|
ممرات
الشمس في أجواء تأبينية بامتياز
يقودنا ديوان علي جازو في رحلة مجتزأة نحو
عبور صعب في ممرات الشمس، حيث يبادئنا
العنوان، ببساطته، بتساؤل عن كُنه هذه "الممرات"
وعن الرحلة التي تقترحها. ثم ما نلبث أن نفتح
الغلاف على الصفحة الأولى، لنجدنا على الفور
أمام عنوان آخر صنو للأول: "قصائد الشاعر".
فهل أُريدَ هاهنا توليدُ مترادفات بحيث تكون
القصائد هي الممرات، ولا تكون الشمس إلا
الشاعر ذاته، وتكون الرحلة المقترحة،
بالتالي، هي عبور في شعر الشاعر نحو
استكشافه؟! أما الرحلة في تلك
الممرات، فتبدأ بقصيدة بعنوان "رفات
الشاعر"، نجد فيها تفسيرًا أبعد عمقًا في
التوغل في خريطة الرحلة المقترَحة. فالكتاب
هو وعاء القصيدة، وهو الشمس، أي هو الشاعر؛
لكنه، في الوقت ذاته، ليس الشاعر في كلِّيته،
بل هو النتاج الأخير لرحلة العيش الشعرية
المتمثلة في الرفات. إن الشمس هي رفات
الشاعر! وهذا بالضبط ما يتمحور حوله الكتاب
في بديهية. فالشاعر المسجَّى هناك لا يمكن أن
يُدفَن دون تأبين مهيب يليق بشخصه، تُسرَدُ
فيه قصتُه وعلاقتُه بالمجردات والمحسوسات
على حدٍّ سواء – وكل ذلك دون التطرق إلى
ميلاده، وكأنه كائن غير مولود، كائن منبثق:
يعيش، يموت، يُوارى، ثم يُبعَثُ من جديد دون
أن يمر بمخاض؛ بل إن حياته في مجملها هي دورة
خصب مولدٍ لذاته، يترجم الأبدية إلى
إمكانية، والألم إلى نتاج حياتيٍّ أبعد ما
يكون عن التطفل والمحاباة. الشاعر وليد منظومة
من القيم الخارجة عن المألوف؛ وهو غير متوقع
في طموحاته أو أمانيه، غير مقروء في إرهاصاته
وتداعياته. بل، وأكثر من هذا، هو المسجَّى
والمؤبِّن، الواعد والمنتظِر. وبما أن التأبين لا
يمكن له أن يمر دون تلاوة وصية الشاعر، كان لا
بدَّ من التحدث عن آمال هذا الكائن ومخاوفه.
وما يستوقف حقًّا هو كيف أن الأجواء التي
تستدر حزنًا وإشفاقًا في الحالات العادية
تخلق جوًّا مواكبًا في حضوره هيبة الشخص
المعني. فلدى الحديث عن آلام الشاعر، عن تمخضه
المستمر، عن رحلة قاسية تشابه الهذيان،
ينتابنا شعورٌ بالإجلال العميق، وإن كان
عابرًا بثقلٍ على أنفاسنا، لأننا لسنا أمام
ميت اعتياديٍّ سيتأكَّله العفن، بل نحن أمام
شمس لن تنقطع حرارتُها عن السريان من خلال
ممرات وعروق خالدة مبثوثة ومستشرية، تبحث عن
قارئ شاعر، وعن امرأة هي الشاعر، هي الذكر.
فالشاعر هنا ليس محدَّد الجنس، بل هو أشبه ما
يكون بخنثى تصرِّح عن كونها تحمل إمكانات
الخصب والولادة كلَّها في ذاتها البلورية:
فليس من ذكر أو أنثى، بل إنه الحضور العجيب
للخلق في كينونة وفهم عميق – وإنْ غائم –
لواقع الحياة والموت واستمراريتهما. ***
*** *** |
|
|