<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

البيت الموؤود

 

حسان عباس

 

ليس البيت سقفًا وجدرانًا تحمي من يعيشون في كنفها، وليس خزَّانًا للذكريات المبعثرة على كل ذرة من حناياه، وليس عالمًا تربط صاحبه علاقة خاصة مع أشيائه التافهة والثمينة... البيت هو كل هذه الأمور، وغيرها أمور أخرى أغنى وأجلّ. فالعلاقة بين الإنسان وبيته هي أكثر من علاقةٍ، هي حياة.

البيت هو روح صاحبه. روح يظهر بريقها فوق الذرات المتناثرة على امتداد شعاع شمس يتسلل عبر زجاج؛ روح تعشش في رائحة الفراش والكتب المغبرَّة ونعناع الشرفة وكبش القرنفل، روح تتمايل غنجة على صوت المفتاح في الباب وتغمر الضيف ما أن يطل.

والإنسان هو روح بيته أيضًا، روح تتجسد في الأغراض، في طريقة ترتيبها، في لون الجدران، في ورود المزهرية، في درجة اتساع زاوية فتح النوافذ، وفي الأسرار المخبأة في الزوايا والدروج وتحت أغطية الفراش.

إنها روح واحدة في جسدين: جسد البيت وجسد الإنسان صاحبه، لذا، إن مات أحدهما مات الآخر.

أعمار البيوت أطول، عادة، من أعمار أصحابها، وقد تُراكم أرواحَ أجيال من العائلة الواحدة، وهذه البيوت هي أكثرها سعادة. وبعضها يشيخ وتحفر التجاعيد وجوهه الأربعة، وتُشقِّق عوامل الزمن سقفه. غير أن بعض البيوت يموت دون إنذار مسبق، كتلك التي يقلبها زلزال مدمِّر أو تقتلعها كارثة طبيعية جارفة. وبعضها يقتل غيلة، يستشهد.

في سورية اليوم تجاوز عدد الشهداء المئة ألف، لكن عدد البيوت الشهيدة صار أكبر بكثير. اليوم تقتل البيوت بصاروخ، بقذيفة، بانفجار، وإن كانت أجسادها لا تنزف دمًا، فإن منظرها وقد تحوَّلت إلى ركام لا يقل مأساوية عن منظر إنسان قتيل.

الشهيد في الثقافة السائدة لا يغَسَّل، لأن لجراح الشهيد ودمائه عطر يعرِّف به يوم الحساب، ومحمَّد "لم يغسِّل حنظلة الراهب"، كما يقول الأثر. لكن الشهيد "يكفَّن في ثياب صالحة للكفن". والبيوت الشهيدة لا تنظَّف ولا تغسل ولا تكفَّن، بل تبقى أشلاؤها المتقطعة تحت رحمة عيون الغرباء. وقد تصبح "معرضًا لسائح يهوى جمع الصور". صور تزداد "قيمتها" بقدر ما تكشف من الأشياء التي تحمل بقايا من أرواح أصحابها: لعبة طفل، فردة حذاء، إصيص ورد، مرايا مهشَّمة...

لكن، إضافة إلى هذا النمط من البيوت الشهيدة، ثمَّة نمط آخر يحمِّل صاحبه أحزانًا مضاعفة. إنها البيوت الموؤودة.

البيت الموؤود هو ذاك الذي تدفع الظروف بصاحبه إلى هجره، فيقطع بيده حبل السرَّة الواصل بين روحه وروح بيته، ويتركه تحت رحمة المجهول. إنه بيتٌ شهيدٌ مع وقف التنفيذ. لكنه شهيد يُغَسَّل ويُكفَّن. قد يبدو هذا التميُّز نعمةً، لكنها نعمة مجبولة بحرقة وغمٍ لا قرار لهما.

عندما يقوم صاحب البيت بتكفين روحه، ذكرياته، أثار شيطنة أولاده، رائحة الألفة العائلية، ودرجة الضوء الخاصة التي نمت فيها عرائش حياته... عندما، قبل لفِّ الأغراض وتثبيت الثوب الصالح للكفن فوق ثناياها، يعتذر منها لأنه لا يستطيع حملها معه. عندما يلقي النظرة الأخيرة على كل غرفة قبل أن يغلق بابها كمن يضع "الشطيحة" فوق جسد الميت المكفن في قبره. يشعر صاحب البيت بأنه يقوم بعملية انتحار بالتقسيط. كل حركة في مسار تكفين البيت الموءود طعنة سكين في روح صاحبه. طعنة لا سبيل لعلاجها لأنها خطوة في سلسلة من الطعنات التي عليها أن تستمر لتصل إلى الهدف المحتوم.

وأخيرًا، عندما يغلق صاحب البيت الباب الخارجي ويدير المفتاح في القفل، يتوقف للحظة قبل سحب المفتاح، لحظة قصيرة قصر لحظة الموت، وطويلة طول الحياة التي تركها خلفه. لحظة لا يتساءل خلالها إن كان قد نسي غرضًا ما ليعود ويأخذه، وإنما ليتساءل إن كان قد نسي أن يقول لبيته جملة الوداع المناسبة.

تخطر في هذه اللحظة أمام صاحب البيت صورة الأب الذي يئد ابنه حيًا فينتبه أنه نسي أن يقول الجملة الوحيدة المناسبة لهذا المقام: يا بيتي سامحني!

*** *** ***

المدن، الأربعاء 01-05-2013

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود