|
تحرير الجنسيَّة
الاجتماعيَّة يُعتبَر مصطلح
"الجنسية الاجتماعية"، الذي يقابل مصطلح
gender
المستخدَم في الغرب، من المصطلحات
التي باتت معتمَدة في علم الاجتماع منذ فترة.
وعلى الرغم من استخدامه في الغرب منذ
السبعينيات، إلا أن استخدامه في منطقتنا
مازال نادرًا، غريبًا عن المجتمع الشرقي. بالطبع،
هناك فوارق كبيرة بين مصطلحَي "جنس" sex و"جنسية اجتماعية".
فكلمة "جنس" تشير إلى الفارق البيولوجي
بين الأنثى والذكر؛ أما "الجنسية
الاجتماعية" أو "النوع الاجتماعي" فهو
الفارق الذي يضعه المجتمعُ أو يكوِّنه، إذ
يقوم بمنح أدوار اجتماعية مختلفة تعتمد على
الثقافة المتخلفة التي تنصِّب الرجل جنسًا
مسيطرًا وتجعل المرأة جنسًا ناقصًا وتابعًا.
الفوارق بين المصطلحين ملموسة للغاية: (1) في
حين يعبِّر الجنسُ عن حالة طبيعية، فطرية،
فإن الجنسية الاجتماعية حالة مكتسبة من إيجاد
الإنسان؛ (2) الجنس يعبِّر عن اختلاف في
الأعضاء، بينما الجنسية الاجتماعية تعبِّر
عن المسؤوليات والأدوار والسلوكيات التي
يُكسِبُها المجتمعُ لكلٍّ من الأنثى والذكر؛
(3) الفارق الجنسي لا يمكن أن يتغير إلا
بعمليات جراحية، في حين يمكن تغيير الجنسية
الاجتماعية مع الزمان والمكان والتحول
الثقافي. القيام
بتثبيت كهذا أمر مهم جدًّا في نظر علماء
الاجتماع والحركات النسوية feminist،
لأنه يُعتبَر انتقادًا للكثير من النظريات
والإيديولوجيات التي كانت تؤكد على أن
اللامساواة القائمة بين الرجل والمرأة تعود
إلى النقص الطبيعي في جسم المرأة؛ وإذ يضع هذا
التثبيت بذلك إشارة استفهام أمام الأطروحات
الكلاسيكية السابقة كلِّها، يمكن لنا القول
بأنه يُعتبَر نظرةً جديدةً إلى القضايا
الاجتماعية. إن
المفهوم الأساسي الذي تعتمد عليه الجنسية
الاجتماعية هو أن التقسيمات والطبقات
الاجتماعية كلَّها تعود إلى ما تعرضت له
المرأة من اضطهاد ولامساواة على مرِّ
التاريخ، وبأن اللاعدالة القائمة هي من صنع
البشر والمجتمع، وليست من خلق الطبيعة. لذلك
فإن الوضع هو من اصطناع النظام الاستبدادي،
وهو قابل للتغيير بحيث يمكن للمرأة أن تأخذ
أدوارًا تجعلها تخرج من النطاق الذي رَسَمَه
لها المجتمعُ التقليدي، وبحيث تستطيع أن
تغيِّر فكرتها عن نفسها وعن الرجل وأن تغيِّر
فكرة الرجل عن نفسه وعن المرأة، لأن فكرة
النقص أو السيطرة والتحكم يكتسبها الطفلُ منذ
الصغر، وإذا ما تم إيجاد ذهنية متحررة من آثار
النظرة الدونية إلى المرأة فيمكن أن يتم
تأسيس مجتمع متحرر من ذهنية الجنسية
الاجتماعية. في
الحقيقة، يمكن لنا رؤية آثار ذهنية المجتمع
الجنسوي sexist في كلِّ
ما يدور في محيطنا، حتى إن كل شيء بات يسبح في
مستنقع الأفكار البالية. فالطفل، منذ الصغر،
يكون مطوقًا بهذه الذهنية من الجوانب كلِّها،
بدءًا من فكره وعواطفه حتى أيِّ شيء في محيطه.
وإذا ما قمنا بعقد مقارنات بين مقتربات
العائلة المختلفة إلى الأطفال، سنتعرف بشكل
واضح إلى الواقع الموجود وإلى كيفية نفوذ هذه
الذهنية. فمنذ سنِّ الثانية يتم حقن العادات
والتقاليد في شخصية الجنسين، حيث يقال للطفلة:
"تستَّري لكي لا يظهر فرجُكِ لأنك أنثى"،
في حين يتم التعامل مع العضو الذكري للطفل
كلعبة أو كشيء مثير للفرح؛ وفي حين يتم تحديد
ألبسة معينة للطفلة، كالحجاب وغيره، أو
تُمنَع من لبس البنطلون في بعض المناطق، نرى
الطفل الذكر يجوز له أن يلبس ما يشاء من
الملابس؛ وفي حين تُستقبَل ولادةُ طفلة
بالحزن والتشاؤم، تُستقبَل ولادةُ طفل
بالفرح والتفاؤل. زبدة القول إن كلَّ ما هو
جميل وجيد يليق بالذكر وحده، بينما كل أمر
بسيط وتافه يليق بالأنثى وحدها. ولا
شك أن هذا الوضع لا يتحدد بالبيت فقط؛ بل إن
الجنسية الاجتماعية مسيطرة على جوانب الحياة
كلِّها. هناك أماكن ممنوع على النساء دخولها،
كالمقاهي وغيرها، كما أن هناك أشياء يمكن
للرجل وحده أن يستخدمها في البيت: الكأس
الكبيرة، الغرفة الكبيرة، الكرسي الكبير،
إلخ. حتى الكلمات والألقاب تعكس الجنسية
الاجتماعية؛ فهناك صفات تُطلَق على الرجل فقط:
أسد، فهد، نبي، إلخ. بالطبع،
ما تم التوقف عنده أعلاه لا يتشكل تلقائيًّا،
بل هو نتيجة نظام اجتماعي متكامل يعتمد على
الذهنية التحكمية. وإذا ما بحثنا في التاريخ
سنرى أن جميع الإيديولوجيات عملت على ترسيخ
مفهوم اللامساواة بين الجنسين، بدءًا من
الميثولوجيات والأديان التوحيدية والفلاسفة
حتى الإيديولوجيات القومية والاشتراكية
المشيدة واللبرالية الجديدة. فكلها يعمِّق
النظرة الدونية إلى المرأة ويعمل على ترسيخ
الذهنية الطبقية والعرقية بين البشر،
وجميعها يعمل على منح الشرعية لأساليب
السيطرة التي يفرضها الرجل على المرأة. من
الممكن أن يكون هناك فارق من حيث الزمان و/أو
المكان الذي ظهرت فيه تلك الأفكار، ومن
الممكن أن يكون هناك اختلاف في بعض الجوانب،
ولكن النقطة المشتركة هي عدم الاقتراب
استراتيجيًّا من قضية تحرير الجنسين
وإبقاؤها في ظل القضايا الأخرى. إن
افتقار الأفكار إلى العدالة جعلت القوانين
جائرة على مرِّ التاريخ، حيث نرى أنه بدءًا من
قوانين الدولة السومرية حتى الوقت الراهن
مازالت المرأةُ محرومةً من حقوقها الكاملة
كإنسان وكمواطنة. فنرى أن هناك دولاً مازالت
تحرم نساءها من أبسط حقوقهن، كحقِّ الانتخاب
والترشيح، ويقوم الرجل باستخدام أفظع أنواع
التعنيف ضدها، وذلك بالاستفادة من القوانين
التي تمنحه حقَّ الولاية والقيامة عليها. وما
"جرائم الشرف" وحالات الانتحار التي
تواجهها المرأة يوميًّا إلا نتيجة انعدام
الحق والعدالة الاجتماعية في حق النساء. ومن
الناحية الاقتصادية أيضًا هناك تفاوت فظيع في
المجتمع. فبحسب الإحصائيات يقال إن النساء
يشكلن 70% من نسبة الفقراء في العالم؛ وهذا أمر
صحيح، لأن النساء هن أكثر الفئات عرضة
للاضطهاد من الناحية الاقتصادية، حيث تعملن
ليل نهار في البيت دون أن تتلقين أي مقابل لما
تبذلنه من جهد؛ وليس هذا فحسب، بل لا يتم منحه
قيمة معنوية أيضًا، ويتم النظر إلى الأعمال
التي تقوم بها المرأة على أنها أعمال تافهة
بسيطة، لا يتم تقديرها مهما عانت فيها المرأة
من صعوبات كأمٍّ، كزوج، وكمواطنة. وفي حين
يعمل الرجالُ دوامًا واحدًا أو بضع ساعات
محددة في اليوم، تعمل المرأة من الصباح حتى
وقت النوم. ولا يقتصر جهدها على صرف الطاقة
المادية فقط، بل إنها مجبرة على بذل طاقة
معنوية أيضًا، وهو إبداء الحب والعطف والحنان
نحو أولادها وزوجها – هذا في خصوص المرأة
التي تعمل في المنزل. لكن هناك عددًا كبيرًا
من النساء اللواتي يعملن في البيت وخارج
البيت، مما يؤدي إلى إرهاق بدني ونفسي فظيع،
وما يحصلن عليه من أتعاب يقمن بإعطائه
لأزواجهن أو آبائهن دون أن يملكن حرية التصرف
فيه؛ هذا بالإضافة إلى أن حقَّ المرأة في
الميراث، نتيجة أحكام الشريعة، مازال غير
مساوٍ لحقِّ الرجل. ونتيجة هذه السياسة
الاقتصادية غير العادلة نرى نسبة سيدات
الأعمال في العالم بالقياس إلى عدد رجال
الأعمال قليلة جدًّا لأن مجال التجارة والمال
يكاد الرجل أن يحتله تمامًا. ومن
أجل أن تستمر هذه العقلية، نرى بأن كلاًّ من
الإعلام والنظام التعليمي يلعب دورًا
رئيسيًّا، بدءًا من المدارس. فحتى الجامعات
كلها تعمل وفق منهاج تدريبي معتمد على ترسيخ
النظرة الدونية إلى المرأة: يرى التلاميذ في
الكتب المدرسية، منذ الابتدائية، الطبيب
رجلاً والمزارع رجلاً والبطل رجلاً، فتترسخ
في أذهانهم هذه النظرة رغمًا عنهم، حيث يتم
تهميش دور المرأة في القطاع العام في
المجتمع، ويتم حصرُ دورها في نطاق المنزل
فقط، هذا ناهيكم عن التربية الدينية التي
تؤكد أن شهادة امرأتين تقابل شهادة رجل واحد،
وعن مسائل الضرب المبرح والحجاب إلخ – كلها
يعمل على أن تنظر الفتاة إلى نفسها على أنها
"ناقصة عقل ودين"، وأن ينظر الرجل إليها
بهذا الشكل، فتنتقل الرؤية التقليدية من جيل
إلى آخر. ويعمل
الإعلام على إتمام النظام التربوي هذا. فلقد
صار استخدامُ المرأة في الأفلام والدعايات
والمسلسلات والأغاني كسلعة تجارية وعرضُ
كلِّ جزء من أجزاء جسمها في السوق أمرًا
عاديًّا حتى الابتذال. ولن يكون من المبالغة
القول إن الإعلام، لأول مرة في التاريخ، يكرس
انحطاط المجتمع إلى هذه الدرجة: لأول مرة يتم
استخدام المرأة لتحويل الإنسان إلى كائن يعمل
بغرائزه فقط، فيتم تفريغ كلِّ شيء من جوهره،
ليتحول الحب والعشق إلى غريزة حيوانية،
ويتجرد جسمُ الإنسان من قيمته المعنوية،
فيتحول إلى مجرد متاع، ويصير الإنسان حيوانًا
ناطقًا، فيصير كلامه مصيدة تصيده؛ يحل
التشاؤم مكان التفاؤل، العنف مكان السلام،
الانحراف الخلقي مكان الأخلاق، الشتائم مكان
القصائد، القبح مكان الجمال، الكذب مكان
الصدق، إلخ. وبالطبع فإن استخدام العلم
والآلة مجردين من الأخلاق يجعلهما أكثر
الوحوش شراسة. وهذا ما تسوِّقه لنا أجهزةُ
الإعلام المبتذلة. عندما
تنظِّم هذه العقليةُ نفسها إلى هذه الدرجة في
المجتمع، لا يمكن بالطبع الكلام على سياسة
"ديموقراطية"، لأن الدولة تؤسس نفسها
وفق هذه الجدلية: جدلية الضعيف والقوي،
الفقير والغني، الجنس الأسفل والجنس الأعلى،
إلخ. فنرى أنه حتى في البلاد التي تكون فيها
القوانين مساعدةً لدخول المرأة في
الانتخابات لا تتمكن النساء من الفوز. لماذا؟
لأن الدخول في سباق دون أن يتم التحضير له،
ماديًّا ومعنويًّا، يعني الفشل منذ البداية.
تهميش المرأة في المنزل، في الاقتصاد، في
الإعلام، في الأحزاب، في الدعاية، ألا يعني
سَوْقَ المرأة إلى سباق فاشل؟! هذه
هي، إذن، لعبة النظام الرجولي الجديد
ومؤامرته. فكأن الرجل يقول للمرأة: "المشكلة
تعود إليكِ. ها أنا أمنحكِ الفرصة، ولكن
تخسرين!" أي أنه بهذا الشكل أيضا يريد أن
يُشَرْعِنَ نظامه غير العادل (كما حصل في
الكويت)، الذي يعني أن عدم تكافؤ الفرص في
سائر نواحي الحياة، وعدم وجود الديموقراطية
في المنزل، في الشارع، وفي الأحزاب، لا يمكن
لهما أن يؤديا إلى تحقيق الديموقراطية في
السياسة – واستمرار هذا الواقع يعني استمرار
سيطرة الرجال على آليات صنع القرار كافة. لن
يكون من الصحة القول إن نتائج هذا النظام
الجنسوي تؤثر على المرأة فقط. إذ إن ما تعانيه
المرأة، في الحقيقة، من انعدام الحق نفذ إلى
العلاقات الاجتماعية والسياسية كلها: الرجل
القوي ينظر نظرةً فوقيةً إلى الرجل الضعيف،
شعوب الشمال تنظر إلى شعوب الجنوب نظرةَ
الرجل إلى المرأة، القوميات الحاكمة تنظر إلى
الشعوب الواقعة تحت سيطرتها على أنها شعوب
جاهلة وناقصة، ورغبة الإنسان في التحكم في
الطبيعة هي أيضًا انعكاس للعلاقة القائمة بين
المرأة والرجل. ألا يجوز أن يكون تشبيه الأرض
والطبيعة بالأم نابعًا من التشابه الهائل بين
العلاقتين؟ نعم، إذ إن علاقة العبد والسيد
موجودة في عصرنا الراهن أيضًا، وجذورها تأتي
من أول صراع بين المرأة والرجل. وهذا يعني أن
الجنسية الاجتماعية تحكم سائر العلاقات
الموجودة في العالم، بغضِّ النظر عن نوعها. إذًا
كيف يمكن أن يتم تحرير الجنسية
الاجتماعية؟وكيف يمكن لنا أن نعرف الفوارق
الموجودة بين المرأة والرجل؟ في
الحقيقة، هناك حاجة – قبل كل شيء – إلى وجهة
نظر فلسفية جديدة: وجهة نظر متحررة من آثار
النظرة الدونية إلى المرأة. ولن يكون من
المبالغة القول إنه يجب التحقيق في قيم
الحضارة (أو ما يُسمَّى بـ"الحضارة"!)
الإنسانية كلِّها. إذ إنه بدءًا من فجر
التاريخ حتى الوقت الراهن، يقوم المستبدون
بتحريف لتاريخ بما أنه تاريخ الظلم
والمظلومين دائمًا. التاريخ الذي كتبه الرجال
في حاجة إلى إعادة النظر فيه من ناحية دور
المرأة؛ ولن يكون من الخطأ أن تتم كتابةُ
تاريخ جديد للبشرية لأن التاريخ المعاصر يتم
تهميش الناس فيه. وإذا ما تمَّ أخذ هذا
المفهوم أساسًا في تحليل كلِّ ما هو محيط بنا
سيتم الوصولُ إلى مفتاح الفرج لكلِّ ما
تعانيه الإنسانية من قضايا. وهذا يعني أن هناك
حاجةً إلى عملية تغيير جذريٍّ للأسس الفكرية
التي تعتمد عليها مؤسسات المجتمع، بدءًا من
العائلة حتى الدولة، وأن يتم العمل على
اضمحلال كلِّ ما يدعو إلى التحكم في إرادة
الفرد والمجتمع والعمل على ترسيخ أفكار
ديموقراطية راديكالية. من
أجل التمكن من تحقيق نظرة عادلة، هناك حاجة
ماسة إلى الرؤية الإيكولوجية للفروق
الموجودة: في النظام الإيكولوجي كلُّ شيء في
توازن مع الطبيعة، ولكلِّ شيء في الطبيعة دور
خاص به؛ كل الأدوار في الطبيعة ذات أهمية، ولا
يوجد أي كائن أو مادة ليس له أو لها دور خاص به.
لكننا نقيِّم الطبيعة، وبحسب نظرتنا نمنح بعض
الكائنات أدوارًا مركزية محورية وبعضها
الآخر نقيِّمها على أنها ثانوية. وذاك يعود
إلى نظرة الإنسان المركزية anthropocentrism،
وهو قد وضع كلَّ شيء في خدمة الإنسان، دون أن
يتم التفكير على أن الإنسان هو جزء من
الطبيعة، مما يؤدي إلى دمج كلِّ شيء في محور
الإنسان. أي أن هناك علاقةَ تَناسُب طرديٍّ
بين اقتراب الإنسان من الإنسان واقترابه من
الطبيعة، كما نوهت إلى ذلك سابقًا. إن
قيام الرجل بالتحكم في المرأة أدى إلى التحكم
في الطبيعة وإلى الاغتراب عنها، لدرجة أنه
نسي بأنه جزء منها. ومن هذا القبيل فإن النظر
بعين إيكولوجية إلى الفرق الموجود بين الرجل
والمرأة يحمل أهمية كبيرة، وهي أن ثمة فارقًا
بيولوجيًّا بين بدنَي الجنسين؛ لكن هذا لا
يعني أن يكون لأحدهما فضلٌ على الآخر. فبدلاً
من تقييم هذا الاختلاف على أنه ضعف ونقص يجب
أن يتم تقييمه: مفضَّل يُعامَل، على العكس
تمامًا، على أنه غنًى وبأن كلا الجنسين يملك
ما يتمِّم الآخر، والعكس صحيح. وكل رؤية تقوم
على ترسيخ سيطرة جنس على الآخر تُعتبَر أمرًا
متناقضًا مع الطبيعة. هناك نقاط قوة في بدن
المرأة ونقاط قوة في بدن الرجل. فالمرأة، كما
برهنَ العلم، لديها قابلية أفضل للتعرف إلى
شخصية الإنسان وعواطفه، ولديها قوة المهارة
لإتقان اللغة، في حين أن لدى الرجل القابلية
في التعرف على الخرائط والأشياء المجردة بشكل
أكثر. الذكاء العاطفي لدى المرأة قوي جدًّا
لأنها تعتمد على الحدس وعلى قوة الحس لديها،
في حين أن الرجل يحمل ذكاء تحليليًّا بشكل
أقوى لأنه يعتمد على قوة المنطق، على الرغم من
أن العلم أثبت أن المرأة يمكن أن تنجب أنثى
دون أية مداخلة من الرجل (الاستنساخ)، كون بدن
المرأة يحمل خصائص بدن الرجل، أي وجود النطفة
والبيضة معًا. ولكن إنجاب الإناث فقط سيؤدي
إلى انعدام التوازن في المجتمع البشري[1].
لذلك فإن حماية التوازن الطبيعي أمر مهم
للغاية للجنسين معًا. وهذا يعني أن العلم أثبت
أن المرأة لم تولد من ضلع آدم، وأن حواء يمكن
لها أن تولد أنثى دون القيام بالعلاقة
الجنسية مع آدم. ولكن هذا لا يعني أن تتم
محاكاة السلوك الذي سلكه الرجل حيال المرأة،
وهو استصغار الرجل؛ بل إن هذه الاكتشافات
كلها تؤكد على إن لكلٍّ من المرأة والرجل
دورًا خاصًّا، وأنه لا يمكن لأحد الجنسين،
اعتمادًا على الاختلاف البيولوجي وحده، أن
يتحكم في الآخر. لكلِّ
حيوان، صغيرًا كان أم كبيرًا، لكل شوكة ولكل
وردة، لكل كوكب ولكل نيزك، دورًا في هذا الكون
الفسيح؛ كذلك يملك كل من الرجل والمرأة
أدوارًا في التوازن الطبيعي. من هذا المنطلق،
نرى بأن الأسس الإيديولوجية والفلسفية التي
كانت تعتمد عليها الجنسية الاجتماعية باتت
تنهار وتفقد مصداقيتها: إمبراطورية الوهم
التي خدعت الرجال والنساء تتوجه نحو الهاوية؛
إمبراطورية الرجل التي ضلَّت بنا آلاف
السنين، ها هي ذي تغرق في مستنقع كذبها
ورياءها. كل ما هناك هو العمل على التحرر من
آثارها والعودة إلى المنبع، إلى ثنايا
المجتمع الطبيعي، حيث كان كل شيء فيه في سلام
وانسجام: الإنسان مع الإنسان، والإنسان مع
الطبيعة – أليست هذه هي الحياة التي تليق بنا
كبشر؟! 24/01/2007 *** *** *** [1]
راجع رواية أمين معلوف، القرن الأول بعد
بياتريس.
|
|
|