الشِّعر
للجميع
وائل
شعبو
استهلال
ألما تصابوا بذلك غير مرة؟
ألما يحدث أن شعرتم بطنين في آذانكم، كأنما
أفراخ من النحل الملون وُلدت بعد أزمان من
زعيقكم الفادح العميق، وراحت تَنقب أغشيةَ
الطبول اللزجة، لتلج إلى داخل الدماغ وتتوه
هناك بضع ثوانٍ من السنين، زاحفةً إلى ناصية
الرأس لتستوطن هناك كشعب جديد؟
ألما تصابوا بفجأة من
ذكريات،
بِصَمٍّ وصَدْعٍ انبرق من هناك باتجاه الخلف،
مصطكًّا بالفقرات، عابرًا بين انقباض
الإليتين وتشنج الإست، منتصبًا في العضو
آنًا، في السرة آنًا، شاحفًا بالقلب كمخلب
نسر وكعودة السلمون، خائضًا في نيكوتين
الرئتين ليتحجر في الحنجرة، قبل أن يتسرب من
الفم أنفاسَ ضحيةٍ ماتت وأنتم تولدون؟
هل هذا شيء... كيف أعبِّر
عنه؟
استطعت هكذا:
شعر للجهات –
فماذا تستطيعون؟
أبجدية
الوجائع
ولأنك وحل
ولأن وحلك المخبوءَ يشع من قربتك المتغضنة
ولأن حنينك المنوجع في مدفأة الحطب
يهسهس عواءك تتدفأ به
ولأنك أنت بسهاد الفوضى مجلو
وبخثرات الكلام على حواف فمك
بالقهوة البيضاء تُخضر دمك
وبيبوسة تخدِّر عينيك
تبحث في الظلمة الرقراقة
تتقرَّى إناثةَ المفردةِ مفردةً مفردة
تأخذهن بشفاهك من الشفاه
وتعض بقلبك كأنهن كل الخيبات التي كسبت
بالجدوى
أنت المتأهب كالجرف على شبق الهاوية
بجدوى ثمالتك المعوجَّة في مسالك روحك
جدواااااك
وأنت تقلب البحر على ظهره
لتكتشف عضو زرقته
هاتفًا في ظعائن الليل صوتك المتلبِّس
بالحليب البض
تغرغره ببغايا روحك
تتوحد معه، فلا هو منك ولا أنت فيه
هُتافُك
الوحشةُ بنبض الصلب
يحز مسافة الشهوة بين القلب والحب
يزفر هزيم الوجائع
يخلخل مستحاثات الوقت
فازفرْ ليشهق الفضاء
ازفرْ
لتهدهدك مراجيحُ السهاد
لتخلو عيناك من كلِّ لون
وليخفي وجهُك غفلةَ عمرك
تحلم بقبرك غابةُ قصب
تغرس أعوادَها المجوفة
في سقف السماء.
ذات
النظارة
أراك
من عينيك
يا بنطالها الأزرق
يا ظل الضياء
يلجم رغاء الحواس
يصعق براعم الثلج
النابتة فيَّ.
يا بلوزتها البيضاء
تشد على السراب
يتغنج ككثبان الغيوم
تحمل مع الفجر أمطاري.
يا يديها
هبيني خطاياك العشر
تتشمَّم مسامي بالمغفرة
تهتك الملح المتبلور فيها.
يا حراب النشوة
جسدي غربان تتشهَّى المقبرة
فتعالي
أنا الفريسة المتضرعة بحراشفك
قدِّسي بفحيحك بخورَ آثامي.
هذا هو النصل الملدوغ بلمعة
نظارتك
حُكِّيه
حُكِّيه بأنفك
كي يشع في أتون الياسمين
فالليلة أشم موتي.
أنت لست الثمرة
أنت الشجرة.
موديل
مريم
الظلال زوايا دافئات
المنحنيات دخان
ينوجع اللونُ لخفقة الفرشاة تلثم القماشة
العارية
-
عيناك
عربيدتان وأنفك اشتباهٌ باللوز
في حيِّز الشفتين ينوجع
الحنين، يخيط البحرَ بالشفق
أهداب اللون ترف عند الرقبة نزولاً لتُطبِقَ
على الحلمة
غلالة النهار
رعشة الفرشاة من رجَّة الثدي تتماوج حتى اللب
هناك الغفلة مَذْريَّة
وهناك سعف يظلِّل النجم
يلتذ الظل
يغمز بلسانه سرَّةً نامت في اللون كثيفًا
-
لماذا لست
جميلة كبعض العاهرات؟
يهلوس اللون
تفوح منه رائحةٌ بلا دهر
ينزلق وهجٌ منحوت من تمطِّي صوتها
-
لماذا جوعك
صقيل؟
-
لأقتلك
برحمته!
تعلق عيناه في الزغب الغافي
في صليل مآذن اللحم
يذيب فراغ اللوحة
ديدان متدرجة حتى الغامق الشفاف
-
صوتك قطعان
براري تشلِّعها غربانُ المدن
يسقط ضوءٌ يخرخر على
الفخذين
يركع عند الركبة الوردية
يتمرغ بالقدمين
-
أصابع
قدميك على السجادة
أصابع سجين على شباك الزيارة
غريبة عن الحواس
تتمدد في مهاوي عينيه
في احتكاك زجاج الدفء بزجاج الصمت
في وحشة الداكن الغريق
في الكلمة الهباء – اللون العرص – النفور
الانسطاع
في وجل المورثات وبعض السنونوة
في هتاف الغُصَّة الدافقة
تجتث القمر من البئر
في فرشاة من قعر انتصابها
ترعش باللون
ترعش باللون
ترعش...
هذيان
أأخطأتُ
لما غرتُ من ابتسامتك على فمك؟
حليبك المشنوق في حنجرتي
تغص به المغفرة
من توق حلمتيك يجف على شفتيَّ
ترتجفان بالهمس الخَفوت لقلبك الكرزي
هبيني أنثاك لألطم بخبز آثامي وجهي المتشمع
أو...
مُوتي
مُوتي لأعرف أن ورقَ الخريف خجلُ الفصول من
فداحة الزمن
لأهجس في قرارة الربيع شفير النواح وهدأة
الروح من التجعد ومن خلد يعربش على شغاف
الذاكرة تنز صديد القلب
ما شأن القلب بأوجاع القلب؟
ما شأن النهارات بلثمة الفجر الوردية
تتهدهد كالرضيع بقبضتيه العجين يعصر أصابع
جدِّه؟
ما شأننا تمور النوارسُ البغيضةُ على شفاه
القلب
تجهش بالرحيل إلى ثمالة الزرقة الموجوعة من
نايات الحب
تزخ أنصال النشوة
على خشب الوجوه المحروقة في هروب الغروب
تفيء في سكينته الروح
تعجن هلوسة الرغبة برمل الحنين
حين أغار من ابتسامتك؟
بالنسبة
لبكرة... شو؟
پيانو...
من خبزات أصابعك المقهورة
تنور للدفء
الوجه صوتُك
نابتًا كالقراص في خلل الأدمغة
وجه صوتك الشحاذ
المتدلِّية أزاجيلُه
كالصور القديمة في البيت الحجر
تُفشِلُ وعيَنا، لينينُ، بسمتُك
في أناستك على نصل القلب
مغشية كلماته
من تخزيق الأسنان اللامعة
تحملها أساطيل أمريكا الطويلة جدًّا
تخلع أبوابَ البكرة المحبوسة
وتلقيها من شبابيك الجمل الضالة الكلمات
المستريحة على زند بُزُق
عفَّر الخواء بصليل أشجان انفصدتْ على الطريق
سيُعبَر هذا الطريق
بتكرُّهك للطفيليات النامية في المرحلة
الفموية للشعوب
بتموُّتك بالحب الشاعل كشفرة الشفق
مدوزِنًا خمريات الحرب المتشابهة
لا تغضض عن عيون تحدق في عماء الجنون
يكتمل الإنسان
لما يكتمل في الجنون.
آسفون
لن ننتحر!
الشيء الخبيث كورم
كاختناق الدم في الأحمر
كوطء الرصيف
على القاعسين عن رقع خطاياهم
يلعقون عقارب الساعات
الشيء المنسرب الأسرار
الفاجر الغث
المحقون بالأدرينالين
المخذول كخائن
الشيء...
كجناح الطائر المكسور
المكتئب
كحجر في طرف الرمال
كأرواح خبيئة الأظلاف المعدنية
آسفون
ونحن تضيق علينا عيونُنا
لما لا تنتحر تتطليعتُك التي في الصورة!
الشيخ
يعود يغنِّي...
الشكل عود
على تراب سحابة
شاهدة بنجمتين بريتين
من تجويف الصوت
تتمطَّى لسعة الوتر – كقهوة مرة
تتلو هيجان النهار
في غرائز الليل.
كل مرة يموت الصوت
ويعود كل مساء قديم
بومةً فضيةً
تنعب في صراخ الناس
الساكت البعيد.
يا
صبرا وشاتيلا!
دائمًا
لميتات الذكرى
(وصف
جونيه ذباب المجزرة،
رأيته وأنا عند الـ82:
ذبابٌ دائمًا عالقٌ في ذاكرتي
يرتجف منه إسمنتُها.)
هواء يحمل رائحة أنفاس
المسيح الأخيرة
صمت يهسهس قعقعة بنادق صغيرة
وأزيز ذباب.
صحفي يطعن حلقه بقلمه
كاميرات تفجر عدساتُها
عفن الأوقات قبل انتهاء صلاحياتها.
عذراء تشبك بكارتها بسبطانة
مكسورة
رضيع لم يولد بعد
عجوز تمضغ أسنانها
والساعة تجتاز الساعة.
ذئاب يوجع عينيها أنينُ
الثغاء
كلاب تفترس قطعانها
جان جونيه يمضغ عينيه
ويبصقهما في وجه المسيح الدجال.
صبرا وشاتيلا!
أوقدوا ألعاب النار لتمشي الألغامُ على البشر
صبرا وشاتيلا!
عينان لمذابح الدمع
تلمعان في قلوب مرتزقي الجراح.
اختناق
ملقًى أنت
مرميٌّ هكذا
في متاهات تفضي إلى متاهات
يصطخب في رأسك هويلُها
بلا صمت
بلا شمس
اتساع يغرز حنجرتك في قلبك
يشقُّه كالشفرة ريقك
وبكل ما لأذنيك تتنصَّت
على الخواء يبتلع خلجاتك – ولا تصل إلى نأمة
تيه ساكن بلا شيء يتوسَّده رأسك
جسمك الممتد كمقبرة في غفلة الكون
وليس سوى عينيك
بعيدًا ولا شيء
ولا
شيء
وتخاف أن تزفر ما تأكسد في رئتيك
أن يضيع في شساعة الفراغ
الفراغ حتى الاختناق.
صفحة
أخيرة
لا أعلم
لا أرغب
لا أستطيع
ولست ذئبًا لأعوي
فوق زجاج القمر المحطَّم تحت حوافر الليل
للزمن الهارب أوفِّر حلمي
أعفِّره بعجاج الكلمات
أنتفها كما أنتف أجنحة الذباب المسكين
وأنسجها لأدثِّر بها بردي
بردي الذي لي
الذي لن يشعر به أحد
ولن يستطيع أحدٌ سرقته مني
لن يستطيع.
قبل
أن أمضي...
مَن لا يحب الشعر لا يُغفَر
له
في كل كلمة تتك كثانية
تسقط في شرك الصوت
من غبارها البارد الظامئ
كلمةٌ بدورتها القمرية
قديسةٌ تستمني
لتطفر من أجداث شهوتها
غيومٌ مدفونة في حصاة القلب
تفك أزرار البحر وتلهث في جوفه لهاثًا أبيض
كالثلج.
***
*** ***