|
قصائد
حب من سوريا أنثولوجيا
مصغَّرة من اختيار
جبران سعد يبدو الشعر الذي يُكتَب في سوريا
اليوم، ومنذ الثلث الأخير من القرن الماضي،
كأنه ينتمي، في الغالب الأعم، إلى قصيدة
النثر. شاعرات وشعراء يحلمون، ويحلمون، كي
يكتبوا حبَّهم وحريتهم، تنفسهم وجنونهم،
بلغة بسيطة ومؤنسَنَة، تخلَّصتْ نهائيًّا من
فحولة اللغة الشعرية لدى شعراء سبقوهم،
وبقصائد تدلُّ على تحولات هائلة في الحسِّ
الشعري، وعلى عوالم شخصية، غنية على تهذيب،
لطيفة على خَفَر. شاعرات وشعراء دخلوا إلى ذواتهم،
ونبشوا ألعاب الصبا وتفاصيلها، هاربين من
حروب أكبر من قصائدهم، في بلاد عَبَرَتْ
أعمارَهم وحيَّدتْهم عن اسمها، ينتظرون
أشياء لا تأتي، قبل أن ينادي القَدَر ويقترب
الغروب. شاعرات وشعراء يحبون، ويسافرون في
الأرض، ويكتبون انكساراتهم وحميمياتهم،
متكئين على موضوعات شعرية، متناسين، عمدًا،
تلك الموضوعات الضخمة التي عَبَرَتْ إلى
منسيَّات الأزمنة. هاهنا مختارات لعشرين من الشعراء،
المخضرمين والشباب. بينهن سبع شاعرات، كدلالة
كافية على صعود حرية المرأة الشاعرة في كتابة
ذاتها عبر قصيدة النثر التي بَدَتْ أقرب إلى
حريتها من ذكورية قصيدة التفعيلة أو قصيدة
الوزن. لا تعفيني هذه الأنثولوجيا البسيطة
– وهي أول مختارات من نوعها، على حدِّ علمي –
من تغييب شعراء آخرين مهمين لأسباب وأسباب،
منها كتابتهم لقصيدة التفعيلة، من أمثال محمد
عمران وعبد القادر الحصني وسواهما كُثُر. وإذا كان لي أن أهدي هذه المختارات،
فإني أهديها بالتأكيد إلى شاعر الحبِّ الأول،
الراحل الكبير نزار قباني: "فبرغم الجوِّ
الماطر والإعصار/ الحب سيبقى – يا سوريا –
أحلى الأقدار." جبران
سعد الناصرة،
سوريا *** أنذرتُك
بحمامة بيضاء غريمتي في الشتاء دمشق وفي الصيف البحر. حلمت البارحة أني ركلت البحر على قفاه وشددت دمشق من شعرها على الخريطة. صنع الله الأرض في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح ثم حين همَّ بصنعك احتاج ألوفًا من السنين وملايين الرجال والنساء. صنع الله الأرض في ستة أيام ولا أدري ماذا فعل في اليوم السابع لكنه حين همَّ بصنعي احتاج في شدة إلى رجل مثلك. مرام
المصري لا
يهم لا يعني أن كلَّ ما فعلته كان خطأ. على أكثر من وجه قرأنا المسألة وتبادلنا الأثر: أحمر الشفاه على طرف الياقة والأزرق المخضر على استدارة
الكتف. بطرف قدمي قلبتُ الطاولة وتركت الشمعة تنقط على
السجادة وفي وجهي رميتِ كلَّ القصائد التي
أحببت ... كنا نقصد أن نتألم فقط كي نمنح المعنى للحياة التي نعرف سويًّا أننا خسرناها. محمد
فؤاد ظلك
الممتد في أقصى حنيني لستُ سوى امرأة واحدة لكنك متماهيًا مع الكون رفعتُك إلى حقيقيَّتي. لا شيء في الأسفل في الأعلى مجرد عالم يسير نحو رضوخه اليومي حيث لا شيء يعلوه الآنا. أقترح أن أسميك الصيف في أوَّله ولتسمِّني ما شئت – الشتاء مثلاً. ذات يوم ستوقف الأرض دورانها اللاهث ستعرف حينها أن التناقض الذي استوقفك معبرُنا الوحيد نحو التجدد. رشا
عمران أعلى
أبراج شفتي في ليلة العيد رفعت اسمك الراية فوق رنين الأجراس وامتداد القبلات وفوق غربة سفن تصفِّر في
الميناء وأعلى برج من أبراج شفتي. لا تمطري فوق البحر لا تمطري فوق الصخر بل أمطري بكلِّ ما لديك من سحب رائعة على جسدي وعسى أن ينبت بنا طفل يرث مشاعري وجمالك. لو لم أبدِّد بلا طائل
أجنحتي لوضعت شعرك في أصفى هالات الليل أمانة حتى لا يتصدع يومًا باللون
الأبيض. محمد
سيدة حب عند أصابعي، زهرة النسيان تذْكُرُني إذا رحت وأبكي حين ألمسها. ذات يوم سوف أصحبها إلى
البحر ونصعد منزل القبلة وحدنا لينا وهذا المنزل الطائر بين الفم والقبلة عند البحر والنسيان. نوري
الجراح أهز
الحياة أنا لا أؤرِّخ لكنني أكتب سيرة تنتزعني وأدلق البياض لأتطهر من
كلِّ إثم أرسم ذكرياتي على جدار كبير لأمحو كلَّ ما مضى لأستقبل الآتي بنشوة الحلم وبالماء والماء والماء أزيِّن فوضى الرفوف وأهبط لأكتب من جديد: هذا التاريخ أنت صنعتَه وصنعتَني وحفرتَ به الألم وأنهضتَه بالسطوع وواريتَني. لينا
الطيبي دائمًا أنا الهواء في رئتيك والأنهار في قميصك أينما كنتِ ستجدينني براحتيَّ الدافئتين وقامتي القصيرة. لأنني معكِ دائمًا أخلط أيامكِ بالقُبَل ودمكِ بالأزهار أنظر إليكِ من سمائي كإله وأرفع يديَّ طالبًا مغفرتك أنا صرخة الألم في حنجرتك والأغنية الجميلة التي
ترددين أنظر إليكِ من البعيد وأخاف أن المسك بأصابعي العشر أسندك إذ توشكين على السقوط. أنا الوردة في شعركِ الأسود والدبوس في عروة سترتك عندما تنامين أندسُّ بين أحلامكِ ولا
أنام بعيني تشاهدين الطيور وبصوتكِ أطالب بالحرية أما عندما تموتين من الجوع أو الحب فسأحاول ألا أموت معك ذلك أن الموتى بحاجة إلى مَن يذكرهم ولن يفعل ذلك أحد سواي. رياض
الصالح الحسين مجدلية تاركة إياي أمضي لا شأن لي سبيلي مشهد أعلى من نبع ورجائي نذر قديم. لقد فرَّقتِ أيامي من
منتصفها دون أن تشدي الشرائط جيدًا لم تكترثي بالتي هيأتْ
جراحي لزيتك بالنساء اللواتي قطعْن
العمر كسباق التتابع. لعلكِ ما فكرت سوى بالغفرانات الذهبية للمصلوب بيننا غير عابئة بروحي (ما هدهدتِها تمامًا) روحي المبهمة مثل بُكْلة سوداء على شعر أسود. عمر
قدور قليل
من الحياة وأنت بعيد في المدينة أحب الأعمال المنزلية أبتسم لعلاَّقة الثياب خلف
الباب لمعطفك الصغير الذي بعد
قليل سيلفحنا هواؤه يطير ليغط عليها. سنفرح – العلاَّقة وأنا – لأنك استطعت سنضحك – أنا والصحون – لكي تضحك. البلاط سيرافق قدميك وأنت تمشي لتمشي والأغاني ستحاول جهدها. كل ما تمنيتُه من الله هو أنت. هالا
محمد سورة
ريم اربطي عربة الذاكرة إلى خيول النبيذ ولا تفسدي القصيدة، يا ريم. وأنت تعبرين، هاهنا،
أسوارها قفي! واستحمِّي خلف هذي الحروف تمسَّكي باللغة جيدًا وطالبي قلبك بالخفقان
الشديد. إنها قصيدتي تستعد للإقلاع محمَّلة بالجنون كلماتها تضج بوحشتي وتصفِّر في السطور جنادبُ
الفواصل أنشر أشرعتها وهذي روحي أطلقها من صافرة
القصيدة آه... هلمِّي: امتطيها وتناولي من يدي الآن الريح، والسوط، والزمان... إنَّا فضلنا راحتيك على
العالمين. حكم
البابا حوار
من طرف واحد دائمًا هناك حقيبة شبه فارغة في سَفَر غامض قميص وأقلام ملونة رسائل حب وأوراق بيضاء وأدوات حلاقة جواز سفر يصدر بصعوبة دائمًا وعلى ارتفاعات عالية فوق ممرَّات النسور يمكن أن يحدث حب من نظرة خاطفة وأنا أغرف الثلج من الغيوم وأراقب السفن الحربية والصحون الطائرة وليس معي سوى أوراق وقميص مخطط وأطول قبلة في التاريخ. بندر
عبد الحميد في
الحياة، في الموت في الحياة وفي الموت أحبك. أنت سطوة اليقظة تمرد القلب فوضى اليوم الأبدي الأشياء في التبدل. في الحياة وفي الموت في نزق الجنون وفي برهات الظلمة عند شرفة
العدم أحبك. وفي الشارع المقفل بالحجارة
والجند وعلى مفترق الحيرة أحبك. في الحياة وفي الموت في حدائق الكراهية وفي اليوم المريب وعندما يقطف البشر ورودهم
المسمومة ويتبادلون الفؤوس والرصاص
والطعنات أحبك. نوري
الجراح صلب غزلت خيطًا وتسلقت إلى السماء. وحدي... صدى لأيامي البعيدة أتردد ظلاً لأصواتهم صورتي تعبث بألوانها. أصرخ: اتَّسعي أيتها المدينة، اتَّسعي خياناتي مدى... أريد شوارع أخرى تستقبل قدمي استقبال الفاتح و"المركب النشوان". هنادي
زرقة صمت خرج الجمهور وبسرعة موت جاثم في الكلام مسحت ملامحك الأخيرة والألوان بيننا... على درج الصالة كان الملاك
ينتظرك في الممرِّ نحو الباب وأيضًا قرب مدخل المسرح وفي العربة التي تنتظر
الحلول. وبعد لم تخرجي همس حكيم نازع الصمت حضور الحالات
الباقية جنحتِ الغواية عن سرب
المعجبين وفي مكان ما بقيت يرددكِ الصدى، دون أصله، في
الظلام. علي
سفر خوف في بلاد غريبة وأنت تجتازين شارعًا غريبًا أتألم وأنا أتخيل شخصًا
سواي يخاف عليك من سيارة طائشة. فَرِحٌ بك كتمثال عُثِرَ عليه للتوِّ في الشارع أخاف عليك وعلى الرصيف أحبك وعندما تندلع الحروب أقف مدافعًا عن شارع بيتكم. لقمان
ديركي بضربة
فرشاة واحدة أعشقهن بجنون ببرواز مذهَّب أو في صفحة
كتاب نساء عصر النهضة بصدورهن
العامرة نساء بيكاسو النحيلات نساء ماتيس مستلقيات على
العشب نساء غوغان التاهيتيات نساء نذير نبعة بالأطواق
والخرز نساء جياكوميتي بأعناقهن
الطويلة أعشقهن بجنون لأنك تشبهينهن جميعًا بضربة فرشاة واحدة من عينيك. خليل
صويلح استعارة
مكان في أعمق مكان في أبعد نقطة تكونَّا معًا... من ذلك الصلصال الحنون والذهبي جئنا إلى صدامنا كنيزكين في
الفضاء الرحيب مشعَّين جسورين وهما يهويان – ومنذ ملاين السنين مازالا يهويان. في أعمق مكان في أبعد نقطة أخبِّئ حطامنا الحارق أخبِّئ سرَّك في سذاجتي. عادل
محمود رماد
الحضارات هكذا كان، في غمرة الأفراح
الزائلة والآلام الصاعدة، تحت ورق الخريف الذهبي يعتلي المنصة كالضواري ليتخلَّص من انتمائه إلى
تلك الأجيال وذلك الوطن إلى المرأة التي يحب المرأة التي جعلتْه يجري
وراء الخلود بقدمين زجاجيتين. أصر أنه سيقول كلَّ شيء فروعة الحزن أن يقال الآن أن يُهدَر أول المعركة. سنية
صالح مسمرًا
إلى النوم كابن وحيد إلى
جانسيت مئة عام وأنا أكبر مع أنفاسك مشدودًا إلى إيماءة لمستك
ومنظر ظلِّك المتروك منذ برهة قرب الكرسي شارد الذهن. مئة عام وأنا أضيع حول حركة يدك: كالسائر وهو عارٍ وخافت وموثوق لخاتمة المطاف. وجهك الملتمع في صفحة
الفنجان يؤثر أن أتامل يديك وهما
تحدقان إليَّ وبي كلُّ سمرقند. ... وأن أكون إلى جانب الريح
قربك أحرس ظلَّك على الدرج كي أستطيع وصفك وتفسير ملامحك بالطيور. أكرم
قطريب إعلان
قديم الذين تركوا الطرقات ونتف أوراق فقط تفضح اعترافاتهم القليلة بالحب اختاروا أسماءنا بُعدًا آخر لأحلامهم شتاءات قصيرة. رولا
حسن ثلوج على الشتاء وزَّعنا ذكرياتنا بالتساوي أيائل بأجراس قادتنا إلى ثلوج الحيرة كالطيور ازدحمنا على شرفات عيونهم آملين أن تفارق البرودةُ أطراف أيامنا. قسوتُهم التي هبَّتْ كنستْنا كقشة. لا نعرف ما الذي بقي يشدنا إلى ساتان أرواحهم البارد. رولا
حسن عينا
أليعازر عندما كريح لفحتِ قبره عندما كعاصفة كسرتِ شاهِدَتَه وهدمتِ جدرانه عندما كقدر وطئتِ جثته ودستِ على أحشائه عندما كقيامة سقطتْ نقطةٌ من رضابك على صفحة خدِّه وانسلَّتْ في بطء إلى زاوية فمه ثم إلى رأس لسانه ثم إلى قلبه وفجأة فتح عينيه ورآك رآكِ بعينيه العمياوين
الدفينتين اللتين رأتا كلَّ شيء رآكِ بعينيه الميتتين اللتين رأتا تحت التراب ما لم تَرَه عينا حي فأحسَّ في أعماقه من قاع موته شيئًا ينتش شيئًا يتفتق شيئًا يشق قشرته ويبزغ برأسه وينبت ثم رآه ينمو ويكبر كعمود من دم كجذع من لحم كنخلة من شهوة وراح يرمي ثماره على بطنك. أي روح أنت؟ أي رب أحببته؟ منذر
المصري البحيرة لأنه حزين ارتدى الأجراس الملونة قناعًا للفرح أوثق نوادره على طرف لسانه كي لا تخونه في اللحظة
المناسبة وسار بخفَّيه المرصعين وحيدًا كالليل ولا نجوم بانتظاره سوى عينيَّ. أيها الطائر المحلِّق عبر
الآفاق تذكَّر أن الرصاص في كلِّ
مكان، تذكَّرني أنا المسافرة الأبدية طوال حياتي أغذ السير وما تجاوزت حدود قبري. سنية
صالح ***
*** ***
|
|
|