|
كلفة الطوباوية!
يقول ليون شتراوس: عند آخر تحليل، ينبغي لنا أن نفهم الـ"علمنة" (الراهنة) على أنها التكيِّف الذي فرضته الفلسفة الحديثة والعلوم الحديثة على العقائد اللاهوتية للتلاؤم مع متطلبات المناخ الثقافي. قد يكون السؤال حول موقع الأيدولوجيا، أيَّة أيديولوجيا، في الجدل الفكري المعاصر وفي السياسة المعاصرة بشكل عام، أحد الأسئلة الرئيسية على المستوى الفكري والسياسي الكوني. حيث يبدو الآن أن صراع الأفكار في العالم بأسره لا يزال يدور حول سؤال قديم بقدر ما هو حديث في صراع محموم بين مفهومين: المفهوم الأول والذي يقول بأن ما يجري وما سيجري في هذا العالم "السفلي"، لا يمكن فهمه إلا باعتباره مرحلة عابرة نحو يوم مظفر يؤول إليه البشر تنتهي فيه كل الصراعات والشرور ويتحقق الخلاص النهائي. وأن هذا الخلاص الذي تتصوره كل من هذه العقائد على طريقتها كجنة أو كجمهورية أفلاطون أو نتاجًا لحتمية التاريخية ما هو الذي سيصبح الهدف النهائي للتاريخ وهو الذي سيعطي المغزي لكل أحداث العالم، بحيث يعتبر ديدن الحراك التاريخي والسلوك العام للشعوب والأفراد هو تسريع تحقق الخلاص البشري على هذا الطريق. بينما يقوم المفهوم الثاني على أن فهم أحداث هذا العالم ومغزى تطوره يتطلب ربط الأسباب والنتائج، ربط الأحداث بتاريخها، واستهداف قضية الحرية والانعتاق البشري الشامل على أنها جهد تراكمي متنام يساهم فيه كل البشر، وعلى أنها الهدف الوحيد الذي يعطي مغزى لأي تقدم. لابد لي هنا من القول بأن ما أعكسه في هذا المقال هو رأي أولي يعكس رؤيتي لحراك الجدل الراهن فيما أعتقد بأنه أحد أهم المواضيع الفكرية الراهنة. فلقد سمح لي مرضي في الفترة الأخيرة ومكوثي في واحدة من أهم معاقل العلم والفكر المعاصر في العالم ألا وهي مدينة كامبريدج، واحتكاكي ببعض من أهم مفكريها أن أتعرف ليس فقط على الجدل الجاري في أوساطها على حواف المعرفة العلمية والفلسفية الراهنة، بل والاطلاع على بنية هذا الجدل ومؤسساته ونمط إدارته. هذا الجدل يمتد على مجمل ساحات المعرفة البشرية من العلوم الرياضية إلى الفلسفة إلى الفنون والآداب وعلوم الأديان وينمو عبر توتر شديد في صراع حاد واضطراب في زمن يذكرنا بأزمة العلوم في بواكير القرن العشرين. حيث يزدهر هذا الجدل في مناخ يعزز تعدد مشارب وأوجه وزوايا الحقيقة بل وحق كل فكرة في الوجود بعيدًا عن أي موقف عقائدي أو "علماني" مسبق. لذلك فإن ما أقصده فيما أكتب الآن، ليس الادعاء أو الترويج لنظرية أو عقيدة جديدة، تندرج في هذه السوق المضطربة للمبشرين، بل جل ما أقصده هو الإفصاح عن رأي فيه الكثير من عناصر وأفكار يتم تداولها في هذه المحافل وفيه بعض من رؤيتي لهذا الحراك. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء واسترجعنا مسيرة القرون الخمس الماضية، وخاصة منها سيرة القرنين الأخيرين، يمكننا القول إن تاريخ العديد من الثورات التي قلبت وجه العالم في هذه الفترة، يتطابق بالضبط مع تاريخ قضية الإيمان. وسواء ترافق هذا التاريخ الفادح بالثورات أو بالكوارث، فإنه يشير بشكل صارخ إلى الموقع المركزي للإيمانيات العقائدية في تشكيل هذه الصراعات وإنتاجها وفي تطورها على حد سواء. هذه الإيمانيات، سواء منها الإيمانيات الدينية المختلفة أو الإيمانيات السياسية التي تدعي أنها لا دينية وتتخفى خلف غشاء رقيقٍ لدين "علماني" جديد، فإنها جميعًا قد خلفت ركامًا هائلاً من الشظايا والنفايات السياسية والفكرية، بل صارت بدورها أشبه بوحوشٍ مهولة في صراعها حول مآل رؤيتها الأسطورية الكونية التي تحاول فرضها عبر نهش ملايين الجثث البشرية في دراما وحشية ومدمرة ورهيبة. قد تبدو العقائد السياسية المختلفة التي صعدت أو هبطت في القرنين الماضيين، عقائد لا إيمانية لا دينية، أو قد يقال بأنها تمثل قطيعة مع الفكر العقائدي والتبشير الديني، إلا أن شيئًا من التمحيص في مسارها وخطابها وآليات عملها وبنيتها المؤسساتية لا يترك مجالاً للشك بأن لوثة التبشير، بقدرتها على إحداث تبديل جذري في جوهر العلاقات بين البشر، تكمن في صلب بنيتها العقائدية والسياسية والثقافية والمؤسساتية. فمن خلال القول بأن البشرية على عتبة انعطاف هائل ستصنعه هذه الإيمانيات "العلمانية"، وأن هذا الانعطاف سيغير وجه علاقة البشر ببعضهم البعض وستتبدل علاقتهم بالكون وموقفهم من العالم، وأن تحقيق ذلك قريب المنال ولا يحتاج إلا لنخبة من العقائديين الواعين التي اختارها التاريخ الذي يقرع أبوابه الحلم الوشيك بالخلاص النهائي. والحقيقة هي أنه بالرغم من كون هذه العقائد "العلمانية" يتم ترويجها من خلال مفردات وبنى لا دينية فإنه لا يمكنها التخلص من سمتها الطوباوية والتبشيرية بل والتَدَيُنية. صحيح أن العقائد العلمانية نمت على خلفية أفكار معادية للمؤسسة الدينية مع صعود الفكر التنويري في أوروبا، بدءًا من الفكر الانقلابي للثورة الفرنسية واليعاقبة، فإنه ادَّعى أنه يستخدم معطيات العلم لتأسيس مجتمع العدل والمساواة بالتالي فإن الدراما المجتمعية والبشرية التي تسببت بها هذه الثورة كانت ثمنًا مقبولاً مقابل الحلم الواعد الذي تبشر فيه بنهاية الاستبداد وانعتاق الإنسان من العبودية. ولم تقم النازية بشيء مختلف. فلقد ادَّعت بدورها أنها تستمد عقيدتها من العلوم الحديثة لتبرر وحشيتها وجرائمها منقطعة النظير. ثم جاءت الحركة الشيوعية لتبرر بالحتمية التاريخية كل تلك التكلفة الإنسانية والحضارية والمجتمعية التي بشرت بها العقيدة الشيوعية بنسخها المختلفة. لكن الحتمية التاريخية لم تحصل. ويبدو أن الحتمية الوحيدة التي يعلمنا التاريخ هي أنه لا ينصاع لتباشير العقائديين وأنه يرفض الانصياع لأية أيديولوجيا أحادية الرؤية والبعد. ثم تمتد الفكرة مرورًا بالمحافظين الجدد بشرائحهم العلمانية أو "المسيانية" إلى المبشرين بنصر نهائي لفسطاط الإسلام على فسطاط الحرب، أو إلى اليمين الإسرائيلي ومشروعه المسياني الإجرامي المدعم بمعتقدات الهرمجدون أو غيرها من مختلف المعتقدات المندرجة تحت أية عباءة إسلامية أو مسيحية أو صهيونية دينية، أو ليبرالية أو شيوعية أو نازية. إنها جميعًا لا تستطيع أن تنجو من حقيقة كونها مشاريع تدعي أنها ستضمن "الخلاص النهائي" الأوحد الناجز للبشر بما ستحققه نخبة مصطفاة من البشر. لا تستطيع أن تنجو من حقيقة أنها جميعًا تدَّعي بأن العالم يوشك أن يتحد تحت ظل نظام عالمي أوحد يوحد نمط حياة كل البشر في السياسية وفي نمط إدارة الاقتصاد، بل ويوحد، قبل كل شيء، قيمه الروحية والثقافية في قالب أيديولوجي واحد. رأي كهذا، لا يهدف الانتقاص من قيمة ذلك التحليل التاريخي العميق الذي شكل إضافة فكرية هائلة للفكر البشري والمتمثل ليس فقط بالفكر التاريخي لماركس، ولا من ذلك التحليل الرفيع للرأسمالية وأزماتها. هذه الإضافة التي قدمها ماركس لا تزال تحتفظ، في رأيي، بقيمتها الراهنة والعالية في مراتب التحليل البنيوي الكلي للنظام الاقتصادي العالمي الراهن. ولا يسمح رأي كهذا أيضًا بالانتقاص من موقع العديد من الحركات التحررية، الوطنية الدينية أو "العلمانية" والتي استندت إلى وعد الطوبى الدينية أو الطائفية في إطار حشد القوى لكفاح وطني لحماية وطنها وشعبها أمام عدو غاشم لا يقل عنها عقائدية ويحاول فرض رؤيته الذاتية لخلاص نهائي كما يتجلى في أقبح تعبيرته في فكر اليميني للمحافظين الجدد والفكر الظلامي لليمين الديني اليهودي. كما أن رأي كهذا لا يسمح لنفسه بالانتقاص من الإنجازات الهائلة والتقدم الكبير الذي شكله الفكر الليبرالي بالنسبة لمجمل الحراك التطوري للفكر البشري. لذلك يبدو من الضرورة بمكان التأكيد هنا أننا نتحدث عن شيء آخر تمامًا. فليست اللوثة في مجرد الاعتقاد بفكرة ما، ولا في الاعتقاد بحلم كبير يمكن أن يجمع البشر في إطار ارتقاء لا متناهٍ للجنس العاقل، بل إن اللوثة والجرثومة تكمن في الاعتقاد بأن ما نعتقده هو نهاية الحقيقة، وأن ذلك يخولنا بالتالي أن نستبد ونحاول فرض فكرنا الأعمى على العالم مهما كلف ذلك من ثمن. فهل ثمة من يعتقد اليوم بأن ملايين البشر الذين قتلوا على يد اليعاقبة، وملايين البشر الذي قتلوا على يد هتلر أو ستالين أو ما تسي تونغ وغيرهم كثير قد قتلوا إلا لأهداف هي بعيدة كل البعد عن الأهداف "السامية" التي بررتها في الأصل. (تقدر السلطات الصينية بأن الثورة الثقافية قد كلفت ما لا يقل عن ثمانين مليونًا من الضحايا، وفي كمبوديا يصل عدد ضحايا "الثورة" إلى المليونين "بما يعادل 10% من السكان"، وتقدر "الكلفة" البشرية لعدوان القوات الأمريكية في العراق بما لا يقل عن مليوني شخص). إذ إنني أميز هنا بشكل حاسم بين الإيمان الديني لدى الطوائف الدينية المختلفة بيوم القيامة من جهة، وبين الإيمان لدى بعض الطوائف الدينية بأن يوم القيامة، أو يوم تغيير العالم، أو يوم الحسم بين الخير والشر، هو يوم وشيك الحدوث. هذا الإيمان هو الذي يفسح المجال لنخب من العقائديين بأن تدفع الصراعات نحو أتون حروب إجرامية بذريعة تحقيق القيامة أو الحتمية التاريخية. وهم تسريع تحقق اليوم الموعود لمشروع كوني ما، هو الذي يقف وراء هذا العنف المنفلت. عودة إلى البدايات: تجتمع مختلف العقائد الدينية التوحيدية على رؤية معينة لنهاية للعالم. لكن وحدها تلك الحركات "التغييرية"، من ضمن تلك المؤسسات الدينية، هي التي روجت بقرب النهاية، وبأنها قادرة على تقريبها أكثر من خلال تحقيق مشروعها السياسي. لعل البداية نشأت مع الزرادشتية التي كانت الأسبق في بلورة فكرة أن تاريخ العالم إن هو إلا صراع بين الخير والشر لابد أن ينتهي بانتصار الخير. في حين نفت المانوية، وهي ديانة فارسية تلت الزرادشتية في أرضها وامتدت منها إلى الهند والصين، إمكان حسم هذا الصراع في مطلق الأزمان. وبالرغم من أن بالإمكان تتبع الأفكار القائلة بالصراع بين الخير والشر، سواء في الفكر الهندوسي أو الديانات الفرعونية، إلا أن وثائق البحر الميت تظهر بشكل جلي مدى تأثر أفكار اليهودية بالديانة الزردشتية حول أن تاريخ البشرية سينتهي عما قريب بنهاية ينتصر فيها الخير على الشر. ومن المفيد هنا أن نلاحظ كيف أن هذه العقائد، على مختلف مشاربها، وعلى الرغم من الصراعات والدماء التي سالت فيما بينها، تشترك في تقسيم ثلاثي للتاريخ. فلقد قسمت غالبية هذه العقائد مقاصد التاريخ إلى ثلاثيات. في مراحل متأخرة قسم حكماء اليهود التاريخ على أساس زمن ثلاثي: زمن ممالك بني اسرائيل، وزمن الدياسبورا (زمن الشتات)، وزمن مملكة "اسرائيل" التي ينبغي تأسيسها مع عودة الشعب اليهودي لفلسطين لبناء الهيكل. واعتقدت بعض الطوائف اليهودية بقرب عودتها إلى أورشليم لإعادة بناء الهيكل، حيث كانت تعاليم بعض النخب اليهودية (التي اعتبرت مهرطقة في حينه) تقول بأن العالم على وشك الانتهاء، وأن مملكة الله الجديدة على وشك التحقق، لتسود الوفرة غير المحدودة، حيث يلتحق المؤمنون جميعًا بعالم خالٍ من الشرور. ويعود جزء هام من القبول الذي لاقته الفكرة المسيحية في بواكيرها لإرهاصات هذا الحراك في أوساط نخب يهود فلسطين. لذلك كان من الطبيعي أن تسود لدى المسيحيين الأوائل فكرة قرب نهاية الزمان، حيث كان يفترض أن تنتهي معه آلام البشر. لكن سرعان ما جاء أوغستين لينقذ المشروع الكنسي، وليقترح رؤية جديدة تميز بين مدينة الله، ومدينة الإنسان، وتقوم على مفهوم أفلاطوني يقول بأن الخلاص لن يتحقق من خلال تبدل فيزيائي للكون، ولا كحدث سيحصل في المستقبل القريب، بل من خلال كونه تغييرًا روحيًا داخليًا، يمكن تحقيقه في أي زمان، في حين سيبقى إبليس موجودًا كما كان موجودًا في هذا العالم وفي الإنسان ذاته منذ نزل آدم من جنته، وطالما بقي بنوه فيه. بهذا المنطق تمكن أوغستين من الاحتفاظ بمفهوم الخلاص المسيحي بعد تخليصه من مخاطر تفسيره المادي الحرفي. ولقد اعتمدت الكنيسة المسيحية هذا التفسير في مجلس افيسوس عام 431 للميلاد. وبعد، فمن الطريف والمثير للكثير من التأمل، كيف كانت الاعتقادات بانقلاب مسياني وشيك تطفو في لحظات تاريخية معينة، الأمر الذي يحتاج لأبحاث كثيرة حول الشروط التاريخية التي ترافقت بصعود العصبيات والتطرف متجسدة بأفكار ثورية مختلفة تحملها أحزاب أو طوائف محددة بين الجماعات البشرية اليهودية أو المسيحية أو المسلمة ولدى الحركات والتيارات "العلموية" العلمانية في قرنين الأخيرين بشكل خاص. ولعل أحد الأمثلة الطريفة والفادحة هي المذابح التي ولدتها المحاولات التبشيرية بنهاية العالم، مشاعية دينية في مدينة مونستر الألمانية عام 1534، صادرت الذهب وألغت الملكية الخاصة وفرضت إبقاء أبواب البيوت مفتوحة طوال الوقت وأعدمت كل من يخالفها وحصرت عمل النساء في المنزل وقتلت كل امرأة عاقة وبشرت بخراب العالم على رؤوس الهراطقة البروتستانت، في حين ستبقى مونستر التي آمنت بالبشرى الجديدة لتعيد لتأسيس أورشليم الجديدة. ومن ثم، تعود الثلاثية الزمنية لتظهر في زمن الأب وزمن الابن وزمن الروح القدس حيث الأخوة الكونية بين كل البشر. وبالرغم من أن الرسول محمد كان يقول "جئت لأتمم مكارم الأخلاق" نافيًا القطيعة مع الزمن الذي سبقه بل اعتبر رسالته انضاجًا واكمالاً لها، وبالرغم من أن الدين الإسلامي يصر على القول بأن موعد القيامة سرٌّ من أسرار الخليقة لا يعلمه إلا الله الخالق وحده، استمر البعض في تقسيم الزمان على أساس القطيعة الكاملة بين زمن الجاهلية والزمن الراهن الذي اعتبر زمنًا للحرب ريثما يؤذن بالزمن الموعود – زمن السلام والاسلام، زمن السلف الصالح الذي ينبغي تسريع شروط تحققه من خلال مشروع نخبة أو طائفة أو ملة من الملل الإسلامية. وأكثر من ذلك، فإننا لن نخيب إذا مضينا قدمًا في تتبع هذه الثلاثية فيما تلاها من مراحل لدى العقائد السياسية التي تدعي "العلمانية"، لتظهر ذات الثلاثيات لدى فورييه وأوين وغيرهم. لكن الأطرف أيضًا هو تتبع هذه الثلاثيات في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين. فلقد اعتقد هيغل بثلاثة أزمنة ديالكتيتكية لتحرر الإنسانية، واعتقد ماركس، كما يوضح البيان الشيوعي، بثلاثية زمن المشاعية ثم زمن المجتمع الطبقي ثم زمن الشيوعية. وحتى النازية التي طالما كانت تتبجح بالتحرر من الفكر الديني فإنها سرعان ما اعتبرت زمنها هو الزمن الثالث (الرايخ الثالث) تيمنًا برؤيتها الزرادشتية. فلطالما كانت المجتمعات الإنسانية تطمح إلى مجتمع طوباوي (يوتوبي)، لكن أغلبها كان يردها إلى زمن السلف الصالح وبعضها – بل وأكثرها كارثية – كان من يقول بأنه قادر على تحقيقها الآن، مهما كان هذه (الآن) وكيفما اتفق. ومن المثير للدهشة أيضًا والأسف أكثر أنه بعد مضي قرون من التنوير التي لعب فيها المثقفون دورًا كبيرًا في لجم الصراعات الاجتماعية والدينية في أوروبا من خلال البرغماتية والواقعية السياسية، انعطف مثقفو أوروبا وأمريكا، وعلى خلاف الجمهور العام، ليصبحوا هم الدعاة الأوائل للحرب. كل هذه الطوباويات تدور حول فكرة أساسية هي أن مشاكل العالم وما فيه من خير ومن شرر كان دائمًا من ذات الطبيعة، فما كان شرًا كان شرًا دومًا وما كان خيرًا كان وسيبقى كذلك دومًا. وهي بذلك تستبطن ثلاثة مرتكزات تعتبرها بديهية: الركيزة الأولى: أن شرور العالم وتناقضاته واحدة، وأنها قابلة للحل من خلال منطق واحد ومنظومة قيم واحدة. الركيزة الثانية: أن مصير البشرية لابد سيؤول لتحقيق حلمها الطوباوي كحل هو حل شامل متجانس متكامل تحمله حركة ثورية ما. الركيزة الثالثة: هي أن هذا الحل هو بالذات ذلك هو الحل الوحيد الممكن، وهو الحل الوحيد الصحيح. كان الصراع السياسي والاجتماعي دوما جزءًا لا يتجزأ من الحياة البشرية، إلا أن يوتوبيا قرب نهاية العالم جعلته أكثر وحشية ودموية وإبادة تحت ذريعة اليوم الموعود. فالفكر القيامي لم يكن يومًا مجرد جدل فكري لاهوتي أو علموي بين نخب حالمة، بل لقد حُمِّلت هذه الأفكار أحمالاً سياسية للتحول إلى فكر إجرامي، ولتحول الحلم واليوتوبيا إلى حدث كارثي دموي، ولتصبح أخطر الأفكار البشرية وأكثرها فتكًا وشناعة، ولتتحول هذه الأحلام الوردية على أرض الواقع إلى كوابيس تفوح منها رائحة الجثث والأجساد البشرية المحترقة. فالغباء فضيلة لا يتمتع بها إلا البشر. وتلك العقائد التي صعدت مبشرة بالغد الجديد الموعود لتلتهم جثث الملايين من البشر، هذه المشاريع الطوباوية، بما فيها تلك التي تفترض أنها غير طوباوية، لابد أن تجابه بأن يقال لها وجهًا لوجه إنها ببساطة غير قابلة للتحقق بالتعريف. وفي هذا السياق يتحمل الفكر السياسي الغربي الوزر الأكبر عن جرائم وحروب الإبادة في القرنين السابقين وحتى اليوم للأسباب التالية: أولاً: دأبت الحضارة الغربية على تصدير المشاريع والأفكار الشمولية الكونية سواء بغلافها اللاديني أو بغلافها "العقلاني" العلموي (فكر اليعاقبة كان الأساس الفكري لنشر "التنوير الديمقراطي" من خلال النشاط الاستعماري في أفريقيا وآسيا. وكذلك كان أمر النازية والصهيونية الدينية والشيوعية والليبرالية الجديدة... إلخ)، ودأبت على الاعتقاد على مدى القرنين الماضيين بأنها تمتلك السر لتحقيق المثال الأعلى والنهائي الذي لا يدخله الباطل لا من خلفه ولا من أمامه، وأن لها الحق بالتالي أن تدعي التفوق النهائي والمطلق على المستوى الحضاري، وأن لها الحق في تصدير وفرض نمط تحضرها ومسارات تحضرها على البشرية. التجربة الراهنة للبشرية، وخاصة بعد أن انجلى نهائيًا الغبار الذي خلفه سقوط الاتحاد السوفياتي، يوضح بما لا يدع مجالاً للشك مدى محدودية وضيق وتعصب هذا المنطق. فليست هذه الشعوب غير البيضاء هي المسؤولة عن فشل الشيوعية في الصين أو التجربة "الديمقراطية" في العراق، المشكلة في أساس منطق النقل الأعمى للتجارب ونفي البعد التاريخي ومستوى التطور الحضاري. صار بديهيًا الآن القول بأن الحضارة الراهنة لا يمكن أن تنمو لتكرس نمط أحاديًا من التطور الثقافي والعلمي والمجتمعي، بل أنه لا بد لها من مخاض عميق من التطور الحضاري الكوني يكون نتاجًا دراميًا هائلاً لنمو البشر من كل مشاربهم وثقافاتهم وأنماط حياتهم ومعتقداتهم ومصالحهم. ثانيًا: الوهم القائل بأن الحلم، المشروع، الذي تسعى إليه تلك النخب العقائدية يستحق كل التضحيات التي سيوقعها بين البشر وبين أبناء جلدته بالذات. ولعل من الطريف هنا أن نذكر هنا شهادة كاين غويك، الملقب بدوتش، التي عقدت مؤخرًا لدى المحكمة الدولية لجرائم كمبوديا. كان دوتش يستغرب تمامًا أن يحاكم رغم علمه وإقراره بأن ساهم سياسيًا في مقتل ما لا يقل على مليونين من الكمبوديين، وساهم عمليًا في مقتل ما لا يقل عن ستين ألفًا من مواطنيه قتلوا في معسكر الاعتقال الذي كان يشرف عليه بالذات. فقد كان، ولا يزال، يعتقد أنه كان يقوم بذلك بهدف تغيير الإنسان والمجتمع وإعادة تأسيسه بناءً على حلمه البائد. لم يشعر هذا "القائد" بالندم بل يستغرب مجرد مساءلته. ثالثًا: الاعتقاد بأن كل الاختلافات في أنماط حياة البشر يمكن إزالتها من خلال نمط الحياة الإيمانية التي تروج لها نخب المشروع. فبقدر ما كانت فكرة الشيوعية طوباوية ومكلفة بكل المعاني كانت فكرة، بل وهم، الليبراليين الجدد بتحويل روسيا إلى ديمقراطية غربية بذات القدر من التوحش والتكلفة. وها هي روسيا تعود إلى ما هي عليه بغض النظر عن العقيدة الشيوعية والليبرالية الجديدة. ها هي روسيا تعود ببساطة إلى ما يفرضه عليها مستوى تطورها الدولتي والسياسي والمؤسسي والمجتمعي والحضاري، ألا وهو أنها مجتمع ودولة قيد التحول وقيد الانتقال مجتمعيًا وثقافيًا ودولتيًا من الدولة الشمولية المافيوية نحو مجتمع يستهدف مزيدًا من المشاركة المجتمعية. ولكنه سيبقى بعيدًا لفترة قد تطول عن تحقيق الآمال الموعودة التي أطلقها بوريس يلتسن على عتبة البيت الأبيض الروسي. فشلت وستبقى تفشل كل المحاولات للتحديث المصطنع والدمقرطة المفتعلة، سواء جاء بها الشيوعيون في روسيا أو جاء بها الليبراليون الجدد إلى العراق، وما بقي هو فقط ذلك الجهد العظيم الدرامي لـ"إيفان"، ذلك الإنسان الروسي البسيط الرائع لإعمار روسيا الحقيقية حضارة وثقافة وعلمًا؛ ما بقي هو "عساف"، ذلك الكادح العراقي الذي بقي يسعى لينحت في الصخر لقمة عيشه وأغنيته الفراتية. فـ"أما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". ومن الواضح الآن أن سقوط الاتحاد السوفيتي مثلاً أطلق سلسلة من التطورات على الصعيد الجغرافي–السياسي والاستراتيجي والتاريخي لتعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه فيما بعد الحرب العالمية الثانية، ولاشك أن الهزيمة الأمريكية في العراق قد تطلق الآن مسارات وسلاسل تطورية جديدة ستعيد تشكيل السياسة العالمية. فالنتيجة الحتمية لمحاولة فرض الديمقراطية بصيغتها الغربية هي انتكاس أمريكي استراتيجي كوني. وها هي الولايات المتحدة تجد نفسها، رغم كل ما يمكن أن تتصوره من انتصارات على مدى القرن الماضي، تعود، ولأول مرة منذ عام 1930، لتضطر للتعامل مع أنظمة شمولية ولكنها صاعدة وواعدة. في حين تفقد الولايات المتحدة قدرتها على أن تكون الحلقة الرئيسية الحاسمة في العديد القائمة في النظام الدولي الراهن، فها هي الولايات المتحدة تضطر للتوجه نحو الصين للتعاطي مع كوريا الشمالية، وهاهي مضطرة للتعاطي مع إيران للتعاطي مع مخاطر الأوضاع في كل من العراق وأفغانستان. الأمر الطريف، والجدير بالبحث أيضًا، هو أنه في الوقت الذي يرتد فيه الغرب عن الأحلام الثورية التي نبتت في أوروبا وفي أحضان اليسار لتصبح أوروبا معقلاً لفكر البراغماتية السياسية بعيدًا عن طوباويات القرن، وانتقلت اليوتوبيا إلى أمريكا وإلى اليمين المحافظ العلماني الأمريكي (تشيني وفريقه) للتحالف مع اليسار التروتسكي والكنائس المعمدانية في محاولة لإعادة إنتاج حلم أمريكي مركب جديد يائس. فلقد اعتقدت النيوليبرالية أن اقتصاد السوق الحر لن ينتشر في العالم من خلال التطور الطبيعي ولابد من الغزو وولابد من تدمير البنى الاجتماعية السياسية التي تعيق هذا التطور العالمي، على حد قولهم، من أجل تسريع عملية انتقال البشرية نحو عولمة اقتصادية وسياسية على النمط الغربي. فلقد اعتقد الليبراليون الجدد أن البشرية على شفى الانتقال من الظلام إلى النور تحت راياتها ولم يعد مطلوبًا إلا القيام ببعض "التشطيبات". هذا الفشل في محاولات التسريع بل أقول: حرف التاء هذا الذي يسود كل خطب اليوتوبيا لتبشر بيوم تأتي على يد الثوريين تحت وهم (ت)سريع التاريخ لم تؤد إلا إلى الخسائر الفادحة. فشل التجربة هو ذاته فشل الفكرة الحالمة، سواء كانت دينية أو عقائدية. وكما قلنا سابقًا فإن الفشل الشيوعي لا يعود لأن الشيوعية سقطت في حضن شعب "روسي متخلف" غير جدير بها ولا بقيمها، ولا لأن الشعب الروسي أو العراقي أو الأفغاني غير مؤهل للديمقراطية، بل وببساطة لأن الفكرة في أساسها خاطئة. الإرادوية خاطئة، فكرة الافتعال خاطئة، فكرة تسريع التاريخ خاطئة بل وإجرامية أيضًا. ولعل أخطر نتائج ذلك هو تزاوج هذا اليمين الخطر مع بقايا اليسار التروتسكي واليمين المتدين في الحزام الإنجيلي الأمريكي، في سعيه للعودة لليوتوبيا السياسية كأداة في توليد وهم العدو، ووهم التفوق، ووهم العصبية. وبالتالي فلقد قبل هذا اليمين "العلماني" الترويج للقبول بتدمير منجزات الحركات التحررية والديمقراطية في أوروبا تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب. وبقدر ما تصاعد الطابع "النضالي" لليمين الأمريكي زاد تدينه، وزاد اعتماده على اليوتوبيا في حشد العصبية، وأصبح الترويج ليوم القيامة االوشيك، ولتصبح معركة هرمجدون التوراتية جزءًا لا يتجزأ من خطابه. وإذ يعلن بوش أن الولايات المتحدة تجابه خطر الشيطان في حملته العالمية ضد الإرهاب، وإذ يعلن بعد سنتين حربًا على بلدين في الشرق الأوسط فيهما غالبية مسلمة من خلال يوتوبيا نشرالديمقراطية، فإنه لا يفعل أكثر من تأكيد خطر هذه اليوتوبيا. لقد أصبح واضحًا الآن، وبشكل يقنع أكثر السياسيين تشددًا، أن الهدف لم يكن يومًا تحقيق "الحلم" الديمقراطي الغربي الكوني، بل ها هو بلير في محاولته لتبرير مشاركته في العدوان على العراق يؤكد رؤيته الإمبريالية للحرب. في حين كان العديد من اللاهوتيين الذين يشكلون الحلقة والقاعدة السياسية لحكم بوش يعتقدون أن النهاية وشيكة من خلال تدخل سماوي وشيك، كان يسود بينهم الاعتقاد بأن الصراعات في هذا العالم، وخاصة تلك التي تجري في الشرق الأوسط، هي مجرد نذير بقرب يوم هرمجدون ويوم القيامة حيث ينتصر النور على الظلام. وفي كل الأحوال فإن هذا الحدث يفترض أن يفتح الطريق لنهاية هذاالعالم المليء بالآثام. وفي إشارة لأحداث الحادي عشر من أيلول يقول بوش: "إن مسؤوليتنا التاريخية واضحة، وهي أن نجيب على هذه الهجمات ونتخلص من الشر". وبالمقابل، فإن أية نظرة هادئة لتاريخ باقي الشعوب ستوضح بجلاء أن تاريخ العنف والاستبداد والقتل ليس محصورًا بالحضارة الغربية، وأن تاريخ هذه الشعوب أيضًا لم يكن أقل ظلمًا وتعسفًا، بل كان مليئًا أيضًا بأبشع أشكال التعسف والوحشية. فالوحشية قوة كامنة بعمق في كل تلك الأنظمة والسياسات التي ادعت وتدعي وستدعي أن بإمكانها إعادة تشكيل البشر وحياتهم وبنية نظامهم. فلئن كان مشروع الطوباوية هو بطبيعته غير قابل للتحقيق، فإن السؤال الأساسي المطروح هنا من المفيد أن نحلم من أجل تحقيق التقدم في العالم هو: هل من حقنا أن نحلم؟ لقد أكدت بعض المدارس الفكرية الأهمية المركزية للتخيل وللحلم، من منطق أن الحلم يفتح أبوابًا ما كانت لتفتح لولاه، وأن بقاء تطور البشر وتطور الحضارة البشرية محصور في حدود ما يعتقد أنه سار، وأن يتخذ موقفًا عبثيًا عابرًا أو سلبيًا فإن هذا الموقف يصل إلى درجة التواطؤ مع الإرهاب والقمع بشكله الرائج. وهو يخدم القوى الأكثر تخلفًا ورجعية في المجتمعات كافة. إذ ليس الحلم، بحسب المعطيات العلمية وفي أحسن الأحوال، إلا عملية تحليل وتركيب ذهنية متتابعة يتم من خلالها إعادة صياغة الواقع على شكل صورة تخيلية. وبقدر ما يكون الحلم مستندًا إلى رؤية واقعية للعالم والمجتمع، بقدر ما يكون أقرب إلى العلم. لكنه يبقى حلمًا، صورة ، وهمًا، فيه بعد نفسي انفعالي عميق، غير عقلاني عميق، وهو بحكم كونه مبنيًا على تجربة محددة لفرد أو لمجموعة أفراد فهو محدود بطبيعته ولا يمكن أن يكون صحيحًا بالمطلق. المشكلة بالطبع ليست في الحلم، ليست في فعل التحليل والتركيب الذي يقوم به هذا الفيلسوف أو الباحث أو المبشر أو الداعية لينتج صورته عن الغد. المشكلة، كل المشكلة، حين يعتقد هذا أن فكرته هذه بالذات تخوله أن يقمع كل فكر مضاد أو مغاير لفكرته. المشكلة في استبداد الفكر. في بدايات العصر الحديث، حاول كل من توماس هوبز وسبينوزا الحد من العنف العقائدي الذي اشتعل في كل أنحاء أوروبا. والكثير من دراسات هوبز حول الدولة والمجتمع تناقش حالة الفوضى المجتمعية التي تحصل في حال انهيار الدولة. وفي مشرقنا تجلت الظاهرة من خلال فعل تدميري "ثوري" و"حضاري" من قبل القوى العاتية للحضارة الغربية تحت ذرائع طوباوية دينية. فلقد قال هوبز بأن: "أكبر عدو للحرية هو الفوضوى" حيث يصبح كل فرد عدوًا لكل فرد، وحيث تتخذ الفوضى أعنف أشكالها وحشية حين تصبح موضوعًا للصراع بين العقائد المسيانية حيث يقوم كل نبي بادعاء حق إلهي، في حين تكون المهمة الأولى لسلطة الدولة في قمع الميول المتطرفة للتدين الطوباوي. ثمة حاجة لنمط جديد من التفكير، فاضمحلال اليوتوبيا يحب أن يستتبع بمحاولات تأسيس واقعية سياسية جديدة. ما نحتاجه هو خليط جديد من الواقعية من جهة والماكيافلية من جهة والإيجابية المتمسكة بقضية أن الإنسانية يمكن أن تكون أفضل، وأن ذلك سيتحقق فقط من خلال جهد جماعي متنوع المشارب والثقافات والتوجهات. لكن ليس هناك أي مؤشر إلى أن العالم سوف يتطور نحو نمط أحادي من الدولة أو الاقتصاد أو النمو. وعلى سبيل المثال لم تكن دولة هتلر أو دولة السوفيات أقل تطورًا وحداثة من الديمقراطيات الغربية، لكنها ولدت ومعها مقومات عدم النمو من خلال صلابة البنية وأدلجة السياسة. لدينا الكثير مما نتعلمه من خلال إعادة الاعتبار لماكيافيللي. لقد تمت شيطنة ماكيافللي لأنه وقع في أراض يسودها الفكر التبشيري القيامي في إيطاليا لإيطاليا عصر النهضة. فحين ظهر "سان تسو"، أحد أكبر الاستراتيجيين البراغماتيين في الصين، حيث السياسة تاريخيًا أقل شحنًا بما لا يقارن، اعتبر من أهم مؤسسي النهضة الصينية والفكر السياسي الصيني. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمُشَرِّع الهندي الكبير كاوتيلا الذي كتب بعضًا من أجمل الكتابات حول البراغماتية في علم الدبلوماسية والقانون. ولئن تمكن العالم من الانتصار على النازية فلقد تم ذلك من خلال الفكر الواقعي. كما أن هذا الفكر الواقعي البراغماتي ذاته هو الذي حمى أوروبا من التحول إلى أتون نووي في انتظار نضج التجربة الشيوعية أو الليبرالية. بل على العكس، فلئن تحققت منجزات كبرى للسياسة والدبلوماسية الدولية في القرن العشرين فذلك بفضل إصرار عدد من النخب الفكرية والسياسية الواقعية على الإحجام عن أدلجة الصراعات الأوربية، والتعامل معها من خلال الواقعية والميكيافلية. يقول جورج كينان: "يجب دراسة النظم السياسية بذات القدر من الحيادية العاطفية والشجاعة والموضوعية والتصحيح الذي يتصف به طبيب يعالج مريضًا نفسيًا غير منطقي وتصعب السيطرة عليه". ولعلي في الخلاصة أقول لا يمكن التعاطي مع المخاطر والسيطرة على الصراعات الكونية الراهنة إلا من خلال فكر براغماتي من هذا القبيل. كامبريدج، كانون الأول 2010 |
|
|