|
أجزاء 3
23 تبدَّل الهواء، تحرَّك ناشفًا جديدًا، وهبَّ عطرُ موسم آخر كما من قبل. * كالدائرة يتوالى الاختبارُ، يتكرَّر مفاجِئًا كلَّ مرة. إلا أن الدائرة بكلِّ ما فيها في طواف واحد الأمس واليوم وغدًا. وستمطر بعدُ، وسيقع الثلجُ من رحم العواصف. ولاداتٌ كثيرة ستهيئ لآتٍ يشبه الفجر. * آه، افتح يدك يا صديقي لأهديك سرًّا من أسرار الشمس.
24 قبل أن تنفض عنك غبار النوم، غبار ما لَمْلَمْتَه عن صفحة السماء، التقطْ ما سيأخذه منك الباطن، التقط ولو بعضه – ففيه نافذة تخبرك عنك. * وإذا صباحًا تذكرت، فاعلم أنها رسالة لك – فك رموزها وستعرف كم أنك في شبكة الكل: الفضاء والكواكب، والناس، والعناصر، والحب، والنماء. * لا تغفل – ولو إشارة – فالمسرحية باهتة من دونك. * حين تسقط أقنعة الحياة كلُّها كل ما تراكَم لاغيًا الدهشة، مربِكًا متعة التواصل، حين تمسح الأقنعةُ الحياةَ مثل الغبار عن مرآة، مثل تعرِّي قطعة الماس من ثيابها القاسية، ستلقى الشمس في انتظار صوتك – كلِّمْها يصلْكَ صوتُها وتتحرر.
25 اليوم الخامس للشمس، قال المعلِّم. علا صوتُه من فلسطين إلى كلِّ ما يشغل الكون. * الخامس للشمس، للملكة – ملكة اللعبة الساحرة. أعطني نار الحياة، تقول لها، فتعطيك. * مذ أشرقت لأول مرة أعطتك أما أن تفتح لها القلب لتشعلك بأسرارها – فذاك بدء عصر الحب.
26 اليوم السادس للماء، قال. ومثل كوكبك، ثلثا أجزائك للماء، السائل داخل الجامد، حاملاً ذراتِ الحياة، منسابًا هادئًا أو مائجًا. * مثل الأرض والشمس والهواء يدخل الماء في نسيج حياتك. * في اليوم السادس ترسل ذبذباتُ صوتك أنشودةً للماء وتعرف نشوة الوحدة.
27 واليوم السابع للهواء، قال. اللطيف أحيانًا الصاخب أحيانًا الحامل الحياة في خلاياك كلِّها. * ومن دونه، لثوانٍ فقط، أنت خارج لعبة الوجود كما نعرفها. * للهواء اليوم السابع، تطلبه، تدعوه ليدخل هيكلك مع كلِّ سَحْبَة نَفَس، واعيًا تعقد معه صفقة الحياة.
28 يتململ الفكر، يموج خيوطًا متشابكة كغيمة. * وعلى الورق حكاية جديدة ولدت لأن الفكر شاء. أنغامٌ اهتزَّتْ فالتقطها الفكر وبثَّها. لوحات مرَّتْ بألوان الفكر، فتشكلتْ. حياة على شاشات، على خشبات داخل كتب، نسجتْها على مرِّ العصور مرايا الفكر. ومن الفكر كلُّ ما سافر من الخيال إلى العلوم. * كلُّ هذا ظلالٌ لظلال نظنُّها الحقيقة، ذلك أننا في قلب خلايانا حملنا جواز سَفَر النماء: الإبداع الآتي من ذاكرة البدء الأول.
29 فقط الهواء بين الضوء والظل – ولولا الضوء ما مِن ظل، وبلا ظلٍّ هل يُعرَف الضوء؟ * ومن الضوء: الكواكب والأقمار والشموس، بكلِّ مجموعاتها، والجبل الرمادي الهائل، والطاولة الحاملة شمعة بيضاء، وأثوابنا وأجسادنا وكل ما هناك: مظاهر للنور، وما عداها ظلالٌ نَسَجَها عناقُ النور لكلِّ مظاهره، عناقٌ يباركه الهواء. * ما مِن ظلال فالكل نورٌ من نور – إلا أننا نسينا.
30 لامستْ بورقها اللامع كلَّ مساحاتِ الهواء، ارتفعتْ وتكاثرتْ كدخان بخور خشب الصندل، وضحكتْ كرزاتُها الحمراء مخبِّئةً قبلاتِ الشمس في البذرة الأم. * وقبل الصيف سحبتْ أحد أغصانها إلى داخلها، ثم غصنًا آخر، فآخر، حتى صارتْ جذعًا قليل البراعم واختفتْ، ثم اختفى الجذع. * شاءت أن ترجِع بذرة ناعمة مغلقة على أسرار راقصة تضجُّ بعطر الحياة.
31 حلم. الوجود حلم، عالم تنسجه الحواس، تلوِّنه ليصير بساط ريح واسعًا، نراه حقيقة من خلال أول أو ثاني أو ثالث بُعدٍ للوعي. * نثرثر عن الأسود والأبيض، عن كلِّ جدار مرَّ من خيالنا وفَصَلَنا عن الأصل. * نسير وإذ بنا نتخطَّى فتنهار حقيقةُ لعبة وعي درجات ثلاث، ونلعب داخل بُعدٍ رابع، رائع، جديد، بلا ثنائية. لنا الوجود حلم: عالم ننسجه وفق أبعاد وعينا.
32 نُبحر منذ الأزل، وللناظر كأنها واقفة: مركبة الضوء ذات الهرمين هي كلِّ الألوان، هي أنت، في كلِّ ملايين خلاياك. * وأنت المسافر: إن أدركك الحب، تدرك أنك ستبلغ الضوء. * وخفيفًا تستسلم لسحر انسياب الحياة... وتدرك أيضًا أنك جزء منها صغير فتحبها لتصير الكل.
33 في الحكاية أن الآخر لا يدخل أعماقك ليزرع جديدًا أو ليثيرك، بلفتةٍ منه تضج بما بك أنت. * هو لا يسحبك داخل جدرانه بل يذكِّرك بجدرانك. فالعارف لا يرى سوى الخالق في المليحة ذات الخمار. * كذلك أي تواصل للحواس يعكس ما يخبئه توقُك وعلى أيِّ غصن تقف، وأينما اتجهت ستحميك الحرية.
34 هكذا ينقلب البيتُ وجبة طعام، غداءً، عشاءً، وتزحف الخضراءُ الضئيلة تحوِّل أوراق أزهاري النضرة إلى دانتيل، تخرِّجها تاركة دوائر كبيرة وصغيرة: نوافذ لبيتها الورقة. * تبدِّل بيوتها كلما تناولتها طعامًا، تأكلها سرًّا ولا تراها عين. * وحين تشرنق الخضراءُ، أيضًا لا تراها عين. وحين تنقلب فراشةً يدقُّ لها القلب تذكَّرْ أن الحياة تطلع من الفناء، والفناء دائمًا يتبع الحياة – وهكذا...
35 تَذْكُره، تردِّد اسمه وتدور، فاتحًا كفَّك اليمنى إلى السماء، فيملأها من حبِّه. تأخذ الحبَّ إلى اليسرى، تنشره فوق الأرض، فاتحًا كفَّك نحو الأرض، وتدور راقصًا. * وتبكي – فالحب أخذك ولم يعد في قلبك سواه. يضمُّك، فتحسب أنك تضمُّه. * وتذوق فرحًا كفرح يومٍ انفصلت عنه وحيدًا. مغامرًا للمرة الأولى، تجذبك الأرض. وأنت المشتاق الآن تدور وحيدًا يُبكيك الوَجْد. *** |
|
|