مفهوم "الله"
محمد علي عبد الجليل
أحد
تعريفات الله هو أنه سكون مطْلَق. والخَلْقُ اهتزازُه. الله هو المبدأ
الكلي للوجود والجوهر الأسمى اللامادي. يُـــعَــــرِّفُه المسْلمون
بأنه "نُوْر السماوات والأرض" و"ليس كمِثْله شيءٌ"، أيْ لا صورةَ له،
أيْ لامُــــتَــــجلٍّ. ويُـــعَـــــرِّفونه بأنه "الله أكبر"، أيْ
لانهائي. وهو الخالق الأعلى العليُّ المتعال. "مهما تصوَّرْتَ ببالكَ
فالله بخلاف ذلك." لأنَّ كلَّ ما خطرَ ببالكَ فهو شيء، والقرآنُ يقول:
"كلُّ شيء هالكٌ إلاَّ وجهه". يرى المكزون السنجاري أنَّ الموجوداتِ هي
هو لا هو هي: "أراني فيكَ موجودًا / وعني أنتَ منفرِدُ". ويرى
السُّنَّةُ أنه ينبغي الإثباتُ [إثباتُ الصفات] بلا تشبيه
anthropomorphisme
والتنزيهُ بلا تعطيل [بلا إنكار الصفات]. وتؤْمنُ
المسيحيةُ الرسميةُ بأنَّ الله واحد، كلِّي القدرة، ضابط الكل، أصْل كل
شيء، لا بداية له ولا نهاية، خالق السماوات والأرض وخالق كل نفس،
يتجلَّى في ثلاثة أقانيم، أو صور، كلها مشتركة في الطبيعة الإلهية
الواحدة. واللهُ محبة، أيْ وعيٌ كوني فائق.
ولكنَّ الله الذي يقدِّم له البشرُ الصلواتِ والقرابينَ هو، في المنظور
السِّرَّاني، ﭭيراج
Viraj
أو شيـﭭـا
Shiva،
اللوغوس الكوكبي، الإله المتجلِّي الذي يبدع المستوياتِ الدنيا الأربعة
للنظام الشمسي. لقد وردَ في كتاب الهندوس الـبْـهَـغَـفـَدغيتا أنَّ
المُطْلَق يتكلَّم قائلاً:
عندما يطلع النهار، كل ما هو متجلٍّ
يولد من اللامتجلِّي.
وعندما يهبط الليل، يتلاشى المتجلِّي في "ذاك"،
اللامتجلِّي.
يوجد في الحقيقة شيء أعلى [أسمى] من اللامتجلِّي؛
إنه لامتجلٍّ آخر، أبدي، خالد، لا يتلاشى
عندما تفنى كل الأشياء.
هذا اللامتجلِّي الآخر، هو اللافاني،
وهو يدعى "الطريق الأسمى".
وأولئك الذين يبلغونه لا يعودون مرة ثانية للتجسد.
هذا هو مكان إقامتي السرمدي.
الألوهةُ مستويات إنْ جاز القولُ:
1.
اللامتجلِّي الأول (ذاتُ الذاتِ، غيبُ الغيبٍ، الغيبُ المُطْلَق)؛
2.
اللاَّمتجلِّي الثاني (الذات أو الغيب)؛
3.
المتجلِّي الذي يلبس صفاتٍ ويحتجب وراءَ ألفِ ألفِ حجاب (الله المبدع
الخالق).
يقول ابنُ عربي:
وأما الذاتُ من حيث هي فلا اسم يدلُّ عليها إذْ ليست محلَّ أثر ولا
معلومة لأحد [...] فلا يعْـلَم اللهَ إلاَّ اللهُ. فالأسماءُ بِنا ولنا
ومدارُها علينا وظهورُها فينا وأحكامُها عندنا وغاياتُها إلينا
وعباراتُها عنا وبداياتُها منا.
فلولاها لَـمَـا كُـنَّـا ولولانا لما كانـتْ.
بِها بِـنَّـا وما بِـنَّـا كما بانتْ وما بانَتْ.
فإنْ خفِيَتْ لقد جلَّـتْ وإنْ ظهرَتْ لقد زانتْ.
الله هو رمزٌ جمعي، رمزُ الرموز بحسب كارل غوستاﭪ يونغ
Carl
Gustav Jung
(1875 – 1961) فالنماذج البدئية المشتركة بين البشر
والتي تؤلف الخافية الجمعية (اللاوعي الجمعي) يُعبِّر عنها كلُّ دِين
بطريقته ولكنَّ الأديانَ كلَّها تُعبِّر عن رمز واحد.
يمكن تعريف الله من أربع وجهاتِ نظر:
1.
من وجهة نظر أونطولوجية:
الله هو المبدأ الواحد والأسمى للوجود الكلي: أ)- إما كجوهر مُحايث
(حالٍّ، ماثل، ملازم)
immanente
في الكائنات؛ ب)- وإما كعلَّة متعالية (متنزِّهة
transcendante)
تخلق العالَم خارجًا عنها؛ ج)- وإما كغاية للعالَم. إنه المحرِّك
الساكن
moteur
immobile
بحسب أرسطو. وقد لخَّصَ الفيلسوفُ الفرنسيُّ إيتيين
ﭭـاشيرو
Étienne
Vacherot
(1809 – 1897) الأفكارَ الثلاثَ السابقة بقوله: "الله كائن الكائنات،
علة العلل، غاية الغايات: هذا هو المطْلَق الحقيقي".
2.
من وجهة نظر منطقية:
الله هو المبدأ الأسمى للنظام في العالَم وللعقل في الإنسان وللتوافق
بين الفكر والأشياء.
3.
من وجهة نظر ثيوصوفية:
الله هو الوعي المطلق، الحضور الدائم، الانتباه الكلي. وبالتالي
أَكُـــونُ اللهَ بقدر ما أكون حاضرًا منتبهًا واعيًا.
4.
من وجهة نظر مادية:
الله كائن شخصي أعلى من البشر يُلقي الأوامرَ ويقطع العهودَ وتُرفع
إليه الصلواتُ. ويكون عمومًا حاميًا لقبيلة أو لشعب أو لمجموعة عرقية
أو قومية، كآلهة اليونان وآلهة طروادة وإله إسرائيل. فيكون الإله
جَدًّا أو قائدًا محاربًا أو مشرِّعًا أو قاضيًا. وهنا يمكن أنْ
يتعدَّدَ ويمكن أنْ يتعادى مع إله آخر لجماعة أخرى ويمكن أنْ يتكلَّم.
وكلُّ جماعة تدَّعي أنَّ إلهَها أحسنُ الآلهة: "أتدْعون بعلاً وتذَرون
أحسنَ الخالقين؟!" هذه النظرة عن الله هي أصل فكرة الله في الديانات
الإبراهيمية. فمع تطور الفكر الديني الإبراهيمي تحوَّلَ القائدُ
المحاربُ المقيَّد بزمان ومكان إلى رمزٍ مجرَّد مطْلَق (إله) يسكن في
ضمير الأمة أو الشعب، في اللاوعي الجمعي (الخافية الجمعية)، ولكنه
حافظَ على بعض صفات النموذج الأصلي ومنها الكلام. فالله هو صورةُ
الإنسان، وليس الإنسانُ صورةَ الله. الإنسانُ هو الذي خلقَ اللهَ على
صورته ومثاله. فالله في المنظور الإبراهيمي يتكلَّم ويتألَّم ويغضب
ويرضى ويعتب وينتقم ويأمر أتباعَه بالقتل كأي قائد عسكري.
*** *** ***