|
الأرض كائن حي فرضية غايا الكتاب الذي
نتناوله ههنا بالمراجعة هنا هو كتاب غايا:
نظرة جديدة إلى الحياة على الأرض*
الذي أحدث تغييرًا عميقًا في نظرتنا إلى كوكب
الأرض وعلاقتنا به.**
أما جيمس لَفْلوك،
مؤلِّف هذا الكتاب، فهو مستشار في وكالة NASA الأمريكية في
حقل الترتيب والتحضير لبرامج فضائية مختلفة؛
وهو كذلك أستاذ فخري في قسم السيبرنتيكا في
جامعة ريدنغ في إنكلترا. هل المادة العضوية
والهواء والمحيطات وسطح الأرض تشكِّل،
مجتمعةً، نظامًا معقدًا، يمكن دراسته كجسم
واحد قادر على المحافظة على خصائص عالمنا
الحيوية؟ هذا ما اعتقده الإغريق القدامى،
فأطلقوا على كوكبنا اسم "الأرض الأم"، أو
غايا GAÏA، أو أيضًا
الإلهة Γή،
التي منها اشتُقَّت أسماء العلوم المتعلقة بالأرض،
كعلمَي الجيولوجيا Geo-logy
والجغرافيا Geo-graphy
وغيرهما. وهذا حصرًا ما
يقترحه علينا جيمس لَفْلوك من خلال كتابه
المثير هذا. أما وظيفة غايا
فهي البحث عن وسط فيزيائي وكيميائي للحياة
على هذا الكوكب، والمحافظة، بالتالي، على
شروط ثابتة نسبيًّا، من خلال تحكُّم فعلي
ذاتي الانضباط self-regulation. ويعني هذا أن غايا
تتدخل في تعديل تركيب الهواء والماء والتربة
بحيث تبقى الحياة ممكنة دائمًا. والسؤال الذي يخطر في
البال: هل هذا كلُّه مجرد أسطورة أو عقيدة
جديدة يعتنقها بعض العلماء؟ يجيب لَفْلوك
بأنه لا يمكن أن نبرهن علميًّا على وجود غايا،
لكنْ يمكننا جمع الأدلة العديدة واقتراح
التجارب الناتجة عن مفهوم غايا، يما
يُرجِّحُ كفة الميزان لصالح هذه النظرية. ولكي نجمع هذه الأدلة
لا بدَّ من دراسة تطوُّر الأرض، ما أمكن، منذ
البدء وانتهاءً بحاضرنا، باحثين عن آلية
تنظيم ذاتية. فلو درسنا مناخ الأرض من خلال
الصخور الرسوبية والمستحاثات، لتبيَّن أنه
إبان الـ3500 مليون سنة الفائتة لم يتبدل هذا
المناخ قط، بل بقي صالحًا باستمرار لظهور
الحياة، على الرغم من التبدل الأكيد في
معدَّل الحرارة الواردة إلينا من الشمس، وفي
خواص طبقة الأرض السطحية، وفي تركيب الجو. فالتركيب الكيميائي
للجوِّ لا يُثبِت الافتراضات القائلة بتوازن
كيميائي ثابت. ووجود الميتان وأول أوكسيد
الآزوت والآزوت في جوِّنا المُؤكسَد يمثِّل
خرقًا لقواعد الكيمياء، كما يمكن قياسه. إلى
هذا، فإن أيَّ تأرجح صغير في هذه المعدَّلات
يشكل خطرًا على الحياة. وإذا نظرنا إلى مياه
الأرض لوجدنا براهين عديدة، مباشرة وغير
مباشرة، تدل على أن معدل ملوحة مياه البحر لم
يتغير منذ مئات ملايين السنين. إن معرفتنا
لمستوى الملوحة التي تقبل بها الكائنات الحية
التي عاشت في المياه إبان هذه الأحقاب
الطويلة يدلُّ على أن من المستحيل أن تزيد هذه
الملوحة عن نسبة 6%، علمًا أن النسبة الحالية
هي 3.4%. ولو بلغت هذه النسبة مقدار 4% فقط
لَتَبِعَ تطورُ الحياة البحرية طريقًا
مختلفًا تمامًا، ولظهرت كائنات مختلفة
كليًّا عن تلك التي نعرفها. إن اليابسة تطرح في
البحار، من خلال الأمطار والأنهار، وإبان
فترة 80 مليون سنة، كمية من الملح تعادل الكمية
الإجمالية لملح كلِّ المحيطات. فلو استمرت
هذه العملية من دون أن تتخلَّص البحار من
الملح الفائض، لتحوَّلت هذه البحار إلى سبخات
شاسعة من الملح لا تصلح لأيِّ نوع من أنواع
الحياة المعروفة (كما في البحر الميت). لذا لا
بدَّ من وجود نظام تعديل وتوازن. ويقدم المؤلِّف
حلولاً لفرضية غايا ممكنة ودقيقة، يمكن
التحقق منها، وناجحة. لكن إذا كانت غايا
موجودة فعلاً، فما علاقتها بالإنسان
وبالتلوث؟ يمكننا أن ننظر إلى التلوث من
وجهتي نظر: وجهة نظر الإنسان، ووجهة نظر غايا.
فإذا عنينا بكلمة "تلوث" عملية طرح
الفضلات، يجب أن نعلم أن هذه العملية،
بالنسبة إلى غايا، طبيعية، تمامًا كما أن
عملية التنفس طبيعية بالنسبة لنا ولغالبية
الحيوانات. ويجب أن نعلم أيضًا أن الكثير من
المواد التي نعتبرها "ملوِّثة" تنتجها
الطبيعة إنتاجًا دائمًا، كأول أكسيد الكربون
مثلاً. غير أنَّ لـغايا،
كأيِّ كائن حي، نقاطها الحساسة. فإن كانت
عملية التلويث الصناعية لا أثر لها على حياة غايا
(ولو أن لها أثرًا على حياتنا)، فإننا قد
نُخطئ، فنصيب تلك النقاط الحساسة في غايا،
ونهدد ليس حياة الإنسان وحسب، بل وكلَّ حياة
ممكنة. لذا لا بدَّ من معرفة النقاط الحيوية
في غايا والمحافظة عليها. وفي رأي
المؤلِّف أن أكثر المناطق الحَرِجَة التي تجب
مراقبتها باستمرار هي المناطق الاستوائية
والبحار القريبة من السواحل القارية. في عرضنا السابق لم
نقدِّم سوى لمحة قصيرة لا تبيِّن مدى عمق
البحث الذي قام به المؤلِّف، ولا كلَّ تلك
المشكلات التي تثيرها الفرضية، كمشكلة
التلوث، التي يسهب المؤلِّف في عرضها. *** *** *** * James Lovelock, Gaia: A New Look at Life on
Earth, (2000). ** جدير
بالذكر أن الطبعة الفرنسية، التي تستند
عليها هذه المراجعة لكتاب لَفْلوك، مزيدة
بمقدمة وملحق كتبهما جيرار بلان، وهو باحث
فرنسي ومدير مجلة Coévolution
الفرنسية. (المحرِّر)
|
|
|