|
شرق
وغرب: الشرخ الأسطوري الأزمة
المستعصية في علاقة الشرق بالغرب في
كتابه الجديد شرق وغرب: الشرخ الأسطوري*
يجدِّد جورج قرم البحثَ في موضوع بالغ
الأهمية حول العلاقة المأزومة بين الشرق
والغرب. والكتاب ترجمة للطبعة الفرنسية
الصادرة في باريس في العام 2002. ولقد أشرف
المؤلِّف شخصيًّا على مراقبة النصِّ العربي؛
ومع ذلك فالعنوان بالفرنسية أكثر دقة منه
بالعربية؛ إذ تُرجِمَتْ عبارة La fracture imaginaire
بـ"الشرخ الأسطوري"، فيما هي تعني الشرخ
الذي بُنِيَ على المخيال الذي قد يصل بصاحبه،
أحيانًا، إلى تكوين صورة عن "الآخر" هي
أقرب إلى الأوهام الأسطورية منها إلى حقيقة
الواقع. دليلنا على ذلك أن النصَّ نفسه حمل
مصطلح "المتخيَّل" ومرادفاته اللغوية
مرات عدة، لكنها لا تدل، في أيٍّ منها، على ما
يمكن وصفه بـ"الأسطورة" في علاقة الشرق
والغرب. أي أن النظرة المتبادلة بينهما كانت
نتاج معرفة عن بُعد – وغالبًا من المخيال l’imaginaire
–
ولم تُبْنَ على دراسات علمية وأنثروبولوجية
معمَّقة. ينطلق الكتاب من مقدمة
منهجية بدأت بأحداث 11 أيلول 2001 في الولايات
المتحدة للتعبير عن صورة رمزية بدأت تتبلور
على طريقة "الوسترن التوراتي الجديد". ثم
أعقبتْها تداعيات مازالت مستمرة؛ وهي تهدف
إلى إعادة صوغ العالم من جديد على يد "غرب
جديد"، أوسع انتشارًا من الغرب القديم،
لأنه يضم الولايات المتحدة الأمريكية
وأوروبا واليابان، مع نزوع قوي إلى الزعامة
الأمريكية في قيادة النظام العالمي الجديد.
وهذا النزوع الخَطِر إلى التسلط الأمريكي يضع
قلة من دول العالم المتقدِّم في مواجهة
العالم المتخلِّف. هناك إذًا شرخ عميق بين عالم
يزداد نموًّا وبين عالم يزداد فشلاً على
مختلف الأصعدة. وقد جَرَتْ – وتجري – محاولات
حثيثة لإقامة كتلة وسط بين هذين العالمين،
بدأت بكتلة "عدم الانحياز" في السابق، ثم
يجري تجديدها اليوم باسم "المتوسطية"؛
وقد تُضاف إليها "الشرق–أوسطية" إذا نجح
الأمريكيون في ترسيخ دعائم نظام شرق أوسطي
جديد، انطلاقًا من سيطرتهم على العراق. بعد نجاح الغرب الجديد في
تثبيت زعامته على العالم، راح قادتُه ومثقفوه
يعيدون النظر في المسلَّمات القديمة لركائز
نهضته الأولى: بدأ التشكيك العلني بانتساب
الغرب إلى "المعجزة الإغريقية"، وبتقسيم
العالم إلى آريين وساميين، وبالديانات
السماوية الواحدة التي تُعرَف باسم "الدين
الإبراهيمي" الذي نشر الوصايا العشر
والمنظومات الأخلاقية والشرائع التي تشكِّل
جامعًا مشتركًا بين اليهودية والمسيحية
والإسلام، وتمَّ استبدال مقولات جديدة
بالركائز الثقافية والدينية القديمة –
مقولات تضع الأخلاق في خدمة الهيمنة والعنف،
والدين في خدمة نظام رأسمالي منتصر، والثقافة
وقيمها في خدمة فلسفة القوة. ونشر قادة هذا
التيار والمنظِّرون له مقولات لا حصر لها
بغية التشكيك في منظومة القيم الآسيوية
كلِّها، والتهكم على "المعجزة الآسيوية"
في مجال الاقتصاد، ووصف "النمور الآسيوية"
بنمور جريحة في القفص الأمريكي، أو من ورق! وهكذا بدأ الغرب الأمريكي
يتنكَّر علنًا لتراث الغرب الأوروبي
الإنساني، الذي بدأ بمقولات عصر الأنوار حول
الحرية والمساواة والإخاء والعدالة
الاجتماعية. وبعد أن أزال – لقرون عدة –
أوهام المقدس، ونشر ثقافة النقد على نطاق
واسع، وعمَّم المقولات الإنسانوية humanistes لعصر الأنوار،
عاد اليوم إلى خطاب الفردانية individualisme،
والتفوق، والنرجسية، والقوة، وأعاد الاعتبار
للمقدس المنطلِق من مقولات الفكر الديني
التوراتي، بعد صوغه على أُسُس جديدة تجعل من
الأمريكيين "شعب الله المختار"، ومن
رئيسهم جورج بوش رمز القرن الحادي والعشرين –
خصوصًا بعد أن ابتدع "مسيحية صهيونية"
تتناقض مع مسيحية معظم كنائس العالم، ولاسيما
الكاثوليكية والأرثوذكسية. ومع إعطاء العامل الديني
الوزن الأكبر في الخطاب النرجسي الأمريكي بدأ
الشرخ يتسع، ليس فقط بين الشرق والغرب، بل
أيضًا بين "أمريكا الجديدة" و"أوروبا
القديمة". وقد اتخذ الأمر طابع الحدَّة بعد
ظهور نوع من التهكم الأمريكي المباشر على
الثقافة الأوروبية وقيمها الأخلاقية، خصوصًا
بعد إصرار الولايات المتحدة على غزو العراق
خارج إطار الشرعية الدولية ومعارضة دول
أوروبية لها. نخلص إلى القول إن كتاب جورج
قرم الجديد يؤكد، بالأدلة الدامغة، أن الغرب
اليوم مُصاب بعقدة النرجسية والغرور في
علاقته بالشرق. فالعلاقة بينهما لا تزال
مأزومة جدًّا، وتثير إشكاليات كثيرة يصعب
حصرُها ودراستها على أسُس علمية دقيقة.
ويقدِّم الكتاب سيلاً هائلاً من المعلومات
والوقائع التي تنتشر عبر الزمان والمكان. فمن
الصعب تحديد الشرق والغرب، جغرافيًّا
وزمانيًّا. وهناك أسئلة منهجية كثيرة في حاجة
إلى أجوبة: كيف تمَّتْ معالجة العلاقات
المتوترة بينهما عبر مختلف الحقب التاريخية؟
وما هي أسُس النظرات المتبادلة بين كلٍّ من
الشرق والغرب – نظرة الواحد إلى نفسه، أولاً،
وإلى الآخر، ثانيًا؟ وكيف انقلبت الأدوار على
المستوى العالمي بين شرق مسيطر وغرب متخلِّف
في نهاية العصور الوسطى ومطالع العصور
الحديثة؟ ولماذا كان الشرق، في المخيال
الغربي، مصدر أحلام، تصل إلى حدِّ الأسطورة،
حول مجتمع القصور، والمال، والحريم،
والتجارة المزدهرة، وكبار العلماء،
والترجمة، والتفاعل الثقافي بين الحضارات
العالمية؟ ولماذا انقلبت النظرة جذريًّا بعد
صعود الغرب إلى أعلى السلَّم الحضاري في
التاريخ الحديث؟ أسئلة كثيرة تجد إجابات
جريئة عنها في هذا الكتاب الممتع فعلاً. فنظرة
الغرب إلى ذاته باتت تتَّسم بنرجسية مَرَضية،
يلازمها خوفٌ دائم من فقدان السيطرة والدخول
في مرحلة الأفول والانحطاط، كما أنذر أكثر من
فيلسوف أوروبي، في أكثر من كتاب ومقالة. ومصدر
تلك النظرة النرجسية المتوترة لدى الغرب هو
الخوف من "البرابرة" الذين يسكنون في
داخله وإلى جواره. فهو خائف على ذاته وعلى
الإنجازات الكبيرة التي حقَّقها في فترة
زمنية ليست طويلة. لكن الجناح الأمريكي في هذا
الغرب يريد ترسيخ هيمنته على الشرق المتخلِّف
وعلى الغرب الأوروبي القديم معًا. ويجاهر
قادتُه ومنظِّروه، من أمثال فوكوياما
وهنتنغتون وبرنارد لويس، بمقولات يعتبرونها
"جديدة" لأنها تتنكر لمقولات "عصر
الأنوار" التي انتشرت كبقعة الزيت الثقافي
في العالم كلِّه – وفي طليعتها مقولات
الحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية،
والعلمانية، والليبرالية، والديموقراطية،
وحقوق الإنسان، وفصل الدين عن الدولة، وسواها
– وهي من الركائز الأساسية التي طبعت الغرب
بطابع "مادي" أبعَدَه عن الشرق، الذي
استمر يمارس أشكالاً مزينة بطقوس وشعائر
قديمة، تقدَّم باسم الروحانيات، لكنها، في
حقيقة أمرها، لا علاقة جوهرية لها بالدين
والروحانية، بل هي تستخدم الدين كذريعة
إضافية لتعميم الاستبداد المقرون إلى التخلف
والجمود والابتعاد التام عن العلوم العصرية
والتقدم التكنولوجي والثورات العلمية
والإعلامية. لقد أبدع جورج قرم في تحليل
الخطاب النرجسي الأمريكي الجديد، وأظهر
تراجُع الفكر الأوروبي نفسه عن العلمانية
لمصلحة أسطورة "الشعب المختار" التي
برَّرتْ قيام إسرائيل، مستغلاً تأييد أوروبا
وأمريكا ودول أخرى في فِعاله العدوانية
كلِّها. وباتت العلمانية – وبخاصة في جانبها
الأمريكي – علمانية خادعة، بعد أن أسلستْ
قيادها إلى مسيحية يهودية متحالفة تحالفًا
وثيقًا مع الحركة الصهيونية. وهي قيادة مصابة
بجنون العظمة، وتدَّعي اكتشاف طريق الخلاص
الأبدي الذي يعادي الإسلام، ويعتبره ديانة
إرهاب، بعد إخراجه من دائرة دين التوحيد، كما
كان يصنَّف سابقًا. وهي تستخدم العولمة
الاقتصادية، ونظام السوق، والنظام العالمي
الجديد، لتمرير مقولات غيبية تدعو إلى خلاص
البشرية بالقوة من طريق تدمير "البرابرة"،
أي سائر الشعوب التي تعادي النزعة الإلهية
للشعب الأمريكي "المختار" وقائده. وختامًا، فإن كتاب جورج قرم
يُعتبَر بحق بيانًا ثقافيًّا رائعًا، يفنِّد
أوهام "لاهوت الخلاص" و"الشعب
الأمريكي المختار". وهو يجدِّد الثقة
بالعلمانية كنظام سياسي وثقافي واجتماعي
يتلاءم مع المستوى الذي وصلت إليه الإنسانية
في مطلع القرن الحادي والعشرين، وعلى أساسه
تُبنى علاقات متوازنة وسليمة تزيل الشرخ
المتخيَّل بين الشرق والغرب. *** ملحق مفكِّر
لم تستحقُّه الدولة اللبنانية عبده
وازن مَن
يقرأ كتب جورج قرم – وآخرها كتاب شرق وغرب:
الشرخ الأسطوري – يدرك جيدًا لماذا لم
تستطع الدولة اللبنانية أن تستوعب مفكرًا
وعالم اقتصاد واجتماع في حجمه وفي رصانته
ومثاليته! كان من الطبيعي أن يتعرَّض جورج
قرم، إبان تولِّيه وزارة المال في حكومة
الرئيس سليم الحص (1998-2000)، للحملات المغرضة
التي أظهرت "جهالة" خصومه وفضحت
أساليبهم الخبيثة – وكان هو خارجًا لتوِّه من
معركة "الإعمار" التي خاضها كمُعارِض
يراقب ويحلِّل ويستخلص. راح الخصوم حينذاك
يقرأون كتبه، لا ليتثقفوا بها أو يستفيدوا
منها، وإنما بحثًا عن مآخذ يعلنونها ضدَّه،
محرِّضين بها المسؤولين السوريين عليه وعلى
مواقفه النقدية التي شملت السياسة السورية.
يذكر المواطنون كيف أطلَّ أحد الوزراء
اللبنانيين على الشاشة الصغيرة حاملاً أحد
كتب جورج قرم، قارئًا بصوت واثق بضعة مقاطع
تنتقد النظام السوري! وكان كلما قرأ مقطعًا
يتوقف ليذكِّر "الجمهور" أن صاحب هذه
الأفكار هو وزير في الحكومة. ومثله أيضًا فعل
بعض الإعلاميين الذين تنكَّبوا قراءة كتبه
بحثًا عن جملة أو مقطع ينتقد فيه سورية! إلا أن الحملة المغرضة تلك
فشلت في تحريض المسؤولين السوريين على الوزير
قرم الذي لم يبدِّل آراءه ولا مواقفه، ولم
يسعَ يومًا إلى "تمسيح الجوخ"، كما يقال.
وفات أصحاب الحملة أن جورج قرم كان واحدًا من
المستشارين الاقتصاديين الذين استعانت بهم
الدولةُ السورية في قضايا مالية ومصرفية عدة،
مثلها كمثل الجزائر وتونس والمغرب واليمن
وإيران وسواها، وفاتهم أن المسؤولين
السوريين لا يحتاجون إلى من يذكِّرهم بأيِّ
موقف معلَن ضدَّهم، وأنهم لا يأخذون بمثل هذا
التحريض الرخيص، أو بمثل هذه "الغيرة"
المفضوحة على قضاياهم السياسية. كان جورج قرم أكبر من كلِّ
هذه "الحملات" المغرضة التي شهرت في وجهه
"السيف" السوري! وهو سرعان ما باشر
برنامجه الإصلاحي، واستطاع، إبان فترته
الوزارية القصيرة، أن يحقِّق منجزات لافتة،
وفي مقدِّمها دفع متأخرات الدولة للقطاع
الخاص، وخفض مستوى الفوائد، وإعادة التوازن
إلى ميزان المدفوعات، وسواها. ويكفيه أنه
ظلَّ، طوال فترة حقيبته الوزارية، يقاوم مبدأ
زيادة الضرائب على المواطنين الذين ما عادوا
قادرين على تحمُّل المزيد منها، وكأن مسؤولية
الديون العامة الباهظة تقع على عاتقهم هم! بدا جورج قرم مفكرًا
مثاليًّا في دولة لا تولي الفكر والمثالية
أيَّ اهتمام، وبدا رجل إصلاح في وزارة هي صورة
عن الإدارة اللبنانية التي تحكُمها المصالح
الشخصية، ويتأكَّلها الفساد والجهل
واللامنطق. كان رجل السياسة والاقتصاد والعلم
في "سلطة" هي أشبه بـ"مغارة علي بابا"،
تُنهِكُها الفضائح والصفقات – دولة ينقلب
فيها المسؤول إلى متهم، ثم ينقلب من متهم إلى
مسؤول! كان من المستحيل على جورج
قرم أن يبقى وزيرًا في دولة لم يبقَ من معالم
الدولة فيها إلا السلطة! مفكِّر سياسي،
ومؤرِّخ، وعالم اقتصاد، يملك رؤية جلية إلى
شؤون لبنان والمنطقة، وإلى قضايا عدة متوسطية
وعالمية. وكُتُبه التي جمعت بين الفكر
السياسي والاقتصاد وعلم الاجتماع والتاريخ
باتت تصدر الآن في كتب الجيب في فرنسا،
محقِّقة رواجًا لافتًا. يسعى جورج قرم في كتابه
البديع شرق وغرب إلى دحض وجود "الشرخ"
الذي طالما جرى الكلام عليه بين الشرق
والغرب، معتبرًا إياه شرخًا خياليًّا
ووهميًّا. فالخط الذي فصل بين الشرق والغرب لم
يكن ثابتًا عبر التاريخ؛ وهو قد تأرجح وفقًا
للتطورات السياسية الدولية المتتالية، وبات
الغرب يسيطر عليه، وخصوصًا بعد انهيار "الكتلة
الشرقية". ويمضي قرم في تفنيد
المسلَّمات الرئيسية التي ارتكز إليها الفكر
الحديث، جاعلاً منها منطلقًا لرسم ذلك الخطِّ
"الخيالي" بين شرق وغرب – وهو في نظره خط
تبدَّلتْ حدودُه ومعالمُه عبر التغيرات التي
شهدتْها السياسات الدولية والأوضاع
الاقتصادية والعسكرية. يطرح جورج قرم الكثير من
الأسئلة بغية الإجابة عنها: هل تقسيم العالم
ثنائيًّا إلى "شرق" و"غرب" له جذور
في الواقع الموضوعي؟ هل للشرق والغرب ملامح
أبدية لا تتبدل؟ مَن يحدِّد تخوم الشرق وتخوم
الغرب؟ وأين هي تلك التخوم؟ وردًّا على مثل هذه
الأسئلة، يسبر جورج قرم فلسفة الأنوار
الأوروبية ومناهج الفكر في العلوم الإنسانية
الحديثة – وهي "غربية" الطابع – وكذلك
ردود فعل المجتمعات "الشرقية" التي
احتكَّت بالحداثة الغربية وتأثَّرت بها.
ويستعرض أيضًا مسلَّمات الفكر الحديث، آخذًا
على المثقفين العرب قبولهم بها من دون نقد
معمَّق، ومن دون التطرق إلى وظيفة هذه
المسلَّمات في الخطاب الغربي. ويخلص إلى أن
الشرخ قام في مخيِّلة رجال الإعلام وبعض
الأكاديميين الأمريكيين النافذين وأركان
الحكومة الأمريكية ممَّن روَّجوا لمقولة "صراع"
الحضارات أو الأديان، وفي ظنهم أن التاريخ
جامد ومتمحور حول التعصب الديني! ولا غرابة أن يسمِّي جورج
قرم مثل هذه "النظرة" الجامدة بالهذيان و"الجدلية
العقيمة"، ساعيًا إلى تفكيك مقوِّماتها،
عبر نقد المقولات البارزة للفكر الغربي
والفكر العربي في هذا الصدد. ويرى أن المثقفين
– غربيين وعربًا – عجزوا عن القضاء على هذه
"الثنائية الفتاكة" التي قسَّمتْ العالم
إلى شرق وغرب لا يمكن أن يلتقيا. وانطلاقًا من
هذه المقاربة النقدية يفنِّد جورج قرم
المسوغات و"الأكاذيب" التي رسَّخت هذا
التصور "المتوهَّم"، مستلهمة مفاهيمها
من اللاهوت الغربي البروتستانتي ومن "الأصولية"
الشرقية. كتاب بديع حقًّا، يجمع بين
المتعة والمنهجية، بين السلاسة والعمق،
ويُقرأ كما لو كان في الحين عينه كتابًا في
التاريخ والفكر السياسي والاقتصاد وعلم
الاجتماع. وقد تمكَّن جورج قرم من صَهْرِ هذه
العلوم وإلغاء الحدود بينها، ليكتب نصًّا
علميًّا لم تثقلْه المصادر والمراجع، على
وَفْرَتها. وهو كتاب يردُّ على أسئلة راهنة
ومطروحة اليوم بإلحاح، ويعالج قضايا تعني
القارئ الغربي بمقدار ما تعني القارئ العربي.
والكتاب هو حلقة تُضاف إلى كتب جورج قرم
السابقة ذات الطابع التاريخي والفكري
والسياسي والاجتماعي. قد يكون من نوائل الحملة
المغرضة التي قامت ضد جورج قرم كوزير للمالية
عودته إلى قرَّائه في هذا الكتاب البديع؛ وهي
عودة تثبِّت إيمان هذا المفكر بالحوار، لا
بين الشرق والغرب فقط، بل بين اللبنانيين
أنفسهم، مهما اختلفوا أو تناقضوا – علاوة
طبعًا على عودته باحثًا وكاتبًا مرموقًا يصعب
أن يجد لنفسه حيزًا – ولو ضئيلاً – في "دولة"
هي دومًا على حافة الانهيار! ***
*** *** عن
الحياة تنضيد:
نبيل سلامة *جورج
قرم، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري، بترجمة
ماري طوق، دار الساقي، بيروت 2003.
|
|
|