|
||||||||||||||||||
| |||||||||||||||||||
|
الريـكـي
1
سمِّه السر في جملة التحوُّلات الطيبة التي عمَّت العالمَ كلَّه لتعزيز التوجهات الفلسفية والروحية والصحية الإيجابية من أجل مجابهة هذا التخريب والدمار كلِّه الذي يتصاعد هو الآخر، يشكِّل الريكي Reiki أحد أهم هذه المقومات الفاعلة، تؤكد على ذلك سرعةُ انتشاره وتبادلُ الخبرات والوعي به. فالريكي منظومة فلسفية ورؤيوية متكاملة للحياة والكون وطريقة للاستشفاء من جميع الأمراض، الجسمية والنفسية والروحية أيضًا. خبرتي مع الريكي أسهمت في نموِّ كلِّ ما يتعلق بي – جسميًّا وروحيًّا، نفسيًّا وفكريًّا – وفي تنويره. وبالتالي، عمَّقتْ هذه الخبرةُ رؤيتي لحقيقة ذاتي ولمعنى لحياة، وأضاءت طريقي الروحي. وهنا يكمن مدى تأثيرها على تجربتي الشعرية: ثمة فعل جوهري تُحدِثُه خبرةُ المصالحة مع الذات والتواؤم والتناغم الروحيَين، حيث تزدهر الرؤيا الشعرية بمعطيات إنسانية وفلسفية عميقة تنعكس على رؤى النصِّ الشعري ولغته. 2
إنْ أردتَ أن تراني فما الذي أغراني بالدخول إلى هذا العالم؟ عندما أتممت جلسات الريكي مع الصديقة د. منيرة الفاضل، لاحظت التطور الشفائي الذي حدث لي على أصعدة متعددة؛ وهذا ما شجَّعني على تعلُّم الريكي. وعندما بدأتُ أتعلَّم انفتحت أمام ناظري أبواب من المعرفة والحكمة والتأمل الروحي. حسب المرء لبلوغ ذلك أن يتعلم طُرُقًا متعددة للاستشفاء الذاتي، ومن ثم لمساعدة الآخرين، لأن الريكي يعمل على تحقيق توازُن الطاقة الداخلية الذي، بدوره، يساعد على إيصال هذه الطاقة عبر المسارات إلى أعضاء جسم الإنسان الداخلية كافة، وذلك لبلوغ هذه الدرجة من التناغم الصحي وتحقيق الانسجام بين العقل والروح والجسم، ولتحقيق توازُن الإنسان، الداخلي والخارجي، مما يعمل على تفجير الطاقات الكامنة لديه ليصبح منتجًا وسعيدًا، نافعًا لنفسه ولمجتمعه. ذلك كله أسهم في فتح آفاق مهمَّة للريكي غيَّرتْ حياتي، أيضًا من خلال القراءة عن العلاج بالطاقة الحيوية ومتابعة المواقع المتخصصة على الشبكة. ثم تطورت علاقتي بالريكي عبر مواصلة التدرب والتعلم من خلال الانتقال التدريجي من المستوى الأول إلى الثاني، فالثالث، حتى الرابع، ثم الحصول على درجة Master (معلم) في الريكي (جن كي دو) وفي الـInner Sense (الحس الداخلي) الذي انتهيت منه مؤخرًا مع د. رانجا پريمَرتْنا في أستراليا، بحيث أصبحت متمكنةً من تقديم دورات تعليمية وجلسات استشفائية. 3
أحببتُه، يسهم الريكي في تحسُّن صحة الإنسان تحسنًا جذريًّا، فتتدفق الطاقة الإيجابية في مساراتها لتساعده على إعادة صياغة رؤيته لاكتشاف حقيقة ذاته والعالم. والأعمق من ذلك أن حياته تتغير نحو المزيد من المحبة والعطاء، الرحمة والغفران والتسامح، الأمل والفرح الطاغي والغبطة الروحية، السلام الداخلي والتصالح مع الماضي، المثابرة على إثراء الحاضر وتحسين آفاق المستقبل. إن ما شدَّني إلى تعلُّم الريكي هو طبيعته المُحِبَّة والرحمة التي تكتنفه نحو الذات والآخرين وتلك النتائج الجوهرية كلها التي يتضمنها: فهو يساعد الإنسان على التغلب على المخاوف المَرَضية وعلى التخلص من القلق والتوتر والشعور بالطمأنينة، كما أنه يحفز الجهاز المناعي ويسهم في تقويته وفي تسريع تجدد الخلايا، ومن ثم تعزيز قدرة الجسم على الشفاء الذاتي الداخلي من جميع الأمراض. هكذا تحدثنا د. منيرة الفاضل: العلاج بالطاقة يندرج تحته العديدُ من الوسائل والتمرينات التي تتعلق بتنمية طاقة الفرد الشخصية باستعمال طاقاته الكامنة عن طريق التخيل والتأمل وبرمجة العقل من أجل إيجاد توازُن في طاقة الفرد، ينتج عنها توازُن في حياته المادية والروحية، توازُن بين نفسه وجسمه. أما العلاج بالريكي فهو يعتمد، بالإضافة إلى السابق ذكره، استخدام الطاقة الكونية في علاج الجسم المادي والأثيري بهدف الشفاء من الأمراض الجسمية والنفسية. هذه الطاقة العلاجية لا يمكن استقبالُها إلا من خلال "دوزنة" أو ضبط لمراكز الطاقة في جسم الإنسان على يد مدرِّب Master مؤهَّل في هذا المجال. فمن غير ذلك لا يمكن القول بأن العلاج المستعمَل هو الريكي. أجمل ما في خبرة الريكي أنه يعمِّق طبيعة الإنسان الحقيقية التي خلقها الله (الفطرة)، ينمِّيها ويصقلها، يعزز تقدير نعمة الحياة والتعاطف مع الكائنات الحية قاطبة، فينير قلوبنا بالمحبة المطلقة غير المشروطة، المحبة الكونية التي تتقاسمها قلوبُ البشر، فتضيء أرواحهم منذ الأزل، رغمًا عن جميع المؤثرات السلبية التي تتفاقم لطمس نورها المديد: كل هذا العنف والدمار والحروب والألم والشقاء الذي صدع الكوكب بالشرور، كل الطغيان الذي لا يزال يسهم في إعمال هذا الخراب وتصديره واستمراره. أجل، الريكي طاقة نور تسرف في إضاءة القلوب بالمحبة والرحمة نحو الحياة والأرض والكون قاطبة. 4
عنايةُ الحياة عناءٌ تتجلَّى الطاقة التعبيرية عميقًا في العملية الإبداعية بمكنونها الرؤيوي. فحيثما تكون الطاقة يكون الوعي، نبض الكون بما تمثله الحياةُ ذاتها من مختبر طاقيٍّ يترنم بكلِّ هذا الجمال الذي لا يُضاهى. منذ الأزل انشغل الإنسان بتنمية احتياجاته الروحية وصقلها بالوعي والمعرفة للمضي في طريق التفتح الروحي الأشمل نحو النور الذي يحث خطاه ضد انهيال الظلمة وانسدال الجهل، مشتعلاً بالتوق والأمل إلى خلاصه الأخير. عندما تفاقمتْ شرورُ النهب والحروب والعنف والطغيان، تعاظمتْ أيضًا الرغبةُ في الدفاع عن الحياة، عن الحرية، عن المحبة. فكل هذه التحولات التي عمَّت العالم في السنوات الماضية كانت تشي بجموح الروح نحو التغيير، برفض ما يحدث من تدمير لهذا الكوكب. وكل التوجهات المختلفة والنهضة الصحية والرياضات الروحية والبدنية التي تسعى إلى حماية الحياة، تحققت عبر سريان الطاقة الإيجابية ونفاذ طرائق التفكير الإيجابية في شكل عميق، أي عبر تشكُّل الوعي الذي تخلقه الطاقةُ ذاتها في مراكزها الفاعلة ضمن جهاز الطاقة في أجسامنا، ليس من خلال مجرد الشعارات أو الإرشادات أو النصائح الذهنية وحسب، بل من خلال المشاركة في برامج تدريبية تُعنى بتطوير إمكاناتنا المؤجلة، وذلك بتطهير نفوسنا من الشوائب والملوثات التي صدعتها. الريكي خبرة روحية، فيها ممارسة يومية للتأمل والاستشفاء الذاتي، وفيها أيضًا علاج الآخرين. ثمة فيه تفانٍ حقيقي من أجل التطور والتفتح الروحي. الريكي طاقة حيوية للاستشفاء من أسباب الألم والشقاء الإنساني، طاقة تثمر عن الوعي الذي يتأصل في مراكز الطاقة ويقوي جهاز المناعة، طاقة تجابه كلَّ مصادر الطاقات السلبية المنتشرة في حياتنا، وعي شمولي يهتم لكلِّ تفاصيل المعيشة والحياة، من مأكل وملبس وتفكير ومشاعر وكلام وسلوك وكتابة وعلاقة مع الآخرين. فحياتنا كلها تخضع لعملية تطهير وتنقية دؤوب نحو الحضور الإيجابي الفاعل في الحياة في شكل عميق. 5
رتِّقْ حروفي، آن للثقافة العربية، متمثلةً في مرتكزاتها الإعلامية، أن تتقصَّى ما يحدث من تطور على هذه الأصعدة الطاقية الإيجابية لتخليق الوعي المثمر والمؤثر ولتطوير حاضرنا والتهيئة لمستقبل يليق بنا كبشر، كون هذه الرياضات الروحية مرتبطة عمقيًّا بحقيقة الإبداع وتشكُّلاته التعبيرية وفنونه. فلنقترب على الأقل، وإنْ قليلاً، من شرفة تاريخنا العربي وهو يدوِّن اجتهاداته الفلسفية المتعمقة في التجارب الشعرية بمآلاتها الروحية، كما حدث مع شعراء التصوف وتجاربهم المتقدة بالكشوف والرؤى، وما رافقها من تنظير نقدي يستلهم معطياتها المتفردة. هنا يستوقفنا مدى الدلالة، لنشير إلى مقصدنا في وضوح: فما نعنيه ليس تقصي التجارب الشعرية التي تستنسخ الآخر بتتبُّع مفرداته ودلالاته، ومن ثم إعادة تحبيرها على الورق، بل التجارب التي تجسِّد على الورق مصاب الجسم وابتلاءات الروح ذاتها، عبر سبر غور التحديات الروحية والإتيان بفرادتها وحدها، دون مرجعية أو استناد على جهد أحد. تتسم خبرةُ التصوف الإسلامي بمفهوم يتسع لتجارب متباينة في دلالاتها الروحية. لذا تتعين الإشارة إلى أن بعض الخبرات الصوفية، المتعمقة في نهجها الروحاني الكشفي، تتصف بصيرورة وجدانية وروحانية تقارب خبرة الريكي. هناك تجلِّيات تحددت بينهما ضمن مدى الطاقة ومدارك الوعي في حضارات وثقافات مختلفة. فكلاهما – التصوف والريكي – ينشد طريق التحقق عبر مجاهدات التنقية والتفتح الروحي نحو المحبة والنور؛ وثمة انشغالات متشابهة فيهما لترسيخ رؤى فلسفية تندغم في معارف إنسانية تسعى لإشاعة قيم الحرية والرحمة والمحبة والحنان والغفران والتسامح والعمل الجدي والفاعل من أجل الدفاع عن الإنسانية والحياة لحمايتهما من أشكال الطغيان والشرور والخراب كافة. التصوف خبرة روحية اختصت بها الثقافةُ الإسلاميةُ في حضارتنا العربية؛ أما الريكي فهو خبرة روحية كونية متاحة للبشر أجمعين. 6
قنديلٌ خالٍ من الليل أجمل تجلِّيات طاقة الريكي الاستشفائية يتحقق عندما نصغي إلى آراء المتدربين في دورات المتابعة أو المتعالجين وخبراتهم حين يتحدثون عن حدوث تحسُّن صحي أو حياتي ما تحقَّق لهم وغيَّر حياتهم نحو الأفضل. أما على صعيد تجربتي الشخصية، فالتجلِّيات لا تنحصر في مجال محدَّد لأتحدث عنها، كونها مستمرة الحدوث والتنوير لمناحي حياتي كلِّها التي تأثرت تأثرًا كبيرًا. وأقوى تلك التجلِّيات شعوري الدائم بالسلام الداخلي والغبطة الروحية والامتنان العميق لله على منحي هذه الحياة! *** *** ***
|
|
|
|
