|
الإنسان... ظاهرة التفرد
توطئة: الإنسان كائن حي، ككل كائن حي آخر، يتكوَّن من مادة عضوية حية، تنطلق منها طاقة نسيمها: النفس. إن الحياة هي الهدف الأول لكل كائن حي، والحاجة الأساسية الأولى للإنسان ولكي نفهم الإنسان يجب أن نتذكر أن له مقومات وخصائص للكائنات الحية الأخرى. ولكن حياته الاجتماعية، تفرض عليه أمورًا تجسدت فيما نسميه الحضارة. وكل أسرار الإنسان وحقائقه تكمن في عملية التكيف بين أصله البدائي ومتطلبات الحياة الاجتماعية والحضارة التي بلغها، أي بين الطبيعة والمجتمع المتحضر. وعملية ضبط وتنظيم تلبية حاجاته وتفريغها حسبما تتطلب حضارته تفسر نفسية الإنسان الحالي بجوانبها السلبية والإيجابية، والمرَضية والسليمة. إن نزوع الإنسان إلى الحياة يكون هو الأشد لفترة معينة مادامت مقومات الحياة متوفرة بدرجة مناسبة، فإن النزوع إلى الموت يبقى مترسخًا في طبيعته الأصلية. ويستمر الصراع بين هذين النزوعين المتناقضين في الموت والولادة. ويتجلى النزوع إلى الموت في الميل إلى الراحة والنوم، فيسمى: غريزة الموت. ويتجلى النزوع إلى الحياة في الميل إلى الحركة والعمل، ويسمى: غريزة الحياة. ويدوم الصراع بينهما حتى تتحلل الحياة، وتعود إلى وضعها السابق، إلى المادة الجامدة، بالموت. حين يولد الإنسان تكون جميع طاقاته متركزة على ذاته، وتسعى لتوفير حاجاته والمحافظة على حياته، دون اعتبار لأي أمرٍ آخر. وتسمَّى هذه المرحلة: مرحلة التركيز على الذات. ثم لا يلبث الطفل أن يشعر بوجوده في بيئة لها مطالب معينة. ويحال تدريجيًا أن ينفتح عليها ويراعيها، ليحقق التوازن بين مطالب نفسه ومطالب العالم الخارجي حتى يصل إلى مستوى مقبول، ونسميه: مرحلة الغيْريَّة، التي يوجه فيها الاهتمام الكافي إلى غيره. إن التكوين النفسي للإنسان يتألف من استعدادات وخصائص معينة، ويتكوَّن بتأثير وراثته وبيئته وتربيته. ويأخذ اتجاهات محددة يصعب تبديلها فيما بعد إلا ضمن حدود ضيِّقة، مع أنه يستمر في التبدل مدى الحياة وضمن هذا الإطار تتكون للفرد شخصية متميزة، بتأثير خصائصه الجسمية وبيئته الطبيعية والاجتماعية، وهي وحدة متكاملة لهذه الخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية والأخلاقية ولجوانبها الشعورية واللاشعورية، والموروثة والمكتسبة التي تميزه عن الآخرين، وبالتالي يكون له طالع خاص ودور معيَّن، يتجلَّى منذ مطلع حياته، ربما يستمر طيلة عمره. ولا تحدث تبدلات واسعة فيها إذا لم يحدث في التكوين الجسمي أو النفسي أو الظروف المحيطة به. بعض الناس يسيرهم العقل والتفاهم، وبعضهم تسيرهم العواطف والانفعالات، وبعضٌ آخر تسيره القوة والسلطة والحاجة، أو مزيج من هذا كله بنسب مختلفة. وجميعهم ينجرون وراء ما يظنون أن فيه مصلحتهم. وتختلف نسبة هذه العوامل من فرد إلى آخر، حسب مستويات الإدراك والوعي، ومن مجتمع لآخر، حسب درجة الرقي والتقدم الحضاري فيه. وبالعودة إلى هدف الكائن الحي الأساسي، خُلقَ الإنسان لينعم بالحياة، ولكنه قد يضيِّع هذه الفرصة. وهو مسؤول كليًا عن ذلك. إنه يتنفس، ويأكل ويشيخ، ويقترب من الموت. ولكن ليس هذا هو المقصود بالحياة، فهذا في الواقع موتٌ تدريجي. من المهد إلى اللحد... سبعون سنة من الموت التدريجي. وبما أن ملايين الناس من حولنا يموتون هذا الموت البطيء التدريجي، فإننا نبدأ بتقليدهم. والأطفال يتعلمون كل شيء من الأشخاص الذين يحيطون بهم، وهم محاطون بالأموات. لكن يجب أولاً أن أوضِّح ما أقصده بـ "الحياة". الحياة هي أن ننضج وليس أن نتقدم بالسن. وهذان أمران مختلفان. إن الحيوان، أي حيوان، يتقدم في السن ولكن النضج هو أمرٌ وميزة محصورة بالإنسان، فهناك فرقٌ كبير بين النضج والتقدم في السن، والناس تخلط دائمًا بين الاثنين. يعتقد الناس أن من يشيخ يصبحُ ناضجًا. لكن الشيخوخة لها علاقة بالجسد... أما النضج فهو نمو داخلي. يمكنك أن تعيش حياتك وأنت في حالة نوم مغناطيسي، وغالبية الناس يعيشون هذه الحالة، أو تعيشها بحماس ووعي. إذا عشتها بوعي فأنت ناضج؛ وأن تشيخ لا يعني أنك تصبح حكيمًا، لأنكَ إذا كنت أحمقًا في شبابك وأصبحتَ رجلاً مسنًا الآن، ستكون رجلاً مسنًا أحمقًا، وهذا كل ما في الأمر. لا يمكنك أن تصبح حكيمًا لمجرد تقدمك في السن. ربما تصبح أكثر حماقة، لأنكَ تمسكتَ بعاداتٍ آلية. إن اتساع المدارك لدى الإنسان تفضي إليه الحياة. هكذا هي الفضيلة، إنها المعرفة، حتى لدى الإرهاصات الأولى للعقل البشري، وهكذا وِجدَ هناك أشخاص امتدت حياتهم حتى بعد فناء الجسد ليكونوا جسرًا لأجيالٍ تليهم. إن الشيء الجوهري الذي يجب أن نتذكره، هو أن الحياة جدلية. ومبدأ الازدواجية هو جوهر وجودها، وهو تعايش الأضداد. لا يمكنك أن تبقى سعيدًا إلى الأبد، وإلا فقدت السعادة معناها. ولا يمكنك أن تبقى في حالة الانسجام إلى الأبد، وإلا زالت حالة الوعي بالانسجام. يجب أن تلي حالة الانسجام حالة تنافر، ويجب أن تلي السعادة حالة شقاء. كل لذة تحمل في طياتها بعض الألم، وكل ألم يحمل في طياته بعض اللذة، ومع هذا تبقى ذات الفرد هي كينونته التي تحيا داخله وبه. إن هذا الكائن وهذا التنظيم الحي الذي يؤدي كل الوظائف النفسية والفيزيولوجية بما يمكنه من التكيُّف مع البيئة، وعلى حسب طراز هذه الكينونة أو هذا التنظيم الحي، وتبعًا لما يمليه من سلوكيات في المواقف المختلفة يبدو للآخرين ما يصطلحون على تسميته السمات الشخصية. وهي السمات التي تعكس طبيعة علاقة الإنسان بنفسه وبالبيئة من حوله والاختلاف بين البشر مع اتحادهم في السمات الأساسية، يفسر جزئيًا باختلاف مواقفهم على محوري الزمان والمكان في هذا الكون، ويفسر أيضًا على مستوى أعمق بكونه وظيفة توفيقيّة ولازمة للتلاؤم مع ما تمليه الضرورات. حين نأتي على ذكر مصطلح (إنسان) ستفتح لنا قواميس كثيرة منذ بدء وجوده، وإن اختزال هذا المصطلح ليس بالمسألة الشائكة وحسب، بل تكاد تكون شبه مستحيلة، بين اختصار وجوده المادي ومقدار هذا التشعب الهائل الذي ينبعث منه على كافة المجالات الحياتية. لكننا إذا ما اقتربنا من الثنائيات التي تحدد سلوكه في طبيعة هذا الكائن وجوهره، كطاقة الليبدو وغريزة الموت، أو ما بين الرغبة والخوف، أو حتى مسألة الثواب والعقاب... إلخ، فإننا هنا نلامس نقطة ارتكاز في دراسة جوانب السلوك لهذا الكائن الأكثر تعقيدًا على وجه الأرض. وبالحديث عن جوانب من سلوك الإنسان سنلاحظ هذا الكم الهائل من اختلاف الصفات وتنوع المجتمعات والكثير من التداخلات في أنظمة الحياة وزوايا فهمه لها. الإنسان لا ينفك عن التطور الملحوظ والسريع عن باقي الكائنات إذا ما قورن بالعمر الزمني لوجوده، فهذا الهوموسابيان الذي ننحدر منه نحن، يقارب عمره المائتي ألف عام، بينما يعود عمر النحل كنوع إلى ثلاثمائة مليون عام، مع أن دورتها الحياتية لا تتجاوز اليوم الخامس والعشرين. وبالحديث عن النوع في هذا السياق، تظهر الميول النفسية والفيزيولوجية تراتبًا واضحًا في سلم التطور؛ فما بين الكائنات التي تعيش في قطعان أو مجتمعات متنقلة مكانة تختلف عن تلك التي تحيا بشكل فرداني في سلم التطور. ومما لا شك فيه تبرز الدراسات التاريخية والفلسفية لدى الإنسان منذ بدء الحضارة ميلاً واضحًا وسلوكًا متفردًا نحو المركز، ابتداءً من محاولات فهمه لأسباب الوجود ونظرياته في فكرة النشوء إلى سلوكه على الأرض وتعامله مع الطبيعة، فقد كانت نظريةُ أن الأرض تدور حول الشمس وأنها ليست مركزًا للكون تعرض معتنقيها للإعدام. كذلك مفهوم الله ودوافع حروب البشر. وأذكر قولاً لهيجل يصب في أن خلافات البشر وحروبهم قد تصب في احتياجاتهم الأولية والحياتية، لكنها بالدرجة الأولى مطلب للإعتراف بهم. وفي هذا يقول توماس هوبس: ذلك أن كل إنسان يحرص على أن يقيمه صاحبه على النحو الذي يقدر فيه نفسه. وقد يسعى في مواجهة علائم الاحتقار والازدراء لدى الآخر، وإذا ما أسعفته الجرأة، إلى انتزاع احترام أكبر من محتقريه بواسطة القتال، ومن الآخرين بتحويل نفسه إلى نموذج للاجتزاء. لذا فإن الحقيقة الاجتماعية الأولى ليست الحب ولا الوفاق، بل هي حرب "كل إنسان ضد كل إنسان"، بالرغم من أن هوبس لا يستخدم عبارة الصراع من أجل الاعتراف، فإن نتائج هذه الحرب الفريدة، حرب الجميع ضد الجميع، هي نفسها كما بالنسبة لهيجل: بحيث أننا نجد في طبيعة الإنسان ثلاثة أسباب رئيسة للنزاع: أولاً المنافسة، ثانيًا عدم الثقة، ثالثًا المجد. والسبب الثالث يجعل الناس يتقاتلون لأمور تافهة مثل الكلمة أو البسمة أو الرأي المختلف أو أية إشارة أخرى تنم عن قلة الاحترام وجهت مباشرة لشخصهم أو غير مباشرة لأهلهم أو أصدقائهم، لأمتهم، لمهنتهم، أو لاسمهم. إن الكائن منطق، صيغة، طريقة، معايشة تؤدي إلى وجوده بهذا الشكل. بهذا المنطق، بهذه الكينونة أو بتلك، يصبح الكائن موجودًا أو غير موجود. ولا يصبح موجودًا إلا إذا تشكلت الجمل الخاصة بالكائن، والبحث في هذه الجمل يؤدي إلى كشفها كمنطق ليس إلا. وقد جاءت الكثير من النظريات احتجاجًا على تعريف الإنسان بأنه كائن اجتماعي، لتبرز أنه ليس كذلك، فالحاجة إلى الاجتماع كانت ضرورة لاستمرار بقائه في مراحله البدائية. هذا الكائن الضعيف غير القادر على مواجهة الطبيعة وأخطار وجوده في العراء، كان لابد له من الاجتماع على الأقل للتعاون في عملية الصيد وإنهاء صراع الذكور حول الإناث كما تظهر العديد من الدراسات الأنتروبولوجية. أن يكون العبور إلى الحياة يتم من ثقب إبرة أمر يدعو للدهشة وللتأكيد بأن التفرد هو منطق الحياة. التفرد هو امتحان للوجود، وذلك لأن الذي لا يكون حيًا كيف يشارك في تكوين الحياة؟ وهنا أليس شيئًا لافتًا ومثيرًا أن يكون الانتقال إلى العام لا يتم إلا من خلال الخاص؟! لقد أصبح واضحًا أنه لا يوجد كائن جوهري، لا يوجد كائن ثابت، لا يوجد منطق حتمي، لا يوجد منطق مطلق. إنما يوجد كائن هو صيغة، طريقة معايشة متحولة، منطق احتمال نسبي. نحن لسنا في عالم صلب، لسنا في عالم له قوانين حتمية مطلقة شاملة، إنما نعني أننا في عالم أشبه ما يكون بغيمة تتشكل في مختلف الأشكال. إننا في عالم ما زال وسيبقى مشروعًا قيد الإنشاء، عالم لم تتكلس عظامه. وهنا تكمن عظمة الحياة في أنها حركة خلق وإبداع دائمان. مثال: ما الفرق بين معايشة نيوتن لسقوط التفاحة أو الحجر بعد قذفه للأعلى وبين معايشة ملايين الملايين للحادثة ذاتها؟! الفرق هو أن معايشة نيوتن أكثر إنسانية، أكثر إبداعية، أكثر تفردًا، وبالتالي أكثر شمولاً. ويتمثل الشمول في شتى تطبيقاته وتعديلاته. وتفرد المعايش ليس قيمة ثابتة، إنما هو قيمة متحولة ثباتها يعني تعاظمها. هناك من يقول: إن الإنسان مجموعة من العلاقات المادية، وإن بدلنا هذه العلاقات يتبدل الإنسان أيضًا. ومع صحة هذا القول إلى حد ما، فإنه يوقعنا في أحضان المادة الميكانيكية الساذجة، إذا لم نفهم أن تلك العلاقات ذات طبيعة ديالكتيكية، وتتبادل التأثير بينهما، وأن الإنسان الذي هو مجموعة علاقات، يكون حقيقة جديدة ذات خصائص خاصة، تنتج عن تفاعل مقوماته الأساسية بعضها مع بعض، ومع البيئة المحيطة به. وعملية التأثير فيه تتم بتأثير هذه العلاقات عليه من خلال طبعه. كما أن الإنسان الذي يصبح طاقة مستقلة نسبيًا يؤثر بدوره على تلك العلاقات ويبدلها. وتتم عملية التغير بواسطة هذا التأثير المتبادل. ويكون البدء بالإنسان وتكوينه انطلاقة سليمة لإحداث تغيرات معينة. إن الإنسان في طبيعته الأولية عند جون لوك يختلف جذريًا عنه عند هيجل، فبينما يصارع من أجل الاعتراف في حالة الطبيعة، عليه أن يثقف لإخضاع رغبته في أن يعترف به لرغبة الحفاظ على حياته الخاصة، ولرغبة تزويد حياته بالرفاهية المادية. "فالإنسان الأول" بحسب هيجل لا يرغب في امتلاك الأشياء المادية، بل يرغب برغبة أخرى: اعتراف الآخرين بحريته وبالإنسانية؛ وأثناء بحثه عن هذا الاعتراف يبدو لامباليًا تجاه "أشياء هذا العالم"، من الملكية الخاصة حتى وجوده الذاتي. وعلى العكس من ذلك "فالإنسان الأول" بحسب لوك ينخرط في المجتمع المدني ليس فقط من أجل حماية ممتلكاته المادية التي امتلكها في الحالة الطبيعية، بل بهدف توسيع الإمكانية من أجل الحصول على المزيد منها بدون حدود. ولكن في نهاية المطاف وعلى الرغم من اختلاف الاتجاهين يبقى المنشأ ذاتيًا. محاولات للتفرد على اختلاف قياسها ونسبها وهي بحد ذاتها محاولات للتمظهر بشكل متمايز عن الـ "نحن". إن رغبة الاعتراف التي تولد من التيموس هي ظاهرة متعارضة بشكل عميق، لأن هذا "التيموس" هو المركز النفساني للعدالة ولنسيان الذات، مع كونه مرتبط بشكل وثيق بالأنانية الإنسانية. فالأنا "التيموس" تتطلب في الواقع اعترافًا بمعناها الذاتي لقيمة الأشياء والناس. وإن رغبة الإنسان لأن يعترف به تبقى شكلاً لتأكيد الذات وإسقاطًا لقيمته الذاتية على العالم الخارجي، فهي تولد مشاعر الغضب عندما لا يعترف بهذه القيمة من قبل الناس الآخرين. ولكن ليس مضمونًا أن يكون المعنى "التيموس" الذي تملكه الأنا عن العدالة متطابقًا مع معنى "الأنوات" الأخرى، فكما يقول لوك: ليس لأي إنسان أن يكون حكمًا عادلاً تجاه ذات نفسه. ولكن في النهاية، وبعيدًا عن المحاكمات الاجتماعية، يبقى العقل المتفرد هو اتصال مع عقل الحياة. وعقل الحياة هو عقل التفرد. ولذلك فإننا نرتقي بمقدار تقمص العقل المتفرد. إن للجسد حدوده الملموسة والمرئية، وللذات حدود افتراضية. إن كل إنسان في حياته نائمًا أو نشطًا يشكل من حوله مجالاً نفسيًا خاصًا به، مجالاً تبعث فيه حرارة وجوده. كلما كان وعي الإنسان بحدود ذاته وتفرده حاضرًا، كلما كانت استجاباته مختلفة للأشخاص وللأشياء بحسب موقعها قربًا أو بعدًا من حدوده الذاتية. إن الطاقة المنبعثة من الذات الإنسانية تشكل من حولها عددًا من الدوائر في تدرج طيفي. هناك أولاً الدائرة الحميمية اللصيقة ثم الدائرة الشخصية وثالثًا الدائرة الاجتماعية وأخيرًا نجد الدائرة العامة. فوعي الإنسان بحدوده النفسية يعتبر علامة صحية؛ لأن هذه الحدود تشعره بذاته وسط الكون وتمتعه بدفئ داخلي حميم، كما أنها تحميه من الضياع والتشتت. وما المعاناة التي يعيشها المراهقون عندما تتأرجح تصوراتهم لدورهم في الحياة بين دور الطفل ودور الشاب، إلا مرادف منطقي لدرجة من العتامة في رؤيتهم للحدود الكائنة بين ذواتهم وبين العالم الطبيعي والاجتماعي من حولهم. فهنا ذات الإنسان هي ذلك التنظيم الحي الذي يؤدي كل الوظائف النفسية والعقلية والفيزيولوجية بما تمكنه من التكيف مع الحياة وتكييفها أيضًا، وتستمد هذه الذات المتفردة كيانها من التاريخ الجمعي للإنسان، ومن التاريخ الشخصي للفرد. وخلاصة القول، إن قدوم الإنسان إلى الحياة يجسد ملايين السنين التي بذلتها الطبيعة لتوجد مخلوقًا قادرًا على الحياة بهذا الشكل والمستوى، ويعطي للحياة قيمتها الكبرى من خلال هذا التفرد حتى على مستوى النوع نفسه في سيادة الأرض، وإنتاج هذا الكم الهائل من المفاهيم والاختراعات العقلية التي توازي إلى حد ما عملية الخلق في كل الهيئات والأشكال التي يرتديها هذا العالم. *** *** *** ألف |
|
|