|
ليلى خلعت قبَّعتها
الحمراء كان الفلاحون
الفرنسيون في القرن السادس عشر يروون حكايةً
يمكن لنا تلخيصُها على النحو الآتي: تلتقي فتاة ذئبًا، فتخبره أنها تقصد
بيت جدتها. يسبقها الذئب إلى هناك، ويقتل
الجدة، ثم يضع لحمها على رفِّ غرفة الأطعمة
الباردة ويسكب دمها في زجاجة. تدخل الفتاة
منزل جدتها، تتعرَّى، ثم تنضم إلى الذئب في
السرير. وحين يوشك الذئب على التهامها، تقول
إنها في حاجة إلى قضاء حاجتها. يتركها الذئب
تخرج من المنزل لهذا الغرض ثم يسألها: "هل
تتغوطين؟" لكن الفتاة تلوذ بالفرار. هذه
القصة التي تبدلت وتعرضت لتعديلات مختلفة
بحسب الثقافات[1]
والخصوصيات وتطور المفاهيم لا تزال صالحة؛
ولا يزال يُعتقَد أنها التجسيد الأصلي لـ"ليلى
صاحبة القبعة الحمراء" Red Riding Hood،
المعروفة بـ"ليلى الحمراء"، قبل أن
تدخلها التعديلاتُ وتصبح البطلة "المحتشمة"
التي تسكن ذاكرتنا الجماعية. يسمح
كتاب كاثرين أورنشتاين ليلى خلعت قبعتها
الحمراء: الجنس والأخلاق وتطور حكاية من
حكايات الجن[2]
بتقصِّي وتحقيق وتعقُّب مراحل تكوُّن هذه
الحكاية–الأسطورة وما تكشفه عن كلِّ ثقافة
أنتجتْها. ويُغني هذا الكتاب المميَّز
الروايةَ الشائعةَ للقصة عبر تقديم خلفياتها
وأسبابها ونشأتها. الصفحة الأولى من
حكاية شارل پيرو (طبعة
1697) التي تُستهل بعبارة: فحين
نشر شارل پيرو كتابه ليلى والذئب Petit Chaperon Rouge
للمرة الأولى في العام 1697، كانت
بمثابة تحذير للنساء الفاجرات في بلاط الملك
لويس الرابع عشر، وكانت البطلة متدثِّرة
بالأحمر في إشارة إلى المومسات، فيما كانت
قائمتا الذئب كبيرتين "لكي أستطيع ضمَّكِ
ضمًّا أفضل". وفي العام 1812، قام الأخوان
غريم بتنقيح القصة وتعديلها، فاستبدلا
بالجنس العنفَ لإخافة الأولاد وتحذيرهم من
الابتعاد عن الطريق القويم، وبدلاً من
القائمتين الكبيرتين، باتت للذئب يدان
كبيرتان "لكي أستطيع الإمساك بكِ إمساكًا
أفضل"، وعينان كبيرتان "حتى أراكِ رؤية
أفضل". وقد حافظ الأخوان غريم على المعايير
الذكورية السائدة آنذاك، فأرسلا رجلاً
لإنقاذ ليلى التي تقاوم الذئب وتملأ بطنه
بالحجارة وتدعه ينفق. رسم لليلى مع الذئب
متنكرًا يزين نصَّ رواية وولتر كرين للحكاية (1875). وحتى
بعدما صوَّر تِكْس أڤيري في العام 1943 في
قصة رسوم متحركة الذئبَ هائمًا في حبِّ ليلى
العامرة الصدر، وحتى بعدما أُخصِيَ الذئبُ في
القصة السحاقية لأولغا بروماز، لم تتخلص
الحكاية تمامًا من جذورها الفاسدة. وتعلِّق
الكاتبة: الحكاية بالطبع خيالية. لكن ثمة قوةً
هائلةً على عدة مستويات في هذه الحكايات
البسيطة. ويقدِّم
الكتاب فرصةً لإعادة اختبار هذه "القوة"،
ناهيكم عن تقديمه لمحةً تاريخيةً وفهمًا أفضل
لتفاصيل غريبة في القصة: ألم نتساءل دومًا
لماذا كانت ليلى بلهاء إلى حدِّ أنها لم تلحظ
أن الذئب في السرير، وليس جدتها؟! وأن الذئب
هنا صورة رمزية لرجل يعرف ليلى ويتنكر في هيئة
الذئب؟! هل يعني ذلك سِفاح قربى في علاقة لا
تستقيم؟ ولكن
ما هي جذور الذئب وخلفياته؟ ولماذا الذئب
تحديدًا؟ تأتي
الكاتبة بأدلَّة موثَّقة عن وقوع هجمات
متكررة للذئاب في القرن السادس عشر في
أوروبا، بينها حالات كثيرة تمَّتْ فيها
محاكمةُ رجال بتهمة التحول ليلاً إلى ذئاب
ضارية[3].
والخطر الحقيقي الكامن في كتاب كهذا أن تسلك
الكاتبة درب الدراسات النسوية feminist – وهذا ما
تفعله أورنشتاين: فهي تتوه مع أفكار مختلفة
مُفادها أن القصة الخيالية والكتابات
الداعرة تصور البطلة الخانعة الراضية
بمصيرها كوسيلة ترفيه جنسية للرجال. ويبقى
السؤال: هل استنبطت الكاتبة من مجرد قصة
خيالية أكثر مما تطيق؟ قد يصح ذلك، ولكنها
استنبطت أيضًا كتابًا ساحرًا بالمغازي
والرموز والعِبَر. *** *** *** عن
النهار، الأحد 1 أيلول 2002 [1] تؤكد
الكاتبة أن لكلِّ ثقافة في العالم "ليلاها"
و"ذئبها". وحين نجول في ثقافتنا نعرف
أن هناك قيسًا وليلى... وأن ليلى في العراق
مريضة، وأن الذئب يتربص بليلى وأهلها! [2]
Catherine Ornstein,
Little Red Riding Hood Uncloaked:
Sex, Morality and the Evolution of a Fairy Tale, Basic Books, 2002. [3] بالفرنسية: loup-garou، وهي كلمة مركبة من كلمتَي loup
وgarou، اللتين تعنيان
بلهجة فرنسية قديمة "رجل ذئب". وتفيد
المعتقدات الشعبية آنذاك أن هذا الكائن
يتصف بالقدرة على التحول إلى ذئب ليلاً (=
ليلى) وعلى استرجاع صورته البشرية نهارًا. (المحرِّر) |
|
|