|
ثلاث قصائد
تأمُّلٌ مبتورُ النَّفَس العمر... الخوف... الباحةُ الخلفية... أضلاعي أسلاكٌ شائكة والشَّمس نحلةٌ لها شكل طلقةٍ ترتعش في البال...
المرآة... الحزن... وأنا الباب الأخير على الغياب
الشريان أنشوطةٌ غامقة دربٌ له شكلُ كفن بابٌ للوصول...
الريح تخور... أرتعد كرمشٍ يثقب العين وأنا أفكر...
السقف قريبٌ طاسةٌ مقلوبةٌ والعالم يغرق
المرآة تميل... غناءٌ خافتٌ... العمر... الحزن... صمت... 5/2/2005
حكاية ما قبل النوم حَضَنَتِ الأمُّ طفلتَها وقالت: "كان يا ما كان في وقتٍ من ذاك الزمان كان الضوء ينسدلُ كمشانقَ برتقاليةٍ وحزم الهواء تتدلَّى معاطفَ فارغةً وجنادبُ الليل تبحث عن شجرٍ واقفٍ تنام عليه...
كان الفارسُ يمضي في الشارع خطواتُ فرسه ترنُّ في الظلام كان يبحث عن بلدٍ يدافع عنه والدرب تملؤه عيونٌ تغرق في الإسفَلت كان وحيدًا وسط غبارٍ حوله لا يؤنسه إلا صفيرٌ خافتٌ في قلبه
بعد قليلٍ قالت له الفرس: "تعبتَ يا صاحبي وبلادك مازالت بعيدة وآن لي أن أنجب قمر هذا المساء"
ترجَّل الفارس وغنَّتِ الفرس فصعد قمرٌ من غرَّتها يشبه حمامةً نحو السماء
مدَّ الفارس يده في صدره أخرج غمامةً يابسةً أكل منها قليلاً أطعم الفرسَ بعضها وأعاد الباقي إلى صدره ثم قال: "كانت بلادي تشبه تفاحةً كلما أكلتُ منها قطعةً تكبرُ وكانت أناملي آنذاك ناياتٍ على خصرها"
[نظر إلى أصابعه فوجدها ناقصةً إصبعين!]
تنهَّد وتحسَّس سيفه ثم نظر إلى فرسه
قالت: "كان المرعى هناك أزرقَ مثل السماء وكنت أنجب عالمًا جديدًا كلَّ مساء"
نظرت نحو صاحبها ثم قالت: "لم أعد قادرةً على إكمال الرحلةِ سأموت عما قريب"
أضاءه الحزنُ وقال: "لا بدَّ أن أكمل الدرب فبلادي هناك تنتظر ولا أستطيع تركك هاهنا سأحملك على ظهري ونقتسم هواء الطريق"
[مرت حمامتان في البال]
قالت: "سأموت في الطريق يا صاحبي"
قال: "عندما نصل سأزوِّجك للبحر في بلادي بحرٌ حلوٌ كعَرَقٍ فوق صدر أمي"
قالت: "ستدفنني في بحرٍ أزرقَ مثل شامةٍ في الروح تكبر وقتها سأغنِّي للموج وأتركه يأخذني على مهلٍ وسأعلِّم السمك كيف يرقص على إيقاعه البري"
حملها على ظهره ومشى وئيد الخطى كانت أنفاسُها تتباطأ والضوء حولهما ينكمش والقمر يدور في السماء
كان الفارس يفكر: الأعداء في بلادي في كلِّ مكان أظافرهم تفترس المدى وعيونهم من حجرٍ أصم دماؤهم رمالٌ متحركة وجلودهم كجدران القلاع إنهم ينهشون بلادي
كانت أنفاسُها تخفت خطواتُه تتباطأ وظلالُهما تتكور على نفسها والأرضُ تنخفض وتسيل
توقف نَفَسُها وركبتاه تغرقان في الإسفَلت نظر إلى عينيها الغائمتين وابتسم لهما كعادته
كان حوضه يغرق في الإسفَلت رفع عنقه وغنَّى لها ما كانت تغنِّيه كلَّ مساء والضوء يتبخَّر حولهما والإسفَلت يصعد والبلاد مازالت بعيدة
غطَّى الإسفَلتُ رأسَه لكن عينيه بقيتا مفتوحتين تبحثان عن بلدٍ يدافع عنه"
انتهت الحكايةُ... ولم تَنَمِ الطفلةُ لكن أمَّها أصبحت فرسًا تغني لبلادٍ مازالت بعيدهْ...
الفجر 1 الفجر... ثوبٌ شاحبٌ من قشِّ الأرَق يلبسني وأنا أزحف في زقاقٍ تصنعه يداي وأرسم آثار أقدامٍ لِمَن أحبُّ بالأبيض فوق رماد الهواجس...
الأبيض... ياسمينةٌ حاملٌ تنتفخ كَشَفَةٍ متورِّمة والشمسُ البضَّة تتسرب في لحمي أتشرَّبها كناسكٍ ملحدٍ لا يؤمن إلا بالليل متعدِّد الحيوات ناسكٍ نحيل القلب "قلبه عصفورٌ أعمى"
وأنا... ستارةٌ فوق صدرٍ مجوفٍ سماءٌ تشبه المنشفة أطويها لأمسح عن العالم دمَه... 2 الفجر يطويني والساعة امرأةٌ ضجرة قدماي مفلطحتان كمجاذيف البط ويدي ترسٌ (كنت أتأمل السقف الغامق يا إلهي كم يشبهني!) 3 الفجر يأتي دون أن أراه أعمى أنا تحت اللحاف وكبدي وعاءٌ لهواجس تسبح كسمكٍ مقطوع الرأس
أغنِّي... بصوتٍ عالٍ كذبابٍ متوحشٍ أقرأ شعري في شارعٍ على حافة النافذة وأنحني لنفسي أصفِّق... ثم أرميني بحلمٍ فاسدٍ أحتج... أقود مظاهرةً حاشدةً أُسقِطُ كلَّ شيءٍ ثمَّ أقمعني وأقذفني بالغاز المسيل للشجون وأنقضُّ عليَّ كالبغل أعتقلني بحسب الأحكام العرفية – رغم أني لا أعرفها! – أحكم عليَّ بالموت كالسحالي في أوعية المكدوس[†] ... ... ... ينقضي زمنٌ أتقدَّد فيه كالأجنَّة والفجر اللعين لمَّا يأت بعد *** *** *** [*] شاعر وطبيب سوري. بريده الإلكتروني: aazzawi@maktoob.com. [†] المكدوس: طعام شعبي يُصنَع من الباذنجان المحشو بالجوز (الذي يستغني عنه الفقراء أحيانًا) ويكدَّس في أوعية زجاجية أو پلاستيكية ثم يُغمَر بزيت الزيتون.
|
|
|