الوحي وإمكان الاتصال بالمطلق

 

سعدون محسن ضمد٭

 

الوحي، بأبسط صوره، هو عملية ورود معلومات ومعارف إلى النبي من المطلق، وعملية الورود هذه لا يمكن لها أن تتم إلا في حال كانت هناك عملية اتصال من نوع ما، بين وعي النبي (البشري)، وبين وعي الرب (المطلق). ومن هنا تكون الحاجة ملحة لفحص هذه الحقيقة، أي حقيقة حصول عملية الاتصال هذه، أو ربما فحص إمكان حدوثها من عدمه. وتأتي الحاجة لبحث موضوع إمكان تحقق عملية الاتصال بالمطلق[1] من كون هذه العملية لم تنل حقها الكافي من البحث، مع أهميتها وتأثيرها الكبير في حضارة البشر وتاريخهم. والسعي إلى بحث إمكان الاتصال بالمطلق يتضمن ويرتكز على شك بوجود هذه الإمكانية، بمعنى أنه يتضمن شكًا بثبات تحقق عملية الوحي باعتبارها ظاهرة اتصال بين الإنسان والمطلق.

إذن فبحث هذا الموضوع ينطلق من مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل تحققت، في يوم ما، ظاهرة الوحي؟ وهل حققت، هذه الظاهرة، عملية اتصال بين المطلق والإنسان؟ وهل تضمنت تناقل رسائل اتصالية كما هو شأن جميع عمليات الاتصال الأخرى؟ وهل نتج عن هذه العملية وعي النبي بالرسالة التي أراد المطلق منه وعيها، ثم وبمرحلة لاحقة هل نجح النبي بإيصال هذه الرسالة إلى الناس؟

سأنطلق في الإجابة على مجموعة الأسئلة هذه من عملية التفكيك بين مستويين من مستويات النبوة، هما مستوى (الاتصال الأولي) بالمطلق، ومستوى وعي معارف المطلق من قبل النبي ونقلها إلى الناس. وبالاستناد لهذا التفكيك سيكون عليَّ فحص الدليل الذي ساقه النبي نفسه لإثبات صدق دعوى اتصاله بالمطلق، وهو دليل الإعجاز[2]، ثم فحص أهلية الوعي البشري، وسواء أكان وعيًا نبويًا أم عاديًا؟ لتلقي معارف المطلق ثم، نقل هذه المعارف إلى الناس.

تأتي أهمية الاقتصار على دليل الإعجاز من أنه دليل خال من الارتكاز على المسلمات الدينية، فقد ساق النبي هذا الدليل – في حال ثبت أنه ساقه[3] - وهو يحاول إقناع الملحدين بصدق دعواه.

إذن فهل تحققت ظاهرة الوحي؟

كما قلت، فإن مفهوم الوحي يشير إلى مستويين من مستويات الاتصال بين المطلق والنبي:

-       الأول: هو مستوى أولي من مستويات الاتصال بين النبي وبين المطلق يوفر أدنى مستويات تبادل الرسائل الاتصالية بينهما.

-       الثاني: هو مستوى مثالي من مستويات الاتصال يتضمن استقبال النبي لرسالة من المطلق تتضمن خلاصة خبرته المعرفية فيما يتعلق بالطريقة التي يجب أن يتبعها البشر في تسيير أمور حياتهم وفهم الأشياء من حولهم، وهذه الخبرة المعرفية يجب أن تتجاوز بمستويات هائلة الخبرة المعرفية البشرية، أي لدرجة تبرر إلزام النبي الناس باتباع تفاصيلها منذ زمن تبليغها لهم وإلى (يوم القيامة)، والسبب أنه ينقلها عن المطلق. أو إلى درجة تبرر العذابات التي سيتعرضون لها في حال أنهم تركوا تطبيق هذه الخبرة أو خالفوا بعض تفاصيلها خلال تطبيقها.

إزاء هذين المستويين من مستويات الاتصال سنفحص دعوى النبوة من جانبين: جانب ذاتي، يتعلق فقط بادعاء النبي أنه يستطيع الاتصال بالمطلق، مع غض النظر عن موضوع الرسالة التي يُكلف إيصالها إلى الناس بسبب هذا الاتصال، والغرض من هذا الجانب هو فصل الجانب الذاتي في دعوى النبوة عن الجانب الموضوعي، فدعوى النبوة ذاتية، وهي بالنتيجة لا يمكن اثباتها – وهو ما سيتضح لاحقًا – وليس هناك دليل على دعوى النبوة بهذا الإطار سوى دليل الإعجاز، وهو الدليل الذي سأتناوله في فحص إمكان تحقق المستوى الأول من مستويات الاتصال. هذا بالنسبة للجانب الذاتي من جوانب النبوة، أما الجانب الآخر وهو الجانب الموضوعي، فهو الجانب المرتبط بالمستوى الثاني من مستويات الاتصال، فهنا لدينا شيء آخر خارج إطار الذات، لدينا رسالة يشرح النبي تفاصيلها ويدعي أنها مرسلة من قبل المطلق وتمثل خلاصة آراء المطلق فيما يتعلق بالطريقة التي يجب على البشر إتباعها لتحقيق حياة مثلى. إذن فهنا ما يمكن فحصه، مما هو خارج الادعاءات الذاتية.

المستوى الأول من مستويات الاتصال

أما بالنسبة للمستوى الأول (الذاتي) من مستويات الوحي، فهو مستوى ذاتي لأنه يندرج في صنف الملكات التي يدعي بعض الناس امتلاكها ولكنهم لا يستطيعون إثباتها، كما هو الحال مع ملكة الشعر فالشاعر لا يستطيع أن يجعلنا نلمس شاعريته أو نراها أو نسمعها، لأنها قضية ذاتية بحتة، نعم هو يستطيع أن ينظم لنا قصيدة وهذه القصيدة ستثبت وجود الشاعرية ولا تكشف عنها بصورة مباشرة. وهذا هو حال النبي مع نبوته، فهو يحاول إثباتها بالمعجزة، لكن المعجزة هنا (مع الأسف) لا تشبه القصيدة من ناحية انسجامها مع الشاعرية، فالمعجزة لا تنسجم مع دعوى النبوة، ومن ثم فلا تستطيع النهوض بمهمة إثباتها. وهذا يعني بأن النبي لا يستطيع إثبات نبوته، لا بصورة مباشرة ولا بصورة غير مباشرة.

أما بالنسبة للرسالة وبما تتضمنه من كتب سماوية وبراهين إلهية وقوانين وما إلى ذلك فسأتناولها في المستوى الثاني من مستويات الوحي؛ لأنها متعلقة بالمستوى الثاني من مستويات الاتصال.

المعجزة لا تثبت النبوة لأنها تواجه ثلاث عقبات يصعب عليها تجاوزها كلها من أجل أن تحقق وعدها باثبات ما جاءت لإثباته:

العقبة الأولى: أن المعجزات أحداث وقعت قبل آلاف السنين، أي في وقت لم يكن فيه الناس يوثِّقون الأحداث المهمة التي تجري أمامهم بشكل علمي دقيق، أي أن المؤثرات العاطفية والآيديولوجية والسلطوية، تؤثر في نقل الحدث، ومن ثم التقليل من شأنه أو تضخيم هذا الشأن. أي أننا يجب أن لا نركن للروايات التاريخية التي تتحدث لنا عن وقوع المعجزات[4]، لأننا إذا فعلنا ذلك سنكون ملزمين بتصديق جميع الأساطير والخرافات التي تتحدث عن الأعمال الخارقة التي قام بها أبطال الأمم السابقة. وبما أننا لا نصدق بالأساطير التي تتحدث عن الأعمال الخارقة التي قام بها كلكامش لمجرد أنها مكتوبة على الألواح السومرية، فيجب علينا ألا نصدق الروايات المشابهة لها، لأن الموضوع واحد وليست هناك مبررات كافية للتفريق في عملية الحكم بين الأعمال التي قام بها كلكامش، وبين تلك التي قام بها أي من الأنبياء الآخرين، كإحياء الموتى أو شق البحر أو المعجزات الكثيرة التي تحتفظ بها الكتب التي تتحدث عن معجزات محمد.

العقبة الثانية: أن المعجزات ليست أحداثًا تاريخية عادية، بل هي أحداث خارقة للطبيعة وجارية في سياق إثبات دعوى النبوة، التي هي دعوى تحكَّمت، ولا زالت تتحكم، بمصائر الشعوب، ما يعني بأننا بحاجة إلى ناقل يكون دقيقًا، لا فيما يتعلق بنقل الحادثة وحسب، بل وبتأكيد خرقها لقوانين الطبيعة[5]، وهذا لا يتيسر لأي مؤرخ، في حال كان هناك مؤرخ في تلك الأزمنة القديمة.

فبالنسبة لمعجزة إحياء الأموات مثلاً، نحن بحاجة لنوعين من الوثائق التاريخية: النوع الأول هو نتائج فحوص قام بإجرائها أطباء ذوي خبرة يؤكدون لنا خلالها بأن الميت الذي تمت عملية إحيائه، قد تم فحصه من قبلهم وتبين أنه ميت بما لا يدع مجالاً للشك، فهو ليس فاقدًا للوعي بل ميت بشكل تام. أما النوع الثاني من الوثائق فهي الوثائق التي يتركها المؤرخون المحترفون، التي تؤكد حصول واقعة إحياء الميت.

ومنشأ الحاجة إلى مثل هذه الوثائق الدقيقة إننا بمواجهة التثبت من قضية غاية بالدقة والأهمية، هي قضية حدوث عملية الوحي، التي هي عملية تم خلالها انتقال رسالة من المطلق إلى البشر، وهذه العملية بحد ذاتها تعد قضية خطيرة فبسببها أبيدت أمم وسحقت مصائر، وما زالت تفعل فعلها في حاضرنا ومستقبلنا، الأمر الذي يجعلنا مطالبين بتأكيد أو نفي حدوثها بشكل دقيق.

كيف يمكن لنا أن لا نوافق على نقل الأموال من ملكية شخص ميت إلى ملكية ورثته من الأحياء إلا بعد أن نلزمهم بتقديم وثائق تثبت بما لا يقبل الشك كونهم الورثة الوحيدين له؟ مع أن الموضوع يتعلق بأموال تافهة، ثم لا نتعامل بنفس الدقة مع موضوع تعلق ويتعلق بمصائر الأمم؟

الموضوع نفسه ينطبق على المعجزة التي تتعلق بعصا موسى وتحولها إلى ثعبان، فهنا نحن بحاجة إلى من ينقل لنا وجهة نظر السحرة، فهم شهود مهمون في هذا الإطار، شهود ينقلون لنا وجهة نظر تختلف عن تلك التي نقلها أتباع موسى من اليهود، فشهادة اليهود مقدوح بها لأنها تمثل شهادة جانب المدَّعي وليس الخصوم في الدعوى.

إذن وإزاء هذه العقبة لا نستطيع أن نتعامل مع الحكايات التي تتحدث عن وقوع المعجزات كما نتعامل مع الوثائق الدقيقة؛ لأنها في الحقيقة ليست وثائق ولا هي دقيقة في إثباتها لوقوع الحوادث من جهة، ولكونها شكلت خرقًا للطبيعة من جهة أهم. هذه الوثائق تشبه إلى حد كبير الألواح السومرية التي تتحدث عن الأحداث الخارقة التي قام بها كلكامش.

العقبة الثالثة: وهي الأهم، أن المعجزات أدلة أجنبية عن الدعوة التي تساق لإثباتها، ما يعني أن المعجزات أدلة لا تكفي لإثبات النبوة. المعجزات – في حال أنها وقعت – تثبت بأن الأنبياء يستطيعون أن يفعلوا أفعالاً تتجاوز المألوف أو تشكل خرقًا لنواميس الطبيعة، لكن خرق المألوف شيء والنبوة شيء آخر.

بعبارة أخرى: كان على الأنبياء أن يقدموا أدلة تثبت نبوتهم، لأن المعجزات تثبت فقط إنهم كانوا قادرين على فعل الأشياء الخارقة. ومهما فعل الإنسان أفعالاً خارقة فأن عليه إذا أراد أن نصدق بأنه نبي أن يثبت بدليل معقول ارتباط القدرة على فعل الخوارق بالنبوة وحدها[6].

مثل الأنبياء في هذا السياق كمثل من يدعي بأنه من سكان كوكب زحل (مثلاً)، ويطالب لهذا السبب بامتيازات مكلفة وكثيرة، وعندما يطالبه الناس بدليل يثبت أنه من سكان كوكب زحل ليستحق تلك الامتيازات فأنه يكتفي بتحقيق أمر خارج عن المألوف أمامهم، كأن يلين أمامهم الحديد أو يحيي ميتًا أو يشق البحر. والحقيقة أن أيًا من هذه الأدلة لا يثبت بأنه من سكان كوكب آخر. لأنها أدلة أجنبية عن الدعوى وغير قادرة على اثباتها، ولذلك سينقسم الناس إزاء هذه الأدلة قسمين:

-       الأول: سيصدق به ويعتبر أن الأدلة كافية ومناسبة، وهذا القسم يمثل عامة الناس ممن لا يمتلكون قدرة نقدية تؤهلهم فحص مواضيع الإدراك فحصًا موضوعيًا خالصًا من المؤثرات العاطفية. ومثل هؤلاء يكون إيمانهم مجانيًا إلى درجة كبيرة.

-       الثاني: سيكذب هذا المدَّعي ويطالبه بأن يأخذهم إلى كوكب زحل لو كان صادقًا، لأنهم سيعتبرون أن الأفعال الخارقة للمألوف التي قام بها تثبت بأنه قادر على فعل الأشياء غير المألوفة فقط، ولا تثبت أنه من كوكب زحل، فقد يكون على معرفة بقوانين جديدة للفيزياء، أو قد يكون ذا قدرة كبيرة على الإيحاء للناس والتأثير بهم. ولذلك يبقى الدليل الوحيد الذي يناسب الدعوى ويثبتها هو أن يسافر بهم إلى زحل.

هناك بعد كبير وعدم مناسبة بين دعوى النبوة وبين الدليل الذي تقدمه المعجزات، ومثل هذا الفرق لا يمر إلا على البسطاء من الناس، أولئك الذين لا يمتلكون وعيًا نقديًا يؤهلهم التمييز بين الدليل المناسب وغيره من الأدلة.

كيف يمكن لنا أن نصدق ادعاء رجل ما، بأنه جراح بارع في جراحة العيون، لمجرد قدرته على الطيران، أو قدرته على نفخ النار، أو حتى قدرته على نظم قصيدة من ألف بيت يشرح فيها تفاصيل طب العيون! كيف؟

القدرة على الطيران تثبت القدرة على الطيران ولا تثبت التخصص بطب العيون، وكذلك الحال بالنسبة للقدرة على نفخ النار، فهي الأخرى لا تثبت التخصص. أما الألفية فستثبت شاعرية ناظمها وامتلاكه معلومات كبيرة بمجال جراحة العيون ولا تثبت غير ذلك. أما الدليل الذي يثبت الاختصاص في جراحة العيون فهو العملية الجراحية الناجحة التي تُجْرى أمام شهود لعين مصابة. فهذا الدليل لا يكذبه إلا معاند. أما الأدلة الأخرى فلا يقبل بها إلا متعاطف أو مستفيد أو جاهل.

هذه الحقيقة تذكرني بأهل مكة ممن واجهوا النبي بتهمة الشعر أو السحر والشعوذة، فقد يكون بعض هؤلاء من المرجفين، ممن لا هم لهم إلا تسفيه آراء الآخرين حسدًا أو جهلاً أو حقدًا، لكن قد يكون بعض منهم أولي رؤية نقدية. هناك من أهل مكة من اتهم النبي بأنه شاعر، وربما أن هؤلاء لم يجدوا في القرآن دليلاً كافيًا لإثبات النبوة، لأن القرآن يدل على أن محمد شاعر أو أديب فقط. ومن أهل مكة من اتهم النبي بالسحر والشعوذة ويبدو أن هؤلاء كانوا بمواجهة أفعال خارقة للمألوف وهي عندهم تدل على قدرات سحرية فقط.

نفي النبوة باثباتها

كان أصحاب تهمتي الشعر والسحر يطالبون النبي بأن يثبت النبوة بدليل مرتبط بدعواها، والدليل الأكثر كفاية هو أن يعيد أمامهم تكرار عملية الاتصال بالمطلق. ولأن الاتصال ذاتي، بمعنى أنه متعلق بأحاسيس ومشاعر النبي، فهذا سيؤدي إلى أن يُلزم النبي بتعريض كل فرد منهم لتجربة تجعله يشعر بالنبوة، وهذا ما لا سبيل إلى تحقيقه، لأنه خارج عن قدرات النبي، ولأنه سيؤدي إلى تمكن جميع الناس من تحقيق شروط الاتصال بالمطلق، وهو ما ينفي الحاجة إلى النبي.

عجز المعجزات عن إثبات تحقق النبوة وحاجة النبي لتكرار عملية الوحي يؤكد أن إثبات النبوة يتضمن نفيًا لها بشكل مباشر. فمما لا شك فيه أن النبوة تقوم على نحو من أنحاء تمييز النبي لنفسه عن بقية البشر، بمعنى أن دعوى النبوة، التي هي دعوى مباشرة يدعيها النبي، تتضمن دعوى غير مباشرة لا يجاهر بها، وهي دعواه بأنه مميز عن باقي البشر إلى درجة تؤهله للتواصل مع المطلق دونًا عنهم، الأمر الذي يؤدي إلى أن النبي الذي يريد أن يثبت دعواه من خلال تعريض الآخرين لتجربته نفسها التي مر بها سينفي عنه التميز، فكل هؤلاء الذين يمرون بنفس تجربته سيتحولون إلى أنبياء، ما ينفي حاجتهم إليه وإلى نبوته.

عندما يريد عالم ما، أن يثبت تتمدد المعادن بالحرارة فلن يتردد عن جلب قطعة معدنية وقياس طولها وهي باردة ثم تعريضها للحرارة وقياس طولها بعد ذلك، والسبب أن العالم يفكر بشكل علمي صرف، ويعرف بدقة أن إثبات الادعاءات يجب أن يكون عن طريق أدلة لا تكون أجنبية عنها. أما لو تخلى العالم عن إثبات دعواه بإجراء التجربة بشكل مباشر وقرر بدلاً عن ذلك أن يكتب كتابًا مطولاً يشرح به مبررات اعتقاده، فإنه – ومهما كان كتابه دقيقًًا وشرحه وافيًا – لن يكون قد أنجز غير نظرية تدعي أن المعادن تتمدد بالحرارة، وهذا يعني بأنه لن يكون قد تقدم خطوة واحدة إلى الأمام، لأن دعواه وبعد تأليفه الكتاب تحولت إلى نظرية، والنظرية تحتاج إلى دليل يثبت صدقها، وهذا الدليل ينحصر بجلب قطعة المعدن وتعريضها للحرارة.

نوع الأدلة الذي يستطيع أن يثبت النبوة كان قد طالب به بنو إسرائيل موسى، بحسب الرواية القرآنية، عندما قالوا له أرنا الله جهرة. فهؤلاء المطالبون كانوا أكثر واقعية في فحصهم لنبوة موسى من بقية اليهود، لقد طالبوه بدليل لا يكون أجنبيًا عن جنس دعواه. فمعجزات موسى كلها ليست ذات قيمة على صعيد إثبات دعوى نبوته لأن ليس لها علاقة مباشرة بإثبات هذه النبوة.

إذن المستوى الأول من مستويات الاتصال بالمطلق – التي يشير إليها مفهوم الوحي أو دعوى النبوة – لا يمكن إثباته؛ لأننا نكون بمواجهة إنسان يعتقد بأنه يتصل بالمطلق ويتبادل معه رسائل معرفية، والمشكلة تكمن بأن هذا الاتصال يحدث في إطار ذاتي بحت، بمعنى أنه عبارة عن مشاعر يشعر بها النبي وأحاسيس يحسها، وهذا يعني بأننا سنكون في مواجهة شخص هو أقرب للمصاب بالفصام الذهني منه إلى النبي؛ لأن الذي يتعامل مع واقع غير موجود إلا بالنسبة له هو، لا يمكن أن يحكم عليه الآخرون بأنه إنسان سوي. والحكم على من يدَّعي النبوة بأنه مصاب بنوع من أنواع الفصام ليس حكمًا تعسفيًا ولا يتضمن أية غايات تسيء للنبي؛ كل ما في الأمر هو أن هذا الحكم هو الأقرب للمنطق العقلي السليم، وهو الحكم الذي سيحكم به أي مختص بعلم النفس إزاء أي شخص يدعي بأنه يرى – أو يدرك أو يشعر بـ - أشياء لا يراها الآخرون، ما لم يقدم دليلاً كافيًا على وجود هذه الأشياء.

كل منا سيحكم بالفصام على أي شخص يدَّعي أمامه دعوى قريبة من دعوى النبوة، وعلى مر التاريخ جوبه أكثر الذين يدَّعون دعوات مشابهة بالتكذيب، كما هو الحال مع جميع من ادعى بأنه المهدي من المسلمين، وكما حصل في العراق في إطار ما سمي بـ(أحداث الزركة)، حيث وقعت خلالها معركة بين القوات المسلحة العراقية وبين مجموعة من الملتفين حول شخص ادعى بأن لديه نحوًا من أنحاء الاتصال بالإمام المهدي[7]، والمهم بالموضوع أن المعركة التي راح ضحيتها الكثير من المدنيين من أتباع هذا الداعية لم تلق معارضة من قبل المؤسسة الدينية الشيعية في النجف، مع أنها معنية بالموضوع من جهتين، الأولى أن الضحايا شيعة، والثانية وهي الأهم، أن الدعوة تقع في سياق عقيدة الإمام المهدي وهي عقيدة أساسية بالنسبة للشيعة، بمعنى أن الشيعة يصدقون ببقاء الإمام المهدي حيًا وبذلك يكون احتمال وجود ممثل أو نائب عن هذا الإمام احتمالاً واردًا بالنسبة لهم، ولذلك سنكون بمواجهة سؤال مهم: (لماذا لم تتحرك المؤسسة الدينية الشيعية العراقية اتجاه فحص مدى صدق مدَّعي هذه الدعوى؟) السبب واضح بالتأكيد، وهو أن مثل هذه الدعاوى لا تلق آذانًا صاغية لدى المؤسسات العلمية ولدى النخب المثقفة، لأنها دعوى غير قابلة للتصديق، وهذا يعني أن سلوك المؤسسة الدينية – وهي تستبعد أي احتمال في أن يكون داعية (الزركة) صادقًا – كان أقرب إلى سلوك مشركي قريش منه إلى سلوك أوائل المؤمنين بدعوى النبوة، وهذا يعني بأن أغلب من سارع إلى الإيمان بنبوة محمد كانوا أشخاصًا لا علميين تمامًا.

عندما لا يملك صاحب الدعوى التي تنطلق عن – أو تستند إلى – أسس ذاتية، غير صدقه دليلاً على دعواه فيجب عليه ألا يعتب على من يشك به، لأنه هو نفسه إذا وضع بنفس الموقف سيسلك نفس السلوك، وهذا ما حدث مع مسيلمة الذي ادعى النبوة في زمن محمد وحكم عليه محمد بأنه كذَّاب. ولم يكن حكم محمد قاسيًا بقدر ما أن حكم المؤمنين بنبوة محمد والمؤمنين بنبوة مسيلمة كان حكمًا متساهلاً لأنه لم يطالب ببراهين تكفي لإثبات النبوة.

بالنسبة لمحمد كان مسيلمة كاذبًا لأنه غير قادر على إثبات دعواه، لأنها دعوى ذاتية، وهذا لا يستلزم بأن محمد كان ظالمًا لمسيلمة بالضرورة، ولا يستلزم أن محمدًا، وخلال تكذيبه مسيلمة، كان يمارس ازدواجًا ما، أبدًا، فمحمد مؤمن بنبوته هو لأنه يعتقد بوجودها هو يشعر بها ويدركها بوجدانه[8]، وهذا يعني أن تصديقه بنبوته واصل حدَّ اليقين. فأنت لا تستطيع أن تقنع إنسانًا يشعر بالسعادة بأنه لا يشعر بها، لأن الدليل الذي ينبع من الوجدان يصل حد اليقين، ما يعني بأن محمد شعر بنبوته فكان متيقنًا بها، ولا يحتاج إلى دليل يثبتها لنفسه. لكنه في الوقت ذاته لا يشعر بنبوة مسيلمة، بالتالي لم يكن أمامه غير مطالبة هذا الأخير بدليل يثبت دعواه. ولأن النبوة لا يمكن اثباتها، ذهب محمد تجاه الحكم الصائب، وهو: (مسيلمة كذاب وليس نبيًا).

المستوى الثاني من مستويات الاتصال

في المستوى الثاني من مستويات الاتصال التي يشير إليها مفهوم الوحي أو دعوى النبوة نكون بمواجهة إنسان يدَّعي بأنه ينقل لنا خلاصة خبرة المطلق المعرفية فيما يتعلق بالطريقة التي يجب أن يتبعها البشر في تسيير أمور حياتهم وفهم الأشياء من حولهم. وهذه الدعوى فضلاً عن حاجتها إلى الارتكاز على دليل غير دليل الإعجاز فإنها ستكون بحاجة إلى إثبات من نوع آخر، نوع يتعلق ببحث قدرة الوعي البشري على تلقي معارف المطلق. فكما هو واضح أن هذا المستوى من مستويات دلالات مفهوم الوحي يتضمن ثلاثة ادعاءات غير مباشرة هي:

-       الادعاء الأول هو: قدرة النبي على تحقيق شروط الاتصال الأولي بالمطلق.

-       الادعاء الثاني هو: قدرة النبي على تحقيق شروط الاتصال (المثالي) ما يؤدي لاستيعابه الرسالة، والرسالة تتضمن بالتأكيد خبرة المطلق المعرفية، وهي خبرة يشترط فيها أن تكون متجاوزة لخبرات البشر المعرفية بمستوى لا يمكن قياسه.

-       الادعاء الثالث هو: قدرة النبي على نقل الخبرة التي اكتسبها من المطلق إلى عموم الناس ممن توجب عليه إيصالها لهم.

بالنسبة للادعاء الأول فقد أتضح بأنه كادعاء لا يمكن لنا فحصه، لأنه ادعاء ذاتي، كما أن النبي غير قادر على إثباته، إلا بوساطة دليل واحد، لكن هذا الدليل يتنافى مع النبوة فضلاً عن أنه دليل غير متاح للنبي[9].

أما بالنسبة للادعاء الثاني، فهو ادعاء يتضمن فضلاً عن دعوى الاتصال مع المطلق، دعوى أخرى، هي: امتلاك النبي لمنظومة وعي تؤهله لاستيعاب خبرة معرفية من المطلق، وهذه ما يمكن فحصه، لأنه ادعاء غير ذاتي، فهو يتعلق بمنظومة الوعي البشرية، ونحن – بصورة ما – نستطيع أن نفحص هذه المنظومة ونخرج بحكم يتعلق بقدرتها على استيعاب التجارب المعرفية التي تقع خارج إطار تجربتها البشرية، من جهة، ومن جهة أخرى نستطيع أن نفحص الرسالة التي جاءت بها هذه المنظومة نقلاً عن المطلق ونقرر مدى تضمنها لخطاب يتضمن معرفة تتجاوز المعرفة البشرية بمستوى يؤهلها لتكون معرفة نازلة من الإدراك المطلق.

الادعاء الثالث هو الآخر يمكن فحصه، لأنه يتعلق بعموم الناس الذين تعاملوا مع الرسالات السماوية، فهؤلاء الناس ومن خلال التاريخ يمكن فحص طرق تعاملهم مع هذه الرسالات ومدى استيعابهم لها.

فحص الادعاء الثاني

الاتصال هو عملية يتم خلالها انتقال رسالة أو رسائل من طرف المرسل إلى طرف المستقبل، وهذه العملية تتوقف على تحقق شروط يأتي بمقدمتها أن تكون هناك أدوات يمكن من خلالها تحقيق عملية الاتصال وانتقال الرسائل، وتأتي اللغة لتكون الأداة الأهم في هذا الإطار، فمن دون اللغة لا يمكن أن تتحقق عملية الاتصال. لذلك نجد أن الأفراد الذين يتكلمون لغات مختلفة يعجزون عن تحقيق الاتصال، إلا في حال لجوئهم إلى لغة الرمز أو لغة الإشارة، وهي لغة مشتركة بينهم، ما يعني بأنهم لم يحققوا عملية الاتصال إلا بعد تحقيقهم شرط اللغة.

من المعروف بأن محمد كان يتكلم اللغة العربية، ما يعني بأن الاتصال به غير ممكن إلا عن طريق هذه اللغة، ولذلك جاء القرآن باللغة العربية، فهل اللغة العربية – وبوصفها أداة التواصل التي تم اعتمادها بين المطلق والنبي – أداة قادرة على تحقيق شروط اتصال بهذا الحجم وهذه الأهمية؟

قبل المباشرة بالإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من الوقوف عند مفردة مهمة، وهي أن اللغة، أي لغة، ما هي إلا أداة من أدوات منظومة الوعي الذي يستخدمها، لكنها الأداة الأهم في أي منظومة وعي بشرية. فالوعي البشري يفكر من خلال اللغة، ولا يستطيع أن يفكر خارج إطارها أو خارج إطار المفاهيم التي ترتبط بها بشكل مباشر وتام. هناك ارتباط تام ومباشر بين اللغة والتفكير والفهم والإدراك، وهذا الارتباط يقع في الصميم من الأسئلة التي نحن بصدد الإجابة عنها.

منظومة الوعي البشرية

من الواضح أن البشر يستخدمون في عمليات الاتصال فيما بينهم جملة من الأدوات، فهم يستخدمون، مثلاً: الكلام، اللغة[10]، المفاهيم، الرموز، والإشارات، وهكذا. وهذه الأدوات عبارة عن (مصنوعات) بشرية، بمعنى أن الإنسان عمل خلال تجربته التاريخية الطويلة على صناعة وتطوير هذه الأدوات بشكل تدريجي وعبر آلاف السنين. والأهم من ذلك كله أن هذه الصناعة تنطوي على عملية تحقيق الحاجات الفعلية لدى البشر.

بعبارة أكثر وضوحًا: إن البشر لم يصنعوا أدوات الاتصال التي تخصهم ولم يطوروها إلا وفقًا للحاجات التي تطرأ عليهم وتدفعهم لصناعة أو تطوير تلك الأدوات. البشر لم يتوصلوا لعملية صياغة مفهوم الشجرة المجرد إلا عبر رحلة طويلة من السنين استغرقها الوعي البشري وهو يعمل على تجريد مفهوم الشجرة من كل التفاصيل التي تميز الأشجار بعضها من بعض ليخرج بمفهوم يناسب الأشجار كلها من جهة، ويفصلها عن باقي الكائنات الحية على وجه الأرض من جهة أخرى. وهذا الوعي لم يكن ليتكلف عناء هذه الرحلة لولا حاجته الضرورية لها، فما كان للبشر أن يتواصلوا فيما بينهم دون أن ينجحوا بتجريد المفاهيم المتعلقة بمفردات المحيط الذي يعيشون فيه، باعتبار أن هذا التجريد يساعدهم بشكل فعال على خلق القاعدة الأساسية التي يجب أن تنطلق منها اللغة التي سيستخدمونها من أجل تحقيق عملية الاتصال.

بعد عملية تجريد المفهوم تأتي عملية صياغة المفردة الناقلة له[11]، وهكذا. وهذا يعني بأن عملية صناعة المفردة والمفهوم مرتبطة بشكل مباشر بحاجة البشر لهذه الصناعة، فالصناعة ليست مقصودة بحد ذاتها، إنما هي وسيلة لتحقيق غاية التواصل. لذلك نجد أن عدد المفاهيم يختلف بين مختلف الثقافات البشرية، وهذا الاختلاف مرتبط بشكل مباشر باختلاف البيئة المحيطة بكل من هذه الثقافات على حدة. ومن هنا يتأكد موضوع عدم قدرة الوعي البشري على التفكير خارج نطاق دائرة المفردات والمفاهيم المرتبطة بها. فعندما تريد أن تتحدث عن موجود من الموجودات المحيطة بالإنسان عليك أن تختار المفهوم الذي يمثل هذا الموجود ويشير إليه، وبالتالي فإن استخدام أي مفهوم آخر سيجعل عملية الحديث عقيمة. لا يمكن أن تحدث إنسانًا ما عن الشجرة وأنت تستخدم مفردة (أسد) مثلاً، أو حجر، أو قطرة ماء، فكل هذه المفاهيم لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى الشجرة. هذا فيما يتعلق بالأشياء التي يعرفها الإنسان، أي الأشياء الموجودة حوله أو التي سمع بها أو رآها بشكل ما. لكن ماذا يمكن أن تفعل إذا أردت أن تحدث إنسانًا ما عن شيء لم ير له مثيلاً أبدًا ولا سمع عن شيء يشابهه لا من قريب ولا من بعيد؟

الجواب هو أنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء، ببساطة أنت لن تنجح أبدًا بإيصال وجهة نظرك عن هذا الشيء لأي إنسان لا يعرف عنه أي تفصيل من تفاصيله.

لنتخيل أننا رجعنا في الزمن إلى الماضي، بالتحديد إلى إنسان العصر الحجري، وكانت الغاية من رحلة الرجوع تلك هي تعليم ذلك الإنسان معنى مفهوم الكومبيوتر[12]. فكيف يمكن لنا أن نحدث ذلك الإنسان عن الكومبيوتر؟ طبعًا المفردة لن تعني له أي شيء، مفردة (كومبيوتر) لا تساوي أي شيء بالنسبة لإنسان العصر الحجري، لأنها مفردة غير موجودة في قاموسه اللغوي. وبالتالي فمهما كررنا اللفظة على مسامعه فلن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام على صعيد مهمتنا. إذن فعلينا أن ننتقل لموضوع الاستعارة، علينا أن ننتخب جملة من مفردات قاموس ذلك الإنسان تستطيع أن تشكل صورة توضح له معنى (كومبيوتر).

على هذا الأساس فقد نحدثه عن المرآة السحرية التي تستطيع أن تظهر له كلمات بشكل مستمر تنقل له مشاعر وأحاسيس معارفه ممن يعيشون بالقرى البعيدة. سنقول له بأن الكومبيوتر الذي نتحدث عنه يشبه المرآة السحرية التي تتحدث عنها الكثير من الأساطير، لكن لهذه المرآة فوائد محددة تتعلق بالإجابة عن بعض الأسئلة. وشرح بعض الأمور المعقدة وإنجاز الكثير من الأشغال التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية... وهكذا. وبعد هذا الجهد سنعتقد بأن المهمة تمت على أحسن وجه، ونقرر العودة إلى زمننا الحالي مطمئنين، لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فنحن لم نشرح لذلك الإنسان أي شيء يتعلق بموضوع الكومبيوتر، لقد حدثناه عن نوع من أنواع المرآة السحرية فقط، نحن لم نحدثه عن غير ذلك، لا بل المشكلة أن هذا الإنسان الذي ربما كان يشك بوجود هذه الخرافة سيصدق بها بما لا يقبل الشك، وسنكون قد ارتكبنا خطأ فادحًا بحقه.

جميع المحاولات التي تستهدف شرح مفهوم الكومبيوتر للإنسان القديم لن تفلح، لأن لغة ذلك الإنسان ومنظومة مفاهيمه لا تحتوي على مُعادِلات لغوية ومفهومية تستطيع أن تنجز عملية الشرح هذه. حتى لو أننا اعتقدنا جدلاً أن مهمتنا انجزت على خير وجه، فماذا سنفعل لو طلب منا أن نشرح لذلك الإنسان مفهوم الكون الأحدب، أو أن نبسط له النظرية النسبية.

القصد أن منظومة وعي البشر تستقبل المعلومات من خلال (دائرة استقبال) وهذه الدائرة مكونة من مجموعة من المفاهيم، وأية معلومة لا يكون في دائرة الاستقبال مقابل لها من المفردات والمفاهيم يستطيع أن يصنع صورة ذهنية مفهومة عنها، فإن عملية استقبالها ستكون مشوشة أو غير ممكنة. فكيف يمكن لنا أن نقرب لإنسان ما قبل التاريخ معنى النظرية النسبية؟

بالتأكيد إننا لن نستطيع ذلك ومهما كان الفرد الذي نحاول إفهامه معنى النسبية ذكيًا ولماحًا، فالموضوع متعلق بعجز دائرة الاستقبال لديه عن توفير حوامل قادرة على نقل المعاني التي نريد إيصالها له، ما سيضطرنا في النهاية إلى استخدام نفس المفاهيم والمفردات اللغوية التي تحتوي عليها دائرة استقباله، وستكون نتيجة الشرح التي نقوم بها أقرب للتشويه منها للتبسيط.

هذه النتيجة تجرنا مباشرة لحقيقة مهمة جدًا على صعيد قدرة الوعي البشري على تحقيق قفزات هائلة فيما يخص استقبال معلومات ومعارف جديدة تمامًا عليه[13]. فهذه القفزات غير ممكنة لأن منظومة الاستقبال ستكون مشلولة أمامها بسبب عجز قاعدة المفاهيم الموجودة داخلها عن توفير معادلات كافية من المفاهيم تستطيع أن تساعد على عملية استيعاب تلك القفزات. وهذا ما سيجعلنا عاجزين عن تحقيق مثل هذه القفزة المعرفية بالنسبة لإنسان ما قبل التاريخ من خلال شرح النظرية النسبية له، والسبب هو أن منظومته الإدراكية لا تحتوي على مفهومي (نسبي/مطلق) فضلاً عن زخم هائل من المفاهيم التي سنكون بحاجة إليها ونحن نشرح النظرية النسبية، كمفاهيم (سرعة الضوء، السنة الضوئية، الزمكان، البعد الرابع... إلخ).

وهذا العجز نجد صداه في آيات القرآن التي تحاول أن تنقل طفرة معرفية من خلال تصديها لتصوير القدرة المطلقة، فالآيات التي حاولت أن تصور (نور الله) بدت عاجزة عن الخروج من ضائقة المفاهيم البشرية الضيقة والمحصورة بخبرة البشر، وهي إذ تحاول أن تعطي صورة مضخمة للنور الإلهي نجدها في النهاية عاجزة عن الخروج بصورة هذا النور عن صورة المصباح الذي كان يستخدمه أهل الجزيرة العربية في إضاءة بيوتهم، فهي تقول: "مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور"[14].

لاحظ أن المفاهيم المستخدمة في عملية التفسير هي المفاهيم الموجودة في وعي المتلقي: (نور، مشكاة، مصباح، زجاجة، كوكب دري، شجرة مباركة، نار). وهذه المفاهيم عملت على تشويه المعرفة المُدَّعى نقلها عن المطلق، لأنها نزلت بهذه المعرفة لحدود المعرفة البشرية المألوفة، وبذلك فشلت عملية رفد الوعي البشري بمعلومات جديدة – تتعلق بقدرة الله ومدى سطوع نوره – لم يعرفها سابقًا، وهذه التجربة تشبه المثال الذي طرحناه حول تعليم الإنسان القديم معنى الكومبيوتر، ففي نهاية المطاف اضطررنا أن نحدثه عن المرآة السحرية وليس عن الكومبيوتر، وفي الآية اضطر القرآن للحديث عن المصباح وليس عن المطلق. هناك حولنا الكومبيوتر إلى مرآة وهنا حولنا المطلق إلى مصباح، فأين الزيادة المعرفية المتحققة؟!

لا يمكن لأي طفل ومهما امتلك عقلاً خارقًا أن يستوعب معارف البشر خلال سنواته الأولى، فالأمر لا يتعلق بالذكاء الخارق، ولكن ببنية المفاهيم التي تحتاجها منظومته الإدراكية من أجل تكوين جهاز استقبال المعلومات والمعارف الخاص بها، لذلك يستمر الطفل ببناء هذا الجهاز طوال سنوات طفولته بل وحتى سني مراهقته.

على أساس ما تقدم نستطيع أن نقول بأن الإنسان الذي يقف بمواجهة الوعي المطلق سيكون عاجزًا عن استيعاب أية معرفة من معارف هذا المطلق تكون قادرة على تحقيق طفرة زمنية كبيرة. وكل ما يمكن أن يعيه لا يخرج عن التعديلات المحدودة على معارفه التي اختزنها من خلال تجاربه التاريخية. وهذه التعديلات لن تخرج عن إطار التعديلات التي يمكن أن يحققها الإنسان نفسه وبدون مساعدة وعي خارق. لأن الوعي الخارق وكما قلت سابقًا سيعجز عن التفاهم مع الوعي البسيط للإنسان.

وهنا نستطيع أن نعود إلى السؤال المتعلق باللغة العربية، باعتبار أنها اللغة التي استخدمها النبي في استقبال المعرفة من المطلق، فهذه اللغة عاجزة بسبب افتقارها للمفاهيم التي تستطيع أن تستوعب القفزة الكبيرة التي يحققها الاتصال مع المطلق. وهذا العجز عام ويشمل جميع اللغات باعتبار أن تطور اللغات خاضع لتطور الحضارة البشرية، من جهة، وخاص يقتصر على اللغة العربية باعتبارها لغة أقوام تعتبر متخلفة بالنسبة للحضارات المجاورة لها، كالحضارة المصرية والصينية والهندية والإيرانية.

فحص الادعاء الثالث

لو سلمنا بأن وعي النبي خارق لدرجة تمكنه من الاستغناء عن المفاهيم المتعارفة في زمنه وعن مفردات اللغة العربية المحدودة، لو سلمنا بأن المطلق الذي انتخبه من بين البشر قد وهبه قدرة من نوع ما، للتواصل معه ومن ثم لاستيعاب كم من المعارف يحقق طفرة معرفية تنفع البشر. لكن مع هذا التسليم ستكون الطفرة المعرفية غير ممكنة، لأن المعارف التي اكتسبها النبي ستبقى حكرًا عليه، لأنه لن يستطيع أن ينقلها إلى بقية بني البشر، إذ إنه سيكون بمواجهة العقبات التي تحدثت عنها تحت العنوان السابق، أي العقبات المتعلقة بعجز منظومة الوعي البشرية عن التعامل مع معرفة تتجاوز قدراتها الادراكية المرتبطة بجهاز استقبال المعلومات المحدود لديها.

إذا أراد النبي أن ينقل المعارف التي حصل عليها، بسبب امتلاكه قدرة خارقة على استيعاب المعارف، إلى بقية البشر فسيكون بحاجة إلى بشر يمتلكون نفس قدرته الخارقة على الاستقبال. وهذه الحقيقة يكشف عنها تاريخ الإسلام وبقية الديانات الأخرى، فهذا التاريخ يسرد وبشكل مكثف العراقيل والعقبات التي تعرض لها الأنبياء بسبب سوء الفهم، وسوء الفهم هذا لم يقتصر على معارضي هؤلاء الأنبياء بل والمؤمنين بهم أيضًا، ولذلك انقسمت الأديان إلى مذاهب، وتعدد المذاهب ناشئ من تعدد التفسيرات المقدمة لطروحات النبي[15].

بل إن مبرر نسخ الرسالات الذي تقدمه الأديان السماوية لتبرير اصطفاء عدد كبير من الأنبياء يثبت هذه الحقيقة. فنسخ الرسالات السماوية جاء بمبرر أن هذه الرسالات تعرضت للتحريف من قبل المؤمنين بها، وهذا التحريف، في الأعم الأغلب منه، غير مقصود وناشئ عن سوء الفهم، وسوء الفهم هذا هو الذي أقصده وأنا أقول بأن النبي صاحب الوعي ذو الاستقبال الخارق سيكون عاجزًا عن نقل المعارف التي أخذها عن المطلق إلى بقية البشر لأنهم لا يمتلكون قدرته الخارقة على الاستقبال.

هناك عجز يعاني منه أي نظام اقتصادي يؤسس وفق الفقه الإسلامي، وهذا العجز ناشئ من أن النصوص المعتمدة من قبل هذا الفقه هي نصوص تتعامل مع واقع اقتصادي متخلف، أي واقع الجزيرة العربية أيام البعثة، النصوص الإسلامية تعالج شؤون اقتصادية محصورة بمفاهيم التمر والزبيب والأبل والأغنام وما إلى ذلك، وهي تدور في فلك الراعي وماشيته، والفلاح وغلته، وقاطع الطريق أو المحارب وغنائمه. ومثل هذه المنظومة الاقتصادية لا تستطيع أن تتعامل مع الواقع الاقتصادي المعقد الآن، لأنها ستكون مخيرة بين الإبقاء على دقة الرؤية (الشرعية) من خلال استنباط الأحكام من داخل النصوص المعترف بها فقط، وعندها ستنجز نظامًا اقتصاديًا معاقًا، أو أن تضطر إلى الانفتاح على الفكر الاقتصادي الحديث واستعارة مفاهيمه ورؤاه ونظرياته، وعندها ستنجز لنا نظامًا اقتصاديًا معافى لكن هذا النظام لن يكون وليدًا (شرعيًا) للإسلام.

إن عجز الفقه الإسلامي عن الإيفاء بمتطلبات النظم الاقتصادية الحديثة ناشئ من أحد أمرين:

-       الأول: أن هذا الفقه في حقيقته نتاج لفكر بشري من ألفه إلى يائه، ما يعني بأنه محدود بفهم وإدراك الإنسان الذي أنتجه قبل أكثر من ألف وخمسمائة سنة.

-       والثاني، أن هذا الفكر نتاج وعي مفارق، ومطلق ويتجاوز واقع الجزيرة العربية أيام البعثة، لكنه اضطر إلى استخدم مفردات ذلك الواقع ومفاهيمه، لأن إنسان ذلك العصر لم يكن ليستوعب فكرًا اقتصاديًا يتجاوز البعير والشاة والتمر والزبيب، لم يكن ليفهم معنى الشركات العابرة للقارات، ولا تكنولوجيا الاتصالات التي تعتمد عليها في التداول التجاري. ولا البنوك العملاقة.

ما فائدة أن يُبعث نبي يمتلك منظومة إدراك خارقة تؤهله لاستيعاب رؤى الوعي المطلق، ويطلب منه أن ينقل هذه الرؤى لبشر عاديين؟ ما فائدة ذلك؟

بالتأكيد سيكون حال النبي هذا كحال عالم مختص بفرع دقيق من فروع الفيزياء أو الكيمياء أو الفلك، ويطلب منه أن ينقل معرفته لأطفال إحدى الروضات، كيف يمكن لهذا العالم أن ينقل معرفته التي تعتمد مفاهيم دقيقة جدًا إلى أذهان بسيطة حد أنها لا تمتلك أية أرضية يمكن لها أن تتعامل مع معرفة هذا العالم. سيضطر أي مختص يجبر على خوض هذه التجربة إلى التخلي عن كل وسائل الإيضاح التي يعتمد عليها في إيصال أفكاره لطلبته واستبدالها بوسائل إيضاح تناسب أذهان الأطفال الذين يتعامل معهم، كالتفاحة والأرنب والشجرة، وإذا أتم هذا العالم فصلاً كاملاً يشرح فيه لهؤلاء الأطفال ما أجبر على شرحه لهم، وسألناه: هل استطعت أن تنقل أهم معارفك لتلامذتك الجدد فماذا سيكون رده؟

حاول الكثير من شارحي النظرية النسبية التي جاء بها آينشتاين أن ينزلوا بها إلى مستوى التلقي العام، لكنهم لم ينجحوا، ولذلك لا يزال الفهم الدقيق لهذه النظرية حكرًا على ذوي الاختصاصات الفيزيائية المتعلقة بها. والسبب الكامن وراء ذلك، أن هذه النظرية تنطلق من مفاهيم ورؤى فيزيائية/رياضية، غير موجودة في منظومات الإدراك الخاصة بالناس ذوي الثقافات العامة.

كيف يعجز العالم المختص عن نقل أفكاره (البشرية) إلى الأطفال، وينجح النبي بنقل أفكار المطلق إلى الناس، مع أن فارق الخبرة المعرفية بين العالم وبين الأطفال لو قيس بالسنين فأنه لن يتجاوز الستين سنة في أحسن الأحول، وفارق الخبرة بين الناس وبين المطلق يتجاوز الزمان؟

كيف يعجز الوعي البشري العام عن استيعاب أفكار آينشتاين، وينجح باستيعاب أفكار المطلق؟

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ كاتب من العراق.

[1]  أفضِّل مفهوم المطلق على مفهوم الله، لأن المفهوم الأخير يمثل الحيز الديني من مفهوم المطلق، بمعنى أن مفهوم الله يشير إلى معنى المطلق منظورًا له من زاوية دينية، وإذا أردت أن أكون دقيقًا أكثر فيجب أن أقول بأن كلمة الله تعبر عن الفهم العربي/الإسلامي لمعنى المطلق، كما أن كلمة (خُدا) تعبر عن الفهم الكردي أو الفارسي/الإسلامي لنفس المعنى، وهكذا بالنسبة لجميع كلمات اللغات الأخرى التي تشير للمطلق وتحمل في طياتها دلالات دينية. وهناك بالتأكيد زوايا نظر للمطلق لا تحمل في طياتها دلالات دينية، كما هو الحال بالنسبة لبحوث الفيزياء التي تحاول أن تفهم طبيعة السبب الذي انبثق عنه الكون، فهذه البحوث تحاول أن تشكل مفهومًا متماسكًا للمطلق منظورًا له من زاوية فيزيائية. إذن فاستخدام مفهوم المطلق يقفز بالبحث إلى فضاء أوسع من فضاء البحوث الدينية، ما يبتعد بنا – وهو الأهم بالنسبة لضرورة استخدام كلمة مطلق بدلاً عن كلمة الله - عن ضغط المعايير القيمية التي كثيرًا ما تمنع الباحثين من بحث مواضيع قد يفهم أن الغاية منها هو الإساءة إلى الدين أو المس برموز المسلمين أو أيًا من رموز أتباع الديانات الأخرى، وهذا ما أعتقد بأنه دفع بالفلاسفة إلى بحث المواضيع المتعلقة بالله، تحت عنوان العلة الأولى، حيث أن مفهوم العلة الأولى يوفر لهم مرونة أكثر في بحث قضايا ذات أبعاد قيمية لدى المتدينين.

[2]  لا بد من الإشارة إلى أنني لن أتوقف عند الأدلة التي ساقها الفلاسفة والمتكلمون حول النبوة، لأنها أدلة منبثقة من فضاء الوعي الإسلامي المكبل بقيود المسلمات المفروغ من صحتها، والدليل على هذا المضمون هو برهان اللطف الذي ساقه المتكلمون لإثبات دعوى النبوة، فهذا الدليل يقوم على مسلمة فكرية تقول بأن الله لطيف، وهذه المسلمة كما هو معروف مسلمة دينية وهي من إفرازات الأديان والنبوات، بمعنى أنها كمسلمة متوقف إثباتها على إثبات دعوى النبوة، وهذا يعني أن دليل اللطف قائم على مصادرة كبيرة.

[3]  لا أعتقد بأن هناك وعي سليم ويعتقد بأنه قادر على خرق نواميس الطبيعة، لأن هذا الخرق غير ممكن، وهذا ما عبر عنه جعفر بن محمد الصادق عندما سئل: هل يستطيع الله أن يضع البحر في قدح، فقال: الله يستطيع ولكن القدح لا يستطيع، وهو يقصد بأن وضع البحر في القدح يستدعي إما تكبير القدح أو تصغير البحر، وفي كلا الحالتين لن يتحقق المراد، فأما أن البحر سيتحول إلى جرعة من الماء، ومن ثم لن يعود بحرًا، أو أن القدح سيتحول إلى إناء بحجم مساحة البحر وبالتالي لن يعود قدحًا. وهنا نجد بأن الصادق يستهزء بالوعي الذي يصدق بالمعجزة.

[4]  في حدود هذا البحث لا نستطيع أن نستدل على وقوع المعجزة بتأكيد القرآن لوقوعها، إذ القرآن وباعتبار أنه كلام الله المنزل على محمد يقع في صلب المفردات التي نسعى إلى التأكد من صدقها، من خلال بحث إمكان الاتصال بالمطلق.

[5]  في هذا السياق يمكن لنا أن نورد مثالاً توضيحيًا يشرح كيف أن نقل الناس للأحداث غير المألوفة ينتابه الكثير من التشويش، وهو نقل لا يستند إليه العقلاء أبدًا، وهذا المثال يتعلق بآلاف الشهادات التي تقدم بها أفراد أو جماعات تتعلق بمشاهدتهم إما لصحون طائرة أو لكائنات فضائية، فمع أن هؤلاء الشهود تجاوزوا الآلاف إلا أنهم لم يقدموا وثائق تتجاوز جميع مراحل الفحص، وهذا يعني بأن نقل الناس للأحداث التي تقع أمامهم يتعرض للتشويش الناشئ عن العواطف أو عن ضعف حواس الإنسان أو عن تأثره بآراء المجتمع من حوله، فكثيرًا ما تكثر الشهادات المتعلقة بالصحون الطائرة (مثلاً) في منطقة واحدة لكنها كلها تكون تالية على شهادة أولى يتقدم بها أحد سكان نفس المنطقة، ما يعني أن الإيحاء مارس تأثيرًا بينًا هنا. ولو كانت المرويات التي تؤكد حصول المعجزات كافية لتحقق التصديق لكان لزامًا على المسلمين التصديق بالمرويات التي تتحدث عن ظهور العذراء مريم في الكثير من البلدان الغربية والعربية أيضًا، ولكان لزامًا على السنة المسلمين التصديق بالمرويات التي تتحدث عن حدوث الكرامات داخل مراقد أئمة الشيعة، ولكان لزامًا على الشيعة من المسلمين التصديق بالكرامات التي تحدث داخل مراقد الأولياء (السنة).

[6]  الدليل الذي يساق لإثبات ارتباط المعجزات بالنبوة هو: أن حدوث المعجزات مرتبط بالله وأن الله لا يمكن أن يمنح المعجزة إلا لأنبيائه، لكن هذا الكلام غير دقيق لأننا لا نستطيع أن نفرق بين الأفعال غير المألوفة وبين المعجزات ومن ثم فنحن لا نستطيع أن نتأكد إن كانت الأفعال التي جاء بها الأنبياء هي من صنف المعجزات التي يعزز بها الله دعوى أنبيائه، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مقولة أن المعجزات مرتبطة بالله وأن الله لا يدعم بها غير الأنبياء، هي مقولة دينية، ومن ثم فإن استخدامها يؤدي إلى الوقوع بمصادرة واضحة.

[7]  الإمام الثاني عشر، الغائب، من أئمة الشيعة الاثني عشرية.

[8]  لا يمكن لأي إنسان يكون واقعًا ضحية لنوع من أنواع الأوهام أن يعرف بأنه واهم.

[9]  قلت في الفقرات السابقة إن السبيل الوحيد المتاح أمام النبي من أجل اثبات نبوته هو أن يجعل الناس يمرون بنفس تجربة النبوة التي مر بها، وقلت أيضًا إن هذا السبيل يتنافى مع النبوة، فهو يرفع خصوصيتها، كما أنه فضلاً عن ذلك لا يقع ضمن قدرات النبي، فالنبي لا يستطيع أن يحول الناس إلى أنبياء.

[10]  هناك فرق واسع بين اللغة والكلام أشار إليه دي سوسير عندما لمح إلى أن الإنسان عندما يفقد القدرة على الكلام فإنه لا يفقد القدرة على التواصل عن طريق اللغة، كأن يستخدم الكتابة مثلاً، انظر: [فردينان دي سوسور، علم اللغة العام، ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز، آفاق عربية، 1985، ص33]

[11]  لست بصدد بحث المراحل التي تم وفقها تطور منظومة الاتصال البشرية من لغة ومفاهيم وما إلى ذلك، على هذا الأساس فأنا لا أقصد التسلسل وأنا أضع صياغة المفهوم قبل عملية صياغة اللغة أو المفردة، إنما أقصد شرح الارتباط القائم بين الحاجة إلى المفردة أو المفهوم وبين عملية صياغته من قبل البشر.

[12]  للمزيد عن موضوع قدرة الوعي البشري على التعاطي مع معارف ومفاهيم تقع خارج إطار تجربته التاريخية الواعية انظر: أوثان القديسين، م. س، ص52.

[13]  هناك دائمًا معلومات جديدة يستقبلها الإنسان، وهو ما يفعله دائمًا من خلال التعلم، لكن ما أقصده بالمعلومات الجديدة تمامًا هو المعلومات التي لا توجد لها مقدمات معرفية في ثقافة البشر عمومًا. فالإنسان الذي يستخدم التلفزيون في حياته اليومية يمكن له أن يألف جهاز الكومبيوتر، مع أن مفهوم الكومبيوتر جديد عليه، لأن التلفزيون يشكل حلقة في سلسلة تطور الكومبيوتر، ليس في الواقع الخارجي ولكن في تسلسل المعرفة البشرية على مر التاريخ. ولذلك فالكومبيوتر كمفهوم بالنسبة لمستخدم التلفزيون جديد، لكن ليس بشكل تام، لكن نفس المفهوم سيكون جديدًا بالنسبة لإنسان ما قبل التاريخ.

[14]  سورة النور، الآية 35.

[15]  فإذا تذكرنا بأن النبي لم يأت بشي من خارج ذاته، سنكتشف بأن المعنيين برسالة النبي لم يستطيعوا أن يتواصلوا معها مع كونها من عنديات النبي، فكيف سيتواصلون معها فيما لو كانت من عنديات المطلق؟

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود