المقدمة
تثبت لنا ملحمة جلجامش، يومًا بعد يوم،
أنها أكبر من مجرد نص أسطوري، فقد قدمت لنا الكثير من المعلومات الثمينة عن الواقع
التاريخي المعاصر لها. وفي بحثنا هذا سنحاول استثمار نص الملحمة في استقصاء رحلة
يمكن أن تعد أقدم رحلة بحرية مدونة في التاريخ. فبحسب علمنا ليس هناك نص يتكلم عن
رحلة بحرية يسبق من حيث الزمن النص المذكور في ملحمة جلجامش،
والذي يستوعب مجمل اللوح العاشر من ألواح هذه الملحمة،
فمعظم النصوص التي تتكلم عن رحلات كهذه متأخرة كثيرًا عن الزمن الذي دون فيه هذا
النص بما لا يقل عن عشرة قرون. ناهيك عن طوله الذي لا يدانيه نص آخر حتى مراحل
زمنية متأخرة حيث تنعدم النصوص المطولة إلى زمن هوميروس صاحب الأوديسة أو
حنون الفينيقي صاحب الرحلة التي اجتازت أعمدة هرقل ودارت حول ساحل المحيط الأطلسي
(بحر الظلمات).
تردَّد
اسم نوح في عدد كبير من السور، وهو في الميراث الإسلامي "أول رسول بعث إلى أهل
الأرض". وردت قصة الطوفان بشكل مختزل في القرآن من دون تحديد لزمنه، وتركَّز
الحديث فيها على سجال نوح مع قومه طوال "ألف سنة إلا خمسين عامًا" (العنكبوت،
15). في شرحهم هذه القصة، ذكر أهل التفسير كمًّا هائلاً من الروايات والأخبار،
وتطرَّقوا إلى أصغر التفاصيل في عرض وقائع الحوادث التي عاشها نوح في رحلته
الطويلة. استعاد المصورون هذه الحوادث في مرحلة لاحقة، وباتت صورة نوح وسط
عائلته في الفلك نموذجًا إيقونوغرافيًا يتكرر في الكثير من الكتب المزوَّقة.