ماهية التقويم في البحث الفلسفي

 

رياض عبد الواحد

 

تذهب الفلسفة بعيدًا في مسك المرامي القصية لمباحثها المختلفة، وإذا جاز لنا الخوض في مشكل (التقويم) الذي يذهب مداه الأبعد إلى وضع الأشياء في تقديراتها الصحيحة، فإن ما نريد الوصول إليه هو أن هذا التقويم يعد البوصلة التي ترشدنا، أو هو المهماز الذي نتلمس بواسطته الغاية المبتغاة، أو أنه فيما يتبدى فلسفيًا الغاية ذاتها، وهذه الغاية بذاتها التي تدخل حيز التطبيق الفلسفي؛ أما إذا أردنا الذهاب أبعد من ذلك والوقوف على التقسيمات الفلسفية التي ترد إليها الغاية بذاتها، فهي تعود من حيث الأصل إلى الحق والخير والجمال؛ فمجموعة هذه القيم عبارة عن قيم ذاتية أو ما اصطلح عليه بالقيم الداخلية، إذ إنها تقابل داخل الدائرة الفلسفية قيمًا خارجية، فإذا ما أخذنا (الورد) على سبيل المثال لا الحصر فإنه قيمة ذاتية أي إن المظهر الجمالي فيه لا يتعداه، أما قيمة (الحصان) فيكمن فيما يؤديه من خدمات لغيره. وإذ نحن بهذا الصدد فلا بد لنا من أن نؤصل موضوعة (الخير) التي تعود إلى فلسفة الأخلاق وموضوعة الجمال التي تعود إلى فلسفة الجمال، أما قضية الحق والصواب فتعود إلى علم المنطق. عود على بدء نقول إن فلسفة الأخلاق تتبار في الشروط التي تتوافر في الأفعال الإنسانية لكي تصبح موضوعًا خلقيًا أو هي "العلم الذي يضع المثل العليا التي ينبغي أن يسير السلوك بمقتضاها".

هنا يمكن لنا أن نقول إن القضية قضية (معيارية) تبحث فيما ينبغي أن يكون. ولا نريد هنا أن ندخل في التعارف بقدر ما هو مرور سريع على فهم المصطلح الذي يضعنا أمام العربة من دون خوف.

إن القضية الأخلاق قضية خلافية في الفلسفة، إذ إن الصراع بين الفلاسفة كان يكمن في طبيعة التوجهات العامة أو البيانات والقيم الأخلاقية، فبعض الفلاسفة يرى إن الأخلاق مسألة وضعية أي إن الإنسان هو الذي سن مفرداتها وطورها مثلما يطور الفلاح شجرة يغرسها، فالإنسان هو الذي تكفل وضع شروطها القائمة مرة على الفائدة والمنفعة الذاتية أو التحرر من ربق هذه الأمور إلى حيث القواعد التي تضع النفع العام في مقدمة أولياتها لتصبح في النهاية قضية أخلاقية. أما المجموعة الأخرى فتقف على الضد من هذا وتعدها قضية نسبية أي إنها تخضع لظروف ذاتية وموضوعية، وهنا تتعامد الحقيقة وقد لا نتبينها بنحو جيد، لذلك ينبغي أن يكون هنالك مقياس أو مسطرة نوعية لأفعالنا. بعض الفلاسفة أعادها إلى القانون الأخلاقي المتأصل في الإنسان والظاهر كضمير أو صوت العقل وهؤلاء سموا بالعقليين ومنهم (كانت)، وهنالك من أضاف إلى العقل الشعور بالألم (الندم) الذي يصاحب الفعل السيئ أو ما يخالف الإجماع وعلى الضد من هذا القانون الذاتي تمسك الخارجيون بالله وبالقوانين الوضعية التي تسنها الدول والجماعات ويتصل بذلك مشكل الحرية وتفرعاتها الكثيرة من جبر واختيار وحق وعدالة... الخ.

أما الجزء الآخر فهو فلسفة القانون، وهذه وإن وقعت في دائرة الفلسفة الأخلاقية إلا إنها مرتبطة بما هو وضعي، أي في تعيين العلاقة بين الإنسان والدولة بمجموعة من القوانين الوضعية المرتبطة بهذا الاتجاه أو ذاك من حيث التأصيل النظري.

لقد ذهب الفيلسوف "عمانوئيل كانت" في هذا المنحى بعيدًا إذ إنه فصل بين (قانونية الفعل وأخلاقيته) أي فصل بين فلسفة القانون وفلسفة الأخلاق بمعنى إننا حيث نهتم بالقانون فإننا نركز على (الظاهرة) أي الطاعة المقترنة بفعل ظاهر لاعلاقة له بالنيات إلا إذا سبب فعلاً ظاهرًا، إذ إن الدولة لا تعاقب الناس على ما يدور في خلدهم أو نواياهم، بغض النظر عن كون تلك النوايا حسنة أو سيئة، لهذا تذهب الفلسفة القانونية في هذا الاتجاه إلى تغليب المسلمة المعرفية والمنطقية كما أنها تبحث في الذيل الدلالي للعدالة والمتمثل بالعقاب والتبعة والشخصانية والملك.

أما فلسفة الجمال فتهتم بتحليل الطبيعة الجمالية من ناحية المنطق والموضوع الجمالي وهنا يستحيل علينا معرفة ذلك كله إلا من خلال مجموعة من التفريعات المعرفية التي تنصب في تلك الإشكالية المرتبطة بالعلاقات بين عناصر الموضوع أو الأشكال المادية المرتبطة بالمادة التي يتكون منها الموضوع أو تعبيرية مرتبطة بالمعنى الذي يعبر عن الموضوع.

إن المشكل الرئيس في الفلسفة الجمالية يكمن في الموضوعي والذاتي وتتصارع في ذلك مدرستان: الأولى تعد الجمال صفات أو خصائص موضوعية موجودة في الأشياء الجميلة نفسها ومستقلة عن العقل الذي يدركها، فالجمال موجود في الأشياء حتى لو لم يوجد عقل يدركه؛ أما المدرسة الثانية فلا ترى في الجمال وجودًا موضوعيًا بل تعود به إلى القوى التي تدركه، إذ الجمال معنى عقلي وليس صفة عينية تقوم في الشئ الجميل مستقلة عن كل إدراك.

وهنا يدخل (الذوق) كقوة نميز بها الجمال ونقومه، إلا أن هذا الذوق في حقيقته محكوم التهذيب والمدنية. إذن الجمال في ضوء ما هو عقلي يخضع لقوانين العقل، أما أولئك الذين يعتقدون بوجدانية الجمال فحكمهم مبني على التقييم الجمالي المقترن أو الذي هو في واقعه مجرد وجدان بالجمال أو حدس مباشر ينفذ إلى قلب الأشياء الجميلة.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود