مجموعة قصائد1

 

نمر سعدي

 

عبيرُ الدماء

لم يكُنْ واقعيًّا ولا مُنصفًا
اتهامُكِ لي بالغباءْ
كالرجالِ اللذينَ يعدُّونَ أيامَهم في المقاهي البليدةِ
إمَّا بأقداحِ شايٍ رخيصٍ
وإمَّا بنقرِ طيورِ المساءْ
حبوبَ الحياةِ على طينِ راحاتهِم...
متنهُم هامشٌ في كتابِ الهباءْ.

لم يكُن واقعيًّا ولا مُنصفًا اتهامُكِ لي
بينما كانَ مسمارُ حُبِّكِ
يدخلُ في عصبي وعبيرِ الدماءْ.

*

أُخفضُ قلبي

لذكرى السنينِ التي احترقَتْ
مثلَ خيطِ الضبابْ
لذكرى الصباحاتِ في شهرِ آبْ
لذكرى الندى الكرمليِّ لذكرى جنونِ الصحابْ
لذكرى المحبَّةِ محفورةً باللظى في كتابِ العذابْ
لذكرى الحياةِ التي ذوَّبتها أكُفُّ النساءِ
كقلبينِ من سُكَّرٍ في الشرابْ
أُطأطىءُ رأسي
وأمشي على ضوءِ صفصافتينِ
ونهرينِ من فضَّةٍ تتفتَّتُ
أُخفضُ قلبي
وأُغمدُهُ في أقاصي الغيابْ.

*

تخرجُ من ذاتها

كالشموسِ الضعيفةِ تخرجُ من ماءِ مرآتها
كالغيومِ الخفيضةِ تتبعُني نحوَ بئرٍ
يضُمُّ رفاتَ الجمالِ
الذي غدرتهُ ذئابٌ تسيرُ على قدمينِ جليديَّتينِ
تشدُّهما شهوةٌ للدموعِ
تبدِّلُ أثوابَ أصواتها

في المساءِ الأخيرِ
على مهلها انتفضَتْ كالنوارسِ مقرورةً...
آهِ كانتْ على حزنها المُتشرِّدِ
مثلَ الغزالةِ في آخرِ الصبحِ
تخرجُ من ذاتها.

*

شاعرٌ خاسرٌ

لنْ يمرَّ المساءُ على تعَبي
لن تمرَّ النساءُ الرشيقاتُ والأشهرُ القمريَّةُ
والانعتاقُ الملوَّنُ في شهرِ آذارَ
والمسحَةُ العاطفيَّةُ
والبيلسانُ المنافقُ
واللغةُ النائمةْ
لنْ يمرَّ البكاءُ المطوَّلُ
بعدَ رحيلِ التتارِ
على عشبِ قبري
ولنْ تصمتَ القُبَّراتُ
التي احترفتْ ندَمي
عندما كنتُ في حُلُمي شاعرًا خاسرًا
روحُهُ منذُ خمسةِ آلافِ حُبٍّ
على نفسها حائمةْ.

*

كأنَّ حياتي على فوَّهةْ

كأنَّ حياتي على فُوَّهةْ
كأنِّي أسيرُ إلى الجلجلةْ
وما من يدٍ تشربُ الدمعَ ملءَ ضلوعي
وتغسلني بالشذى

أُراقبُ قلبي الصغيرَ الذي انتفضَ الآنَ
فرخًا يُحاولُ قنَّاصةٌ بارعونَ اصطيادَهْ
لتقديمهِ وجبةً طازجةْ
لأميرِ البرابرةِ الطيِّبينْ
بلى سوفَ ترفعُ عنِّي نقابَ الندى طفلةٌ
وتُجفِّفُ وجهي بخصلةِ شعرٍ حريريَّةٍ
قبلَ موعدِ صلبي المحدَّدِ
في سكرةِ القتَلَةْ.

*

من عامَّةِ الناسْ

أنا فقيرٌ ومُعدمٌ وساذجٌ من عامَّةِ الناسِ... لكن
قبلَ أيَّامٍ رنَّ هاتفي النقَّالُ
وجاءَ الصوتُ بعيدًا متهدِّجًا
كأنهُ قطرةُ مطرٍ هبَّت من صحراءَ ذاويةٍ
قالَ: إنَّ مجموعةً متمرِّسةً من المخبرينَ والزبانيةِ
تتمتَّعُ بالمهنيَّةِ والمهارةِ العاليتينِ
تراقبُ تحركاتي وتجسُّ نبضَ حياتي
بشكلٍ أفزعني وأرهبني
منذُ أكثرَ من عشرِ سنينَ
تضعني في أعلى سلَّمِ مطارداتها وتحرِّياتها
كأني مجرمٌ خطيرٌ
وعندما استفسرتُ عن السبَبْ
وأبديتُ دهشتي واستغرابي
لم يُجبني أحَدْ
فأنا فقيرٌ وبسيطٌ وساذجٌ من عامَّةِ الناسِ...
لكن...

*

رائحةُ اغتيالْ

تتبرَّمينَ بصيفِ هذا الحُبِّ
تستندينَ في أشعارِ كافافي
إلى غيمٍ من الأبنوسِ
يصعدُ من دماءِ الأرضِ
تشتعلينَ... تندفعينَ... تنكسرينَ
كالنجمِ المهمَّشِ والمهشَّمِ في السماءِ
كضلعِ تحناني
وتجتاحينَ آخرَ ما على قلبي من النارنجِ والعنَّابِ
تندلعينَ في ثلجي المُراوغِ
بينما أشتمُّ في عينيكِ رائحةَ اغتيالي.

*

قلبي شفا نارٍ

في فضَّةٍ زرقاءَ تغتسلينَ
تنحلِّينَ في المعنى شعاعًا يابسًا
وتمسِّدينَ الظلَّ...
قلبُكِ راعفٌ في الظلمةِ الخضراءِ
سرياليَّةٌ تلكَ القصيدةُ فيكِ
صحراءٌ مضمَّخةٌ بعطرِ الطيرِ روحُكِ
بينما قلبي شفا نارٍ على طرفِ انسدالكِ
واعتلالكِ في الظلامْ.

*

لم تكنْ غائبةْ

لم تكنْ غائبةْ
بالتماعاتِ أحلامها ورنينِ خطاها
على وردِ قلبي
ولكنَّها ظهرَتْ في الخيالِ المشوَّشِ
ذاكَ الضحى خلفَ غيمٍ من الخوفِ
شاحبةً شاحبةْ

لم تكنْ غائبةْ
وأنا لم أكنْ غيرَ ظلٍّ لأشواقها العُلويَّةِ
راحَ يُلوِّحُ في ثوبِ أفراحها الخائبةْ
لم تكنْ غائبةْ.

*

جنَّتي الأنثى

حملتُ صوتكِ ملتاعًا ألوذُ بهِ
من الجحيمِ الذي يقتاتُ أعضائي
وشلتُ قطركِ في جمرِ الحياةِ كما
قبائلُ الطيرِ في الصحراءِ يسكنُها
فردوسُ ماءٍ وأنداءٍ وأفياءِ
وكانَ صوتكِ مزمورًا على شفتي
كالأقحوانةِ يبكي لي أخلاَّئي
حملتهُ في دروبِ الشوكِ منتعلاً
عذابَ حُبِّي... كمنْ يمشي على الماءِ
وكانَ عطرُ الليالي البيضِ يعصفُ بي
وردًا ويطرحني في دربِ إسرائي
حملتُ صوتكِ مشحوذًا بعاطفةٍ
حتى كأني هلالٌ في المدى النائي
وفيكِ أجملُ ما في الشمسِ... فيكِ دمي
يبكي على الأمسِ في الجسمِ الشفيفِ شذىً
...
وتختفي جنَّتي الأنثى ولألائي.

*

انطفئي على جسدي

جسدٌ من البلَّورِ من ماءِ الخطيئةِ
من نعاسِ الشمسِ من وهجِ العبارةِ
من سديمِ الحبِّ من أبدِ المجازْ
جسدٌ من الغيمِ المعادلِ للنوارسِ
من عبيرِ الصمتِ من مطرِ الربيعِ
ومن دمِ الأشجارِ
من لغةِ الحنينِ إلى الحجازْ
في الكائنِ العربيِّ...
يا صحراءَ حائمةَ النجومِ
تمدَّدي... انطفئي على جسدي
المعدِّ على ضفافكِ بحرَ غازْ.

*

هيَ من بعضِ معنى الطيورِ

سأُزجي بضاعةَ شعري
الذي لمْ يُجدْ وصفَها
هيَ من فتنةٍ لا تُفسَّرُ مقدودةٌ
من رخامٍ طريٍّ
وأحجارِ طيفٍ معذَّبةٍ
لم أُجدْ رصفَها
هيَ من بعضِ معنى الطيورِ
ومعنى الحدائقِ
عاليةٌ مثلَ زهوِ الزرافةِ
واثقةٌ مثلَ خطوِ الغزالةِ
قامتْ بنصفٍ إلى شأنها
وتناستْ بأظفارِ ذئبِ الفلا نصفَها
كدتُ أرثي لها صيفَها
كدتُ أرثي نصاعةَ أسمائها
في ظلامِ الكلامِ
ولكنَّ كلَّ الكلامِ الذي كانَ في جعبتي
لم يجدْ وصفَها.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود