|
منقولات روحيّة
"لِنصنع الإنسانَ على صورتِنا كمثالِنا... فخلقَ اللهُ الإنسانَ على صورتِه، ذكرًا وأنثى خلقهم" (تكوين 1: 26-27). بهذه الكلمات تنقل إلينا التوراة اليهودية في فصلِها الأول قصة خلق الإنسان في اليوم السادس والأخير من أيام الخلقِ قبل أن يستريح الله الخالق في السابع منها. وبحسب التقليد اليهودي فإنَّ التوراة دُوِّنت موحاةً من الله على عهدِ النبي موسى، بيدَ أنَّ الدارسين يُجمعون على تدوينها في عصر الملكية اليهودية الأول. ولم تحمل التوراةُ في طيَّاتها تقليدًا واحدًا، هذا ما دفعَ المتأخرين إلى دمجِ التقاليد في سفرٍ واحد تضاربتْ فيه الروايات أحيانًا وتكرَّرت أحيانًا أخرى. بالعودة إلى رواية الخلق، تفصِّل التوراة خلقَ الإنسان في الفصلِ الثاني بصورةٍ ماديةٍ عملية: "وجبلَ الربُّ الإله الإنسانَ ترابًا من الأرض، ونفخَ في أنفه نسمة حياة، فصارَ الإنسانُ نفسًا حيةً" (تكوين 7:2). إنَّ الإنسان في عرف التوراة العبري يُدعى "آدم" عامةً، قبلَ أن يقتصر هذا الاسم على الذكر دون الأنثى. فآدمُ لم يكن اسمَ علمٍ كما هو اليوم بل اسمًا يحمله الإنسانُ يميِّزه في إنسانيته عن بقية الخلائق. فأمَّا جعلُه اسمًا مخصَّصًا فكانَ في الرواية الثانية التي تخبِّر عن الجبلة الترابية التي صُنعَ منها آدم قبلَ خلق أنثاه من جسدِه وضلعٍ من أضلاعه. إذ لم يقنع الله الخالق ببقاء آدم–الإنسان وحيدًا بينما تجدُ كلُّ خليقةٍ أخرى شريكَها المقابل، فأوقعَ على آدم سباتًا عميقًا وأخذَ أحد أضلاعِهِ وبرا منه المرأةَ وجاءَ بها الإنسانَ الذي دعاها امرأةً لأنها من امرئٍ أُخذتْ (تكوين 2: 21-23).
توطئة إذا كانت علاقة الشيخ أبي مدين شعيب بمن بعده وبمن قبله من الشيوخ والأولياء قد فككت ونوقشت وطرحت على مشرحة التحليل والبحث، فإن علاقة أبي مدين شعيب بالصوفي والشاعر الجزائري الشعبي الكبير الأخضر بن خلوف لم تطرح ولم تشرح ولم يسلط عليها الضوء بما فيه الكفاية، لكونها، ربما، علاقة روحية صرفة تتجاوز أحداث التاريخ المادية. وثقافة التأريخ التاريخي لدي مؤرخينا تشكو من الاختزالية والانتقائية وافتقاد النسقية والرؤية الكلية، فهي تتركز وتتمركز في أكثرها حول التاريخ السياسي والعسكري والأدبي للذوات وللشخصيات الكبيرة، متجاهلة تاريخهم الروحي، لا سيما إذا كانت هذه الشخصيات تنتمي إلى طائفة الأولياء والمتصوفة.
|
|
|