تـاريـخٌ مـوجـزٌ للمُـواطِـنيَّـة
عرضٌ موسوعيٌّ لطبقات الهويَّة المدنيَّة من إسپارطة وأثينا وروما حتى الانتماء إلى العالميَّة

المـحـرِّر

في وقت تترنَّح فيه أفكارُ الإصلاح المدني في العالم العربي بفعل عوامل عديدة مختلفة، ولاسيما افتقارها إلى «بوصلة» موجِّهة، يأتي كتاب تاريخ موجز للمُواطِنيَّة[*] لمؤلِّفه ديريك هيتر ليسدَّ فراغًا معرفيًّا أساسيًّا. ويشعر القارئ بقيمة الجهد المبذول في عمل هيتر كلما توغَّل في قراءة كتابه هذا، الموسوعي في مداه الفكري، المبسَّط في عرضه، الماتع في وضوحه وبلاغة أسلوبه، والشامل في تناوُله لواحدة من أدقِّ القضايا التي تشغل المجتمعات العربية في المرحلة الراهنة.

من هنا يمكن لنا القول إن ترجمة هذا الكتاب من الإنكليزية جاءت في أوانها – وهنا نشكر المترجمَين المتمكِّنَين من موضوعهما ولغتهما – ضمن برنامج إصدارات «مركز البابطين للترجمة»، الجاري تنفيذه بالتعاون مع «دار الساقي» (لندن وبيروت)، في إطار مشروع المركز لدعم حركة الترجمة في العالم العربي وتشجيعها، ولاسيما في المجالات التي تفتقر إليها المكتبةُ العربيةُ أيَّما افتقار.

يتضمن الكتاب، الموزَّع على ستة فصول وخاتمة ومصادر ومَراجع وفهارس هجائية، مسحًا شاملاً، سلسًا وماتعًا، لأنماط المُواطِنيَّة، منذ الأزمنة القديمة، بدءًا بمُواطِنيَّة إسپارطة وأثينا وروما، مرورًا بالمُواطِنيَّة في القرون الوسطى وعصر الثورات في أوروبا وأمريكا، وصولاً إلى المُواطِنيَّة بأشكالها المعاصرة ومقولاتها وخصوصياتها الوطنية. ومن مزايا الكتاب أن عرضه للمسار التاريخي للمُواطِنيَّة جاء وصفيًّا وتحليليًّا من خلال المقارنة، مبتعدًا عن أيِّ منحًى إيديولوجي أو أية أحكام مسبَّقة.

ويختتم المؤلِّف الكتاب بشرح التحديات والإشكالات التي تتصل بالمُواطِنيَّة في ضوء العولمة والتحولات العالمية الحالية الكبرى، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما في ذلك طروحات ما سُمِّي بـ«المُواطِنيَّة العالمية»، اللافتة للنظر، والحركات التي تبنَّتْها، رافعةً شعاراتٍ من نحو «العالم كله بلدنا» (على غرار الرواقيين) و«الجبهة الإنسانية لمُواطِني العالم» التي وضعت ما سُمِّي «سجل مواطني العالم» الذي تبنَّاه نحو 800 ألف مؤيِّد دَعَوا إلى تشكيل ما سمُّوه بـ«حكومة فيدرالية عالمية» ذات برلمان منتخَب.

وفي ضوء طبيعة هذه المعالجة وما اقترنت به من إثباتات تاريخية، اعتبر بعض كبار النقاد والأكاديميين أن الكتاب «جعل التاريخ في بنية واحدة»، على حدِّ قول الپروفسور كارين زيڤي (جامعة جنوب كاليفورنيا)، في حين قال عنه الدكتور إيان ديڤس (جامعة يورك) إنه «استعراض ممتاز للمُواطِنيَّة يتسم بالعمق وبالتماسك، وهو كتاب آخر ممتاز من المراجع الرائدة في هذا المضمار».

جدير بالإشارة أن ديرك هيتر، مؤلِّف الكتاب، سبق له أن أصدر عدة الكتب حول موضوع المُواطِنيَّة، نذكر منها: ما هي المُواطِنيَّة؟، تاريخ تعليم المُواطِنيَّة، المُواطِنيَّة: المُثُل المدنية في التاريخ العالمي، راجين أن ترى ترجمتُها إلى العربية النورَ في أقرب وقت.

*** *** ***