عنف امتلاك الحقائق

 

سحر أبو حرب

 

يروق للإنسان امتلاكه الأشياء والاستفراد بها، بل والاستئثار، فهو حينها يكون عليها مليكًا، وحقائقه باتت رعاياه، ولا لأحد حكم على رعاياه، هنا تصبح أملاكه من الحقيقة رعايا مطيعة، هادئة، وديعة، لا تتبدل ولا تتغير، لا تخرج عليه معترضة أمرًا.

الحقائق لا تحترم حقيقة حال كانت ملكًا لأحد. فالاقتراب منها يعني الاقتراب من الأملاك. والاقتراب من الأملاك يعني أن لا بد من الدفاع عنها. والدفاع عنها يعني ممارسة كل أساليب رد الآخرين عنها... ومنها أو أولها ممارسة العنف.

إذ لن يتوانى مالك الحقيقة عن إيذاء من يقترب من ملكه أو الاعتداء على من يناقش فكرة حقائقه. وفي أبسط الأحوال من الممكن أن يصف الذين لا يوافقونه حماية حقائقه بالردة. لا أقصد الردة الدينية بل الردة عن مفهومه "هو" ومعتقداته "هو". فمن لا يوافقني يكون عدوي على أحسن الأحوال. أما في أسوأ الأحوال، فعليه أن يختفي من الوجود، ذلك المرتد. وحال اجتماعنا بمن يقبل الجدل حول حقائقه ومفاهيمه، يكون حينها مصرًا أن على الآخر أن يقتنع برأيه... أما إذا لم يقتنع، فهو ضال، جاهل، مسكين ولا بد من هدايته، ولو بالإكراه. وقد يلجأ إلى العنف بديلاً عن الإكراه المعنوي أو الفكري، أي يستعمل الإكراه الجسدي المؤذي والمذل.

الحقائق هنا وفي حال مثل هذه، تجمدت وتحجرت وصارت مطرقة أو ناقوسًا يدق كلما فكر أحد بزعزعة بنيان حقائقه وممتلكاته الفكرية. إذ يصبح متحدًا معها، فانتقادها هو انتقاده "هو" وزعزعة بنيانه "هو"...

هناك من يملكون حقائق فلسفية أو تاريخية أو اقتصادية أو حتى مالية وسياسية. وكل أولئك لا يتورعون عن ارتكاب العنف وممارسة الإكراه، والتصدي لكل غازٍ يروم التغيير.

هنا تصبح الحقائق هي المجرم الأكبر، حيث تتخلى عما تحمل من فكر وإنسانية وتنضم إلى موكب العنيفين.

الحقائق تصبح أسلحة يقتتل بها المختلفون. بينما الحقيقة هي اللقاء السامي الذي على البشرية أن تلتقي تحت ظله، وتتفيأ طراوته.

حين يتم إعمال العقل وقبول حقائق الآخرين على أنها مشاريع بحث ومحاور تفاهم ونقاط لبدايات توافق، حينها تكون القلوب سليمة تجاه حقائق الجميع، ونوايانا حسنة وطيبة... بشكل آخر يتلاشى العنف ضد حاملي الفكر والحقائق المخالفة لنا.

"يحق لكل إنسان أن يطلب الحقيقة" هذه المطالبة أرفعها إلى مجلس حقوق الإنسان العالمي. إذ يحق لكل إنسان على وجه البسيطة أن يبحث عن الحقائق التي تروقه في المكان والزمان الذي يراه مناسبًا له في عصر التكنولوجيا الذهبي هذا.

ولا يحق لأحد أن يتنازل عن حقه، فهو حق تضمنه الشرائع الدولية المتفق عليها. الحقيقة السامية لا يمتلكها أحد على الإطلاق. نحن جميعًا نسعى إليها من طرق مختلفة. وقد نصل إلى مكان نجتمع فيه ثم نفترق عدة مرات... ولكن ليس لأحد أن يجبرنا على اجتماع أو افتراق. إنها الحقيقة الحرة المعافاة التي لا إكراه فيها.

وكلٌّ منا قد يقترب أو يبتعد من الحقيقة، قد يتوه أو يصل... إنما سر الحياة هو البحث عنها. هذه حقيقة كل شيء، ولا مالك لها ولا شارٍ، ولا بائع ولا مؤجر.

والأهم من كل ذلك أن الاجتهاد مفتوح للجميع للسعي في درب الحقيقة الحرة تلك. ليس من شروط تعيق الساعي لها ولا قيود. فالكل يعمل على شاكلته. وكل مشكور على سعيه.

فالحقيقة مستويات تعلو بعضها بعضًا، لا تقف تحت سقف، تنتظر أن يفتح لها. فهي السقف الذي لا نهاية له لشدة ارتفاعه.

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني