ما قاله بيتر قبلاً بخصوص القانون، والذي يمكن أن يخدم المناقشة أيضًا. بالمناسبة، سالي، لا معرفة لدي بالتفاصيل اليومية حول تحسن أحوالنا أكثر فأكثر؛ لست على يقين. فأنا أعتقد أن هناك ذرى وأغوار، وأعتقد أننا محكومون بالتقلُّب بينها. لكنني أعتقد أننا محكومون أيضًا ربما بشكل من أشكال النسبوية، أو ربما من الأفضل القول التقريبية. من سيخبرني إن كان هناك قانون صحيح بالمطلق سيجلب الخير لنا في كل الأزمان ومُعظَّم كتابيًا؟ قد نقول، يجب ألا تقتل thou shalt not kill. وقد يكون من المحتم أن نبدأ بذلك. لكن هذا لا يعني يجب ألا تقتل، بل يعني يجب ألا ترتكب جريمة قتل، والكل يعرف أن هناك حقًا صعوبة في تقرير متى يكون القتل جريمة قتل، وأن الأخلاق الوضعية المتعلقة بهذه القضية معقدة جدًا لكنها شائعة في الأزمة والأمكنة. تسود معايير متنوعة في أوقات مختلفة، لكن الحجج غير محدودة وستبقى كذلك. وفي الحقيقة، أنا سعيد إلى حد ما حيال كلا الممارستين الأخلاقية والثقافية، حيث ليس بوسعك أن تخبر شخصًا ما بأمر واحد فحسب، وأنه الأمر الصواب الصالح لكل الأزمنة، وليس هناك ما يدعو للنقاش حوله. ولهذا السبب أعترض على ما ورد في الوصايا العشر في المقام الأول. المبادئ الأخلاقية لا تُلقَّن بالأوامر؛ إنها تُكتسَب بالخبرة والإقناع الأخلاقي والمقابلة والمغايرة بين شتى الطرق المتعلقة بحل هذه القضايا. هناك جرائم فكرية في الوصايا العشر؛ فهي تخبركم أنه لا يجب عليك أن تنظر بعين الحسد إلى ممتلكات غيرك أو ازدهاره. حسنًا، من وجهة النظر الاشتراكية، ذلك يعني أنه عليك أن تتحمل وتصبر إذا كان الناس أفضل حالاً منك، ومن وجهة نظر الرأسمالية والاقتصاد الحر، يعني أساسًا أن المنافسة بمثابة الجريمة – هذا الحافز الكلي للمنافسة والابتكار هو من الخطايا. على أية حال، يرد في قائمة الوصايا ذاتها أن القتل جريمة – أمر يستدعي التفكير. أنا لا أؤمن بتاتًا بأن هناك حقيقة أخلاقية مطلقة؛ على العكس، أؤمنُ أننا سنكون أفضل حالاً بدون مثل هذه الحقيقة المطلقة. ثم، من أين حصلنا على هذه الحقيقة؟ من الواضح تمامًا أنه صدف أن كنا، مثلنا مثل بقية الحيوانات الرئيسة، مؤهلين ومضطرين لاتخاذ قرارات تتعلق برفاهيتنا العامة، إضافة إلى تلك المتعلقة بطموحاتنا الخاصة. لقد شاءت الأقدار أن نُقحَم بها. بيتر هيتشنز: يبدو لي أن مسألة الضمير، أو ما أشارت إليه سالي على أنه برمجة الدماغ، هي إحدى الموضوعات الشائكة. كما يبدو لي أنه من الصعب الاتفاق مع التفسير الإلحادي للضمير الذي يوحي بوجود بوصلة لكن بدون شمال مغناطيسي. إذا كانت المبادئ الأخلاقية تتطور فهي إذن متغيرة. وبالتالي فالأمور التي نرفضها الآن بشدة يمكن أن تكون من المسموحات في وقت لاحق، وفي هذه الحالة لا تكون حقًا مبادئ أخلاقية، بقدر ما يتعلق الأمر بي. ومن يطورها؟ لا يبدو لي هذا تطورًا كما يمكن فهم التطور عمومًا. لكن يبدو أن الكلمة تحمل الكثير من المعاني. فإذا كانت تتطور فإنها تتعدل، وإذ تتعدل لا تكون مبادئ أخلاقية، وبالتالي لا يمكننا الاعتماد عليها. فإذا استمر الشمال المغناطيسي في التحول، سيكون في غاية الصعوبة قيادة مركب أو طائرة عبر الأطلسي. كوين: حسنًا، إذن أنت بحاجة إلى الدين لكي تكون أخلاقيًا؟ بيتر هيتشنز: أجل، بالمطلق. المبادئ الأخلاقية هي ما يوجِّهك للفعل عندما تعتقد أن لا أحد ينظر. وهناك الكثير من الأمور التي قد أقوم بها إن لم أكن مؤمنًا بالله. كرومارتي: أعتقد أن كلاً من ضيفينا قد تحدث عن هذا في كتبهم، ولذا أدعوكم لإيلاء الانتباه إلى تلك الكتب. تيموثي غارتون آش (The Guardian): أرغب فعلاً في المتابعة من حيث انتهيتم تمامًا. أعتقد أن الأخوين هيتشنز قد أجابا على السؤال الرئيسي بشكل مُرضٍ كليًا: هل يمكن للحضارة أن تدوم بدون الله؟ الجواب: "أجل، بشكل واضح". بيتر، لقد ذكرت اليابان، ويمكن أن نقول الصين أيضًا. فإذا كان السؤال، هل يمكن للحضارة أن تدوم بدون نظام أخلاقي أو قيمي؟ فالجواب هو: لا بشكل واضح – وبالتعريف تقريبًا. لذا فإن السؤال هو: هل يمكن أن يكون هناك نظام أخلاقي متين بدون أسس ما متعالية أو خارقة للطبيعة؟ يبدو لي أن هذا هو السؤال الذي نطرحه هنا. المثير للانتباه أن طوني جوت، قبل فترة قصيرة من وفاته، سُئل هذا السؤال في مقابلة مع تشارلي روز. لقد بدا غير مؤمن بالمطلق، وقال: وجدت الناس، عندما يقولون إنهم يؤمنون بشيء ما، عندما يكون لديهم موقف مبدئي، يميلون حقًا إلى تبرير مطلق أو متعال له. أعتقد أن السؤال هنا لكريستوفر، لقد أشرت إلى أننا محكومون بضرب من النسبوية. أنت تقترب من شخص ما غالبًا ما وجهت إليه انتقاداتك، أشعيا برلين، الذي اشتهر قوله في نهاية مقالاته الأربعة حول الحرية: "التحدي الذي نواجهه هو أن ندرك نسبية معتقداتنا وأن نتخذ موقفًا منها على نحو قاطع". من الصعوبة البالغة القيام بهذا العمل. كيف يمكننا فعل ذلك، وهل تعتقد أن بوسعنا حقًا الوصول إلى ذلك بدون التواصل مع ما يجري في الوقت الراهن في أوروبا الغربية وإنكلترا، والذي هو فعليًا نوع من المسيحية المُعلمنة أو ما بعد المسيحية المعلمنة؟ أقصد، أبطالك، الجيفرسيين والماديسنيين والباينيين والأورويليين. إنه نوع من ما بعد المسيحية المعلمنة. كرومارتي: لماذا لا نجمِّع هذه الأسئلة الأخيرة، ومن ثم تتم الإجابة عنها كلها. بيتر وينر (Commentary Magazine): أود أن أعود إلى الاستعارة من لعبة التنس وأطلب من كريستوفر وبيتر إعادة ضرباتهما الإرسالية، بمعنى ما. بالنسبة لك، كريستوفر، ما الذي تعتقد أنه المساهمة الأعظم للمسيحية، سواء على المستوى الكبير الذي يطال المجتمع أو على المستوى الصغير المتعلق بالحيوات الفردية؟ أما بالنسبة لك، بيتر، ما الحجة الدامغة التي تجدها أكثر إقناعًا ضد المسيحية التي يعرضها الملحدون، الحجة التي تقلقك أكثر، سواء من ناحية العلم أم من ناحية وجود الشر؟ تيموثي دالريمبل (Patheos.com): هذا يرتبط بما سأله بيتر للتو. ما يؤثر في نفسي أنه بينما يصير أفراد بمثابة أبطال في فلسفات معينة، يصبح من الصعب تصور أي شيء قد يتعارض مع الشخصية العامة أو مع صورة يقين طاهر في وجهة نظرك الخاصة. أعرف أن أبطال الإيمان يجدون صعوبة بالإقرار بالشكوك، وأتساءل إن كان الأمر ينطبق على أبطال اللاإيمان. لذا يكون السؤال – وهو لكلا الأخوين – هل تمر بلحظات تشكك فيها بالفلسفات التي تتمثل في العقل العام؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما الذي يسبب هذه اللحظات؟ سوزان غلاسر (Foreign Policy): كنت مهتمة بمناقشتك حول روسيا والحملة لقمع الأرثوذكسية في الاتحاد السوفييتي، خصوصًا اللحظة الشهيرة التي تراجع فيها ستالين عن حملته الصليبية ضد الدين، والتي كانت بالطبع في الحرب العالمية الثانية، عندما تكشَّف التهديد الألماني عن كونه تهديدًا وجوديًا. فعلى الفور، ومن أجل الدفاع عن موسكو، وضع ستالين الكهنة الأرثوذكس في الصدارة والمركز مجددًا في مسعى لإعادة توجيه الخطاب السوفييتي بعيدًا عن الإيديولوجيا والعودة به إلى القومية. لذا سؤالي لك هو: كيف يجعلك ذلك تنظر، ربما بطريقة مختلفة، إلى العلاقة بين الإيديولوجيا والقومية؟ هذا ليس سؤالاً متعلقًا بالمبادئ الأخلاقية الشخصية، بل لكما كليكما، لدي فضول لسماع جوابيكما حول العلاقة بين الدين والقومية. كرومارتي: حسنًا، لدينا أربعة أسئلة على الطاولة – أكثر من أربعة. كريستوفر، هلا تفضلت بالإجابة أولاً. كريستوفر هيتشنز: اعتدت أن أُسأل سؤالاً. والآن مطلوب مني الإجابة عليه علنًا خلال النقاشات في المحطات الإذاعية وفي الصحف والمناظرات التلفزيونية مع عدد كبير من الشخصيات الدينية والفكرية البارزة. الأمر ببساطة هو: ينبغي أن تكون قادرًا على إخباري عن إنجاز فعل أخلاقي أو إعداد بيان أخلاقي من قبل مؤمن لا يمكنني القيام به لأنني غير مؤمن. وبالنظر إلى ما تعتقد به، لابد أن يكون من بالغ السهولة بالنسبة إليك أن تقول: هناك ما لا تستطيع قوله أو فعله وهو صواب أخلاقيًا. لا إثبات؛ لم أجد مثالاً واحدًا. لقد امتحنت الجميع – وبالمناسبة، هناك جائزة. وقد أقحمت نفسي حتى في ذلك، كما سأخبركم بعد قليل. لكن لو كان علي القول لشخص ما: هل لك أن تسمِّي لي الآن فعلاً لاأخلاقيًا شائنًا أو ملاحظة لاأخلاقية صدرت عن أحد ما ناتجة عن إيمانه – ليس باسم هذا الإيمان، بل بسببه. لابد أنك فكرت بأحد ما، وستبقى على تفكيرك به. لذا أعتقد أنه من الأفضل عرض المسألة، مع ما تحمل من إهانة ضمنية، وهي أنه بدون الإيمان لن يكون لدى المرء حافز للتصرف على نحو صحيح عندما لا يراقبه أحد آخر أو يستجيب لإملاءات الضمير. إليكم محاولتي لكسب الجائزة. عندما بدأ ليش فاليسا العمل في أحواض السفن البولندية والمقاومة الشعبية البولندية، وكان الجيش البولندي يضيق الخناق على غدانسك، سئل من قبل مجموعته الصغيرة نسبيًا آنذاك: "ألست خائفًا، ألا تشعر بالرعب؟ أنت تواجه دولة كلية القدرة وجيشًا جرارًا – ألا ينتابك الإحساس بالذعر؟"، فقال: "لا أخاف من شيء سوى الله، لا أخاف من أحد سوى الله". هذا ذكرني... حسنًا، أعتقد أن هذا يوافق اثنين من معاييري. من المؤكد أن ما قاله فاليسا يعبر عن موقف نبيل، موقف مميز، ومن المؤكد أنني لا أستطيع التعبير بالطريقة نفسها. لذا لا يتفق ذلك مع كلا المعيارين الخاصين بي. وهكذا أكون قد أجبت جزئيًا على السؤال: المساهمة الأعظم للمسيحية. آمل ذلك. لم يسبق أن سألني أحد بهذا التحديد من قبل، لكني أجد من السهولة البالغة الإجابة حسب ما تتضمنه الصلوات التي اعتدت على ترتيلها والترانيم والمزامير التي كنت أنشدها والدروس التي كنت أقرؤها وأسمعها. المساهمة الأعظم للمسيحية في حياتي هي رسالة التذكير بقصر أجل القوة البشرية، وفي الحقيقة الوجود البشري؛ سرعة زوال كل الدول والإمبراطوريات والأبطال والادِّعات المفخَّمة، وهلم جرًا. هذا ما يلازمني على الدوام، وأجرؤ على القول إنني استطعت اكتساب هذا من أينشتاين، ومن داروين أيضًا. لكن الطريق الذي سلكته، والطريق المغروس في داخلي هو بالتأكيد عبر المسيحية. متى يساورني الشك فيما لو كنت على خطأ؟ أعتقد على الدوام أنه من المحتمل أن يكون هناك ضعف في داخلي، لأنني أود دومًا أن أفكر أنه بوسعي في أية مناقشة الرد بضربة الإرسال خاصتي. وإذا تعين علي أن أتحدث حول الجانب الآخر للمناقشة، يمكنني أن أفعل ذلك. ليس هناك من حجة أمكنها أن تقنعني بتصديق أن تضحية بشرية منذ عدة آلاف من السنين تنوب عن خطيئتي. لا شيء أمكنه إقناعي بأن ذلك كان صحيحًا – أو أخلاقياً، بمعنى ما. فقط – ليس بوسعي – إنه (الصوت متقطع) نزوع إلى الإيمان. وأخيرًا، أجل بالتأكيد، أحد أعظم التشويهات للمسيحية، وليس في روسيا فحسب، كان من حيثما بدأت، مع تفسير ديارميد ماكولوش للتدمير الذاتي والتضحية بالذات للعالم المسيحي، بتطابقه مع روما بيزنطة. ولنتذكر أن الصليبيين دمروا أولاً المسيحية البيزنطية، وأبادوا إلى حد ما اليهود في طريقهم إلى القسطنطينية قبل أن يبدأوا حتى بقتل أي من المسلمين. تطابق المسيحية مع الملكية، مع العرش، الإنكار المطلق لما يتم تعليمه حول سرعة زوال السلطة، وعبوديتها، في الواقع، للسلطة العلمانية هو أمر ملحوظ تمامًا – الأرثوذكسية الشرقية اعتادت أن تكون أرثوذكسية شرقية. أما الآن فهناك كنيسة أرثوذكسية مقدونية وكنيسة أرثوذكسية بلغارية وكنيسة أرثوذكسية روسية، وتلائمت كل منها بشكل فريد مع متطلبات طوائفها المحلية. على أية حال يمكن لكل الحجج إثبات ما أؤمن به بعمق، والذي هو أننا لسنا مخلوقات الله ولم نكن أبدًا، بل إن الكثير والكثير من الآلهة خلقها الإنسان، وهذا هو بالضبط المجاز الآخر، الادعاء الرئيسي للنزعة المادية – وإذا كان لا شيء آخر يقنعني بهذه الحقيقة الجلية، فإن سلوك الدين نفسه سيكون كافيًا. بيتر هيتشنز: أولاً وقبل كل شيء، أردُّ على تيم غارتون آش. لقد قدمت تنازلاً عمدًا بخصوص قدرة الحضارة على الوجود بدون الله. لكن لنتفحص الحضارة الصينية، الدولة البوليسية الصفيقة، ولنتفحص الحضارة اليابانية، المجتمع الملتزم إلى حد كبير، وفي الواقع غير الحر تمامًا، ولنقارن بينهما – لقد اعتاد دبليو إتش أودن على القول عندما أتلفت كنيسة إنكلترا كتاب الصلاة العامة وكتاب الملك جيمس المقدس؛ لماذا تبصق على حظك؟ وأنا أقول ذات القول إلى المستفيدين من المسيحية البروتستانتية في المحيط الإنكليزي. هذه الحضارة الهائلة التي نعيش فيها، التي ورثناها من أسلافنا لكننا مصممون على عدم توريثها لأطفالنا، هي العينة الأكثر استثنائية للحظ الطيب. ويبدو لي أنها مستمدة – كما أقول، هذا الترابط بين الأمر والحرية فريد تقريبًا في التاريخ الإنساني، وفريد على وجه الكوكب – منبثقة فعليًا من المسيحية البروتستانتية. وهي لم توجد في اليابان، ولا في الصين مطلقًا لأن قوة الفكر هذه لا توجد هناك. أجل، بوسعك امتلاك حضارة، لكن كن على حذر بخصوص نوع الحضارة. كريستوفر هيتشنز: أفضل من الحال عندما كان إمبراطورهم إلهًا. بيتر هيتشنز: ليس لدي أدنى شك في ذلك. لكن هذا ليس هو نوع الإله الذي أعبد، وأعتقد أننا يجب أن نكون واضحين بدقة هنا عندما نناقش هذا الأمر، ذلك أن الدفاع عن المسيحية لا يعني بالضرورة الدفاع عن القرآن أو الهندوسية أو العديد من المعتقدات الأخرى القائمة التي أقول بصراحة إنني لا أتفق معها، ويمكن أن أقدم مبررات ذلك. متى تنتابني اللحظات القصوى من الشك؟ على الغالب عندما أقرأ العهد القديم، أو في الواقع الرسائل الإنجيلية للقديس بولس؛ إذ أجدها نوعًا ما مثيرة للمشاعر، أوه، لا، أيتوجب علي حقًا أن أزيد على هذا؟ سترون أنني لست أرثوذكسيًا متعصبًا في معتقدي، فالشك يراودني طوال الوقت – شك متواصل ولانهائي. وأعتقد أن الملحد والمسيحي على حد سواء يخشيان من أن يكون هناك إله، لكن المسيحي يأمل أن يكون هناك إله أيضًا. إنه إدموند بورك، إن لم تخني ذاكرتي، الذي قال أولاً إن الإنسان الذي يخاف الله حقًا لن يخاف من أي شيء آخر. الصعوبة في القول هو تهيئة نفسك حقًا للاعتقاد فعليًا وبقوة كافية بفكرة أنك قادر على التخلص من خوفك من حزب العمال المتحد البولندي ومن الشرطة السرية ومن الجيش الأحمر وكل ما تبقى منه، أو أي شيء آخر ستهرب منه بينما من المفترض أن تقاومه، والذي نحن جميعًا، أعتقد – حسنًا، أنا بالتأكيد سأفعل. الاختبار هو عندما لاحت لي فرصة لكي أهرب من شيء ما، فعلت ذلك. فيما يتعلق بستالين. أجل، الأمر صحيح تمامًا حيث في تلك اللحظة، عندما تم إرسال مومياء لينين، على ما أعتقد، إلى كويبشيف، وكانت الحكومة السوفييتية في مكان آخر، والوضع برمته كان في حالة من التقهقر العام بشكل متسارع، واتفاقية ستالين مع هتلر، التي كان ستالين قد وثق بها لفترة طويلة بعد أن كان هتلر قد كفَّ عن ذلك، أظهرت عدم مصداقيتها، لكن إلى مثل هذا المدى الذي جعل ستالين يمتنع فعليًا عن إصدار أوامره لقواته بالدفاع عن الوطن لأنه اعتقد أن الاتفاقية ما تزال سارية المفعول لبضعة أيام. في حالة كهذه، أجل، لجأ ستالين إلى الكنيسة. كما استحضر الوطنية الروسية، فبدأت تماثيل ميخائيل كوتوزوف بالظهور في الشوارع. كان كل هذا يجري ببطء، لأن اليأس التام كان قد عمَّ. وما كان يجب رصده من قبل الناس هو أنه حالما زال الخطر تضاعف القمع، وبصورة خاصة في ظل حكم نيكيتا خروتشيف. وفي أواخر الخمسينات وبداية الستينات، كان هناك اضطهاد تعسفي للمسيحية في الاتحاد السوفييتي. لقد كانت محض انتهازية من قبل القادة السوفييت، وكانت اللحظة الوحيدة التي اتخذوا فيها تلك البادرة على الإطلاق. لذا، أنا لا أعتقد أنها تقوضت – ملاحظة صغيرة واحدة أرغب في العودة إليها، بالمناسبة – كان كريستوفر يثني على كمال أتاتورك بسبب طريقة تعامله مع الملالي. وأنا غالبًا ما أتساءل كيف ينظر إلى تعامل ستالين الشبيه بالضبط مع الناس نفسهم في آسيا الوسطى السوفييتية في الوقت ذاته، متماثلة تقريبًا – احتفالات كان يتم فيها إحراق أغطية الرأس في الساحات العامة، وفي الواقع كان الملالي يُقتلون. والآن، لأن ستالين كان يقوم بذلك... كريستوفر هيتشنز: هي اللغة الوحيدة التي كان يفهموها. بيتر هيتشنز:... هل كان ذلك أمرًا سيئًا أم جيدًا؟ كريستوفر هيتشنز: جيد. بيتر هيتشنز: حسنًا، حسنًا. أود أن يُثبت هذا. لم يجر سؤالك بصورة كافية عن موقفك من الثورة السوفييتية، لكن... كريستوفر هيتشنز: جيد، أنا متأخر كثيرًا. سوف يحنُّ الناس إلى ذلك قريبًا. بيتر هيتشنز: سآخذ هذا بعين الاعتبار. كريستوفر هيتشنز: نعم، الناس سوف تحن. انتظر وسوف ترى. بيتر هيتشنز: لن أرى. هل كان هناك أي شيء آخر؟ أنا أعرف أن الأمر لم يتم لهذا السبب، لكنه حدث في بريطانيا عندما أصبح السيد بلير رئيسًا للوزراء حيث لا أحد كان قادرًا أبدًا على سؤاله سؤالاً ثانية، كان دائمًا ثلاثة أسئلة في الوقت نفسه، وعندما كان يجيب عليها، كان يتجاهل دومًا السؤال الصعب. كذلك هناك شيء لم أجب عليه الذي يشعر... (الصوت متقطع وغير مسموع). كرومارتي: لا، أردت القول للجمهور أن بيتر هيتشنز قطع كل الطريق من أوكسفورد فقط لكي يشاركنا هذا الحدث. وأتى كريستوفر إلينا في الفترة الفاصلة بين موعدين لدى طبيبه، مما يجعلنا ممتنون جدًا لهما. كنا نخشى أنه قد لا يحصل هذا اللقاء نظرًا لكون أحدهما في أوكسفورد والآخر يخضع للمعالجة الطبية. لذا، أعتقد أنه عليكم مشاركتي تقديم الشكر لكل من هذين الأخوين لانضمامهما إلينا في هذا الحدث الخاص جدًا. (تصفيق) 12 تشرين الأول 2010 ترجمة: غياث جازي *** *** *** تم تحرير هذه النسخة المكتوبة من قبل أيمي شتيرن، وضوحًا وقواعدًا ودقة.
|
|
|