|
الينابيع الفلسفية لنظرية الإبداع المهجرية الآثار الكاملة لأدباء المهجر تدلُّ بوضوح على
أن تفكُّرهم في طبيعة الأدب لم يكن مستلهَمًا
من مذهب فلسفي واحد وحسب. فالحقيقة أن الأسُس
الفلسفية لنظرية الإبداع المهجرية تندرج في
إطار منظومات systems فلسفية مختلفة؛
وتلك الحقيقة تطرح علينا قضية إثبات إلى أية
درجة يمكن تشكيل نظرية الإبداع هذه، كنظرية،
بتسلسل consequence واتِّساق coherence، إذا كانت لها ينابيع في
منظومات فلسفية عديدة، تقوم بينها علاقات
مُواجَهة أحيانًا، إن لم تكن بينها علاقات
تَعارُض أحيانًا أخرى. تبرز هنا
قضايا أخرى يشير إليها عنواننا هذا؛ نختار
منها قضيتين تبدوان لنا هامتين جدًّا في
يخصُّ موضوع بحثنا: أولاً، تشكَّلتْ
نظرية الإبداع المهجرية في أُطُر تراث فلسفي
معيَّن، وفي أُطُر تراث أدبيٍّ أيضًا،
مساهِمة في ذلك التراث، وإنْ كان ذلك بـ"تمرُّدها"،
ورغم أن تلك النظرية كانت تسمى "مخرِّبة"،
بمعنى القطيعة الفعلية مع كلِّ تراث – إذ هي
تبدو هكذا، إلى أن يُبحَثَ فيها في كلِّيتها. ثانيًا،
وقولنا بأن تلك النظرية نشأت في حضن تراث
نَظَرٍ فلسفي معيَّن (أو في تراث نَظَرات
فلسفية معينة)، أي بأن ينابيعها فلسفية، يطرح
علينا فورًا قضية إثبات طبيعتها من حيث
المبدأ: إذا اعتمدت الفلسفة كمنبع لها هل يمكن
لنظرية إبداع كهذه أن تتفادى تلك الفلسفة
كملجأ لها؟ وبعبارة أخرى، تُطرَح علينا
المسألة: هل نظرية الإبداع المهجرية تقريرية normative،
أم هي تجريدية speculative؟ هل هي استقرائية inductive،
أم استنتاجية deductive؟ وما علاقتها بالنسبة لإثبات
قواعد الإبداع الأدبية؟[1] يتطلَّب
الجواب على هذه المسألة الجوهرية أن نثبت
قبلئذٍ الينابيع الفلسفية الأساسية للنظرية
التي تقترب من العلوم المتفوِّقة عليها،
وتختلط بها أحيانًا، كما سنرى فيما بعد. ويجب
أن نعرف عندئذٍ أنه ليس من الممكن أن نمضي
بعيدًا ونحلِّل المذاهب الفلسفية التي
ألهمتْ أدباء المهجر
تحليلاً تفصيليًّا. وبالرغم من ذلك،
نعتقد أن التعريف بجوهر الينابيع الفلسفية
لنظرية الإبداع المهجرية سيكون كافيًا
لتحديد أصلها والإشارة إلى إمكانيات بناء
النظرية التي سنتناولها فيما بعد من جميع
النواحي. تطلَّب منَّا
إثباتُ الأصل الروحاني لنظرية الإبداع
المهجرية جهدًا إضافيًّا متعلقًا بكشف ذلك
الأصل الموجود في أكثر من جهة. في المرحلة
الابتدائية من بحثنا، بدا لنا أن أدباء
المهجر كانوا يواجهون مشكلات يصعب حلُّها،
وذلك بخصوص جهدهم في تشكيل نظرية الإبداع وفق
تسلسل نظري، وفي تشكيلها بمعناها التقليدي
بخاصة. وقد خُيِّل إلينا، أولاً، أن أسباب ذلك
تكمن في عدم قدرة هؤلاء الأدباء على التفكُّر
المتسلسل؛ ولكننا استنتجنا، بعد ذلك، أن
السبب الأول يكمن في قبول الأسُس الأولية
للمنظومات الفلسفية التي تختلف في بعض
نواحيها. ومعنى ذلك أننا لم نستطع فورًا إثبات
فهمهم لطبيعة الفنِّ، أي إثبات الأصل الفلسفي
لنظرية الإبداع لديهم، بل وجدنانا مضطَّرين
بالمعنى الحقيقي إلى اكتشاف التأثيرات
العديدة في آثارهم وإلى متابعة خيطها الأساسي.
يتميَّز بهذا التعقيد خاصةً فكرُ كلٍّ من
ميخائيل نعيمه وجبران خليل جبران، اللذين
كانا يحاولان، في أدب المهجر كلِّه، أن
يحلاَّ قضايا كلٍّ من الأدب والفن، وذلك بشكل
منهجي، بينما كتب الآخرون عن ذلك مصادفة، وفي
أغلب الأحيان كصدى لنعيمه ولجبران اللذين
كانا "يوجِّهان" الأدباء جميعًا. ولا شكَّ في أن
مذهب التَّسامي Transcendentalism الأمريكي، بقيادة رالف
و. إمِرسُن R.W. Emerson، احتل مكانته "فخريًّا" بين
التفكُّرات الفلسفية التي كان أدباء المهجر
يشربون من ينابيعها. ويمكن أن نرى مقايسات، أو
حتى تطابقات، بينهم وبين تفكير إمِرسُن، وذلك
على مستويين: في المستوى الأول، تظهر بعض
التطابقات بين مواقف جبران وإمِرسُن من
الحياة اليومية والعملية. ولو حلَّلنا تلك
التطابقات تحليلاً أعمق لَخُضْنا في منهج
مذهب الوضعية Positivism.
نكتفي هنا فقط بذكر بعض التطابقات والمقايسات
التي نعتقد بأن لها علاقة قريبة من الاتجاه
الفكري للكاتبين اللبنانيين. مع أن جبران لم
يكن قسيسًا مثل إمِرسُن، فقد تمَّ الحكمُ
عليه بالحرمان الكنسي سنة 1904، كما حدث مع
إمِرسُن من قبل.[2]
وقبل ذلك كان يكافح سيطرة الإكليروس (رجال
الدين) والكنيسة كتنظيم. وفي الحقيقة كانا
كلاهما متديِّنين تمامًا على طريقتهما.
والفردية individuality
القوية، والموهبة الخطابية، وطبيعتهما
الذاتية بشكل عام، كانت خصائص مميِّزة لكلٍّ
من إمِرسُن وجبران. ولذلك يمكننا الحكم على
جبران بمثل الحكم الذي قيل عن إمِرسُن: "إن
تأثير إمِرسُن على روح معاصريه ليس عقائديًّا
ولا ثقافيًّا، بل هو بالدقة التأثير الذاتي."[3]
وهناك تطابقات أخرى؛ ولكن الأهم هي تلك التي
برزت على مستوى النَظَر الفلسفي.[4]
رالف و. إمِرسُن (1803-1882) لم يكتب جبران
عن إمِرسُن وعن التسامي، مع أنه من الممكن أن
نثبت بينهما مُتشابِهات كثيرة؛ لكن نعيمه
عبَّر عن إعجابه جهرًا بمعلِّمه. لا تعرض
الجمل التالية جوهر التسامي الإمِرسُني
فحسب، بل تُدخِلنا إلى نظرية التسامي لدى
نعيمه وجبران:[5] أما
الحركة الفكرية التي قام بها إمِرسون بمعاونة
بعض الكتاب فقد عُرِفَتْ باسم "الترانسندنتاليزم".
والكلمة تعني بلوغ الحقيقة عن طريق البديهة
والفطرة والحسِّ الباطني التي تتخطَّى
جميعها حدود الحواس الخارجية [...] وأن الكون
ليس بغير نظام أو منظِّم. فالأفضل للإنسان
المنطوي كيانُه على ذلك النظام أن يمتثل له
بدلاً من أن يعانده. ففي الامتثال الراحة، وفي
العناد الشقاء. في أساس فلسفة
نعيمه وجبران كلِّها تقع الثقة اللانهائية
بقدرة المعرفة "عن طريق البديهة"، أو
الوجدان والخيال بالدقة؛ وعلى العكس من ذلك،
عدم الثقة بالتجريبية Empiricism
وبالوضعية في المعرفة العلمية. ودرجة قرب
تفسير نعيمه لإمِرسُن من فهم الخيال والعقل
لدى نعيمه ذاته يمكن أن يوضِّح لنا الفكرةَ
التي بسطها نعيمه في أغلب نصوصه:[6] إن
العقل الذي يبالغ الناس في مدحه ليس سوى طفل
مَقود بالخيال. يجب أن نحرِّر الخيال من قيود
العقل، وعندئذٍ يمكننا أن نطير بالخيال إلى
أيِّ ركن في الكون، وأن نرى ذاتنا في كلِّ ما
يمكن رؤياه، وأن نشعر عند ذلك، أي أن ندرك عند
ذلك، أننا الحياة الشاملة التي لا تتجزأ. نستنتج من هذا
أن نعيمه في الحقيقة لا ينكر تمامًا إمكانية
معرفة العلم وقيمتها؛ ولكن تلك المعرفة لا
بدَّ أن تكون "مَقودة بالخيال"، بينما
ليس من الضروري أن تتمَّ المعرفة الخيالية،
في مثل هذه العلاقة، بالعقل. فبالعكس، إن
الحقيقة اللاعقلانية التي يبلغها الخيال
حرَّة من "قيود العقل" وتظهر تلك
الحقيقةُ حقيقةً ذاتية. ووفقًا لذلك، لا توجد
منافسة بين الحقائق العلمية والحقائق التي
نبلغها بالخيال: الحقائق الأولى يتمُّ الوصول
إليها عن طريق العقل؛ والثانية عن طريق
الخيال، أو بدون العقل. وهذه الحقائق الثانية
أفضل من الحقائق العلمية أو الموضوعية.
ونلاحظ توًّا أن هذا الرأي ليس ميِّزة
التسامي فقط، بل تتميَّز به الرومنطيقية
أيضًا. ولكن هذا يستحق أن نفرد له تحليلاً
خاصًّا. إن تنمية
القدرة على المعرفة البديهية والخيالية
متعلقة عند إمِرسُن ونعيمه وجبران بمذهب
الفردية Individualism، الذي لم يهتم الأخيران به في
نصوصهما مثل إمِرسُن، ولكننا نجده أيضًا في
منظومة التفكير لديهما.[7]
ففي الفصل الذي يحمل عنوان Self-reliance استخلص إمِرسُن مذهب الفردية الذي لا
يمكن أن نسمِّيه بالعلاقة السلبية بالعالم.
وذلك قريب أيضًا من فهم جبران:[8] من
السهل معايشة العالم بحسب رأي القوم؛ ومن
السهل العيش في الانفراد بحسب الذاتية. ولكن
الإنسان العظيم هو ذلك القادر على الاحتفاظ
باستقلالية الوحدانية في هدوئه العظيم، وذلك
بين العامة. ولا يزعج
إمِرسُن أن يُفهَم فهمًا خاطئًا؛ فبالعكس،
"إذا كان الإنسان عظيمًا فمعنى ذلك أنه غير
مفهوم"[9].
وفي الحقيقة كان إمِرسُن، في أكثر الأحيان،
يقف بالمرصاد لأشخاص يتمتعون بالنفوذ، وخاصة
بالنفوذ الديني،[10]
وضدَّ التقليد، معتقدًا بأن[11] الاكتفاء
الذاتي Self-reliance على مستوى أعلى لا مناص له من تحريض
الثورة في أعمال الناس وعلاقاتهم كلِّها – في
دينهم، وفي ثقافتهم، وفي اهتماماتهم، وفي
طريق حياتهم، وفي روابطهم، وفي امتلاكهم، وفي
مواقفهم النظرية. وقد شدَّد
نعيمه وجبران أيضًا على أهمية "الاكتفاء
الذاتي" Self-reliance الذي ظهر عندهما، بالمناسبة،
في الحملات العديدة على نظام الكنيسة، على
الإكليريكية، وعلى نظام التعليم والتربية
برمَّته، التي لا بدَّ من تحطيمها من أساسها
لكي ترتقي عند الشباب، قبل كلِّ شيء، قدرةُ
المعرفة الخيالية، أي القدرة على المعرفة
الذاتية. إن أنظمة المؤسَّسات الموجودة
كلَّها كاذبة وخاطئة وغير قادرة على التوصل
إلى أسرار الكون والوجود.[12] الغاية الأهم
في حياة الإنسان، كما يكتب نعيمه، هي معرفة
الإله. ولا تُنال تلك المعرفة عن طريق التعليم
المدرسي، مهما كان جيدًا ذلك التعليم.[13]
بلوغ هذه الغاية هي السعادة العليا التي يمكن
للإنسان أن يبلغها على الإطلاق، ويمكن أن
يبلغها، قبل كلِّ شيء، بمعرفته لنفسه لأن
الإنسان "مقدس بروحه" وبشعوره بالطبيعة
كفيض من سُنَّة الإله الكامل والشامل.[14]
كأننا نسمع هنا صدى تأملات إمِرسُن: "ليس
العالم نتيجة النواميس المختلفة، بل هو نتيجة
الإرادة الواحدة والعليم الواحد." ومعنى
ذلك أن[15] العليم
الواحد حاضر في كلِّ مكان، في كلِّ شعاع من
أشعة النجم، في كلِّ موجة على البحيرة. وإدراك
هذا الناموس يثير في العقل إحساسًا نسميه
دينيًّا، وهو سعادتنا الأعلى. يمكننا أن
نبسط مقتطفات كثيرة جدًّا مثل هذه لتقديم
براهين على التطابق بين فهم نعيمه وجبران
وبين فهم إمِرسُن؛ ولكننا نكتفي هاهنا بعرض
جوهرها. وجد نعيمه
وجبران في تفكير إمِرسُن عناصر النظريات
المشرقية الفلسفية والدينية، وأعجبهما، بشكل
خاص، وجودُ تلك العناصر عند المفكِّر
الأمريكي. ومن المعروف أن إمِرسُن كان
منفتحًا أمام المفهومات المشرقية حيال
العالم.[16]
إن الكوسمولوجيا لديه نوع من "وحدة الوجود Pantheism
المجدَّدة"،[17] التي تعود
بأصلها إلى وحدة الوجود المشرقية. وهذه نقطة
الانطلاق التي يمكن المقارنة، ابتداءً منها،
بين إمِرسُن وبين نعيمه وجبران بخصوص فهم
الطبيعة والوجود كلِّه لديهم. للعلاقة
بالطبيعة مكانة خاصة في تسامي إمِرسُن،[18] مثلما هو
الأمر في فلسفة نعيمه وجبران؛ ويمكن أن نفهم
تلك العلاقة فقط في الأُطُر الواسعة لتفكيرهم.
إن الكون، في الحقيقة، فيض عن الإله الذي يمكن
معرفته، قبل كلِّ شيء، عن طريق معرفة ذلك
الفيض. ولذلك لا بدَّ من الاتجاه إلى كمال
الطبيعة التي تدلُّ، من كلِّ بدٍّ، على وجود
خالقها الكامل؛ أو، بعبارة أخرى، إن الإله
موجود في كلِّ ما خلقه، ولكنه، في نفس الوقت،
متعالٍ أو متسامٍ transcendent
في "السماء". ومعنى ذلك أنه، في آنٍ معًا،
في العالم وخارج العالم. وقد ذكرنا سابقًا أن
نعيمه، باعتقاده أن الروح مقدسة بذاتها،
شدَّد على أن الإله لا يظهر في الطبيعة فحسب،
بل يظهر في وعي الإنسان كنتيجة. وهذا الاعتقاد
عند نعيمه مهم جدًّا بالنسبة لتطور تفكيره
فيما بعد. وليس صحيحًا أن نفهم الطبيعة هنا
بمعنى الجزئيات غير المترابطة التي تدل على
الناموس الأعلى، بل يجب أن نفهمها ككلِّية
"مركَّبة" من الأجزاء التي تقع، من
ناحية، في الاتصال المعيَّن، في الارتباط
المعين، نظرًا لأنها، من ناحية أخرى، تدل على
الإله أو على الناموس الأعلى، الذي بذاته لم
يخلق العالم إلا ككلٍّ معنوي واحد. يمكن أن نقتبس
هاهنا هيغل الذي يطابق حديثُه عن وحدة الوجود
المشرقية فهمَ نعيمه وجبران المتعلِّق بوحدة
العالم والإله. وفقًا لذلك الحديث فإن الإله
محايث immanent لكلِّ
الجزئيات؛ ولكن نظرًا لأنه، باعتبار تجريده،
يقع خارج الواقعية التجريبية للجزئيات، فهو
متسامٍ في نفس الوقت؛ ولا بدَّ من رؤية تلك
الجزئيات كلِّها كالكل، كالعالم، كالروح
الشاملة، لأن الخالق الكامل لم يخلق الجزئيات
كجزئيات، بل إنه قد خلق كلِّية الجزئيات.[19]
وهكذا، عندما يتكلَّم نعيمه على الجزئيات
يقصد دائمًا الجزئيات بمعنى الكون؛ أي أنه
يتكلَّم على الجزئيات التي يتكوَّن منها
الكون. وبذلك المعنى يكتب جبران أيضًا أن
الإنسان يصبح كاملاً "عندما يشعر بأنه هو
الفضاء ولا حدَّ له"، عندما يشعر بوحدته
بالطبيعة وعناصرها كلِّها؛ وهو، إذ يحس بذلك
كلِّه، يصير كاملاً ويصبح ظلاً من ظلال الله.[20]
ويقول إمِرسُن أيضًا:[21] في
الطبيعة تتدفق تيارات الكائن الشامل. أنا جزء
أو ذرة من الإله [...]. إن ذروة المتعة التي
يمنحها الحقل والغابة هي الاتصال الصوفي بين
الإنسان والنباتات. أنا لست وحيدًا ولا نكرة. لا شكَّ في أن
"الاكتفاء الذاتي" Self-reliance
والفردية Individualism قد أصبحا الآن أوضح: إن الوصول إلى
السعادة اللانهائية عن طريق معرفة الناموس
الأعلى يتمُّ عن طريق الخيال الذي هو القدرة
الفردية. في رؤيا نعيمه
للكون يوجد الكون ككلِّية الجزئيات، أي يوجد
في وحدة مع الخالق العظيم الذي يدلُّ عليه
الكون كفيض من ذلك الخالق العظيم. فيض الخالق،
أي وجوده في الطبيعة كلِّها أو في العالم،
يفرض المعرفة عبر تلك الطبيعة. لقد بلغنا
مصطلحًا أساسيًّا يستفيد منه نعيمه في
تفكُّره؛ ويمكننا أن نطرحه الآن لأننا قد
رأينا من قبلُ معنًى للجزئية في فهم الكون لدى
نعيمه. ذلك المصطلح هو "وحدة الوجود".
ويمكننا أن نعتبره، في نفس الوقت، تعريفًا
لفلسفة نعيمه لأن "وحدة الوجود"،
بالمعنى الذي سبق ذكرُه، ليس سوى ألوهية
الكون Pantheism والتعاطف مع الطبيعة، وفقًا لذلك المذهب
الذي هو مشترك بين نعيمه وإمِرسُن. نجد الشعور
نفسه عند جبران، على الرغم من أنه لم يكتب عن
ذلك كثيرًا كما كان يكتب نعيمه. وفي حديثه عن
نظام جبران الميتافيزيقي يلاحظ Sherefan
جيدًا أن ذلك النظام هو مذهب "ألوهية الكون"؛
ومعنى ذلك أن الإله والطبيعة والإنسان، بنظر
جبران، تجمع بينها وحدة الوجود، مع أن كلاً
منها ليس نفس ما هو الآخر.[22] الشعور
بالطبيعة، وفق الاعتقاد بألوهية الكون، قد
أنتج عند هؤلاء الأدباء شعورًا بكلِّ ما يوجد
في الطبيعة كأنه روحاني، نظرًا لأن فيض الإله
يظهر فيه. لذلك فإن التركيز على مشاهدة
الطبيعة الروحانية يذهب أحيانًا إلى حدِّ رفع
الطبيعة الروحانية إلى درجة روحانية مستقلة؛
ولكن، في أغلب الأحيان، يبقى على مستوى
مشاهدة الجمال الطبيعي الشاسع، نظرًا لأن
الناموس الكامل لا يخلق شيئًا غير كامل أو ليس
مُقايِسًا له. يمكن أن نتوقع
هنا أن يرتقي الشعور بألوهية الكون في فلسفة
هيدونية Hedonism أو في مذهب اللذة. ومعنى ذلك أنه، إذا
أُخِذَت الطبيعة كجمال، فمن المتوقَّع أن
يُطلَب فيها بعد ذلك ما هو الأجمل فيها، وأن
يتمتع الإنسان بها كأجمل مظهر للإله، لأن تلك
الطبيعة قد خُلِقَتْ، وفقًا لذلك، ليصل
الإنسان بوساطتها إلى الإله. وتدلُّنا على
توقُّع الهيدونية مقولةُ category
ألوهية الكون المهمة عند نعيمه، وهي "الدهشة"
التي لا يمكن فهم ألوهية الكون لديه بدونها.
ففي أماكن كثيرة، وخاصة في نصِّه عن طاغور[23]
Tagore،
يكتب نعيمه عن "الدهشة" كمرحلة أولية في
معرفة الطبيعة، وعن الوصول عبرها إلى معرفة
الإله. فمع ملاحظة المرء الجمالَ الموجود في
كلِّ مكان، يصبح مدهوشًا به، وهو واعٍ أن في
استطاعته أن يكشفه تمامًا فقط حين يشعر به
بشدة. وعندئذٍ تُدهِشُه دهشةً أقوى قدرةُ
الناموس الأعلى على خلق الجمال والكمال فقط.
ومعنى ذلك أن الإنسان، في الحقيقة، ينال
السعادة الأعلى عن طريق اكتشاف العالم وشعوره
به كجمال، لأنه، ببلوغ تلك السعادة، يحقق
غاية وجوده: المعرفة.[24]
لأجل ذلك لم يؤمن نعيمه (مثل طاغور) بوجود
الأشياء القبيحة، بل هو كان يتميَّز بعبادة
الروعة.[25] وحول هذا
يُطرَح السؤال: كيف يمكن تجنُّب الانغمار في
"روح" الأشياء الرائعة، بمعنى الاتصال
الهيدوني بها، وخاصة لأن وحدة الوجود عند
نعيمه معناها الوحدانية الشاملة التي تقود،
من كلِّ بدٍّ، إلى الغبطة وراحة البال؟
بورتريه جبراني لميخائيل نعيمه (1889-1988) ومن ناحية
أخرى، فقد شدَّدنا على اعتقاد نعيمه وإمِرسُن
أنه من الأفضل أن ينصاع الإنسان للناموس
الأعلى وأن لا يقاومه. وذلك الانصياع ليس سوى
طاعة لتنظيم العالم الملائم وأقدار الناس.
لقد نُظِّمَ هذا العالم "الكامل" بحيث إن
سيرنا فيه ليس عشوائيًّا أبدًا، كما ليس أيُّ
حدث من أحداث حياتنا من قبيل المصادفة. إن
التحتيم بالقضاء والقدر Predestination يجعل كلَّ تمرُّد لا معنى له.[26]
وينتج عن ذلك أن ألم الإنسان حتى يصير، من حين
إلى آخر، إيجابيًّا و"رائعًا"، لأن له
غاية معينة في النتيجة الأخيرة. ووفقًا لذلك،
فإن الشكوى من ذلك الألم تمرُّد في حدِّ ذاتها.[27] ولكن نتيجة
هذا الاعتقاد ليست المعايشة السلبية للغبطة،
بل نوع من راحة البال التي تبرِّر كلَّ شيء،
ولكنها أيضًا تكتشف في كلِّ شيء الجمال الذي
يسبِّح خالقه.[28] ولكن، مع أنه
يبدو أن الدروب كلَّها تقود إلى نوع خاص من
الهيدونية، فقد تجنَّبها نعيمه وجبران في
بداية تفكُّراتهما. ويظهر هنا من جديد
التشابهُ بينهما وبين إمِرسُن. وفي تتمة
النصِّ الذي يُفصِح فيه عن اتصاله بالطبيعة
وتوغُّله فيها واندماجه بها يقول إمِرسُن:[29] بيد
أن من الواضح أن القدرة على إثارة هذه المتعة
لا توجد في الطبيعة، بل في الإنسان أو في
انسجامهما المشترك. ومن ناحية
أخرى، فقد شدَّدنا من قبلُ على أهمية فكرة
نعيمه التي تقول بأن من الممكن معرفة الناموس
الأعلى والكامل، قبل كلِّ شيء، بمعرفة
الإنسان ذاتَه، لأن الإنسان مقدَّس بروحه.[30]
إن أهمية هذه الفكرة كبيرة جدًّا بالنسبة
لتطور ألوهية الكون لديه. نريد القول إن
نعيمه قد حدَّد بذلك الحاجة إلى تركيز اكتشاف
الإله في أشياء الطبيعة كلِّها – مع أنه أعطى
الطبيعة مكانتَها الخاصة التي تُدهِشُ
بروعتها. ففي الحقيقة، هو قد فضَّل عليها
الإنسان. ومعنى ذلك أن الأحسن من كلِّ ما
خُلِقَ هي الذات التي يظهر فيها فيضُ الإله
الشامل، على أكمل وجه، وفي أعقد ما يكون، في
نفس الوقت. وبتركيزه على الذات يتجنَّب نعيمه
ألوهية الكون، ويطلب أن تتَّجه الذات إلى
نفسها قبل كلِّ شيء، لأنها تبلغ، بمعرفتها
لنفسها، السعادة العليا التي يمكن بلوغها على
الإطلاق – وهي معرفة الإله؛ ومعنى ذلك هنا
إشارة مرة ثانية إلى وحدة الوجود. إن الذات،
عن طريق المعرفة عبر الخيال، تشعر بأنها في
الوحدانية التي لا تنفصل عن الإله الذي ينتمي
إليه الإنسان، لأن الإله خالقه، ولأن الإنسان
راجع إليه؛ وأيضًا لأن الإله موجود في وعيه
الذاتي.[31] هكذا يصل
نعيمه وجبران إلى التصوُّف. وعندما يشعر
الإنسان بوحدة الوجود على النمط السابق، لا
يمتزج بالطبيعة ولا يندمج فيها فحسب، بل
يمتزج بالإله عن طريق توسُّع ذاتيَّته subjectivity؛
وعندئذٍ لا يشعر بأيِّ فرق بينه وبين الطبيعة
وبين الإله ككائنات منفصلة ومستقلة.
فالامتزاج التام أو الشعور بالوحدة المطلقة
ليس سوى حالة الوعي الخاصة التي يظهر فيها
شعورٌ بالغبطة والأبدية لا يمكن وصفُه.
وطبعًا لا يبلغ الإنسان ذلك الشعور إلا عبر
الخيال. إن حالة الوعي هذه تُسمَّى أحيانًا بـtrance
أو "الغيبوبة"، الـsamādhi
في اليوغا الهندي. بيد أنه، في
فلسفة نعيمه، قمة "المحبة" التي نجدها
عند المتصوفة في نفس المعنى. وعلى الرغم من أن
نعيمه لا يستعمل ذلك المصطلح فإن الامتزاج
المطلق ليس، في التحليل الأخير، سوى "فناء"
الذات في هوية الإله الذي نجده عند المتصوفة. إن فلسفة
نعيمه وجبران، مثل فلسفة إمِرسُن، ليست أصيلة
من نواحٍ كثيرة. ويجب علينا الآن أن نثبت ما هي
المنظومات الفلسفية التي كان أدباء المهجر
يستلهمونها، باستثناء تسامي إمِرسُن وعبر
تساميه، لأنه من الواضح أن جذور تسامي
إمِرسُن تعود إلى المسيحية، إلى الأديان
الشرقية، وإلى الفلسفة المثالية الكلاسيكية،
وغيرها.[32] ومن الجدير
بالذكر كذلك أنهم كانوا مثقفين دينيًّا،
وخاصة نعيمه الذي تلقَّى تعليمه في المدارس
الروسية الأرثوذكسية؛ وكان الكتاب المقدس
المترجم إلى العربية أول نموذج في الأدب
والفلسفة رآه أدباء المهجر بعيونهم.[33] لذلك فإن
جزءًا من تساميهم له أصلٌ في المسيحية التي
تعلِّم أن الإله في نفس الوقت متعالٍ ومنزَّه
– إذا أُخِذَ على محمل التنزيه – ومحايث
للعالم وحاضر فيه، لأنه يظهر في الطبيعة وفي
وعي الإنسان. وعندئذٍ، تجدر الإشارة إلى أننا
نجد ما يشبه هذه الفكرة عند الأفلاطونيين
الجُّدُد، وفي نظرية الغنوصيين، الذين
يعتبرون أيضًا أن العالم فيض الإله. ويمكن أن
نجد تأثيرات فلسفة كانط Kant: فمع مصطلح "التسامي"،
الذي أريدَت به الميتافيزيقية إبان القرن
السابع عشر، أخذ كانط بمعنى المعرفة غير
المبنية على تجربة. لكن يبدو لنا
أن ينابيع فلسفة نعيمه وجبران تقع، في
غالبيتها، في المشرق الإسلامي الذي تأثر
بالأديان الهندية والفارسية القديمة منذ عصر
العباسيين (750-1258). وفي أثناء بحثنا عن تشابك
التأثيرات في أدباء المهجر، وخاصة عند نعيمه
وجبران، وجدنا أنهم أخذوا كثيرًا من الفلسفة
الإسلامية، مع تلك التأثيرات التي تأثرت بها
الفلسفة الإسلامية نفسها؛ ولذلك كانت قريبة
منهم، وخاصة تلك المواقف التي رأوا فيها
علاقة معينة بالفلسفة الإسلامية. عرف نعيمه
وجبران جزءًا من الفلسفة الإسلامية التي
اطَّلعا عليها في أصولها. وقد تأثرا بشكل خاص
بابن سينا (990-1037) وبقصيدته الصوفية عن "هبوط
النفس". وهناك أيضًا تأثير الفلاسفة
المسلمين، أو بعبارة أدق، تأثير الصوفيين،
الذين بين عقيدتهم وعقيدة أديبينا تشابهٌ
كبير. وعندما نبسط جوهر التصوف لا نحتاج
دائمًا إلى المقارنة بينه وبين فلسفة نعيمه
وجبران لأن التشابه سيبرز من تلقاء ذاته،
نظرًا لأننا قد رأينا المجمل من فلسفتهما. يشعر الصوفي
بالعالم كأنه إشراق الإله، ولكنْ لا في
أجزائه المنفصلة، بل في العالم ككل. وحينئذٍ
يكون للأشياء الدنيوية، التي يمكن بلوغها
بالحواس، وضع "الوهم" أو الخدعة (māyā
في الفكر الهندي) لأن تلك الأشياء تنطوي على
محتوى إلهي. فالغاية الأساسية لوجود الإنسان
هي أن يبلغ "ذاك" الذي يضيء في الأشياء
قاطبة. وأيضًا، نظرًا لأن الذات إشراق لله،
تنطرح على الذات غايةُ أن تبلغ المعرفة عن
طريق الانكفاء إلى أعماقها؛ وبعبارة أخرى،
توسِّع الذات حدودَها بالاستغراق التأمُّلي،
حتى تصل إلى الحالة الخاصة التي تبلغ فيها
المعرفةُ أصلَها الإلهي. وبالتأمل المستمر،
وبالخلوة التي تهدي إلى الزهد، يتم الوصول
إلى حال الـtrance
التي يتم فيها تجاوزُ الطبيعة أو المادة إلى
الاتحاد التام بالله. إن الصوفي الإسلامي
البارز السُّهروردي (1115-1191) قد وصف إثبات
الهوية هذا في خمس مراحل:[34] 1.
"لا إله إلا
الله"؛ 2.
"لا هو إلا هو"؛ 3.
"لا
أنت إلا أنت"؛ 4.
"لا
أنا إلا أنا"؛ 5.
"سيفنى
كلُّ شيء إلا وجهه". في الحال التي
يتَّحد الصوفي فيها بالله، محققًا الغاية
النهائية من وجوده، يضيع الإحساس بالزمن
والمكان، بالأعلى والأسفل، بالغد واليوم –
يتَّحد الكلُّ بالواحد الباقي. إن حال
السعادة التي تشبه المحبة يتبعها إثباتُ
الهوية هذا الذي لا فرق فيه بين الإله وبين
الذات، أو حسب قول السُّهروردي: "لا أنا إلا
أنا"[35].
ويسمي الصوفيون هذه الحال بـ"الفناء".
وهذه، عند نعيمه أيضًا، قمة المحبة هي اتحاد
الإله والإنسان والطبيعة بشكل مطلق – اتحاد
الكلِّ بالكل – الإله والإنسان واحد في تلك
الحال: لا زمن ولا مكان، لا حياة ولا موت، لا
ماضي ولا آتي: الكلُّ يوجد في "آنٍ دائم"
وفي مكان واحد.[36] وجدير بالقول
إن الفناء الصوفي، من ناحية، والاتحاد المطلق
عند نعيمه، من ناحية أخرى، لهما معادل في nirvāna البوذية.[37]
وبالإضافة إلى ذلك، فإن فهم النفس عند نعيمه
وجبران، أو فهم الذات التي تندمج بالإله،
يشبه كثيرًا الاتحاد ببرهمن في الفيدنتا
الهندوسي، بمعنى إثبات الهوية التام بين
الذات الفردية والذات الكلِّية، بين Atman وBrahman.[38] يمكن أن نضيف
إلى ذلك التشابُهَ في مدلول مصطلح "المعرفة"
بين فلسفة نعيمه وجبران وبين التصوف، مثلاً،
مهما يكمن في الاستعمال المشترك والفهم
المشترك: نعيمه يسميه بـ"طريق الإدراك"،
أي الاتحاد بالله، كما وصفناه؛ أما الصوفيان
الحلاج (922-857) والسُّهروردي، فالمعرفة عندهما
"اتجاه منهجي" لإثبات وحدة الهوية مع
الكائن (الإله)، أي "طريق نظرية المعرفة" Epistemology، كما يترجم الباحثون عادة
مصطلح "المعرفة". وإثبات الهوية ذاك
يتخطَّى قدرة العقل العملي ومداه.[39] ومن الموضوعات
المركزية عند نعيمه وجبران موضوع لا يبدو فقط
في نصوصهما، التي تأمَّلا فيها في العالم
والإله، بل استدرجاه أيضًا في قصصهما – وذلك
الموضوع هو تقمُّص الأرواح والتناسُخ.[40]
يقال عادة إنهما استلهما تقمُّص الأرواح من
القصيدة البارزة عن هبوط النفس للفيلسوف
الإسلامي البارز من العصور الوسطى، ابن سينا[41]؛
ولكن من الممكن أنهما اقتبسا هذه العقيدة من
الفلسفة الهندية التي تتحدث عن تناسُخ النفس
الدائم، إلى أن تتطهَّر تمامًا.[42]
أما الاعتماد على تأثير ابن سينا فيمكن
إحالته إلى نصِّ جبران تحت عنوان "ابن سينا
وقصيدته" الذي عبَّر جبران فيه عن إعجابه
بالفيلسوف الشهير.[43] غير أنه، فيما
يختص بتقمُّص الأرواح، تبرز قضية لا يوجد لها
حلٌّ في فلسفة التصوف لدى نعيمه وجبران. فهما
لا يتكلَّمان عن تقمُّص الأرواح، بمعنى أن
الروح تتقمَّص من جسد إلى جسد، حتى تتطهَّر
تمامًا؛ بل إن تقمُّص الأرواح لديهما
لانهائي، بمعنى التناسُخ transmigration
الأبدي – ومعنى ذلك أن الروح الفردية سرمدية.
والآن يُطرَح السؤال: بأية طريقة يمكن تحقيق
المُصالحة الفلسفية بين سرمدية الروح
الفردية وبين العقيدة في الاتحاد المطلق
بالله، نظرًا لأن الروح، بتقمَّصها الدائم من
جسد إلى جسد، "مشغولة" فعلاً بثنوية dualism "جسد – روح"؛ ومن حيث ذلك،
فإن تناسُخها السرمدي في الدنيا لا يسمح لها
بالتحرُّر النهائي من الحالة الجسدية. ومع أننا قد
قلنا إن تقمُّص الأرواح من الموضوعات
المركزية عند كلٍّ من نعيمه وجبران، تجدر
الملاحظة بأنهما لم يحاولا أن يبيِّنا تقمُّص الأرواح منهجيًّا في منظومة
تفكيرهما. لقد أعجب تقمُّصُ الأرواح كيانَهما
الشعري أكثر، لأنهما تحدثا عنه في نصوصهما
الفلسفية بشكل عابر أو خارج أية منظومة
فلسفية. بعبارة أخرى، فإن تقمُّص الأرواح جزء
من عقيدتهما، ولكنهما لم يبذلا جهدًا على
الإطلاق لكي يجعلا منه عنصرًا بنائيًّا
لنظرية الإبداع: كان تقمُّص الأرواح أقرب
بكثير إلى روحيهما الشعريتين الفضوليتين. ومن
المهم كذلك أن نشير إلى أن الصوفيين أيضًا لم
يهتموا بسرمدية الروح اهتمامًا عميقًا.[44]
جبران خليل جبران (1883-1931) من الصعب أن
نعتقد بأن التطابقات الكبيرة بين فهم نعيمه
وجبران وبين الصوفيين هو من قبيل المصادفة،
وبأنها قابلة للحَصْر في تشابهات فقط. فقد
استفادا، دون شك، من ينابيع الثقافة العربية
والعربية–الإسلامية لأنهما كانا يُظهِران
افتخارهما بالانتساب إلى تلك الثقافة،
ولأنهما كانا يعتقدان بأن مستقبلهما يمكن
بناؤه فقط على أساس تراثهما الغني بالتواصل
والتلاقح مع ثقافات أخرى. وعندئذٍ ليست هناك
أهمية خاصة لإمكانية أن يكون طريقُهما إلى
ينابيع التصوف الإسلامي غير مباشر أيضًا: من
تسامي إمِرسُن، وعبر ألوهية الكون لدى
الأفلاطونيين الجُّدُد والبوذية. وعلى كلِّ
حال، فإن مذاهب التفكير هذه كلَّها تُحدِثُ
تشابكًا خاصًّا: كان إمِرسُن يستلهم،
بالمناسبة، من الأديان الشرقية؛ ونشأ التصوف
الإسلامي نتيجة تَواصُل الإسلام مع الأديان
الهندية والفارسية القديمة. وكان نعيمه
وجبران يتواصلان معها جميعًا، وطبعًا مع
المسيحية أيضًا، وذلك بروح شاعرية أكثر مما
كان يتواصلان بها بعقلهما التأمُّلي الفلسفي. لقد أنتج ذلك
كلُّه تناقضات عديدة في تفكيرهما؛ ولذلك لا
يمكن أن نسمِّي تفكيرهما منظومة بالمعنى
الفلسفي للمنظومة system،
بل يمكن تعريفه على أنه نوع من التفكير "التوفيقي"
Syncretism الذي لا يحاول بذاته تخطِّي التناقضات.
وبعبارة أدق، إن نوع التفكير ذلك عبارة عن
اتجاه ديني أكثر مما هو فلسفة؛ لذلك لا يمكن
أن نعيده تمامًا إلى أية فلسفة محدَّدة أو إلى
أيِّ دين بعينه. حقًّا، لقد أثَّر تفكير نعيمه
وجبران تأثيرًا قويًّا على أدباء المهجر؛
ولكن الحقيقة أيضًا هي أن ذلك التفكير أثَّر
عليهم وحسب، وعلى الأغلب، عبر الاتصال الشخصي
فقط. ومعنى ذلك أن في استطاعتنا أن نعود هاهنا
إلى تأكيدنا الأول بأن طبيعتهما الشخصية كانت
خصيصتهما المميَّزة، وليس التفكير نفسه.
وهكذا يمكن أن نضعهما في تاريخ الفلسفة فقط
بمعنى أنهما كانا يؤثِّران على أدباء المهجر
عمومًا، وأن كتاب النبي The Prophet لجبران[45]
كان له صدًى كبير في العالم.[46] وجدير
بالاعتراف أن النصوص العديدة لنعيمه التي
يفصح فيها عن تفكُّراته لا يمكن قراءتها إلا
ببذل جهد خاص، ليس لأن فهمها صعب، بل بسبب عدم
الترابط في نظامها. فتلك النصوص، التي أراد
منها صاحبُها أن تكون رسائل فلسفية، لا
يصبغها إلا بشكل نادر الطرحُ الفلسفي المنطقي
الهادئ، بل تتميَّز أكثر بالعاطفية وإلهام
الفنان، بالتعميم وتجنب الاستنتاجات بشكل
منطقي متسلسل. إن استدراج نفس الموضوعات في
أماكن عديدة يختص باقتباس الكاتب ذاته. ينطرح علينا
السؤال هنا: في أية علاقة يتقاطع الأدب بكلِّ
ما قد ذكرناه عن النظام التجريدي لدى نعيمه؟
ومع أننا سنتحدث عن ذلك في مناسبة أخرى بصورة
مفصَّلة، لا يمكن تجنب الجواب على هذا
السؤال، ولو بشكل مختصر. يقول نعيمه:[47] وإذن
فمهمة الأدب هي التعبير عن الإنسان وكلِّ
حاجاته وحالاته تعبيرًا جميلاً، صادقًا، من
شأنه أن يساعد الإنسان على تفهُّم نفسه
وتفهُّم الغاية من وجوده، وأن يمهِّد له
الطريق إلى غايته. وإذن فللأدب رسالة سامية. كان إمِرسُن
يفكِّر في رسالة الشاعر مثل نعيمه: أي أنه
رسول، رسالتُه السامية أن يتوسَّط بين الحقِّ
والطبيعة وبين عامة الناس. وهو كان يعتقد
اعتقادًا راسخًا بأن "الحقَّ والفنَّ
سيجتذبان الناس كلَّهم"[48]. لقد استدرج
نعيمه هذا الفهم في الأدب في أغلب مؤلَّفاته
الثلاثين تقريبًا. وإذن
فنحن، بحسب رأيه، نعود إلى فهم الفنِّ القديم
جدًّا، وهو أن الفن وحيٌ، وأن الفنان كائن غير
عادي، غايتُه أن يعلن عن الله في كلِّ ما هو
موجود، وذلك بكلامه الجميل. إن الأشياء
كلَّها التي يمكن الوصول إليها بالحواس الخمس
تدلُّ، بحسب مذهب ألوهية الكون، على وجود
مضمونها الروحاني الذي لا يُدرَك بالتمييز
التحليلي العلمي، بل فقط بالفنِّ الذي يقود،
بواسطة الخيال، إلى التركيب Synthesis
وإلى المعرفة النهائية.[49] غير أن نعيمه
تجاوز بعد ذلك ألوهية الفنِّ، مثلما تجاوز
ألوهية الكون قبل ذلك، واقترب أكثر من التصوف.
وفي الحقيقة لا تقتصر وظيفةُ الفنِّ على
تكريم أجزاء الطبيعة الجميلة، ولو كانت
روحانية، بل يهتدي الإنسان عبرها دائمًا،
وبفضل الدهشة والخيال، إلى معرفة الإله. وعلى
سبيل المثال، فإن قصيدة نعيمه "أوراق
الخريف"[50]
ليست شعورًا شاعريًّا عاديًّا بأوراق الخريف
التي تهبط على الأرض في هدوء، بحفيف هادئ،
جميلةً صفراء؛ وهي لا تثير في الشاعر القلق أو
الحزن ولا الشعور بالفناء، كما يفعل عادة
منظرُ تساقُط أوراق الخريف. إن المنظر الذي
يصوِّره لنا نعيمه في هذه القصيدة يعبِّر عن
عدم اعتقاده بوجود الحياة والموت، أي يعبِّر
عن إيمانه الراسخ بأن الحياة والموت واحد،
وبأن الموت فقط مرحلة في سرمدية الإنسان، في
تجدُّده الدائم. إذن، فهذه القصيدة "صوفية"
في جوهرها، وليست قصيدة ألوهية الكون في
معناها العام. يقول نعيمه في نفس المعنى،
ولكنْ في مكان آخر:[51] وهو
الفن الذي إذا ما تحسَّستموه أحسَسْتُم كأنكم
تنعتقون من الحس. وإذا ما حاولتُم تحديده
قادكم إلى حيث لا حدود. فرأيتموكم شاملين
مثلما الله شامل. لقد نظم شعراء
المهجر الآخرون مرارًا قصائد صوفية؛ ومن
المعروفة منها، مثلاً، القصيدة الصوفية
لنسيب عريضة "على طريق إرَم"، التي يكتب
الشاعر فيها عن رغبته في الاتحاد بالله. وفي
الحقيقة، فإن إرَم الأسطورية[52]
رمزٌ يستعمله أدباء المهجر أحيانًا في شعرهم
ونثرهم عندما يريدون التعبير عن ميولهم إلى
المثالية، إلى الإلهية. وأيضًا فإن قصيدة "نار
القرى" لأبو ماضي قصيدة صوفية دونما شك،
يلحُّ الشاعر فيها على الرغبة في الفناء في
الله الذي قدَّمه الشاعر كـ"نار القرى".[53] لقد قدَّمنا
أمثلة فقط من الشعر الصوفي المهجري. وجدير
بالتشديد أن هناك كثيرًا من القصائد الصوفية
في أدب المهجر، على الرغم من أن العديد منها
لا يمكن تفسيرُه على هذا المحمل للوهلة
الأولى. ونقصد بهذا القول إن عناصر الطبيعة
وظواهرها (مثل البحر والنور وغيرهما) لا
يستعملها هؤلاء الشعراء للوصف الشعري فقط، بل
يستعملونها، في أغلب الأحيان، لكي يرتقوا
عبرها، وبفضلها، إلى الإلهية.
نسيب
عريضة (1887-1946) هؤلاء الشعراء
– ونعيمه في طليعتهم – يعتقدون بأن الأدباء
قادرون بشكل خاص على الإدراك الصوفي، نظرًا
لأن لديهم الخيال الراقي، خاصةً، والعاطفية،
ولديهم أيضًا العلاقة الخاصة بالطبيعة –
وعليهم أن يعبِّروا عن ذلك الإدراك في أدبهم.
ولأجل ذلك فإن غاية الأدب، في رأيهم، هي عينها
غاية الرسالة. وبما أن الأدب على هذه الصورة،
فغايتُه تربية الخير في الإنسان؛ ولا بدَّ له
من الإصلاح والتثقيف. وهكذا يأخذ الأدب مكانه
في مجال الأخلاق. وبطبيعة الحال لا بدَّ من
الكلام التفصيلي عن ذلك في مكان آخر. *** *** ***
[1] بما أن هذين
المصطلحين هامان جدًّا لبحثنا، لا بدَّ لنا
من تدقيق معناهما: نقصد بمصطلح "النظرية
التقريرية" نظريةً تنشأ على أساس بحث
الآثار الأدبية في التراث الأدبي التي يمكن
أن نسمِّيها بـ"المثل العليا"؛ حيث
تستنبط تلك النظرية التقريرية، في الآثار
الأدبية الموجودة في التراث الأدبي كـ"مثل
عليا"، قواعد عامة للإبداع الأدبي، ثم
تطرح تلك القواعد نفسها كمقاييس للإبداع
الأدبي عامة. أما "النظرية التجريدية"
فهي تفعل العكس: لا تبدأ من الآثار الفنية،
بل تنطلق من المبادئ العامة (الموجودة على
الأغلب في منظومات فلسفية)، وتبرهن بأية
طريقة تحققتْ تلك المبادئ في الآثار
الفنية، وانطلاقًا من ذلك التحقيق، تقدِّر
تلك الآثار الفنية؛ وهذا المنهج معروف في استيطيقا
هيغل، ويظهر في قوله البارز بأن الآثار
الفنية ليست سوى "إظهار للفكرة في الصور
الحسِّية". [2]
عن تمرُّد
إمِرسُن ضد "الدين النظامي" وخروجه عن
الكنيسة راجع: R.W. Emerson, The
Selected Writings, New York, 1950, p. XIII. [3]
M. Mint, in: Emerson,
Ogledi, Beograd, 1980, p. 129. [4] من المهم أن نعرف أن
جبران كان يعيش بالقرب من المكان الذي أقام
فيه مؤسِّس التسامي. ونجد التسامي في
المراجع باسم "التسامي الكونكوردي"
الذي نشأ كمدرسة تفكير خلال الثلاثينات
والأربعينات من القرن التاسع عشر؛ واسمه
هذا يشير إلى مكان نشأته، وهي مدينة
كونكورد الصغيرة التي تقع بالقرب من بوسطن.
عاش جبران إبان النصف الأول من القرن
العشرين في بوسطن، وأحيانًا في نيويورك. [5] ميخائيل نعيمه، في الغربال
الجديد، بيروت، 1972، ص 121-122. [6] ميخائيل نعيمه، زاد
المعاد، بيروت، 1972، وخاصة في مقال بعنوان
"الخيال" في الكتاب نفسه. [7]
عن فردية
إمِرسُن انظر: Povijest
svjetske knjizevnosti, VI, Zagreb, 1966, p. 314; Istorija
knjizevnosti sjedinjenih Americkih Drzava, I, Cetinje, 1962, pp.
292-313. [8]
Emerson,
“Self-reliance,” in: Op. cit., p. 150. [9]
Ibid., p. 152. [10]
Emerson, The Selected
Writings, p. XIII. [11]
Ibid.,
p. 162. [12] لم يهتم جبران
ونعيمه بذلك في آثارهما النظرية فقط، بل
أيضًا في عدد كبير من قصائدهما وقصصهما؛
لذلك لا حاجة هنا إلى الإشارة إلى الآثار
كلِّها التي تتحدث عن ذلك. إن مجموعة الأرواح
المتمردة كلَّها تقريبًا تروي عن عدم
الاعتراف بالأشخاص الذين يتمتعون بالنفوذ
وعن تحطيم التقاليد الموروثة؛ أما آثار
نعيمه فجدير بالذكر منها خاصةً كتابُه زاد
المعاد. [13] نعيمه، زاد المعاد،
ص 46-47. [14] قارن:
"المعرفة والمدرسة" في كتاب نعيمه زاد
المعاد. [15]
Emerson, “An
Address,” in: Op. cit, pp. 69-70. [16]
Istorija knjizevnosti
sjedinjenih Americkih Drzava, I, pp. 300-307. [17]
R.
Wellek, A History of Modern Criticism: 1750-1950, Yale University
Press, 1965, p. 165. [18]
عن حبِّ
إمِرسُن العظيم للطبيعة لدينا حقيقة أن في
أساس صداقته بالأديب الأمريكي H.D.
Thoreau شغفَهما المشترك بالطبيعة. [19]
Hegel,
Estetika, II, Beograd, 1970, pp. 71-72. [20]
جبران خليل جبران،
"البدائع والطرائف"، في المجموعة
الكاملة، ص 529. [21]
Emerson, “Nature,”
in: Op. cit., pp. 6-7. [22]
Sherefan,
A Third Treasury of Kahlil Gibran, New Jersey, 1975, p. 390. [23] نعيمه، في الغربال
الجديد، ص 24-32. [24] اعتقد جبران مثل
ذلك؛ وسنتحدث عن اعتقاده هذا فيما بعد. [25]
نعيمه، في
الغربال الجديد، ص 29. [26] كان جبران، مثلاً،
معتقدًا بالحتمية وبالقضاء والقدر، إلى
درجة أنه كتب كيف كانت ولادته في لبنان
حصرًا، وفي بشراي في العام 1883، وكيف أن
لكلِّ حَدَثٍ من عمره غايةً أخيرة في وجوده
في العالم اللانهائي. راجع: ميخائيل نعيمه،
"جبران في آثاره العربية"، في: جبران
خليل جبران، المجموعة الكاملة، ص 8. من
الممكن أن نعيمه قد أفصح عن تلك العقيدة على
أحسن وجه في كتابه النور والديجور، بيروت،
1973، ص 121-146. [27] كتب نعيمه على هذا
النمط في فصل "ينابيع الألم" من كتابه زاد
المعاد، ص 61-69. [28]
Sherefan, op. cit., p.
400. [29]
Emerson,
op. cit., p. 7. [30]
نعيمه، زاد
المعاد، ص 46. [31]
قصيدة نعيمه
"من أنتِ يا نفس؟" تتحدث كلُّها عن
النفس كصدور أو "فيض من إله"؛ قارِنْ:
ثريا ملحس، ميخائيل نعيمه: الأديب
الصوفي، بيروت، 1964، ص 155. بذلك المعنى
تشبِهُها قصيدة نسيب عريضة "يا نفس"؛
قارِنْ: إحسان عباس، الشعر العربي في
المهجر، بيروت، 1957، ص 66، وأيضًا: Badawi, A Critical
Introduction to Modern Arabic Poetry, Cambridge, 1975, pp. 193-195. [32]
Povijest svjestsk knjizevnosti,
VI, p. 313; Istorija knjizevnosti sjedinjenih Americkih Drzava, I,
pp. 300-307; Wellek, op. cit., p. 165. [33] عبد الكريم الأشتر، فنون
النثر المهجري، لبنان، 1965، ج 1، ص 197. [34]
["كلُّ مَن عليها فانٍ ويبقى وجهُ ربِّك
ذو الجلال والإكرام" (الرحمن 26-27) –
المحرِّر.] نأسف
لأننا لم نستطع أن نجد أصل كلمات
السُّهروردي هذه، لكننا نعتقد بصحة
جوهرها؛ وقد اقتبسناها من: Cedomir Veljacic, Razmedja
azijskih filozofija, II, Zagreb, 1978, p. 364. [35]
Ibid. [36]
قارِنْ: عيسى
الناعوري، أدب المهجر، القاهرة، 1977، ص
380. [37]
C. Veljacic, op. cit. [38]
Anawati et Gardet, in: Klasicna
kultura islama, I, ed. Nerkez Smailagic, Zagreb, 1976, p. 224. [39]
C. Veljacic, op. cit., p.
364. [40] كتب جورج صيدح، الذي كان يعايش
أدباء المهجر، أن إيليا أبو ماضي وحده لم
يعتقد بتقمُّص الأرواح (أدبنا وأدباؤنا
في المهاجر الأمريكية، ص 157).
استدرج نعيمه هذا الموضوع فنيًّا في قصته
البارزة لقاء. ومن قصص جبران نختار "رماد
الأجيال والنار الخالدة" و"الشاعر
البعلبكي". قارِنْ: المصدر السابق، ص 28-29. [41]
نادرة السراج،
شعراء الرابطة القلمية، القاهرة، 1957، ص
135. [42]
Sherefan, op. cit., pp. 398-400. [43]
يكتب جبران عن
هذه القصيدة لابن سينا أنها أفضل "ما
نظمه الأقدمون" وأنها "أدنى إلى
معتقدي وأقرب إلى ميولي النفسية". (المجموعة
الكاملة، ص 542-545) [44]
C. Veljacic, op. cit., p.
365. [45]
لم نستطع
الحصول على الأصل الإنكليزي لهذا الأثر
لجبران، ولذلك استعملنا ترجمته إلى
العربية بعنوان النبي. وجدير بالذكر أن
هذا الأثر ترجمه نعيمه ترجمة جيدة، بوصفه
أفضل الخبراء في إبداع صديقه جبران؛ وفي
هذا البحث استعملنا ترجمة نعيمه لهذا الأثر.
وقد ظهرت ترجمته إلى الصربوكرواتية من
الإنكليزية في زاغرب في العام 1977، بترجمة
وتعليق Marko
Grcic. [46] على حدِّ علمنا، وحده هيمان
أدخل جبران إلى تاريخ الفلسفة الأمريكية في
قاموسه: E.S. Hayman, Dictionary of American
Philosophy, Philosophical Library, 1973. [47]
ميخائيل نعيمه، دروب،
بيروت، 1971، ص
45. [48]
Emerson, “The Poet,”
in: Op. cit., p.320. [49]
في تطويره
لفكرة قداسة الأديب يستعمل نعيمه صورة
تشبِّه الإنسانية بهرم: في حقيقة الأمر، لا
فرق بين الناس، مثلما لا فرق بين الأحجار
المبنية في الهرم، إلا بمعنى تلك التي تقع
تحت وفوق. الناس على قمة الهرم، الذين هم
أقل عددًا قياسًا إلى هؤلاء في أساس الهرم،
يختلفون عنهم لأنهم أقرب إلى الله، ولأن
الخيال والإيمان لديهم أقوى. هؤلاء الناس
على قمة الهرم هم الأدباء. راجع: نعيمه، البيادر،
بيروت،
د. ت.، ص 74. [50]
في مجموعة
قصائد همس الجفون، بيروت، ط 5، ص 47-50. [51]
نعيمه، البيادر،
ص 74-75. [52]
في سورة
الفجر، الآية 7، من القرآن الكريم يجيء ذكرُ
"إرَم"؛ وهي مدينة ذهبية يُروى أنها
كانت في مكان محجوب في جزيرة العرب، لم
يستطع الإنسان أن ينظر إليها بسبب ضيائها؛
ولقد دمَّرها الله. وهدف الوصول إلى إرَم
يرمز إلى بلوغ المثالية، إلى القيم العليا.
للتوسُّع في ذلك الرمز الصوفي راجع: نادرة
السراج، نسيب عريضة: الشاعر، الكاتب،
الصحفي، القاهرة، 1970، ص 90-113. [53]
قارِنْ: Badawi, op. cit., pp.
190-191
|
|
|