مقاطع من مياه الكائنات المضطربة
أسعد
الجبوري
1
النصُّ واللصُ في اللوحة.
كلاهما مثقلٌ بالفرجة على القارئ.
الأولُ لقيطٌ خارج من أعناق أنابيب
مختبرات المخيلة.
والآخرُ مُستكشفُ للموت في ِتربةِ العقلِ..
ملتقطٌ للمعاني في البراري في السفنِ..
ومتربصٌ بطاولة القمار في اللغة.
وهو أين.
أبعادهُ خرائطٌ في الشك والأقفال.
ومنامتهُ اكواريومٌ لتماسيح تخوضُ في اللاهوت
والكونسروة ووراء منسوب الضوء في النساء.
ليس أفظع من سبات الشهوات في مجرى
بركان.
مقعدهُ ذاك هناك.
أراهُ متخمًا بالسواد على تلال الغيم.
لا من مسندٍ أو مسندٍ إليه.
كأسهُ ترسانتهُ في الحبّ.
ومنه يمتلئ جمرًا لسهرة تشبههُ
عند اكتمال الذئاب على مائدة القمر.
هل كان مؤلف ذعرِ في كتابٍ واقفٍ
بين أصابع الليل.
لا يعرفُ
لا أعرفُ.
الظلامُ أبادني وغطى زقاق ذاكرتي
بنعاس مُشتقٍ من بخار الرصاص.
والشِعرُ خبزٌ يَمرضُ في العاشقين.
لا يُدركُ
لا أدركُ.
لأن قلبي لم يكتمل رغيفًا يُدمنُ عليه
جرادُ الحب في الجسد.
وكل سؤالٍ ماءٌ سيُثمرُ لاحقًا.
هل أقولُ: النصَ طينٌ نبني به العمرَ
الخربان.
وإن بلادًا بعيدةً تصنعُ من لحومنا الغذاء الملكي
لمدافنَ يولد التاريخُ فيها ولا يدفن.
هل النصُ غير رقعة حربٍ.
أقصدُ ميدانًا لتبادل القصفِ بالقبلِ أو بالقاذفات.
أقصدُ مكانًا لمحو مستوطنات الزمن
من الرأس.
أقصدُ سيوفًا منشورةً على حبال غسيل.
أقصدُ اللهَ
وكيف درّبَ الأرضَ فكانت حبة زيتون
بدل الزر الضائع من قميص حبيبي.
ليس أكثر مشقة من إقامة على ورق
أو في حضن أو فوق صخرةٍ في منتهى
سيزيف.
كنت حلُمتُ الأرضَ كرسيًّا مقذوفًا
في الظلام.
قنبلةً في فم ريح.
كرةً يُدحرجها النملُ إلى نفسه في شقوق
السبات.
* *
*
2
الورقُ الإلكتروني بلادٌ
دون تراب.
أنتَ الأفضلُ
تَشقُ وتعبرُ حدودَ الزمكنة.
وليس أجمل من منزل في الريح.
* *
*
3
هل من تعبيرٍ مضادٍ لمرض
الذاكرة العضال في منازلنا المقامة في بطون
الكومبيوتر.
النعاسُ يحطمُ أثاثَ قوافلهُ في النفس.
وكنتُ أراني ثياب جبلٍ ممزقٍ على طريق
المريخ.
تتبعني نساءاتٌ من صنعٍ يدوي.
تلك المرأةُ ..
أليست جريدةً للسرير.
ذلك الذكرُ ..
أليس أرشيفًا تَخلّعت أبوابهُ برياح
نزوات.
والآن:
كل ما كافأتنا به المخيلةُ تسحقهُ أحذيةُ
الدوّاب.
* *
*
4
المؤلفُ بارودٌ.
هكذا يُسمي نفسهُ..
ويستمرُ باللعب داخل صناديق الديناميت
مُديرًا شؤونهُ مع عقارب الجماليات
وبعض ما في الفلسفة من أقفالٍ وخُدعٍ
وعضلات يابسة لكتبٍ تاهَ مؤلفوها
في صحارى المطابع.
* *
*
5
النصُ واللصُ
كلاهما مرآةٌ مهشمةٌ قرب الآخر.
دلفينٌ وبهلوان.
وماذا يَصيدُ المرءُ في ماء نفسهِ
غير إخطبوط الزمن.
* *
*
6
الكتابةُ درّجٌ أوتوماتيكي بظهرٍ
مضغوط الفقرات.
وهو كالعادة..
يَكسرُ على الورقِ نهرًا
ثم يرثي نفسَهُ في الطوفان.
* *
*
7
الشاعرُ ذاك..
هل كان نصًا تائهًا بين جبال تغسلُ
ثيابها بالكحول وبالقليل من العسل
الأسود.
هل كان قميصًا موسيقيًا من تلك اللغة.
وتتمرنُ على بيانوهاته الشيطلائكة
بشيء من النرفزة والارتباك.
هل كان باخرة جانحة بنزوات ..
وعلى ظهرها نهودٌ من مختلف الأجيالِ
المغرمة بوشك الانفجار.
* *
*
8
الشاعر ذاك..
كان يقول:
الحب والماء توأمان في تاريخ الفراق.
وأول أقوام العاشقين شعوب
الرماد.
* *
*
9
الشاعرُ الغائبُ في نفسه.
الشاعرُ الحاضرُ في غيبوبة الأبد،
يدركُ أنهُ وحدانيٌ في وحدةٍ موحدين.
ولا تنفصلُ كلماته قبل النّو
ولا بعد تفسخ الزلازل.
كان يرى نفسهُ نادلَ كلمات يتبادلُ
الأراضي والأنخابَ والمرافئ والعيون
مع كائنات قيد التعديل الوراثي.
كم في القصيدة من أعينٍ بلا رماد
ولا رمد.
الأعينُ مناجمٌ للمعادن الماجنة
وقلبي وحدهُ مُثقَلٌ بحديدكِ.
* *
*
10
الشاعر ذاك..
ليس بدر شاكر السياب أو شكسبير.
ليس مالك بن الريب أو بورخيس.
ليس كارل ساندبرغ أو ديك الجن.
الشاعرُ ذاك دنانُ خمر عميقٍ
في باطن أرضٍ عريقة.
ولم يأتِ بعد.
لكنه يخرجُ من نساء ويدخلُ فيها.
يلتقط الكمثرى من آبار الأجساد
الملبدة بلوتشانو بافاروتي ورياح أصواتهِ
العابرة للرأس غيومًا من جراد.
الشاعرُ ذاك غايةٌ في نفس
مجهولٍ من عصر الرومانسيات.
هو شاعرٌ ..
كأنهُ يجري في الثعابين
حتى ذوبان العاشق في الأقحوان.
هو شاعرٌ سديمي قليلُ الارتباك..
وأعتبرهُ محفظةً لجمع نقاطي من الليالي
والثمار والسينما وأزرار مقطوفة من فساتينَ
نائماتٍ خارج لحومهن في صيفٍ عريق.
أيضًا..
الشاعر ذاك
أعتبرهُ ضياعي في اللذة.
نهرًا غارقًا في بطون أقمار تشبه البيض الفاسد
بالحمى الهيروسية حينما تستوطنُ
أسرةَ البنات في البللِ المُنتج للشرر.
* *
*
11
والجسدُ يبتعدُ ممتلئًا بفراغ الآخرين.
هو يبتعدُ عن جسدهِ في فراغ الروح
وجسدهُ لا يقيمُ وزنًا لأطلال من النيران
وهي تجري في تلك اللحوم.
يبتعدُ عنهُ في مواقيت الحصاد.
وأقتربُ منه حينما أكون وإياه على مرمى
الهزّة الكبرى.
تقول امرأة وهي تتلمسُ الأرخبيلَ الجنسي
في صفحة بئرها.
ثم وبعد ذلك تضيفُ:
هو جسدي.
هو كهربائي التي تسقي الأعمى
فيكتب.
هو حقلٌ بالهيدروجين ولا حدود في تربته.
جسدي لا أعرفه.
أرمي فيه شباكي فقط
وأرتفعُ على سطوح مراكبه نحو مدنٍ
وذكورٍ وأشجارٍ بلحاء من الياقوت.
هو أيضًا لا يعرفني ..
يقومُ بتربيتي بين الأبراج ولا يهدرني أبدًا.
كل يوم ينهضُ.
يرفعُ أنقاضي من داخلي
ويفرُ لطاولةٍ له في القِمار مع آخر ديناصورات
الشعر في مكتبة الليل.
والآن ..
ألا ترى الماءَ حزينًا ومُثلجًا على باب الكأس،
كأنه يحاول النزول في المعنى.
على بعد فرسخٍ منه رجلُ القُبَّرات الشاسع
يغطي نومَهُ على طاولةٍ تائهة
في الخمر.
بعدها يمضي في بلاغتهِ
ليُحركَ بأقدامهِ سمكًا في باطن الأرض.
تاركًا الشهواتَ باستبدادها الستاليني
تتبعُ الراقصاتَ إلى منازل أرواح مليئة برماد
آلهة القرون الوسطى.
الرجلُ الشاسع..
وبعد أن ضيّعَ قُبّراتهُ في متحف الليالي.
لا يبكي
لا يبحثُ
لا يَكسّر فكرةً على طاولة أو في دفتر
أو فوق رصيف.
إنه فقط يستقلُ قطارًا لملاقاة قرابينهِ
في حربِ الشغف.
* *
*
الغلاف الرومانسي
أين العاشقُ
يَمسكُ يدَ الغائبةِ ويبكي مع الحبّ
في نقطة.
في نخلةٍ في جازٍ في بيرة داكنة
في بريتون في مركبٍ أو في ساعة بلقيس
الروليكس.
ما التناص ما بين الغرام والفراولة.
بين الشجرة الجنسية والروض العاطر
حينما يصعدُ درجاتَ الجسد ويصبحُ
مدخنةً لخيالٍ يعبرُ القاراتَ كمكوك هاربٍ
من ناسا.
ثمة خللٌ في جبال العاشقين.
كأنما الحبّ معركة في الزهايمر.
ثمة اختناق.
ربما لأن القلب علبةٌ مليئة بالحشائش
السوداء.
وهنا على الباب الخلفي للذاكرة،
تتربصُ التماسيحُ دون أن تُفصحَ
عن رغبتها بالعودة لبحيرات سيغموند فرويد
المبعثرة داخل ذات هجرتها الوسائدُ
والأقراصُ المُبرّدة للبراكين.
ليس الأمر ضحلاً.
البريدُ العاشقي سيفككُ شفرات
الأيروس في الهيموغلوبيا
وسيأتي قطارُ الشهقاتِ لاختراق خط
غرينتش لاحقًا
تلك اللحوم المرتفعةَ على ترسانةِ
العظام..
لا بدّ أن تُشق.
فيما ستتمددُ الأرضِ على السرير كمئذنةٍ
مَسكونةٍ بمئات اللقالق.
ونحن كتلُ صراخٍ سرعان ما سيختفي
وراء تلك الصنوبرات النائمة في النسيان.
* *
*
بحيرات سيغموند فرويد
قيلَ لن يلمس كتبَ المرأة
قبل أن تخيطَ أصابعهُ لجسدها جدارًا
شبيهًا بسور الصين.
* *
*
قريبًا من العزلة
كأن كل شئ يتفكك
إلا الرثاء وأثواب الحديد.
* *
*
كتاب الوردة المتأرقة
كم كان العقلُ هَرمًا في اللوحة.
في الرسائل المنقوعة بالاحتباس الحراري.
العقلُ قبل إرسالهِ للمغسلة.
قبل رفع سقفه وإطلاق سراح حشراتهِ
مع نساء التك تك.
العقل قبل شكل الإوزة وبعد عصا مايسترو
يقودُ الثيران عند بحيرةٍ سبقَ وإن تركتها
أحلامُنا تغطُ بالغرقى.
ما أروع النسيان هاويةً في نهاية الرأس.
* *
*
مسلة نائمة في الظل
كأن
الكأس وحدها لا تتقدمُ
بالسنّ.
وكأنك كاتب بيانو مختبئ في لوحة العشاء
الرسولي ما قبل الأخير.
هل قلتَ:
فكك أيامنا هكذا يا ربّ.
واتركنا قطعَ غيارٍ طائشة في مكنسة
الريح.
هل قلتَ:
قلبَ الشيطانِ من ذهبٍ،
وقلبي تاكسي سينقلّبُ بركابه
ذات شتاء.
هل قلتَ:
الليلةَ لا ماء عندي لأنصبَ على أكتافهِ
جسرًا يُوصلني بالمرأة ذات الأجراس.
هل قلتَ:
تلك الأحلامُ ما بها..
كأنها جوقة فِيَلة تئنُ على الطاولة.
هل قلتَ:
لماذا على اسمهِ تنهالُ المدافعُ
والسيوفُ..
وهو نارٌ للجذّبِ في السمندلِ وأساطير
النصوص.
هل قلتَ:
أين هي القَدمُ البصيرةُ،
والأرضُ حذاءٌ كفيفٌ تبللهُ العتمةُ.
* *
*
المرأة ذات الأجراس
عينُ الغريبِ على المرآةِ
ضريحٌ للترجمة.
قلْ ذلك وأمحو تلاطمَ الزجاج
في العقل.
* *
*
المختبر
مبكرًا...
على بواخرَ الكرخ
نسيّ الرجلُ المعرفي أن يجمعَ
رمادَ الغرقى من المياه.
كانت العاصمةُ هودجًا تملؤهُ الأشباحُ
بالجثث المختومةِ والمتطايرة والسائرة
في نومها على تخوت العدم.
الجسرُ الجمهوري هائمٌ في تيه
بغداد.
والثملُ بعرقِ (أم كاترين) دون ثلجٍ على طولهِ
الجغرافي.
كيف نكون من ولايات الشغفِ
لا من ولايات الفقيه أو
usa.
الأرض ليست وردة جوري أو زورق
صيد في العواطف.
لم نرَ شمسًا تغسلُ تمثال الرصافي.
رأينا ذبابًا أصفر يملأ الشوارعَ بالعدم.
تلالُ اللحوم تتبعُ تلالَ اللحوم
على المسرح.
والعظامُ تبتعدُ.
بلادي.
بلادي.
بلادي.
الدمُ ترسانةٌ في الشاعر...
ويمشي بها طيرًا ممزق الصفات والورق
والزجاجات والزهور والمياه.
ما زال يندبُ ولاياتٍ في مرايا ترابطُ
في قعرها ثعابينُ الشمسِ.
العراقُ الآن تنظرُ نفسها تمثالاً في الشتات
الأمريكي...
والأرضُ بصحةِ البلاد تتدهورُ على مرمى
الزوال.
* *
*
الثعابين في قعر الحمى
الحبُ الذي مضي على امتداد
السنوات العجاف.
خفاشُ سيركٍ فقد المهارةَ في الدفاتر وحلبات
الرسوم المتحركة والنساء.
كم كأسًا لإيقاظ زمن الرومانسيات
في مستودعات الذاكرة المتعثرة
تحت بلاط المدافن.
هذي...
بلادٌ في منحدرٍ دائمٍ.
ليس فيها معملُ خياطةٍ للأدمغةِ الممزقةِ
بالرمل والانتهاك.
ولا للأكباد المرقعةِ بخيوط الحنظل أو برياح
الخمر اللاسع.
الأعين بُليت شرفاتها بالقيح
والزمهرير.
والشعراءُ على ظهور دوابهم النافقة
في الأرصفة والأساطير والمطابع،
يأكلونُ فاكهةَ الجحيم الملتحية بالحنين
ونشادر الغناء.
وممتلئين في أعالي ثيابهم بخيال الجوكر
وبالأقمشة التي لا تليق باللحوم أغلفةً.
أليسوا هم من أصحاب التوليب المريض.
شعراء اللاحكمة.
اللانعاس.
اللافردوس.
اللاعقيق.
اللامنازل.
يطوفون حول أجسادهم المليئة بالسرطان
وأعينهمُ ترعٌ مليئةٌ بفوارغ الويسكي وفوارغ
الأسطوانات وفوارغ الجنس.
يا شعراء: كيف الخيبةُ خوذةٌ على الرأس.
والأحذية تغوصُ في ترابنا المفقود في الحديد.
الشوارعُ ترتجفُ كما الأصابع تحت وقع
الثلج.
والتاريخُ على عتبة الذاكرة شجرةُ
صفصافٍ تحاول مغادرة المكان مع البعوض
إلى مرافئ الدم الغيظ.
يا شعراء: ألمْ تروا الكحولَ مليئةً بالعظامِ
وهي تحاولُ قتلَ الهواءِ في المنافذ...؟
هل نحن أجسادٌ ملتهبةٌ في نافذة صحراء.
وكؤوسُنا خارج التغطية؟
كيف لا أعرف؟
رأسي ضليعةٌ بكل الخراب الانقلابي...
هذا خريفٌ ضخمٌ مثل عشر مجلدات
من اللوغريتمات.
إنه كثيرُ الأختام وأرجِلهُ في وحل النفس المتصابية
بالسعادة.
قلتُ ذلك للحيوانات النائمةِ على الدرج الأسود
من تلك الروح القصيّة.
والآن أستعيدُ المفاتيح لنظارة القراءة،
ليسوني النظر في البعيد.
يا شعراء: هل أغانينا رملٌ مهجورٌ خارج الأكياس،
وقلوبنا كتلُ سرابٍ تتجمدُ على طريق النشوةِ
المتطرفة.
القلبُ في مركبةِ الريح...
الجنينُ يرسمُ صورةَ الأرض في الكتابة...
وبعد قليلٍ من تروتسكي والبطاطس وشراب
الفودكا،
ستلتهمُنا الدببّةُ في قيعان الورق،
ولا نكون من التائهين.
يا شعراء: كم تعِبٌ تربية النحل الغرامي
على سرير أو بين صفحات دفتر أو بين خزائن
ريح.
يا شعراء: البواطنُ العميقة ولا باب.
وشهوةٌ تموتُ في كامل الرغوّة.
يا شعراء: الماءُ الآخر في أرشيف اللحم
لا يهدأ.
الماءُ الآخر مرآةٌ تستعملها فتاةُ
الدوش عندما تفحصَ نهديها في مواقيت
ما قبل التنشيف.
ثم تسقطُ في فراغ العاشق أجاصه
من نار.
يا شعراء: السوتيان في سلة الغسيل
يهذي بذكرياته المحمومة.
ينظرُ في الكيلوت السكران على حافة البانيو
ويطرح زفيرهُ كثعبان كوبرا.
الأسئلة تتوارد
منظومة الجسدُ الصيفي تحت سيطرة
الشامبو.
والعقلُ المغسول بالغبار الذرّي خارج درجات ريختر.
اللهاثُ الفطري في تتابع.
ولندى الدوش قلوبٌ تنفطرُ بمجرد مرور
ليفة الأسفنج على الصندوق الأسود.
بعدها ملايين من البطارخ
لا تبالي بالانتحار الجماعي
في قناة بنما.
يا شعراء: الصابون في الحمام لغةٌ.
والمياه
ليست
عمياء
أبدًا.
يا شعراء: جهنمُ شوفاجٌ
في نهاية مشردين شُيدت في عظامهم
مباني الزمهرير.
وهنا الأقحوانُ مرٌ في الخيال العابر،
وصخرٌ في حضن الظلام الطويل.
يا شعراء: اللمبّةُ الحمراء وسادةُ الفتاةِ
في فم السرير.
إلى جوارها تمساحٌ للمحاكاة...
سيشربُ نخبنا في الحانةِ
دون المرور بحديقة الأكباد المشمعة
بأركان الديناميت.
وأنتَ يا حبي.
يا وردةً زرقاء في شاحنة غيابي عن نفسي.
ألمْ ترَ الكؤوسَ مرتفعةً مثل كاتدرائيات
روما.
ونبيذنا أرضٌ مغمورةٌ بملفات معادن القصائد.
أليس الخمرُ خرير أدمغتنا على ورق طفولة
هجرت إسطبلها في التاريخ.
يا شعراء: انظروا الأفخاذَ الهائجةَ هناك
تخرجُ منها أبخرةٌ ليورانيوم كامل الدسم
للتدفئة في يوم قصيدة النثر المُتكسر.
يا شعراء:
ثمة امرأةٌ لها جهازٌ كثيرُ الاستطرادات
لا ينام.
يا شعراءَ الحقنةِ الـ
يا شعراءَ البط الوحشي
يا شعراءَ الراديو البصري والهايكو والصعلكة
والكنغ لنغ والدخان وحظيرة العمود
والتفعيلات.
هاي
هاي
أرى فيكم أرانبَ تجري في القصائد
وخلفها السهامُ والويسكي ومراكبُ
لقراصنةٍ يحملون نقادًا نفذت بطارياتهم
وسط الصحراء.
يا شعراء الوقود الأحفوري وغاز الفريون
الطيور الميتةُ على لائحة المخلفات العضوية.
النارُ تتزوجُ الأرضَ.
وما من بوصةٍ للسكن في المعجم
الوسيط.
يا شعراء: ما من خزامى في الحديقة
المجاورة لعظام البدن المسقوفة بالزمهرير.
هنا الرأسُ طاحونةُ غبار وتنكيل وأسبرين باير
ألماني.
هنا براميلُ العقلِ تُملأ بوحل لا نهائي من نصوص
السحايا والكلاب وقاتلي الطاقة.
هنا المخُ يكبُ كل يوم فضلاتهُ
من أجل تربية حشرات أفضل في الكتب
والثياب والأسطوانات وملاجئ الليل.
يا شعراء:
الأصابعُ في العاشقين عيونٌ
تنظرُ بحرارتها.
وإنا جَرفنا تلك القلوب ببخارٍ
لن يُنسى.
هل النساءُ على أبوابنا...
أم نحن أبوابٌ ضائعةٌ في نساءات
من الريح.
الوسادةُ فارغةٌ في الريش
في السرير
في ساعة اليدِ
كأن لا شيء يُحرك فصولها.
بما في ذلك الفحولة التي تُخصبُ
أرحامَ الأساطير.
* *
*
لأن هناك دوشًا
لن تحدث الحربُ،
قبل أن تمتلئ الحناجرُ بالكِلاب.
* *
*
الرعاة
حبي في حجري ليلاً
شمسٌ مجففةٌ
* *
*
قوت
الكلبُ إلى جانب الرجل.
الليل يتألم من شيخوخته.
ثمة كأسٌ وبياض.
وثمة صحنٌ ممتلئ بخوخات مجعدة.
الرجل يتذكرُ الرسائلَ
لكن الريح تفقدهُ تلك الرائحة، فينسى
حديقتهُ في الماضي.
الكلبُ لا يقفُ في لوحة نفسهِ ويصبح
كوخًا يتذكرُ البحيرة...
الرجلُ لا يختزنُ في رأسه البوارج...
الكأسُ تزدادُ فراغًا وتصير حفرةً
تصبو إلى لمبة معلقةٍ بين الشفاه.
كأن كل كلمةٍ في ذلك الشتاء
هاويةٌ.
والسيمفونيات كذلك،
عندما تمرُ الطبول ُهائجةً كالجاموس بالرأس.
تتبعها الآلاتُ النحاسيةُ في تظاهرة حربٍ
لاحتلال ملاجئ الحواسّ.
هل المنزلُ هو الآخر هاويةٌ.
بتعبير أدق:
هل القصيدةُ قفزةٌ في بئر تزئرُ
فيه أبواق شبيهة بالمداخن المختنقة.
الغليون مطفأ في صحن الخشب الأسود.
الهواءُ يابسٌ على القمصان.
والماعز يخرجُ من كتبٍ دفينةٍ
تحت بلاط الجسم.
وماذا بعد...
لم يقلها الكلبُ ذاك.
ولا الرجلُ ذاك.
الباردُ المكانُ القفلُ المحكم الجنسُ المهشمُ
العشُّ فارغٌ إلا من أصواتٍ خلفتها العاصفةُ
في البهو النفسي.
فيما خيال الكلب بقي مشغولاً
برقصة فالس طارئة.
ربما وردته عبر البريد الإلكتروني.
وأيضًا...
في ذاك الرجل جرذٌ أزرقٌ يلتهمُ الأسطوانات
سعيدًا...
ربما لإعادة تأليف تلك الموسيقى
في هاويةٍ جديدة.
* *
*
الجرذ الموسيقي
تروتسكي بنظارته البلشفية
الضيقة.
كأنما من تماثيل روما وراء زجاج
لفاترينة في مهب الريح.
وثمة فأسٌ
كانت تقرأهُ بصمتٍ في مجاري القاموس
الأحمر.
* *
*
الفأس
المتصوفُ الأفلاطوني
يصورُ الوطنَ متحفًا لقبائل من الأشباح
يرتعُ في دمها السمُّ البلاغي.
هل ستعودُ الرياحُ بالطاعون ثانيةً؟
المخُ في القاعِ مع الضفادع...
ربما من أجل لعبة تحرير الأصابع
في قصيدة ممتلئة بالنساء.
الشاشاتُ سَتُقفلُ على طول الأعين.
وعربةُ الجازِ العابرة للنفوس القديمة تلك...
ستخرجُ من الكراج، وتبثُ بخارها
الموسيقي لتحريك المياه في الأرواح
البائدة.
بينما سيعرضُ فلاسفةُ الأمكنة
مقطعات من ترابهم للبيع.
طلبًا للحشيش والشمع والنبيذ المُستخلص
من عروق الشمس
الجازُ لن ينتهي.
أبدًا.
حتى لو نامَ العازفون في أهل
الكهف.
* *
*
فلسفة
أتذكرُ قيسَ حطبًا تخلى عنه
الشيطانُ في صحراء اللغة والرحم.
أتذكر الحبّ بومَ قبيلةٍ،
ويقيسُ ضغطَ الدمِ في ثدي ليلى
بالأمتار.
هل مر يومٌ باردٌ على العرب...
أقصدُ نهارًا دون هرولة وراء جنازة.
أقصدُ الربيعَ، حينما تُنتزعُ منه عضلاته
في الصخب والرومانس
ويكون حليقَ رؤوسٍ يملؤها الرملُ والذبابُ
وجندرمة الأسلاف.
النارُ على الطريق الصحراوي ابتسامةُ
أعمى.
وكنتُ هناك أحصدُ في الثعابين
تواريخَ هجراتنا في الأرق والحصبة وما تخلفه الرمالُ
على الوجد من عصيدة.
أين الخمارون في ضحى النفس،
ليرتقوا لنا خراب منازلنا على أكتاف النيران.
هل نحن الشارعُ...
وهم يمضون بنا إلى عطلة كبل الكهرباء
في العقل والوجد والكتاب اللامتفق عليه اجتهادًا
أو مجازًا أو قتلاً بالاستقرار.
أيتها الشجرة المنتصبة في داخل داخلي
الهمجي الرومانسي الفانتازي المائي:
كيف يصنعُكِ من الكتابةِ نقطةَ ضوءٍ
بعيدة عن الذبول.
أنا الآن: هو.
أعني غرابًا أعمى يتجول في غابة
الألغاز ولا يفيقُ.
وحولهُ أشجارٌ عاريةٌ من ابتسامات
التماسيح.
* *
*
خربشة
كنا على أبواب الله أعمدةَ نارٍ.
تتفتح في رؤوسنا المستشفياتُ والزواحفُ
ومستحثاتٌ من العنقاء ومن الأبراج المحدودبة
داخل النفوس.
معنا الموتى يقرأون نسخًا عن حوادثنا
بالفيديو كليب أو بالأقداح.
أعماقنا مقبورةٌ خلف آلاف الأميال
من اللحوم
مضخاتٌ للاغتسال بحليب نهودٍ
فوارّة كجبال بوكيت باريسان السومطرية.
هل لابد من الغضبِ في جوف ذلك الطير
الذي نغصُ في صالته صعاليكَ لا يأكلون
من الشمس غير ظلالها القاحلة.
الأعشابُ تنجبُ حيوانات لتأكلها فيما بعد.
وما أشبه القُبل المتداولة بالصحف المُثلجة
أمام الأكشاك.
مصابيحُ الحانةِ الآن...
والخمرُ بطانيةٌ على بردٍ في أقاصي العظام.
لم نكن يومًا من المُفرطين بالحبّ تحت قباب
تلك الأجساد المزروعة بمقاعد الجنس.
كان الله يُكيفّنا حسب الساعة.
وليس بيننا والأنبياء غير فارق العملة.
ومرةً
تلو
مرةٍ
ونحن ذكرياتُ زوارق.
نتقدمُ التقويمَ وندخلُ جدرانَ البحار.
سيرًا على جسورنا المُطَهرةِ بصمتِ
الكمنجات.
ولن نصل مكانًا في القديم.
ولن نتلمس جدار رحمٍ في القديم.
الأرضُ قبرٌ على الظهر...
ونمشي معًا في المراثون.
لا أحد سيسبق أحدًا في الاولمبياد.
ولا من قوسٍ للقزح يزعزعُ ليالينا
على يابسة كتابٍ.
موتٌ يُدخنُ...
يملأ الغرفةَ باللصوص والماريجوانا
فيما العقل المُبعَدِ سائحًا في برّ
السيارات،
يتقمصُ المنازل العقلانية في الأموات
وعائدًا لاحتضان كائنات الافتراس
في الغابة.
لكل ملاكٍ في النفس جاسوسٌ.
كلا. هناك طوابيرٌ.
يزرعون الشيخوخةَ في الأصيص الجواني.
ويقطعون شجرَ الزمنِ بمناشير من النار.
كذلك يفعلون بالجبال السيكولوجية،
حينما يتمُ اغتصابها بالأشباح على فراش
الظلام.
كأن العمر ليس غير طابع بريدٍ مكسورٍ.
وهنا...
أي في المسافة الفاصلة ما بين الرأس
والشاشة والأصابع.
الحبرُ يتوقف عن النشيد قرب لوحة
مفاتيح الكومبيوتر.
فيما القلمُ الذي كان مهملاً هناك...
يدخلُ أشدّ حالات البكاء،
كأنه من كثرة بقع التقاعد التي ملأت وجهه
لا يعرف العودة لمسقط رأسه.
أليست الكتابةُ غيبوبةٌ بالغيوم؟
يسألُ المصباحُ،
فيما تمضي المداخنُ بالتصاعد عبر ثقوب
اللغة.
* *
*
الكمنجات
9
الشتاتُ غصونٌ
متدليةٌ على منازلنا في الربّ.
ليست شمسًا كانت.
ولكنها تشرق على عظامنا البيضاء في الليل،
لنكون جولةً من البكاء.
ونحنُ أساطيرٌ بلا كراسيّ.
كلما وقعت نوتاتٌ من أجسادنا
على الاوستراد الفلكي،
ادعى أيتامُ الآلات الموسيقية بضياعنا
في مجاري الفلاسفة وغيوم النحاتين
ومخترعي النار للحديد.
ومع أن نواحنا يتفسخُ على القارعة...
مصحوبًا بتساقط أعمدة كهرباء في النفس
مذ قرون.
أيدينا دفاترٌ مرمية على الطاولات.
والذكرياتُ تسكنُ قيعانَها مثل ذئاب
صَنعت من الثلج قمرًا لتنوحَ على هوامشنا
في آخر الليل.
10
الليلُ على قبر زمزم صفصافٌ.
وحولهُ حصانٌ ينعي صهيلهُ المُتكسر.
11
الآلامُ قطعانٌ...
وكان يمضي بالتواريخ من باب المقهى
إلى ضفاف مارلين مونرو في غابة السرير
الموحشة.
يسترقُ السمعَ لجيوش كأنها
في مثانة.
ويطوي نفسَهُ المتشحةَ بالقات وأسطوانات
تعليم النوم.
الصدأ ينازعُ وجه أمريكا...
هكذا استذكرَ زمهريرًا
وكأنه لا ينتهي في البريد الأيديولوجي
السكرّاب.
12
البكاءُ عِلمٌ لا يُقاس.
أنشد الجندي الصوفي جملتهُ المخبولة
أمام ضريحهِ في المرآة،
وذاهبًا دون ترددٍ لسهرة له في الريح.
13
لم يمش خلفهُ بكاؤهُ على طول الطريق...
كأن الهواءُ مكسور الركبتين ويجفُ
وحيدًا دون قهقهات.
وما بين الموت والحياة جدارٌ
في منتهى الشيخوخة.
الموتُ
14
وأنا أراني حركةَ نار في جسدِ لغة.
ترتفعُ خلفها الأغاني تلالاً شاهقة من الكروم
والذكريات والمياه اليتيمة.
15
هنا أخرجتُ من صدري الرمال...
وأخذتُ معي الإبل لتقطعَ بي شاشتي
في الظلام.
حيث الزمنُ مبنى فوق مبنى فوق مبنى
ومن مداخنهِ جرادُ يرتفعُ
ليرتع من كاتو الموت.
كيف أرى شعوبًا بعدَ هذا التاريخ
المكسور.
16
ندخل طواحين الدمع عراةً بلا حنين
بلا تبغ بلا سلمون مُدخنٍ أو قنينة عرق
من زحلة.
الشمسُ تضيقُ على ظهر المظلة.
والذكرياتُ بعد انقطاع الكهرباء
عواصفٌ عاطلةٌ عن العمل.
17
يرى الجسدَ ترعةً مازوت
بطيء الاشتعال في نساء الاكتئاب...
ومن ثم لا ينهضُ.
آخرون يستعملون الغازَ لتطهيرهم من الشيخوخة
في مقهى ستاربكس.
فيما هو...
18
سينسى الدمعَ يُغرقُ بلادَهُ في علب
الكلينكس.
أو في الدبابات الجاثمة فيلةً هندية في الأفواه.
أو في قطعٍ من هولاكو المهجور فينا.
سينسى زمنَهُ قطعةَ آيس كريم على رأس هملايا.
سيتركهُ كما النباح في مجرى كلاب.
19
لن تشغلهُ لحيةُ ذلك القرصان الدنمركي
المليئة بالقمل وقشور البطاطس وترانيم الدلافين.
الحشرجاتُ قطع نحاسٍ عند أقدام الغروب.
13
لبنطلون الجينز فمُ راديو يعيشُ
على ذبذبات الأوبرا التي يخلفها نحاتو
اللحوم في الأعين.
الشررُ هناك...
الشررُ لا يتوقف.
الكائنُ ذاك...
جسدهُ مسقطُ رأسهِ في الماء والطينِ.
الكائن الآخر ذاك.
وِلدَ وحيدًا في حوض بناء السفنِ والنصوص
والأحلام.
عصارة الماكياج الخاص بالشهوات
التبشيرية.
الكائنُ ذاك...
يجلسُ على حافة المرآة.
أو قريبًا من الجاز اللحمي والأسبرين
وأغاني السود...
ينقبُ عن صوره في الأرشيف.
الكائنُ ذاك...
كائنُ مقاماتٍ عالية
يريدُ جمعَ الكثير من الأنهار،
هديةً لامرأةٍ تريدُ البكاء على قبره.
الكائنُ الآخرُ ذاك...
يحطمُ إبزيم النهرُ،
ويرميه في الشارع حزامًا طويلاً.
والماءُ يضحك.
ينظرُ الجسدَ غسالةً لا تدورُ بلاه.
وثم يضحكُ.
هل كان الكائنُ ذاك في جسده نهرًا يشقُ
أساطيرَ الجفافِ
ويغني للبذور المضطربة بمراهقة الملح.
من أين يعلمُ.
هو لا يعلم حقًا.
لذلك تقومُ فتياتُ الجاكوزي بانتزاع بطارياته
القديمة في محاولة لشحنه بالوقود الذرّي
ليعرف.
***
*** ***