|
مدخل لدراسة بوذية الزن
إن دراسة البوذية بشكل عام، وبوذية الزن zen أو الشان chan بشكل خاص، تتطلب منا استعدادًا نفسيًا لرؤية الحقيقة بطريقة الآخرين، وانفتاحًا عقليًا لتقبل التعاليم التي قد لاتنسجم مع النسيج الثقافي الذي حكناه حول أنفسنا طوال حياتنا. علينا أن نعترف، دون أن يقلل ذلك من شأن تجربتنا، أننا نهجنا المنهج الغربي كما تفعل شعوب العالم كافة اليوم، وأننا بتنا نشك في كل ما لايمت لهذا المنهج بصلة القرابة الوثيقة. أما ونحن نحاول التعرف إلى منهج شرقي قديم، منهج دائم التجدد والتألُّق فعلينا الاستنجاد بأصالتنا الشرقية التي كادت جذوتها تنطفئ فينا، لأنها وحدها تحمل في جوهرها سرَّ التواصل. كذا فإن حديثنا سيتخذ الشكل الغربي دون شك، لكن ثمة في أعماقنا طاقة هاجعة قادرة على استئناس الفكرة وعلى سبر معانيها. وكلما كانت قلوبنا قادرة على الإصغاء والانفتاح، كنا أقدر على امتلاك الجوهر والاقتصار عن القشور. والحق إن طاقة القلب هي التي كانت محور التجربة الشرقية على مرِّ العصور. ومن هنا تأكيد الحكمة الشرقية على المنهج الضابط لجموح العقل ولاضطراب النفس، والشارح للنعمة الحقيقية الكامنة فينا، نعمة المحبة التي تنبع من القلب الصافي فيشعُّ نورها من العقل الساكن، وينبض سرُّها في اهتزازات النفس الوديعة. ولما كان منهج الزن يرتكز أولاً وأخيرًا على جوهر المحبة ممثلاً بالوحدة الكلية، فإننا لانستطيع إلا وأن نحدس هذه الوحدة في كافة أشكال وطرق هذه المدرسة. ومع تنوع الأساليب، يمكننا مباشرة إدراك هذه الطريقة المميزة في التعامل مع العقل... فالعقل هدَّام للوحدة، ولابدَّ من السيطرة على نزواته في التفكُّر بالظاهرات. وعندها نستطيع تحرير طاقة العقل فتشرق فينا. ولنحاول بادئ ذي بدء، وقبل التطرق للتطور التاريخي لمدرسة شان، إيراد بعض الحواريات التي اشتهرت بها هذه المدرسة، فنتلمس منذ البداية نسقها العام، ونتهيأ للولوج إلى جوهر تعاليمها. * * *
في أحد الأيام كان باو–شه
Pao-che
يرافق معلمه ما–تسو
Ma-Tsu
في نزهته، فسأله: "ما هي النيرفانه العظمى؟" فأجاب المعلم:
"أسرع!"
سأل تلميذ وي–كوان
Wei-kuan:
"أين التاو؟" فأجاب كوان: "إنه أمامنا مباشرة".
وسأله تلميذ آخر: "ما هو التاو؟"، فكانت إجابة
كوان: "يا للجبل الرائع!". سأل أحد التلاميذ ما–تسو: "بماذا كان يفكر بودهي–دهارمه Bodhi-Dharma عندما أتانا قادمًا من الغرب؟" وعندها سأل ما–تسو التلميذ: "بماذا تفكر في هذه اللحظة؟" سأل بانغ Pang أحد أشهر تلامذة ما–تسو معلمه: "كيف تفعل المياه التي لا عضلات ولاعظام لها لتحمل مركبًا يزن 10000 طنًا؟" فأجابه ما–تسو: "ليس ثمة هنا مياه ولا مركب، وعن أية عضلات تراك تتحدث؟" وسأل تلميذ آخر ما–تسو حول مآرب بودهي–دهارمه الذي جاء الصين قادمًا من الغرب، فما كان من المعلم إلا أن ضرب التلميذ قائلاً: "إذا لم أخبرك فإن جميع المعلمين سيهزأون مني".
سأل الامبراطور أو
Ou
بودهي–دهارمه: "ما هو المبدأ الأول في العقيدة المقدسة؟" * * * لاشك أن هذه الأمثلة تدهشنا بخصوصيتها، لكن حتى هذه الدهشة تتسم بطابعنا الغربي المعاصر. إننا لم نصل بعد إلى تلك الدهشة الأصيلة التي تشبه كثيرًا دهشة طفل أمام زهرة. فدهشتنا عقلية بالدرجة الأولى، وهي دهشة حائرة نابعة من عدم قدرتنا على اتخاذ قرار تجاه هذه الأسئلة التي تبدو لنا مفتعلة، وأمام تلك الأجوبة الغريبة التي لا نرى أية علاقة تربطها بالأسئلة. إننا لا نزال حقًا نحاكم الأمور من منظارنا الخاص. يقول هـ بونوا Hubert Benoit: "إن الفضول الذي يمكننا الشعور به تجاه انتسابنا لعقيدة ما يرتبط بنقص ثقتنا تجاه حدسنا العقلي الخاص..." ويتابع بعد ذلك: "ولهذا، إذا كنت أضع مؤلفي العقيدة العظمى وفق الفكر الزن دون مراجع أو توثيقات معينة... فلأنني بعد أن تلقيت جزءًا من أدبيات الزن عشت شعورًا بالثقة وثورة حية، وتركت عقلي يعمل." ويقول في مقدمته لمؤلف د. ت. سوزوكي D.T.Suzuki اللاعقلي وفق الفكر الزن: "كثيرون هم الذين يتابعون بشكل لا حدود له تحصيل المعارف الخاصة ويقرأون آلاف الكتب؛ أوليس من الأفضل الاجتهاد بفهم الأشياء بشكل عام كما هي، أي بحكمة؟" لقد رأيت أن هذه المقدمة كانت ضرورية لتناول موضوع يتعلق مباشرة بصميم الحكمة الشرقية، وذلك للتأكيد على ضرورة التنازل من جانبنا عن أولوية منطقنا في محاكمة وفي تمثل الأمور. إن الرؤية العامة التي يقترحها علينا بونوا تشكل أساس المعرفة الحدسية في الحكمة الشرقية. ولعلنا إذا ما أولينا الجانب الحدسي من طاقتنا العقلية أكبر اقتربنا أكثر من روح الزن، ودخلنا بشكل فعلي معبده الخاص لنشاهد طقوسه ونسمع أناشيده، ونتأمل في حقيقتنا من منظور جديد، هو منظور طبيعتنا الحقة. * * * الأصول التاريخية لمدرسة الشان إن لفظة الزن zen هي الترجمة اليابانية للفظة شان chan الصينية. وهذه الأخيرة هي بدورها ترجمة للفظة دهيانة Dhyana السنسكريتية، وتعني التأمل. كذا فإننا نلاحظ من خلال هذه الملاحقة اللغوية أن الزن يرجع بأصوله إلى الهند. والحق إن المجال لا يتسع لنا لنحاول أن نسبر جذور الزن في الفيدا وفي الأوبانيشاد وفي مدارس الحكمة الهندية المختلفة وأساطيرها العتيقة. لكن التاريخ الحقيقي للزن يبدأ مع البوذية، ومع تعاليمها التي حققت ثورة في ذلك الوقت وأعطت للعالم روحًا جديدة من المعرفة والمحبة. لم يبشر بوذا بديانة أو بمعتقد، بل علَّم فلسفة أخلاقية حياتية وتطبيقية. وشكلت هذه الفلسفة أساس كافة المدارس البوذية التي ظهرت فيما بعد أو معظمها. ويتألف جوهر التعليم البوذي من أربعة مبادئ نبيلة: يقول المبدأ الأول إن كل شيء ألم. فالألم كامن في قلب الوجود، وهو سبب الموت والعود للتجسد. ويتعلق المبدأ الثاني بأصل الألم، وهو العطش للعالم والرغبة بالوجود؛ وهي رغبة لا تنفصل عن الجهل. وهذا العطش وهذا الجهل يولدان جذور الشر والألم الثلاثة: الشهوة والحقد والخطأ. أما المبدأ الثالث فهو إزالة الألم، أي الانعتاق المطلق. والمبدأ الرابع هو الطريق (مارغه marga) الذي يقود إلى إيقاف الألم؛ ويدعى طريق الانعتاق هذا أيضًا بالطريق المقدسة ذات الفروع الثمانية: كمال المعتقد، والنية، والكلمة، والنشاط الجسماني، ووسائل المعيشة، والجهد، والانتباه، والتركيز العقلي. وترتبط هذه المبادئ بتعليم أخلاقي وبتمارين نفسية وجسدية تساعد على التركيز الروحي وعلى اتباع درب القداسة التي نصل في نهايتها إلى اليقظة، بودهي Bodhi. وبعد البوذا ظهرت عدة ملل بوذية أهمها الهينيانه hinayana، وهي المدرسة البوذية التقليدية، والمهايانه mahayana، وهي المدرسة البوذية الإصلاحية التي حاولت الإخلاص للتعاليم الأساسية للبوذا. وقد حاولت المهايانه إبدال المنهج العملي للبوذية القديمة في ايقاف الألم بديانة السلام التي ترتكز على مبادئ وتعاليم ميتافيزيائية وفلسفية. وبحسب المهايانه يعمُّ الكون عدد من البوذا، وعدد أكبر من البودهيساتفا Bodhisattvas، وهي كائنات حققت مراتب عليا من الكمال وتتحضر لتحقق درجة البوذا. وقد انتشرت المهايانه في شمال الهند، وعبرها إلى التيبت والصين واليابان. وتُرجع ميثولوجيا المهايانه البوذا إلى خلفية بنائها لتبرز عددًا من البودهيساتفا مثل ميتريا Maitreya ومنجوصري Manjusri وغيرهما. لقد دخلت البوذية إلى الصين نحو القرن الميلادي الأول. ومع بداية القرن الثاني أخذ الصينيون يشرحون النصوص الهندية ويعلقون عليها، ليس فقط نصوص هينيانه بل ونصوص المهايانه أيضًا بدءًا من نحو عام 256 م. وخلال هذه الفترة تعرضت الصين لاجتياح البربر مما أدى إلى هجرة السلالة الحاكمة إلى الجنوب (311 م). وأدى ذلك إلى انقسام الصين إلى قسمين، غير أن ذلك ساعد كثيرًا على انتشار البوذية فيها. وقد نشأ بسبب ذلك اختلاف منهجي بين بوذية الشمال التي كانت الأكثر محافظة والتي عملت بالدرجة الأولى على ترجمة النصوص، وبوذية الجنوب التي كانت أكثر تحررًا وأكثر توجهًا نحو البحث النظري. وقد وفد إلى الصين خلال هذه الفترة معلمون بوذيون كثيرون من الهند، وتركوا أثرًا كبيرًا في نشوء البوذية الصينية. وكان أحدهم كوماراجيفا Kumarajiva الذي لعب دورًا هامًا في توطيد ركائر مدرسة مهاينه في الصين. وكان من أهم تلامذته داوشنغ الذي استقر في الجنوب وبشر بفكرة جديدة مفادها أن الوجود الفطري لـ"طبيعة بوذا" قائم في كل إنسان، وأن الجميع قادرون على أن يصبحوا بوذا. غير أن تيار مدرسة الشان (أو تشه آن tch’an) بدأ مع بودهي–دهارمه الذي قدم إلى الصين عام 520 م. وبحسب التقليد الشائع كان البوذا قد نقل تعليمًا سريًا لأحد تلامذته، وكان بودهي–دهارمه الثامن والعشرون من الشيوخ الذين تناقلوا التعليم السري في الهند. وقد قُدِّس في الهند كأول زو zu (أو تسو tsou، أي شيخ) لمدرسة الشان. وأصبح تلميذه هوي–كو Houei-ko الشيخ الثاني بعده. وكان تلميذ الشيخ الخامس بعده هو مؤسس مدرسة الشان في الجنوب، وقد أرسى أسس هذه المدرسة على أرض صلبة. إنه هوي ننغ Houei-neng، الشيخ السادس لمدرسة الشان والذي سيستأثر باهتمامنا خلال هذه الدراسة. لا تختلف المدراسة البوذية العديدة فيما بينها حول تفسير عقيدة البوذا، بل تتلاقى في الجوهر على الرغم من اختلاف أساليبها ظاهريًا. والحق إنه يمكن تصنيف هذه المدارس وفق عدة مستويات، من حيث هي تعطي أعماقًا أبعد فأبعد لهذه العقيدة: - المستوى الأول، أو المركبة الأولى: "الأنا فراغ"، وهي عقيدة علمها البوذا لعامة الناس. ويتوافق هذا المستوى مع هينيانه. - المستوى الثاني، ويدعى المركبة الكبرى الأولانية، ويشتمل على بعض المدارس مثل سان–لوين San-Louen وفكسيانغ Faxiang. وهو يرتكز على العقيدة التي علمها البوذا: "كل شيء وعي". - المستوى الثالث: المركبة الكبرى النهائية، وتمثلها مدرسة تيانتي بشكل رئيسي، وتقول إن لكافة الكائنات بلا استثناء "طبيعة البوذا"، وأن بإمكان الجميع تحقيق السلام. - المستوى الرابع: المركبة الكبرى الفجائية، وتمثلها مدرسة الشان، وهي تعلِّم أن الحصول على السلام يكمن في الاستنارة المفاجئة. - المستوى الخامس: المركبة الكبرى الكاملة، وهي ممثلة بمدرسة هوايان، وتشتمل على كافة المستويات السابقة بمدارسها المختلفة، وتقول: "الكل في الواحد، الواحد في الكل". * * * يتمزج تاريخ الزن في الهند، قبل دخوله إلى الصين، بالأسطورة وبالتقاليد المتوارثة. والحق إن بوذية زن كما سنعرضها "هي نتاج الثقافة الصينية، أو بالأحرى تطورًا صينيًا لعقيدة الاستنارة". وإن كانت الكتابات البوذية الكلاسيكية تعتبر أن الدرب المقدسة ذات الفروع الثمانية هي جوهر التعليم البوذي، هذه الدرب التي تشتمل من الناحية النفسية على نظرية اللاذات، فإن الزن يعطي الأولوية في البوذية للاستنارة التي حققها البوذا. إنه فرق في الأسلوب دون شك. إن الصينيين يتميزون بنفسية عملية، ولهذا يحبون التعامل مباشرة مع الغاية، في حين نلحظ المنهج النظري والفلسفي عند الهنود. وإن لم يُهمل الصينيون أبدًا هذه الركيزة، لكنهم بنوا عليها نظامًا عمليًا متجددًا. وفي النهاية باتت مدرسة الشان صينية في شكلها وفي مضمونها. كان البوذا قد استطاع أن يبذر الروح العملية والتطبيقية في الهند التي كانت غارقة بالخيال والميتافيزياء. إن الدرب المقدسة أو نظرية اللاذات، أو سلسلة الأسباب المترابطة الاثنتي عشر كما تدعى أيضًا، هي دليل عقلي لتحقيق الحياة البوذية. أما معناها العملي فهو الاستنارة بالتأكيد. كذا لم يكن البوذا يفكر بأن نظامه هذا سيتحول إلى نظام ديني وفق تعبير سوزوكي، ولهذا كان التصحيح الذي قامت به المهايانه نقطة تحول هامة في البوذية. ومع دخول هذه المدرسة إلى الصين مع تعاليم بودهي–دهارمه، أنجبت ما نعرفه اليوم ببوذية زن. تحدثنا أسطورة الزن في الهند أن شكياموني Shâkyamuny كان جالسًا على الجبل ذات يوم ومن حوله تلاميذه بانتظار أن يعلمهم. فلم يلجأ إلى مخاطبتهم، بل رفع أمامهم باقة زهر كان أحد التلاميذ قد قدمها له، ولم ينطق بكلمة واحدة. ولم يفهم أحد معنى هذا التصرف سوى مهاكاشيابه Mahâkâshyapa الذي ابتسم بهدوء للمعلم. وعندها فاه البوذا بهذه الكلمات: "لدي أثمن الكنوز، الكنز الروحي والتجاوزي. وفي هذه اللحظة أنقله أيها الموقر مهاكاشيابه!" ويعلق تلامذة الزن أهمية كبرى على اللحظة التي نقل فيها البوذا لتلميذه بركته. ومع أننا نعرف أن مهاكاشيابه خلف البوذا كرئيس للعقيدة، لكن ليس لدينا أي دليل تاريخي على أنه كان أول شيخ تلقى التعليم والبركة من البوذا وفق مفهوم الزن. ويرى سوزوكي أن هذه الأسطورة كانت ضرورية لتلافي النقد الذي وجِّه للمدرسة حين أخذت تزدهر في الصين، حيث لم يكن لديها أي أساس تاريخي يربطها بالبوذا. وهكذا تثبت هذه الحكاية أن البوذا منح مهاكاشيابه بركته، ثم تناقلها ثمانية وعشرون شيخًا كان آخرهم بودهي–دهارمه. وبحسب معتقدات الزن، فإن هذه البركة ترجع إلى ما قبل البوذا شكياموني نفسه. فقد وجد قبله ستة من البوذا في أدوار سابقة لدورنا هذا، وكان لكل منهم أسلوبه الخاص في نقل الدهارمه Dharma (أي القانون). ولنأخذ بعض الأمثلة التي تُروى عنهم، وهي بعض المقاطع الشعرية التي نقلوا من خلالها الدهارمه، وتسمى غاثا gathas، لقد أعلن البوذا الأول منهم، وهو فيباشيين Vipashyin، حكمته بالمقطع التالي:
من صدر من لا شكل له، ولد هذا الجسد، وكانت غاثا البوذا السادس، كاشيابا Kashyapa، الذي سبق بوذا دورنا الحالي شكياموني، هي التالية:
إن طبيعة الكائنات الموهوبة بالإحساس نقية وطاهرة، كذلك عندما أوكل شكياموني لمهاكاشيابا نقل القانون الأسمى، فاه بالغاثا التالية:
الدهارمه في نهاية الأمر هي دهارمه ليس بدهارمه؛ وكانت غاثا الشيخ السادس بعد البوذا وفق التقليد الزن على النحو التالي:
ألا فلندخل إلى الحقيقة الجوهرية للروح وكانت غاثا الشيخ الثاني والعشرين مانورا Manura:
إن الروح يتحرك مع العشرة آلاف شيء، إننا نلاحظ، حتى في هذه الغاثا بقاء التعاليم ضمن إطارها النظري التقليدي. والحق إن الزن لم يدخل مرحلته العملية المميزة له اليوم إلا بدخوله الصين مع بودهي–دهارمه الذي تعزى إليه الغاثا التالية:
إن السبب الحقيقي لمجيئي إلى هذا البلد ويتقد بعض الرهبان الزن أن هذه الغاثا كانت نبوءة لانطلاقة الزن في الصين، وذلك باعتبار بودهي–دهارمه يرمز للشيوخ الخمسة الذين تلوه ببتلات الزهرة الخمس. غير أن بعض الدارسين يعتقدون أن تلامذة هوي–ننغ هم الذين ألفوها. لكن الأمر الثابت تاريخيًا هو أن تعاليم بودهي–دهارمه لم تنتشر في الصين إلا بعد وفاته بنحو قرنين. وكانت هذه الفترة كافية دون شك لتمثل التعليم البوذي الأصيل ولإعادة صياغته وفق الأسلوب الصيني. لنستعر مثالاً من سوزوكي يقارن فيه بين الأسلوبين الصيني والهندي. جاء براهماني إلى البوذا ليقدم له شجرتين مزهرتين وقد حملهما بيديه لقدرته السحرية الخارقة، فقال له البوذا: "ارمها". فترك البرهماني إحدى الشجرتين تسقط أمام البوذا، فأعاد البوذا الأمر، فترك الشجرة الثانية. فإذا البوذا يكرر قوله "ارمها". فأجابه البراهماني: "لم يعد لدي ما أرميه، فماذا تريدني أن أفعل؟" فقال البوذا: "أنا لم آمرك أبدًا برمي الشجرتين المزهرتين، بل طلبت إليك رمي مواضيع الأحاسيس الستة، وحواسك الست، وحالات وعيك الست. وعندما تتخلى عن ذلك كله في آن واحد، ولايعود ثمة ما تتخلى عنه، فإنك تتحرر من روابط الولادة والموت! إننا نلاحظ في هذا المثال الوضوح في التصريح النهائي وفي الشرح. بينما نلاحظ في مثال آخر الأسلوب المباشر للزن الصيني في طرح مفهوم اللاتعلق نفسه وتجاوز العقل:
جاء أحد التلامذة يسأل معلمه تشاو–تشيو
Tchao-tcheou
(باليابانية جوشو
Jôshu،
778 – 897 م.) "ماذا يفعل الإنسان عندما يصبح عاريًا من كل شيء؟" * * * يُعدُّ تاريخ وصول بودهي–دهارمه إلى الصين (عام 520 م) بداية تاريخ الزن الفعلي. وتتلخص رسالة بودهي–دهارمه التي حملها معه بالأسطر التالية: نقل خاص للقانون الأسمى دون اللجوء للكتابات؛ وعدم التعلق أبدًا بالحرف وبالكلمة؛ والتوجه مباشرة نحو نفس الإنسان؛ والتأمل في طبيعته الحقة وتحقيق حالة البوذا. لكن هذه الأسطر ليست من وضع بودهي–دهارمه، بل كتبت بعده. ولعل الوثيقة الوحيدة المرجح أنها من وضعه ليست أهم مؤلفاته التي يشرح فيها عقيدة الزن، وهي بعنوان: تهدئة النفس. ويمكن تلخيص أهم ما جاء فيها على النحو التالي. ثمة طرق كثيرة لولوج الدرب، لكن ثمة طريقتان في النهاية، "مدخل المنطق" و"مدخل السلوك". الأول يرتكز على الفهم الفكري للبوذية بقراءة النصوص، مما يقودنا إلى فهم الطبيعة الحقيقية الواحدة في جميع الكائنات. وتكون هذه الطبيعة غير ظاهرة بسبب الوهم الذي يغلف الأشياء والأفكار الخاطئة. وعندما نؤمن بهذه الوحدة نحيا في سلام دائم، ونكون في تواصل صامت مع مبدأ الوحدة نفسه، ونتحرر من كافة الأوهام. أما "مدخل السلوك" فيشير إلى أربعة أعمال تلخص كافة الأعمال التي يجدر بنا التصرف وفقها: 1. كيف نتصرف تجاه الحقد. فإذا تعرضنا لأي شر علينا أن نتذكر أنه قد يكون بسبب عمل قمنا به في حياة سابقة، ولهذا علينا قبوله وعدم الحقد على أحد، وخاصة إذا كنا نشعر أننا لم نقم بعمل سيء في حياتنا هذه يوجب ذلك. 2. أن نطيع الكارما karma، أو قانون القوانين. ذلك أنه ليس ثمة "أنا" في كافة المظاهر الكارمية. فالألم والرغبة هما كذلك من نتاج أفعالنا السابقة. وعندما نقبل شرطنا الحالي، وكارمانا كما نحن، لا يعود ثمة أي معنى للخسارة أو للربح بالنسبة لعقلنا. 3. عدم ملاحقة أي شيء كان. فالحكيم لا يتعلق بالأوهام ولايسعى للأشياء الفانية، بل يثبت نظره على الحقيقة. كل الأشياء فارغة وليس ثمة ما يستحق أن نسعى وراءه. والسعي وراء الأشياء هو الذي يؤدي إلى الألم، وإلى التعب والحاجة إلى الراحة. وهكذا فإن عدم البحث هو طريق الحقيقة. 4. أن نكون على توافق مع الدهارمه. فالدهارمه خالية من الأنا. إنها الفراغ، ولا يمكن أن نلوث الفراغ بأي شيء على الإطلاق. وكما أن الدهارمه في جوهرها لا تنزع أبدًا للتملك، فإن الحكماء يطبقون المحبة على أجسادهم وحياتهم ولايتذمرون مطلقًا. كانت نهاية بودهي–دهارمه غامضة، فمن قائل إنه عاد إلى الهند، ومن قائل ببقائه في الصين. لكن المتفق عليه أنه عاش طويلاً وتجاوز عمره القرن ونصف القرن! وكان الشيخ التالي لدهارمه هو هوي–كو Houei-K’o، وكان اسمه الأصلي شن–كوانغ Chen-Kouang. وكان كوانغ قد جاء ذات يوم إلى المعلم طالبًا منه بإلحاح إرشاده حول حقيقة الزن. لكن هذا الأخير تجاهله تمامًا. لكنه لم ييأس، وظل واقفًا ذات ليلة تحت الثلج الذي كاد يغطي وسطه بانتظار أن يلتفت المعلم نحوه. كان يدرك أن المعلمين الكبار مروا بمراحل قاسية قبل الوصول إلى الاستنارة. وفي النهاية التفت إليه دهارمه وسأله عن مراده، ولما عرفه سرعان ما أخذ يهوِّل له الطريق. فما كان من كوانغ إلا أن قطع ذراعه بسيفه وقدمه له كدليل على إقدامه وإصراره قائلاً له: "إن نفسي لم تُطهر بعد، وإني لأرجوك يا معلمي أن تطهرها". فقال له دهارمه: "احملها إليَّ لأعيد السلام إليها". وبعد تردد قال كوانغ: "طالما بحثت عنها طوال سنين، ولم أستطع إمساكها حتى الآن!" فأجاب دهارمه "هي هي ذي إذن وقد أصبحت نقية للأبد!". وبعد عدة سنوات جمع دهارمه تلامذته حوله وقال لهم: "إن موعد رحيلي قد أزف، وأنا أرغب أن أرى إلى أين وصلتم"... وبعد أن حاول عدد من التلاميذ إظهار معارفهم، تقدم هوي–كو وانحنى أمام المعلم باحترام وظل صامتًا. وكان ذلك سبب خلافته لدهارمه.
وقد عاش هوي–كو معظم حياته متخفيًا، ثم قتل في
النهاية لاتهامه بالهرطقة. ثم تلاه سنغ–تسان
Sêng-ts’an،
وخلف تسان تاو–هسان
Tao-hsin.
وكان هسان قد سأل معلمه:
إن الدرب كاملة مثل الفضاء الشاسع
إن الشيء هو شيء للموضوع
الكل في الواحد
كان الشيخ الخامس هو هونغ–جن
Houng-jên. وكان قد جاء إلى تاو–هسان وهو لايزال
صغيرًا. فسأله المعلم عن اسم عائلته (هسانغ
(hsing،
فأجابه: كان هوي–ننغ رجلاً فقيرًا يبيع الحطب في المدينة ليعيل أمه. وفي إحدى المرات سمع أحد الرهبان يرتل "سوترا Sutra" مسَّت قلبه. وعندما سأل أين يمكنه دراستها أرشده الراهب إلى "جبل الخوخ الأصفر" حيث يجد الشيخ الخامس لمدرسة الزن. وتدبر هوي ننغ أمره بحيث ترك لأمه ما يكفيها حتى عودته، وانطلق إلى حيث كان ينتظره مصيره. ووصل بعد شهر إلى الموقع، وكان السؤال الذي وجهه إليه المعلم: "من أين أتيت وماذا تريد؟". وكانت إجابته: "أنا مزارع من هسان–تشيو hsin-tcheou وأريد أن أصبح بوذا". فقال له الشيخ: "أنت رجل من الجنوب إذن، ورجال الجنوب ليست لهم الطبيعة البوذية، فكيف تأمل تحقيق حالة البوذا؟" فأجابه الباحث الشجاع فورًا: "يمكن أن يكون هناك أناس من الشمال وأناس من الجنوب، لكن عندما يتعلق الأمر بطبيعة البوذا كيف يمكنك أن تقيم مثل هذا الفصل؟". وقد أعجب هذا الجواب المعلم، لكنه أوكل لهوي–ننغ مهمة هرس الأرز لجماعة المعبد. ظل هوي ننغ يقوم بعمله هذا طيلة ثمانية أشهر، حتى جاء يوم أعلن فيه الشيخ رغبته باختيار خلفه من بين تلامذته، وأخبرهم أن من يستطيع الإفصاح عن فهمه الأعمق للتعاليم على نحو أكمل سيحمل الرداء المتوارث عن دهارمه، رداء المشيخة، وسيصبح الشيخ السادس لمدرسة الزن. وكان شن–هسيو Chên-hsiou أعظم تلامذته، فكتب على جدار حجرة التأمل من الخارج ما يلي:
هذا الجسد هو شجرة البودهي Bodhi، واعتبر جميع من قرأ هذه الغاتا من التلاميذ أن صاحبها سيغدو الشيخ السادس لا محالة. لكنهم فوجئوا في صبيحة اليوم التالي بعبارة أخرى إلى جانبها. وكانت على النحو التالي:
البودهي ليست مثل الشجرة كان هوي–ننغ هو صاحب هذه الغاثا. وقد لاقت صدى في نفس المعلم فقرر سرًا أن يمنحه رداء المشيخة، إذ أنه شعر أن بعض التلامذة قد يحقدون عليه كونه كان عاملاً عاديًا بالنسبة لهم. وهكذا دعاه سرًا في الليل ومنحه الرداء، وطلب إليه أن يغادر نحو الجنوب. وقد انتشرت بوذية زن بفضل هوي ننغ في مناطق الجنوب وحققت ازدهارًا عظيمًا. وبالمقابل، أسس شن–هسيو مدرسته في الشمال بعد موت الشيخ الخامس، لكن مدرسته لم تستمر بعده، في حين كانت مدرسة هوي–ننغ هي التي استمرت عبر القرون. فلقد شق هوي–ننغ طريقه بأسلوبه الخاص ليثبت جدارته بمركزه، معتمدًا على تجربته الأصيلة وعلى إبداعه، حتى أننا لا نلمح في أحاديثه شكلاً من أشكال البوذية التقليدية. كانت بساطة فكر هوي–ننغ الذي لم يلوث بالدراسة وبالفلسفة تستطيع الوصول إلى الحقيقة كاملة بشكل مباشر. ويمكن تلخيص الأفكار الرئيسية التي جعلت من هوي–ننغ المؤسس الحقيقي لبوذية الزن في الصين بالنقاط التالية: 1. لقد وعى الزن مع هوي–ننغ دوره الأساسي والحقيقي في الصين. وكان لفهم ولتطبيق تلاميذه لهذا الدور بشكل صحيح الفضل فيما نعرفه اليوم ببوذية زن. فهوي–ننغ كان يؤكد على "الرؤية في طبيعتنا الحقة". وعلى هذه العبارة تمحور التعليم بعد ذلك. 2. وكانت النتيجة المباشرة لهذا التعليم هي الأسلوب "المفاجئ" الذي تميزت به مدرسة الجنوب. فالرؤيا هي فعل لحظي وآني. فالعين العقلية تدرك بنظرة واحدة الحقيقة كلها، هذه الحقيقة التي تتجاوز الثنائية بكافة أشكالها. 3. من هنا، يكون التأمل بعد تحقيق هذه الرؤيا منهجًا بسيطًا يتبع للوصول بالعقل إلى الاستنارة والسكينة. وهكذا يؤكد هوي–ننغ على الطابع الحدسي للاستنارة، ويرفض تفسير الدهيانه بشكلها السكوني. فالفكر لا يمثل الجوهر البسيط بوصوله إلى الدرجة العليا من التأمل، وهو ليس مجرد تجريد خال من المحتوى والنشاط. فالغاية هي ينبوع الطاقة والمعرفة، وليست مجرد نقطة سكونية. ومن هنا يشدد هوي–ننغ على أن الإرادة هي الحقيقة القصوى، وأن الاستنارة أعلى من طريق العقل وأرفع من التأمل الساكن في الحقيقة. 4. كان المنهج الذي اتبعه هوي–ننغ لإظهار حقيقة الزن صينيًا وليس هندوسيًا. كان منهجه بسيطًا ومباشرًا. ومن الأمثلة الشهيرة التي أخذت عنه وأصبحت تقليدية سؤاله: "من أين جئت؟" ولا يخفى علينا كم يمكن لهذا السؤال أن يحمل من معاني. لكن المهم أن المعلمين لم يبالوا أبدًا بالإجابات عليه. وكانوا يجيبون مثلاً: "أنت كاذب" أو "كم صندلاً استهلكت؟!". * * * مفاتيح بوذية الزن يحسن بنا بعد هذا العرض التاريخي التوقف عند بعض المفاهيم التي تُعدُّ مفتايح لاغنى عنها للولوج لتعاليم بوذية زن، فنكون قد أوفينا هذه الدراسة الموجزة حقها. وعلينا قبل كل شيء التأكيد على أن الصعوبة التي تواجه دارس الزن لا تكمن في المصطلح بالدرجة الأولى، على الرغم مما لهذا الأخير من أهمية. والحق يقال إن ثمة بعض المصطلحات السنسكريتية والصينية التي لانجد لها مرادفًا مفردًا دقيقًا في أية لغة أخرى. غير أن الأمر لا يتعلق في الجوهر، وعلى كل المستويات فلسفيًا وميتافيزيائيًا وحتى سرانيًا، بتصور عقلي. وذلك أننا لايمكن أن نتفكر في الزن، بل أن نعيشه ونحققه. لقد شدد هوي–ننغ على نقاط أساسية في أحاديثه، وكررها باستمرار، مثل "الطبيعة الحقة"، وعدم الاهتمام بالأشياء، والتجرُّد واللاتعلق والفراغ (الذي علينا ألا نقرنه أبدًا بالعدم). ويتبين لنا مباشرة من هذه العبارات هدف الزن، ألا وهو صقل العقل وجعله يلامس مباشرة الحقيقة الجوهرية. ففي رمي القوس بحسب طريقة الزن مثلاً، لا ينفصل الرامي عن الهدف، بل يشكلان حقيقة واحدة. فالرامي لا يعي نفسه لحظة الرمي ككائن مشغول بإصابة الدريئة أمامه. ويكون في حالة اللاوعي هذه قد أفرغ نفسه تمامًا من الذات، ويكون قد أصبح واحدًا مع مهارته التقنية. هذا علمًا أنه يتحقق عندها في هذه التقنية شيء ما لا يمكن الحصول عليه بأية تدريبات منهجية أخرى للرمي بالقوس. فالرامي الزن لا يفكر بإصابة الهدف. إنها طريقة مختلفة تمامًا عما نألفه في مدارس التدريب. إن الرامي يكون هو الهدف! إن هذا الشيء المختلف في رمي القوس بالنسبة لمدرسة الزن هو ما ندعوه بالساتوري Satori. إنه الحدس، لكنه أيضًا حدس مختلف تمامًا عما نألفه بهذه الكلمة، ويمكن تسميته بـالحدس براجنا Prajnâ. وتترجم براجنا بالحكمة المتسامية أو المتجاوزة. لكن ذلك أيضًا لا يفي المعنى حقه تمامًا. فبراجنا هي الحدس الذي يدرك الأشياء لحظيًا بكليتها وبخصوصيتها الفردانية بآن واحد. إنه حدس يرى، دون أي تأمل مسبق من أي شكل كان، أن الصفر هو اللانهاية وأن اللانهاية هي الصفر، الأمر الذي لا يعدُّ رمزًا رياضيًا أو ميتافيزيائيًا، بل واقعًا تجريبيًا ناجمًا عن إدراك مباشر. الساتوري على المستوى النفسي هو تجاوز حدود الذات، وعلى المستوى المنطقي رؤية التآلف بين النفي والإيجاب، وعلى المستوى الميتافيزيائي هو المعرفة الحدسية أن الصيرورة هي الكائن وأن الكائن هو الصيرورة. يحدثنا سوزوكي في "دراساته في بوذية زن" عن فهم هوي–ننغ للزن فيقول: إن الزن يرتكز بحسب هوي–ننغ على الرؤيا في طبيعتنا الحقة. إنها أكثر التعابير دلالة على مر مراحل تطور مدرسة الزن. إن هذه الطبيعة الحقة بالنسبة للزن هي الحياة التي لا بداية ولا نهاية لها، والحقيقة الواحدة التي يصدر عنها الكون كله. وبحسب سوزوكي: إن جوهر بوذية زن يرتكز على الوصول إلى زاوية رؤيا جديدة للحياة وللأشياء. فإذا كنا غير راضين عن هذه الحياة لأسباب معينة، وإذا كان في طريقة حياتنا ما يمنع عنا الحرية بالمعنى الأكثر قداسة، فعلينا البحث عن طريق أخرى تعطينا الشعور بالتحقق وبالامتلاء. وهذا ما يقترح الزن تقديمه لنا. فهو يؤكد إمكانية تحقيق وجهة نظر جديدة، تتخذ الحياة من خلالها منظرًا أكثر حيوية وأكثر عمقًا. لكن لاشك أن هذا التحقيق هو في الواقع أكبر كارثة عقلية يمكن أن تجتاز حياتنا. فهو ليس مهمة سهلة، بل هو نوع من معمودية النار. وهذا الوصول إلى وجهة نظر جديدة في علاقتنا مع الحياة والعالم تدعى بشكل عام عند الزن اليابانيين بالساتوري... غير أن تحقق أو تفتح الساتوري هو تجديد حقيقي للحياة نفسها. وعندما يكون أصيلاً تكون آثاره على الحياة الروحية والأخلاقية ثورية تمامًا، وتقود للنقاء الكامل." سئل أحد معلمي الزن يومًا عما كان يؤلف طبيعة أحد البوذا، فأجاب: "لقد ثُقب قعر الدلو". ويمكن لهذا المثل أن يبرز لنا أية ثورة حققتها هذه التجربة الروحية. إن ولادة إنسان جديد تكون هنا كارثية تمامًا بالنسبة للعقل. ونشير هنا إلى أن مدرسة الزن تحافظ على انتقال الدهارمه دون أي شكل عقائدي. ويعلق سوزوكي في "دراساته" حول هذه النقطة قائلاً: إن السؤال يتعلق هنا فيما إذا كان ممكنًا تحقيق التجربة دون أن يسبقها أي تساؤل فلسفي أو تطلع ديني أو قلق روحي. وفيما إذا كان يمكن للتجربة أن تتم ببساطة كفعل وعي. وبغير ذلك لا يمكن معالجة نفسانية التجربة بشكل منفصل عن العقائد الدينية أو عن الفلسفة. وإذا كانت التجربة الزن تتم في الواقع وتتشكل في النهاية كنظام من الحدس وفق مفهوم الزن، فإن ذلك يتعلق أساسًا باتجاه المعلم وبأسلوبه، مهما كان هذا الأسلوب غامضًا في مظهره، ودون هذا الأسلوب الخاص تكون التجربة نفسها مستحيلة. وهذا يشرح لماذا تكون موافقة المعلم ضرورية لتأكيد أورثوذكسية التجربة الزن، وأيضًا لماذا يشدد تاريخ الزن بدرجة كبيرة على أورثوذكسية نقل الدهارمه. * * * يمكننا الآن تلخيص أهم النقاط المفاتيح التي يذكرها هوي–ننغ في أحاديثه، ونبدأ بعبارته الشهيرة: "الرؤيا في طبيعتنا الحقة". فبحسب سوزوكي إننا نتكلم عن الرؤيا في طبيعتنا الحقة، وليس عن تحقيق الدهيانه Dhyâne، أو عن تحقيق الحرية. وهنا يكمن جوهر الزن، وكافة تعاليم هوي–ننغ اللاحقة ليست سوى شروحًا لهذه الفكرة. فكلمة طبيعة كان يقصد بها طبيعة البوذا، ومن وجهة نظر عقلانية، براجنا. ويقول: إن كل فرد منا يملك هذه البراجنا، لكننا لا نتوصل لتحقيقها في أنفسنا بسبب عماء فكرنا. وبالنتيجة يجب أن يرشدنا معلم حتى تنفتح العين الروحية ونستطيع أن نرى بأنفسنا في طبيعتنا الحقة. إن هذه الطبيعة لاتعرف التعددية، فهي وحدة مطلقة، وهي عينها عند العارف وعند الجاهل. والتمييز ناجم عن العماء وعن الجهل. فالناس يتحدثون عن براجنا كثيرًا، ويفكرون بها كثيرًا، لكنهم يخفقون تمامًا عندما يتعلق الأمر بتحقيقها في نفوسهم. ولهذا علينا ألا نتعلق بالحرف، بل أن نترك براجنا تتألق بنفسها فينا. أما فيما يتعلق بالفراغ (شونيا Shûnya) أو الخواء (شونياتا Shûnyata)... فإنه ينبوع كافة فلسفات وتعاليم ومدارس المهايانه. ذلك أن هذا الخواء يطرح فيها كأساس الوجود. وهو لا يعني النسبية كما فسره بعض البوذيين أحيانًا، بل إنه أبعد من ذلك كثيرًا، فهو ما يجعل النسبية ممكنة: الخواء هو حقيقة حدسية يمكننا بفضلها وصف الوجود كمتعدد ونسبي. وتقول السيدة ألكسندرا دافيد نيل Alexandra David – Néel في كتابها حول التعاليم السرية في المدارس البوذية التيبتية: إن معنى كلمة فراغ أدت إلى تعارضات وتعليقات كثيرة فيما بين البوذيين، وقلة من الغربيين استطاعوا فهمها. غير أن أحدًا من البوذيين، أكان من الهينيانه أم من المهايانه، لم يفكر مطلقًا بجعلها مكافئة لكلمة عدم. وفي الحقيقة، تشكل كلمة عدم تصورًا غامضًا غير محدد بفكرة دقيقة. والعدم المطلق لا يمكن سبره. ومن يقول "عدم" يتجسَّد في هذا الخواء بفعل كونه واجب الوجود بنفسه لكي يصل إلى هذه الفكرة. وبالنسبة لمدرسة مهايانه، تأخذ كلمة فراغ معنى نسبي، لكن هذا المعنى يشير إلى أن كافة الكائنات فارغة، فهي نتائج تلاقي الأسباب وليست سوى أسماء تغطي الفراغ أو الحقيقة اللامتبدلة. كذا فإن كل ما يوجد بأي شكل كان. وفي كافة أحوال المادة الممكن تخيلها، وكل الكائنات والأشياء على أي مستوى من الوجود كانت، فارغة من الحقيقة الجوهرية، أي من أنا ذاتية المنشأ ومتجانسة في ذاتها. عندما نعي أن كل الظاهرات التي تنبثق باستمرار غير دائمة ومتحولة أبدًا، أنها مايا maya ووهم نسبي، نستطيع الوصول لـ "ممارسة الخواء"، وهي الكلمة التي تتخذ عندها المعنى الذي نعطيه عادة لمفهوم المطلق. وممارسة الخواء تعني هنا جعل الفكر ينظر إلى ما وراء العوالم النسبية والمتغيرة والخاضعة للصيرورة. إن ممارسة الخواء تجعلنا ندرك بشكل أفضل معنى اللاتعلق، وذلك بتحررنا من مفهوم الأنا الذي نعتقد أنه أبدي في حين هو ينتمي للعالم النسبي. يقول سوزوكي في "دراساته": كان بوذا يعني بكلمة "تحرر" الحرية من كافة أشكال التعلق، الحسية منها rûpan والعقلية vinnamâm. وطالما بقي أقل أثر للتعلق، أكان داخليًا أم خارجيًا، ستبقى جذور الأنا، وهي ستخلق من جديد قوة كارمية وتجرنا إلى عجلة الولادة والموت. إن هذا التعلق هو أحد أشكال الوهم أو التخيل. اللاتعلق هو المبدأ الأساسي في مدرسة بوذية زن، وكلمة لاتعلق بالصينية هي وونيان wou-nien، ويجد بنا التوقف عندها قليلاً. آ. كلمة وونيان هي مفتاح طريقة التأمل الميتافيزيائية في مدرسة شان. ب. "وو" تعني بالصينية لا يوجد، عدم امتلاك شيء، العدم، النفي... وهي لاتعني الفكرة التي نسبها لها مترجم كتاب سوزوكي إلى الفرنسية اللاعقلي بحسب الفكر الزن بقوله: "وو يتألف من قلب أو عقل...". والحق أن كلمة وو لا تعني قلب، بل نار، والنار تدمر وتمحو كل شيء، أيًا كان. جـ. تتألف لفظة نيان من إشارتين: تشين tch’in وسين sîn، الأولى تعني الآن، حاليًا، والثانية تعني قلب، شعور، فكر، مجموع القدرات العقلية والأخلاقية... وبجمعهما يمكن الحصول على التفكير بـ، أو تذكر... وبشكل آخر، يمكن أن يشير هذا المصطلح إلى الفكر المتعلق بالماضي أو بالذكريات، أو بالتفكير بالحاضر وبالمستقبل. د. يمكن إذن ترجمة وونيان بـ "لافكر"، "لامشاعر"، أو "لاقلب"، لكن هوي ننغ يقول: "من لا يحقق هذه الدهارمه لا يبلغ الوونيان الذي هو اللاذكرى wou – I واللا تعلق wou – cho." من الواضح أن ترجمة وونيان بلا فكر أو بلا قلب غير كاف أبدًا للتعبير عن الفكرة الجوهرية. ويقول هوي ننغ أيضًا: من لا يدنس نفسه بأي شيء، ذلكم هو الوونيان. على الكائن المفكر أن يكون متجاوزًا دائمًا وغير متعلق بأي مجال لئلا يكون الفكر سبب إنتاج مجال آخر. ولاشك أن هوي ننغ لا يشير هنا إلى الوونيان باللافكر فقط، إذ أن الكائن الإنساني الذي يجرَّد من الفكر يكون ميتًا كما يقول. وكما يرى، فإنه يجب أن يكون الفكر فاعلاً ومتحركًا، وإلا فإنه لن يوجد. ومن جهة أخرى، فإن التفكير باللاتعلق هو تعلق. هذا ما يعبر عنه شن–هوي Shen-Huei أهم تلامذة هوي–ننغ، والذي اعتبر بعد الشيخ السابع للمدرسة: إن الذين يتحدثون عن التأمل في الفراغ وتركيز انتباههم عليه هم متعلقون بالفراغ. وأما ما يعنيه الوونيان بالنسبة له، فيقول: وو هي اللاوجود، ونيان هي تشن–جو tchen-jou (تثاتا tathâta، أو الجوهر الكامل النقاء). وعند سؤاله عن الفرق بين نيان وتشن–جو أجاب: "لا فرق بينهما". وسئل مجددًا لماذا تفصل بينهما إذن طالما لا فرق بينهما، فأجاب: "عندما نتكلم عن نيان، فإن ذلك هو تجلي أو رد فعل التثاتا التي هي جوهر الفكر أو طبيعته العميقة". وهكذا نرى أن كافة الأحاسيس هي تجليات للتشن–جو. أما تعليق سوزوكي على وونيان فجاء على النحو التالي في دراساته: بحسب هوي–ننغ، وونيان هو اللاوعي، وهو الاسم الصحيح ليس فقط للحقيقة الأسمى، بل ولحالة الوعي التي تظهر فيها هذه الحقيقة. طالما بقي وعينا منفصلاً عن الحقيقة، فإن قواه تتمركز بشكل واع أو غير واع حول الأنا، وتكون النتيجة النهائية شعورًا بالوحدة وبالألم. إن على الوعي، بطريقة أو بأخرى، أن يتصل باللاوعي إذا كان منفصلاً عنه، وعند تحقق التواصل تكون النتيجة هي الوونيان. يقول هوي ننغ في شرحه للوونيان: ولكن يا أصدقائي، أن نحقق لمرة واحدة الرؤيا الداخلية، وسندرك ما يعني أن نكون البوذا. عندما يدخل نور براجنا إلى أعماق الوعي، فإنه ينير الداخل والخارج. وكل شيء يصبح شغافًا ونعرف عندها فكرنا الأعمق. ومعرفة فكرنا الأعمق يعني الانعتاق. وعند بلوغ الانعتاق تتحقق البراجنا–سمادهي Prajna-samãdhi، وتحقيق البراجنا–سمادهي يعني تحقيق اللاوعي. ولكن ما يعني تحقيق اللاوعي؟ إنه يعني رؤية الأشياء كلها كما هي، ودون التعلق بأي منها. إنه الحضور في كل مكان وعدم التعلق بأي مكان. إنه الإقامة أبدًا في نقاء طبيعتنا الحقة... إنه البراجنا–سمادهي وامتلاك ضبط الذات، وبلوغ الانعتاق. وهذا ما يُعرف بأن نحيا اللاوعي. إذا لم تأتنا أية فكرة من أي شيء كان، فهذه إشارة لتوقف الوعي، وفي عبوديتنا لدهارمه نكون أيضًا ضمن إدراك جزئي. إن من يفهم أمثولة اللاوعي يكون ذو معرفة كاملة بكل شيء. ومن يفهم أمثولة اللاوعي يفتح عينيه على ملكوت بوذا. ومن يفهم التعليم الخاطف والخشن للاوعي يبلغ حالة البوذا. * * * يجدر بنا التوقف أيضًا عند كلمة تثاتا tathâtâ التي مرت معنا، والتي يستخدمها هوي–ننغ مرارًا وتكرارًا. تثاتا تعني أن نكون "ذاك". ويرد هذا المصطلح بشكل خاص في النصوص البوذية، ويلفظ بالصينية تشين–جو tchen-jou: تشين تعني الحقيقي، الأصيل، الصحيح، النقي... وجو تعني المشابه، المطابق، اللامتغير... ومن هنا، فإن التثاتا هي المعرفة الشاملة والكونية، ولهذا فهي مطابقة للكون طالما أن كل معرفة تكون مطابقة لموضوعها. "وهي إذن الدهارمه كلها، لكنها مع ذلك ليست دهارمه هي نفسها". إنها التثاتا، الجوهر الأسمى كلي النقاء، ومع ذلك، فهي ليست مجموع الجواهر النقية الأدنى منها، وهي تحتويها دون أن تُمتصَّ فيها. غالبًا ما كان هوي–ننغ يشير أيضًا إلى أتباع مدرسة "الأرض النقية" الذين كانوا يعبدون أميتابها Amitâbha، وهو بوذا النور اللانهائي (أميتا amitâ لانهائي وأبها abha نور...). وبحسب الميثولوجيا البوذية كان يعرف بأميتايوس (لأن دوام حياته أيوس âyus لانهائي). ويشكل أميتايوس أقنومًا في ثالوث البوذا، أي في أجساد البوذا الثلاثة: أميتايوس وأفلوكيتسفارا Avalokiteshvara ومهاستمبراتا Mahasthamprata. إن أفلوكيتسفارا تعني الذي ينظر برأفة نحو الأدنى، أي نحو الكائنات مهاستمبراتا المعذبة، وقد بلغ قوة كبرى. وبحسب التقليد البوذي الصيني، فإن عبادة أميتابها ولدت في شمال غرب الهند عند الحدود بين الهند وإيران، ودخلت الهند نحو عام 150 م. كيف يمكن أن نفهم إشارة هوي–ننغ إلى الأجساد الثلاثة للبوذا؟ إن عقيدة الأجساد الثلاثة للبوذا، تري–كايا Tri-Kãyã، هي إحدى أهم وأعمق تعاليم مدرسة مهايانه. ويمكننا أن نقرأ شرحًا هامًا لها في مقدمة و.ي. إيفانز فنتز W.Y. Evans-wentz لنص الباردو تودول Bardo-Thödol، كتاب الموتى التيبتي؛ يقول: توجد في الباردو تودول عقائد باطنية مغلفة بالرموز. ويمكن إيجاز عقائد المهايانه الأساسية هذه بالشكل التالي: 1. الفراغ: إن الهدف الأسمى في كافة مناهج اليوغا التيبتية هو تحقيق الفراغ، لأن تحقيقه هو بلوغ الدهارمه–كايا Dharma-Kaya اللامشروط، أو الجسد الإلهي للحقيقة، والحالة البدئية للامخلوق، وحالة الوعي البودهية bodhique فوق العالمية: حالة البوذا. 2. الأجساد الثلاثة: الدهارمه–كايا هو أسمى أجساد البوذا الثلاثة، وجميع البوذا والكائنات الذين حققوا الاستنارة الكاملة. والجسدان الآخران هما: سمبوغا–كايا Samboga-kaya، أي الجسد الإلهي الموهوب كليًا، والنيرمانا–كايا Nirmâna-kâya، جسد التجسد الإلهي. يُرمز للدهارمه–كايا بمحيط لانهائي، ساكن لا موج فيه، ترتفع منه ضبابية وغيوم وقوس قزح، وهي تشير بمجموعها للجسد الثاني سمبوغا–كايا. وإذ ينير قوس قزح هذه الغيوم فإنها تتكثف وتسقط من جديد بشكل أمطار تمثل الجسد الثالث نيرمانا–كايا. إن الدهارما–كايا هو البودهي bodhi البدئي الذي لا شكل له، والذي هو التجربة الحقيقية المتحررة من كل خطأ أو إعتام مقصود أو طارئ، وفيه يكمن جوهر الكون، ويتضمن السنغسارا Sangsâra والنيرفانه Nirvana (سنغساره أو سمساره Samassâra عالم التجلي والظواهر والولادة والموت، وهو القطب المقابل للنيرفانه). وكعالمين أو كشرطين لقطبي الوعي يكونان متطابقين في أعلى درجات المحاكمة العقلية. وبكلمة أخرى، فإن دهارمه–كايا (جسد القانون كما يترجم أدبيًا) هو الحكمة الأساسية، وسمبوغا–كايا (جسد الحساب والتعويض) يعطي الشكل للحكمة المنعكسة، والنيرفانا–كايا (الجسد المتغير أبدًا)، أو جسد التحول، يعطي الشكل للحكمة العملية أو المتجسدة. "اللامخلوق، والذي لاشكل له، واللامتغير، هو دهارمه–كايا. وظهور كافة الصفات الكاملة في جسد، ذلك هو سمبوغا–كايا". إن ما يتخذ شكلاً من كل ما هو حكمة في دهارمه–كايا، هو جسد سمبوغا–كايا. أما تمايز الجسد الوحيد إلى كثرة فهو نيرمانا–كايا، أو التجسد الإلهي بين الكائنات الحسية الغارقة في الوهم المسمى سنغسارا. إن كافة الكائنات التي تولد في هذا العالم أو غيره بكامل وعيها وإرادتها وتعمل على الارتقاء بالآخرين لمستواها هي الكائنات المتجسدة في نيرمانا–كايا. يقول اللاما كازي داوا سمدوب Kazi Dawa Samdup: في المشهد اللامحدود للكون الموجود والمرئي، وأيًا كانت الأشكال التي تظهر فيه، وأيًا كانت الأصوات التي تهتز فيه، وأيًا كانت الإشعاعات التي تنيره أو التي يعرفها الوعي، فإن ذلك كله إن هو إلا لعبة أو تجل لتري–كايا، المبدأ الثالث، سبب كافة الأسباب، الثالوث الأولاني. * * * تتمة في تاريخ الزن وتأثيره في الفن دخلت بوذية الشان إلى اليابان منذ القرون الأولى لتطورها في الصين. لكن تأسيسها الفعلي تم على يدي إيزي Eisai في القرن الثاني عشر، ثم شويو ديشي Shõyõ Daishi الذي أدخلها في القرن الثالث عشر. كان إيزي ينتمي للتقليد الصيني لينجي Linji (رينزي Rinzai باليابانية) من بوذية شان، وهو يؤكد على أهمية الكوان kõan (الأحجية) والصدمة العنيفة من المعلم الذي يهدف لمساعدة التلميذ المتأمل على بلوغ الاستنارة (ساتوري). أما الزن كما أدخله شويو ديشي إلى اليابان فكان يميل إلى التأمل في وضعية الجلوس الصامت (زازن zazen) الذي يمكن أيضًا أن يؤدي إلى تجربة الاستنارة. وتعطي المدرستان معًا الأولوية لتعليم التلميذ على يد معلم، ولتقليل الكتابات والنصوص إلى حدِّها الأدنى. وفي القرن السادس عشر، لعب كهنة الزن دورًا هامًا في تاريخ اليابان كدبلوماسيين وإداريين، وساهموا مساهمة كبرى في بناء الثقافة اليابانية. وقد استلهموا النماذج الثقافية اليابانية وتبنوها مثل طقس الشاي وفن البستنة والرمي بالقوس... وكما أن الزن غير مؤسس على عبادة ألوهة متغايرة في صفاتها، كذلك فإن جمالية الزن ليست مؤسسة على فلسفة محددة. لكنها تقدم وسائل مباشرة وهامة لفهم الزن، طالما أن أشكالها وأنماطها بعيدة بشكل عام عن الرمزية التي تتعلق بها المذاهب الأخرى في الفن البوذي. فبالنسبة للزن، لايكون العمل الفني تمثيلاً للطبيعة، بل يكون هو نفسه عملاً من أعمال الطبيعة، وهذا لا يعني أن تترك الأشكال الفنية للفوضى أو للصدفة، بل ألا يكون ثمة ثنائية فاصلة أو صراع أو تعارض بين العنصر الطبيعي في الصدفة والعنصر الإنساني الضابط. "إن التقنية الفنية في الزن هي منهج في الآنية، وآنية في المنهج"، كما يقول آلان واطس A.Watts. ثمة مصطلحات قليلة تبين لنا بحث الزن عن كل ما يمكن أن يقرب الإنسان من الطبيعة لكي يتمكن عبر ذلك من اكتشاف الجوهر الإلهي الذي فيه هو نفسه: سابي Sabi، أي الوحدة، أو إنجاز الأشياء في آنية عجيبة مما يعطي العمل شكلاً طبيعيًا لم تلمسه يد إنسان؛ وابي Wabi، أي التعرف الفجائي والآني على طبيعة الأشياء العادية جدًا، أي البساطة والعفوية والفقر؛ أوار Aware، أي إدراك الشكل التحولي الانتقالي للعالم وللحظات التي لا معنى لها من حياتنا، ومعرفة الشكل الحقيقي للحاضر اللازمني، وهو الموضوع الثابت في كافة الفنون الزن. كذا يمكن أن نلخص كافة مظاهر هذه الثقافة بكلمات بسيطة وقليلة: البساطة والصرامة والطبيعية والتناسق. * * * مقتطفات من تعاليم هوي–ننغ أيها الباحث المستمع، إن كل حكمة مصدرها طبيعتنا الحقة والعميقة، وليس مصدرًا خارجيًا. لا تتكلم باستمرار عن الفراغ دون أن تمارسه وتحققه في قلبك. أيها الباحث المستمع، ما هي براجنا؟ إنها تعني الحكمة الأسمى (التجاوزية). فإذا حافظنا بصرامة في كل وقت وفي كل مكان على فكرنا حرًا من أية رغبة، فإننا نمارس الحكمة. إن التركيز هو جوهر الحكمة، والحكمة هي تجلي التركيز. وعندما نبلغ هذه الحكمة يكون التركيز مساويًا لها، والعكس صحيح. الحكمة تولِّد التركيز، والتركيز يولد الحكمة، وليس ثمة فارق بينهما، إنهما يشبهان المصباح ونوره؛ المصباح حامل النور، والنور تجلي المصباح. (يوحد هوي–ننغ هنا بين الطريق والغاية.) أيها الباحث المستمع، علينا المحافظة على الدرب نقية حرة. فكيف تستطيع وضع الحواجر فيها؟ إذا حررنا فكرنا من التعلق بالأشياء، يكون الدرب واضحًا وبغير ذلك فإننا نعيق أنفسنا بأنفسنا. إن بعض معلمي التأمل يعلمون تلاميذهم التركيز على فكرهم للحصول على السلام حتى يكف نشاطه تمامًا. وعندها يتخلى التلاميذ عن أي جهد عقلي. والجهلة الذين لا يفهمون يصبحون مجانين كونهم وضعوا ثقتهم كلها بهذا التعليم. ومثل هذه الحالات ليست نادرة ومن الخطأ تعليم الآخرين القيام بذلك. في التعليم الأورثوذكسي لا يوجد عمليًا تمييز بين الاستنارة الآنية والاستنارة التدريجية. والفرق الوحيد المعروف فعلاً هو أن بعض الناس يملكون ذكاء حادًا بطبيعتهم، في حين يكون أشخاص آخرون محدودي الذكاء. المستنيرون يكتشفون الحقيقة فجأة، لكن الذين يعيشون في الوهم يأتون نحوها تدريجيًا. ومع ذلك، يختفي هذا الفرق ما أن نبدأ بتعلم معرفة فكرنا الخاص وبتحقيق طبيعتنا الحقة. ولهذا فإن تعبيري "آني" و"تدريجي" هما أكثر ظاهرية مما هما واقعيين. من تقليد مدرستنا أن نعدَّ اللاظاهرة won-siang كجوهر، واللاتوقف won-tchou، أي عدم ترك الأشياء تأسرنا، كقاعدة، واللاتعلق won-nien كمبدأ جوهري. اللاظاهرات تعني عدم الانغماس في الأشياء الخارجية. واللاتعلق هو تجلي جوهرنا كلي النقاء (تشن–جو، أو تثاتا). واللاتوقف هو اعتبار ما هو خير أو شر كفراغ. أي أن نعامل المقربين إلينا وأعداءنا سواء بسواء. وعلى الفكر ألا يتوقف عند هذه النقاط لأية لحظة كانت. * * * الساتوري والكوان في أحد الأيام، سمع هوي–ننغ المقطع الشعري التالي على لسان أحد التلامذة، وهو لمعلم في فن التأمل يدعى وو–لونغ Wuou-Lung:
إن لوو–لونغ دروبه ووسائله لعزل الفكر عن الأفكار كلها، وعندها قال هوي–ننغ: "إن ناظم هذه الأبيات لم يحقق بعد ملء طبيعته العميقة، وتطبيق تعليمه لايؤدي إلى التحرر، بل يزيد من القيود شدة." ونظم مقابل ذلك هذه الأبيات:
ليس عند هوي–ننغ دروب ولا وسائل إن ما يحمله هذا المقطع من حيوية دافقة ليدهشنا بالتأكيد. فهو يرينا قبل كل شيء لاتعلقه بأية وسيلة كانت. فأي منهج يظل بالنسبة للمعلم الزن قيدًا، وما لم تكن الحرية آتية من الداخل، فلا يمكن لأي شكل خارجي أن يطلقها. غير أن شرح هذه الأبيات لا يعد من الزن في شيء. إن على المستمع أن يتقبلها بأذنه الداخلية، وبقلبه. إن الظروف غالبًا ما تؤثر على فكره، لأنه لايعزل نفسه عنها، لكن ثمة نور داخلي يزداد ألقًا باستمرار، نور ينبع من القلب، وتوجهه الإرادة الطيبة التي مصدرها المحبة. ومن هنا، فليس ثمة سبب ونتيجة في الزن، وليس ثمة تسلسل منطقي بمفهومنا المعاصر في تجربة الزن. إنما الزن يتكشف لنا هنا من خلال علم نفس داخلي كلي. وكأنه يبرز لنا من خلال تعاليمه النفس البشرية وهي تولد وتتجدد باستمرار. كذا فإن تعاليم الزن تأخذ الإنسان بكليته الجوهرية التي لا تتألف من مجموع كياناته المختلفة. ومن هنا فإن أساليب بلوغ الاستنارة تظل ناقصة بالنسبة لها ما لم تكن مباشرة، أي متواصلة مع الطبيعة الحقة فينا. ولهذا اعتمد معلمو الزن الكوان kô-an، وهو أحجية يطرحها المعلم على التلميذ. وبشكل عام الكوان سؤال طرحه معلم قديم على تلميذ وشاع بعد ذلك بين معلمي الزن، أو هو إجابة على سؤال أحد التلامذة. وها بعض الأمثلة عليها: 1. سأل تلميذ تونغ–شان toung-chan: "من هو البوذا؟" وأجاب المعلم: "ثلاث كين kin من الكتان." (الكين وحدة وزن) 2. سأل أحدهم إيون–مين Iun-mên يومًا: "عندما لا تهتز أية فكرة في الفكر، فهل يوجد ثمة خطأ عندها؟ - "بقدر جبل سومرو Sumeru." 3. وسأل تلميذ تشاو–تشو Tchao-tcheou: "هل توجد طبيعة البوذا في كلب؟" فأجابه: "أو". و"أو ou" تعني "لا" أو "أبدًا"، ولكن عندما يطرح هذا اللفظ ككوان فإنه يفقد معناه الأدبي. إنه مجرد "أو" بسيط لا أكثر ولا أقل. 4. عندما جاء بانغ p’ang ليرى ما–تسو للمرة الأولى وليحصل منه على التعليم الزن، سأله: "من هو الذي ليس له رفاق بين العشرة آلاف شيء في العالم؟" فأجابه ما–تسو: "عندما تشرب مياه نهر هسي His دفعة واحدة أقول لك من هو". ما هو هدف معلم الزن عندما يعطي غير المسار مثل هذه المسائل لحلها؟ إن الفكرة الأساسية هنا هي تفتيح نفسانية الزن في فكر التلميذ، بحيث تنشأ عنده حالة وعي موازية لا بل ومطابقة لحالة فهم المعلم لهذه الأقوال. وبشكل آخر، عندما نفهم الكوان نفهم حالة فكر المعلم، وذلك هو الساتوري. وفي الحقيقة، فإن معلمي الزن يُعدون عارفين كبار للنفس الإنسانية. ومن هنا مقدرتهم على التعامل معها بهذا الأسلوب المباشر. إن وظيفة الكوان الأولى والأساسية هي صدم الفكر، وإيقافه عن العمل، وإجباره على الإقرار نفسيًا بأن ثمة ممالك لايستطيع بلوغها. وفي مرحلة ثانية، تكون وظيفة الكوان إنضاج الوعي حتى تفجُّره الأخير في الساتوري. فالمرحلة الثانية إذن هي بذل الجهد المضاعف بالتأمل لبلوغ الاستنارة. * * * جانب من فلسفة الزن أحب في النهاية تقديم مقطع من نص لدوجن كيجن Dogen Kigen (أو المسمى أيضًا دوجن إيهي 1253 – 1200) عرضه فيليب كابلو Philipe Kapleau في نهاية مؤلفه ركائز الزن الثلاث، وذلك لاعتقادي أنه يشكل خير خاتمة لمثل هذه الدراسة من حيث هو يرينا عمق فلسفة الزن ويدخل بنا أقصى بعد عقلي يمكن من خلاله تناول بوذية زن. والمقطع مأخوذ من مؤلف بعنوان شوبو جنزو Shobogenzo، وهو يتضمن 95 فصلاً قضى دوجن في كتابتها ربع قرن تقريبًا، ويتناول فيها مواضيع بسيطة تتعلق بحياة الرهبنة، ومواضيع عميقة وشائكة كالزمن والكائن، مع الممارسة التي تقود للاستنارة. ويُعدُّ هذا المؤلف من أعمق ما كتب في الزن فلسفيًا. وسنعرض لمقطع من الفصل الثاني بعنوان الكائن والزمن، وهو من أصعب مواضيع الكتاب على الإطلاق. يجدر بنا أخيرًا، وقبل أن نعرض للنص، التأكيد على أن دوجن لا يتناول الموضوع بشكل ميتافيزيائي بحت ومجرد. فهدفه الأساسي يظل دومًا التطبيق والاستنارة، وتوجيه قرائه نحو معرفة أنفسهم والكون، كما يقول في نصائحه المتعلقة بالزازن Fukan Zazengi: "كفوا عن الاهتمام بالديالكتيك البوذي، وتعلموا بالأحرى النظر في فكركم الحق، في توحدكم." وإليكم النص: قال أحد معلمي الزن القدماء: "إن الكائن – الزمن موجود على أعلى قمة وفي أعمق بحر. وللكائن – الزمن ثلاثة رؤوس وثمانية مرافق، وطوله ستة عشر أو ثمانية عشر قدمًا. الكائن – الزمن هو عصا تلميذ، الكائن – الزمن هو هوسّو hossu (مروحة كان يستخدمها معلمو الزن لطرد الذباب)، الكائن – الزمن هو مصباح حجري، الكائن – الزمن هو تارو Taro وهو جيرو Jiro، الكائن – الزمن هو الأرض، الكائن – الزمن هو السماء." الكائن – الزمن يعني أن الزمن يندغم بالكائن. فكل شيء موجود هو من الزمن. التمثال الذهبي من الزمن، وبالتالي فله عظمة الزمن. عليكم أن تعرفوا أنه ثمة 12 ساعة من "الحاضر"، ثلاثة رؤوس وثمانية مرافق هي من الزمن. وبالتالي لايمكن إلا أن تتطابق في اللحظة الحاضرة مع هذي الساعات الاثنتي عشر. فبالنسبة لنا، لا تمثل اثنتا عشرة ساعة زمنًا طويلاً أو قصيرًا، لكننا نرى فيها مع ذلك اثنتي عشرة ساعة. إن آثار مد وجزر الزمان أكيدة بالنسبة لنا حتى أننا لا نشك فيها، لكن علينا مع ذلك ألا نستنتج أننا نفهمها. إن الكائنات الإنسانية تتحول، متسائلة أحيانًا حول ما لا تفهمه وحول أشياء أخرى أحيانًا بحيث لا تكون أسئلتها نفسها دائمًا. والتساؤل وحده بفترته، هو من الزمن. إن الإنسان يواحد نفسه بالعالم. وعليكم القبول أن كل شيء وكل كائن في هذا العالم هو من الزمن. إن شيئًا لا يعارض أي شيء آخر، تمامًا كما أن الزمن لا يتعارض مع زمن آخر. وبالنتيجة فإن التوجه البدئي لأي فكر باتجاه الحقيقة يوجد في الزمن نفسه، وبالنسبة لكل فكر توجد بالمثل نقطة انطلاق زمنية في توجهه نحو الحقيقة؛ والأمر نفسه ينطبق على الاستنارة. إن الإنسان يواحد نفسه بالعالم، أي مع الزمن. علينا القبول أنه ثمة في العالم ملايين الأشياء، وأن كلاً منها هو العالم كله. تلكم هي النقطة التي تبدأ عندها دراسة البوذية. وعندما نصل لفهم ذلك، نصل إلى كل شيء، وكل شيء حي، يمثل الكلية حتى وإن كان لا يعي ذلك. وبما أنه ليس ثمة زمن غير هذا الزمن، فإن كل كائن – زمن يمثل كلية الزمن: عشبة، أو أي شيء كان هو من الزمن. وكل نقطة من الزمن تشتمل على كافة الكائنات وعلى العالم بكامله. اسألوا أنفسكم إذا كانت توجد أو لا كائنات أو عوالم لا تكون متضمنة في هذا الزمن الحاضر. إذا كنت رجلاً عاديًا، تجهل البوذية، فإنك عندما تسمع كلمتي أرو توكي aru toki (إن النقش الصيني المستخدم هنا يمكن أن يُقرأ أرو توكي، أي "في لحظة معطاة" أو أوجي uji أي "الكائن – الزمن")، تدل بلاشك أنه خلال لحظة معطاة ظهر الكائن كثلاثة رؤوس وثمانية مرافق، وأنه خلال لحظة معطاة كان طول الكائن يبلغ ستة عشر أو ثمانية عشر قدمًا، أو أنه خلال لحظة معطاة اجتزت النهر وأنني في لحظة أخرى تسلقت الجبل. قد تعتقدون أن هذا النهر وهذا الجبل هما شيئان من الماضي، وأنني تركتهما ورائي وأنني أعيش في اللحظة الحاضرة في هذا القصر، أي أنهما منفصلان عني كانفصال الأرض عن السماء. لكن للحقيقة وجه آخر. عندما تسلقت الجبل اجتزت النهر، كنت من الزمن. أنا والزمن لا ننفصل. وعندما لا يعتبر الزمن كظاهرة مد وجزر، فإن اللحظة التي تسلقت فيها الجبل هي اللحظة الحاضرة من الكائن – الزمن. عندما لا نفكر بالزمن كشيء يأتي ويذهب، فإن هذه اللحظة تكون الزمن المطلق بالنسبة لي. عندما تسلقت الجبل واجتزت النهر، ألم أعرف الزمن الذي أنا فيه في هذا القصر؟ إن ثلاثة رؤوس وثمانية مرافق هي زمن الأمس، وارتفاع ستة عشر أو ثمانية عشر قدمًا هي زمن اليوم، إلا أن "الأمس" أو "اليوم" يمثلان الزمن الذي نذهب فيه إلى الجبال والذي نرى فيه العشرة آلاف قمة. إن هذا الزمن لم يمرّ أبدًا. إن ثلاثة رؤوس وثمانية مرافق هي وجودي – الزمن. إن ذلك يبدو وكأنه ينتمي للماضي، لكنه ينتمي للحاضر. إن ارتفاع ستة عشر أو ثمانية عشر قدمًا هي وجودي – الزمن، ويبدو أن هذا قد مضى، لكنه من الحاضر مثل الصنوبر وشجر البامبو. لا تعتبروا الزمن مجرد شيء يمرُّ، ولا تعتقدوا أن وظيفته الوحيدة هي أن يمرَّ. فلكي يمرَّ الزمن، يجب أن يكون ثمة فصل بينه وبين الأشياء. وباعتقادكم أن الزمن يمرُّ، فإنكم لاتعرفون حقيقة الكائن – الزمن. وبكلمة واحدة، كل كائن في العالم بأسره هو زمن خاص في متصل وحيد. وبما أن الكائن من الزمن، فأنا الكائن الزمن الخاص بي. فمن مميزات الزمن أن يمرَّ من اليوم للغد، ومن اليوم للأمس، ومن الأمس لليوم، ومن اليوم لليوم، ومن الغد للغد. وبسبب هذه الميزة لا يتراكم الزمن. وبما أنني وإياكم من الزمن، فإن ممارسة الاستنارة هي من الزمن أيضًا." هنا ينتهي نص دوجن إيهي. إن اعتبار الزمن سيالة تمر باتجاه وحيد يؤدي إلى حتمية وجود نقطة بدء بالنسبة لأية ظاهرة، غير أن هذه السيالة نفسها تساهم مساهمة كبرى في انحراف التوجه الأصلي للحركة وتبدده، مما يؤدي للعماء وللوهم. وهكذا يبرز لنا دوجن من خلال هذا النص إحدى أعلى قمم الحكمة الشرقية القديمة، ألا وهي وهم الزمن وآنية الماضي والحاضر والمستقبل. ومن هذا المنظور، يكون وجودنا بتعدديته وهمًا، ويكون وجودنا بكليته ووحدته الآنيتين حقًا. *** *** *** المراجع - D.T.SUZUKI, Essaia sur Le bouddhisme Zen, 3t, ALBIN MICHEL, spiritualités vivantes, 1972. - D.T.SUZUKI, Le non – mental selon la pensée zen, LE COURRIER DU LIVRE, 1970, PARIS. - PHILIP KAPLEAU, les trois piliers du zen, STOCK+PLUS, 1980. - BARDO – THÖDOL, Le Livre tibétain des morts, presenté par Lama Anagarika Govinda, Albin Michel, 1981. - HUBERT BENOIT, La doctrine sûprême selon la pensée zen, Le courrier du livre, 1967. - HOUEI – NENG, Discours et Sermons, d’après le sûtra de l’Estrade sur les Pierres Précieuses de La Loi FA – PAO – T’AN – KING, ALBIN MICHEL, spiritualités vivantes, Paris, 1984. - LA GRANDE ENCYCLOPEDIE, LIBRAIRIE LAROUSSE, 1976. - ENCYCLOPEDIA UNIVERSALIS, FRANCE, 1984. |
|
|