|
أبناء الأرملة 3-2 على
أرضية الواقع خاتمة
...
إذن، فقد تعاطتْ المحافل، في كلِّ مكان،
وتعاطى الأخوةُ من خلالها، السياسة
المباشرة، وذلك خلافًا لما نصَّت عليه
دساتيرُهم[1]
التي افترضت منذ البداية أنْ يُعتبَر الماسوني في الواقع تابعًا
مسالمًا في كلِّ ما يتعلق بالسلطات المدنية،
وأينما كان مقرُّ إقامته أو عمله؛ وبالتالي،
لا يُفترَض فيه أن يتورط على الإطلاق في أية
مؤامرة أو تآمُر يمسُّ سلامة الأمة ورفاهها،
ولا أن يتصرف تصرفًا غير لائق تجاه الحكام
التابعين. إن الحرب وسفك الدماء والثورات
كانت دائمًا مُضِرَّة بالماسونية. وأنه إذا حصل وتمرَّد أيٌّ من الأخوة ضد
الدولة فإنه ينبغي عدم تشجيعه على ذلك،
والتعامل معه في نفس الوقت برأفة، كإنسان
بائس الحال. وفي حال لم تتم إدانته بأية جريمة
فإنه ليس في وسع الأخوية الوفية – التي
يُفترَض فيها أن تستنكر التمرد، من أجل عدم
إثارة السلطات القائمة، وعدم إعطائها أيَّ
مبرر سياسي يثير الشكوك – طرده من المحفل،
بحكم كون العلاقات التي تربطهما علاقات لا
تنفصم عراها. وخاصةً،
خلافًا للبند السادس من هذه الدساتير،
المحدِّد للـ"سلوكية داخل المحفل"
والقائل: لا تدعوا لخلافاتكم كأفراد أو
لصراعاتكم أن تعبُر عتبة هذا المحفل؛ وتجنبوا
خاصةً أية نقاشات حول الديانات والقوميات
والسياسة، لأنه معروف أنه، بحكم كوننا
ماسونًا، فإننا لا ندعو إلا لتلك الديانة
العالمية التي ذكرنا أعلاه. ولأننا، أيضًا
بحكم كوننا من كلِّ الأمم واللغات والأعراق،
نتجنب السياسة التي لم تؤدِّ في الماضي إلى
ازدهار المحافل ولن تؤدي إلى ذلك في المستقبل. وقد
تعاطوها – مع الأسف – ليس من منظورها الأرسطي
المفترض والمطلوب، بل من منظورها العقائدي
والحزبوي الفجِّ المباشر. وهذه قد تكون من
دلائل انحطاطهم الذي بدأ، ربما، كأيِّ جسم
حي، منذ لحظة ولادتهم، إن لم نقل منذ لحظة
تحولهم من مؤسَّسة عملية operative
إلى مؤسَّسة تأملية speculative
وانفتاحهم على غير "أبناء الكار". فهذا
الفعل، في حدِّ ذاته، كان قطعًا فعل سياسة،
سواء أقرَّتْ الدساتيرُ به بوصفه كذلك أم لم
تقر. وقد
يعترض أحدهم قائلاً إن هذا الفعل آنذاك كان
مبررًا، لا بل ضروري، لتثبيت مواقع الأخوة في
المدينة؛ وهذا صحيح ربما. لكن، يبقى أنه هنا
تحديدًا، ومنذ البداية، كان ينبغي أن يحددوا
ما كان ينبغي أن يُفهَم من "السياسة"
التي حظروا تعاطيها، وأن يتفهموا أنه لما كان
من غير الممكن، ولا الواقعي، منع تعاطي
السياسة في المطلق، كان من الواجب، كما
أسلفنا، التأكيد على ممارستها من منظور آخر
غير مباشر، انطلاقًا من قيم ومبادئ أخلاقية
عامة وأزلية. لكن
البشر يبقون بشرًا في النهاية – والماسون بشر
كسواهم... بشر
كغيرهم... ولهذا أخطأوا، وانحطوا، كما أخطأ
الجميع وانحط. لأنهم
أخطأوا فعلاً، ربما حين قرروا التحول من
مؤسَّسة وتجمع سرَّاني عملي إلى تجمع أضاع
سرَّانيته من خلال ما افترضه تأمليةً – قطعًا
ليس لأن التأملية خطأ، بل لأنهم من خلال
تجاهُل سرَّانية طقوسهم القديمة وتعميمها
على غير "أبناء الكار"، إنما حملوا، منذ
البداية، بذور تحولهم، على أرضية الواقع
البشري، إلى منتدى شبه نفعي و/أو إلى تجمع شبه
سياسي – كالأديان تمامًا، من خلال
مؤسَّساتها والقوَّامين على شرعها، حين نسيت
(أو تناست) عمقها الرمزي والباطني، فتحولت إلى
مجرد مؤسَّسات وشرائع، مهمتها فرض الحظر
والنهي والسهر على التقيد به، أو على "تقييد"
المؤمنين به بالأصح. لقد
أخطأوا فعلاً حين لم يراجعوا أنفسهم في
العمق، فهربوا إلى الأمام من خلال المزيد من
الدرجات والمزيد المزيد من المناحي
والتوجهات – كالأديان تمامًا، حين تشبثت،
بلا تبصر وإلى ما لا نهاية، بأحد جوانب أو
مناحي حقيقة أزلية لا تتجزأ، فتشعَّبتْ من
خلاله. لقد
أخطأوا فعلاً – أجل – حين تجاوزوا دساتيرهم
وطقوسهم، عوضًا عن أن يمعنوا النظر في
أبعادها ورمزيتها؛ حين لم يراجعوها في العمق،
فبقوا متمسكين بقشورها ومظاهرها، كموقفهم من
المرأة، مثلاً وليس حصرًا. أجل،
لقد أخطأ الماسون فعلاً، ليصلوا – كغيرهم –
إلى ما وصلوا إليه اليوم عمومًا من سوء سمعة
وانحطاط على مستوى أرض واقعنا البشري القائم. ولكن،
ربما، أيضًا بحكم نخبويتهم وعمق رمزيتهم –
هذه المثالية التي جذبت إليهم حينذاك خيرة
البشر – كان هناك دائمًا في صفوفهم – ولم يزل
– مَن حاول – ومازال يحاول دائمًا وباستمرار
وشجاعة – إعادة النظر في سلبياته ونواقصه... كتجمعات
"أصحاب الكار" Compagnons
du métier الذين
يحاولون اليوم، بكلِّ جمالية وشجاعة، العودة
إلى عمليَّتهم القديمة النقلية عن طريق إعادة
إحياء تقاليدهم وقواعد فنهم العريقة
وتطويرها، وإيجاد قواعد وتقاليد مهنية جديدة
للمهن المحدثة. وهي تجمعات أضحت اليوم واسعة
الانتشار وحسنة السمعة في مختلف أنحاء
القارتين الأوروبية والأمريكية؛ ونأمل أن
تعود أيضًا إلى بلادنا لتحيي ما كان يُعرَف في
موروثنا الصوفي بـ"الفتوة".
و/أو
ربما... من
خلال مراجعة النفس في العمق والعودة إلى
رمزية تقاليدهم القديمة، كما في جمعية "عشاق
الحقيقة" The Philalethian Society
التي تأسَّست في العام 1928 مثلاً،
والتي كان ينتمي إليها عدد من كبار الماسون،
كالأديب روديارد كبلنغ وأوزفالد فيرث، مثلاً
وليس حصرًا.
و/أو
خاصة... من
خلال التوجُّه نحو المزيد من الروحانية
والعمق الباطني، والتمسك بهما، كبعض المحافل
الرمزية الفرنسية، التي نعود فنذكِّر
بأهمِّها في هذا السياق: -
المحفل الأكبر الوطني
الفرنسي La Grande Loge Nationale Française -
المحفل الأكبر النقلي
والرمزي – الأوبرا La Grande Loge Traditionnelle et Symbolique – Opéra -
محفل فرنسا الأكبر La Grande Loge de France -
الطقس القديم والبدئي
لممفيس مصراييم Le Rite Ancien et Primitif de MemphisMisraïm -
المحفل الوطني الفرنسي La Loge Nationale Française ونشير
هنا إلى أن هذه المحافل جميعًا ذات توجُّه
سرَّاني وروحاني. لا بل إن اثنين منها تحديدًا
– وهما المحفل الأكبر الوطني الفرنسي
والمحفل الأكبر النقلي والرمزي – الأوبرا،
يعملان ضمن سياق فكر وتوجهات المفكر والباحث
الروحاني رونيه غينون – هذا المعلم والأستاذ
الكبير، الذي طبع الماسونية الروحانية – ولم
يزل – بميسمه.
و/أو
أيضًا... من
خلال إصلاح نفسها في العمق عبر انفتاحها على
الجميع، وإزالة ما علق فيها من مفاهيم
وتقاليد بالية: كتلك التي تمنع النساء، مثلاً
وليس حصرًا، من أن ينضممن إلى صفوفها. وأذكر
هنا بعض هذه التوجهات والمحافل التي خرقت هذه
المفاهيم البالية، فاعتُبِرَتْ غير نظامية،
مثل: -
المحفل الأكبر النسائي
الفرنسي La Grande Loge Féminine de France -
الأخوية الماسونية
المختلطة الدولية – الحق الإنساني L’Ordre Maçonnique Mixte International – Le Droit
Humain وفي
بلادنا، أخيرًا، حيث المطلوب ممَّن تبقى من
أبنائها أن يستعيدوا نشاطهم من خلال علنية
وشفافية كاملة تنفي ما علق في أذهان الناس من
أوهام حولهم، ناجمة إما عن انغماسهم في
السياسة المباشرة و/أو من نفعيتهم المفرطة،
كما سبق لنا أن بينَّا. أما
وقد حاولنا جاهدين أن نعطي لكلِّ ذي حقٍّ
حقَّه – وخاصة لهذه المؤسَّسة العريقة في
رمزيتها وتقاليدها – فلا بدَّ لنا من أن
نتساءل: إلى أية نتيجة نتوصل في النهاية يا
ترى؟ لست
أدري، ومازلت حائرًا فعلاً، وليس في وسعي أن
أحدد... لأني،
كما سبق وعبَّرت في مقدمة القسم الثالث من هذا
البحث، مازلت أجدني، في النهاية، حائرًا، غير قادر
على الحكم و/أو على اتخاذ موقف قطعي من هذا
الموضوع الشائك المعقد، لأنه – ولست أخفي –
ثمة جانب من هذه المؤسَّسة الإنسانية يجذبني
إليه بشدَّة: وأخصُّ بالذكر هاهنا العمق
الروحي والفلسفي والسرَّاني لتقاليدها
ورمزيتها وطقوسها. كما أن ثمة، بالمقابل،
جانبًا آخر ينفِّرني: وأخصُّ منه بالذكر،
هاهنا أيضًا، واقعَ حالها المؤسف وتشعباته
على أرضية انحطاطنا الإنساني القائم... لأن ... ما يجذبني يجعلني أتفهَّم، إلى
حدٍّ كبير، لماذا استحوذت هذه الحركة وقتئذٍ
على نخبة النخبة من إنسانيتنا واستقطبتْها –
تلك العقول والنفوس العظيمة التي وجدت فيها
الملاذ، وعن طريقها ومن خلالها، الوحي. لذا
تراني اليوم، على الأقل من خلال الجاذب الذي
يسحرني، أتلمَّس خطى عبد القادر الجزائري
وجمال الدين الأفغاني، فأنقاد وراء ألحان الناي
السحري لموتسارت، وأغوص في أعماق رمزية
رونيه غينون وسرَّانية هيلينا بلافاتسكي،
وأحلِّق في الآفاق الروحانية والإنسانية
الرحبة والمذهلة لكلٍّ من ليف تولستوي ونيكوس
كازانتزاكيس... ولكن... ... واقع حالها القائم، المقرون
بالمحدودية وبالسذاجة، وخاصةً – مع الأسف –
بالنفعية المباشرة للكثير من أبنائها،
يجعلني أتفهَّم، في المقابل أيضًا، بعض ما
واجهتْه – ومازالت تواجهه – هذه الحركةُ من
عداء وتشكيك، وخاصة من مؤسَّسات بشرية أخرى –
بدءًا من المؤسَّسة الكنسية الكاثوليكية،
مرورًا، إبان القرن الماضي، بالأممية
الشيوعية وبعض رموز الفكر القومي، وصولاً إلى
بعض الحكومات والمرجعيات القوَّامة على
بلدانها في منطقتنا اليوم – وإن كانت هذه
الأخيرة، أيضًا بحكم بشريتها، ليست – ولم تكن
يومًا – أفضل منها حالاً! ولكن... ربما
لأن الأهم، من منظوري المتواضع، الذي يتجاوز
في الحقيقة جميع المؤسَّسات والأديان
والعقائد، يبقى الإنسان في حدِّ ذاته. وربما
لأن الأهم في الماسونية قطعًا يبقى
سرَّانيتها وطقوسها، في عمقها وجماليتها... تراني،
في النهاية، أعود إلى واحد من أكبر
معلِّميها، متمعنًا وحالمًا. أعود إلى رونيه
غينون، الذي تحدث ذات يوم عما هو أساسي فيها،
أي المُسارَرة Initiation
وسرَّانيتها،[2]
فقال: [...] ينبغي، بالتالي، ألا ننسى أنه إذا
كانت المُسارَرة الرمزية، التي ليست إلا
الأساس للمُسارَرة الفعلية وقاعدتها، هي
وحدها بالضرورة التي يمكن منحها خارجيًّا، أو
على الأقل الحفاظ عليها ونقلها حتى عن طريق
مَن لا يفهم معناها ولا مداها، يكفي أن يحافَظ
على الرموز سليمة كي تبقى دومًا قادرة أن
توقظ، فيمن هو قادر، كلَّ التصورات التي تمثل
اختصارًا لها. ففي هذا [...] يكمن سرُّ
المُسارَرة الحق، الذي لا يُنتهَك بطبيعته
ويستعصي على فضول الدنيويين، والذي ليست
السرية النسبية لبعض العلامات الخارجية إلا
تصويرًا رمزيًّا له؛ وهذا السر يمكن لكلٍّ أن
يلجه بمقدار يتناسب مع اتساع أفقه العقلي؛
لكنه، حتى وإن تمكَّن من ولوجه تمامًا، لن
يستطيع أبدًا أن ينقل فعليًّا إلى امرئ آخر ما
لم يفهمه بنفسه؛ ففي أحسن الأحوال يمكن له أن
يساعد على بلوغ ذلك الفهم أولئك وحدهم
المؤهلين له. [...] إذن فكل كائن يميل، عن وعي أو عن غير
وعي، إلى أن يحقق في ذاته، بالوسائل
المتوافقة مع طبيعته الخاصة، ما تسميه
الأشكال المُسارَرية الغربية، استنادًا إلى
الرمزية "البنائية"، "مخطط مهندس
الكون الأعظم"، ويساهم، وفق الوظيفة
المنوطة به على الصعيد الكوني، في التحقيق
التام لهذا المخطط عينه – تلك الوظيفة التي
ما هي إجمالاً غير إضفاء الصفة الكونية على
تحققه الشخصي. لأنه عند هذه النقطة بالذات من
تطوره، حيث يعي الكائن فعلاً هذه الغاية،
تبدأ مُسارَرتُه الفعلية، التي ينبغي أن
تقوده تدرُّجًا، وفق مساره الخاص، نحو ذلك
التحقق المتكامل الذي لا يتحقق من خلال
التطور المعزول لبعض المَلَكات الخاصة، بل
بالتطور التام، المتناغم والتراتبي، لكلِّ
الممكنات التي تتضمنها ماهية هذا الكائن.
وبالتالي، لما كانت الغاية هي عينها بالنسبة
لكلِّ ما له المبدأ نفسه، فإنه في الوسائل
المستعمَلة لبلوغها يكمن حصرًا ما يختص به
كلُّ كائن، منظورًا إليه في حدود الوظيفة
الخاصة المعيَّنة له بحكم طبيعته الفردية؛
وهي وظيفة يجب النظر إليها، مهما كانت،
بوصفها عنصرًا ضروريًّا في النظام الكوني
والكامل. وبحكم طبيعة الأشياء نفسها، تبقى
تعددية الطرق الخاصة مادام لم يتم بعدُ
تجاوُز مجال الممكنات الفردية. بهذا فإن التعليم المُسارري،
منظورًا إليه في شموليته، ينبغي أن يتضمن –
بوصفها عددًا مساويًا من التطبيقات، غير
المتعيِّنة من حيث التعدد، لمبدأ واحد متعالٍ
– كلَّ طرق التحقق، التي لا تخص كلَّ فئة من
الكائنات وحسب، بل وتخصُّ كلَّ كائن فردي
منظورًا إليه على حدة. وبالتالي، فإن مبادئ
المُسارَرة لا تتبدل، وإن كان يمكن لكيفياتها
– بل لا بدَّ لها – أن تتبدل بحيث تتلاءم مع
شروط الوجود المتجلِّي العديدة والنسبية؛
وهي شروط يجعل تنوعُها من المتعذر رياضيًّا،
بنوع ما، أن يوجد في الكون كلِّه شيئان
متماثلان [...]. يمكن لنا، إذن، أن نقول إن من
المتعذر أن توجد، لفردين مختلفين، مُساررتان
متماثلتان بالدقة، حتى من وجهة النظر
الخارجية والطقسية الصرف [...]. فالتعليم المُسارري، الخارجي
والقابل للنقل في أشكال، ليس – ولا يمكن له أن
يكون – [...] غير تحضير للفرد لاكتساب المعرفة
المُسارَرية الحق عن طريق جهده الشخصي. وبذلك
يمكن إرشاده إلى الطريق التي عليه انتهاجُها
وإلى الخطة التي عليه أن يعمل بها، وإعداده
لاتخاذ الموقف الذهني والعقلي الضروريين
لبلوغ فهم فعلي، لا نظري وحسب؛ كما يمكن أيضًا
مساعدته وإرشاده من خلال مراقبة عمله
باستمرار، ليس غير، لأنه ما من أحد آخر، وإن
كان "معلمًا" بكلِّ معنى الكلمة، قادر أن
يقوم بالعمل المطلوب بالنيابة عنه. فما يجب
على المُسارَر أن يكتسبه بالضرورة بنفسه –
لأنه ليس في وسع أحد أو شيء تلقينه إياه – هو
إجمالاً الاكتساب الفعلي للسرِّ المُسارَري
حصرًا؛ ولكي يتمكن من التوصل إلى تحقيق هذا
الاكتساب، بمداه كلِّه وبكلِّ ما ينطوي عليه،
يجب على التعليم، الذي يفيد بنوع ما أساسًا
وقاعدة لعمله الشخصي، أن يكون بطبيعته
مفتوحًا على ممكنات غير محدودة بالفعل،
فييسِّر له بذلك توسيع تصوراته توسيعًا غير
متعين، عرضًا وعمقًا في آنٍ معًا، بدلاً من
يغلقها [...]. أما
وقد أشار غينون إلى معايير اكتساب هذا السر،
إلى أيِّ حدٍّ يا ترى في وسعنا السير بهذا
التعليم السرَّاني عندما يتجاوز المراحل
الأولى للإعداد والتأهيل، بكلِّ ما يتطلَّبه
من شكليات ورموز وطقوس خاصة مرتبطة به؟ وضمن
أية شروط يمكن أن يوجد كما ينبغي من أجل تحقيق
الغاية المطلوبة، بما يقدِّم مساعدة فعلية
لأولئك الذين يقومون بالعمل على أنفسهم، بحيث
يكونون في النهاية قادرين على قطف ثماره؟
وكيف تتحقق يا ترى هذه الشروط في تلك
التنظيمات ذات الطابع السرَّاني؟ وما الذي
تعنيه في الواقع، بشكل دقيق ومحدد، هذه
التراتبيات التي تتضمنها تلك التنظيمات؟ إنها
تساؤلات كثيرة من المتعذر تناوُلها في مقام
ضيق كهذا؛ تساؤلات جديرة فعلاً أن تُعالَج
بعمق، من دون أن تتجاوز نتيجة هذه المعالجة
حدَّ التفكر والتأمل، وخاصة من دون أن
يتملَّكنا الغرور الأجوف أن بوسعنا استيعاب
موضوع يتشعب ويتعمق كلما توغَّلنا فيه.[3] لأننا،
إن كنَّا نملك ما يتطلب الأمرُ من استعدادات
ذهنية ونفسية وعقلية، نراه يتفتح باستمرار عن
آفاق معرفية لانهائية... وأكتفي هاهنا بهذا القدر. *** *** *** [1]
James Anderson, “The Book of Constitutions of the Freemasons, containing
the history, charges and regulations, of that most ancient and right
worshipful fraternity.” [2]
René Guénon, Aperçus sur l’initiation,
Éditions Traditionnelles, 4e édition, 1970, « De
l’enseignement initiatique ». [3]
سوف تنشر معابر في غضون الأشهر المقبلة
دراسة عن المُسارَرة وموقعها المركزي من
علم الباطن، ربما يجد فيها القارئ إجابات
عن بعض هذه التساؤلات.
|
|
|