ما هو الحبُّ؟ لقد تمَّ تحميل هذه الكلمة فوق طاقتها كثيرًا، وتمَّ إفسادها
أيضًا إلى درجة أنه ليس لديَّ بعد الرغبة في استخدامها. يتحدَّث الجميع عن
الحبِّ – كلُّ مجلة وصحيفة وكلُّ واعظ يتكلَّم عن الحبِّ مطوَّلاً ومن دون
نهاية. أحبُّ وطني، وأحبُّ مَلِكي، وأحبُّ كتابًا ما، وأحبُّ ذلك الجبل، وأحبُّ
تلك اللذة، وأحبُّ زوجتي، وأحبُّ الله. لعلَّ الحبَّ عبارة عن فكرة ما؟! فإذا
كان الأمر كذلك، فمن الممكن إذَّاك الانكباب عليه، وتغذيته، والمحافظة عليه
بمودة، مُقَوْلبًا، ومشوَّهًا بكلِّ الطرق الممكنة. عندما تقولون إنكم تحبُّون
الله، فماذا يعني ذلك؟ يعني أنكم تحبون إسقاطات خيالكم خاصتكم، إسقاطاتكم أنتم
أنفسكم، وقد تمَّ إلباسها ببضعة أشكال من الإجلال وفقًا لما تظنونه نبيلاً
ومقدَّسًا. أما عن القول: "أحبب إلهك" فهذا قول مناقض تمامًا للحسِّ السليم.
وعندما تعبدون الله، فإنكم تعبدون ذواتكم أنتم، وهذا ليس بالحبِّ.
كنت قد انطلقت في المحاضرة الأخيرة من المعاناة كحدث تكتمل فيه عزلة الموجود،
أي، كامل حدَّة علاقته مع ذاته وكامل قطعية هويته. أيضًا، انطلقت من المعاناة
كحدثٍ يجد الموجود نفسه في علاقة مع ما لا يمكنه الاضطلاع به، ويكون إزاءه مجرد
سلبية مغايرة تمامًا لا يمكنه إزاءها الإمكان. إنَّ مستقبل الموت هذا يحدد
بالنسبة لنا الآتي؛ الآتي على اعتبار أنه ليس حاضرًا. إنه يحدد ما يتباين في
الآتي عن كل استباق أو استشراف أو وثبة. إنَّ الانطلاق من فكرة كهذه عن الآتي
لفهم الزمان يعني عدم فهمه أبدًا كـ "صورة متحركة لأبدية ثابتة".
عندما ننزع عن الحاضر كل استباق يفقد الآتي كل طبيعة مشتركة مع الحاضر. فهو ليس
مدفونًا في قلب أبدية موجودة مسبقًا لنتناولها نحن فيما بعد. الآتي آخرٌ وجديدٌ
بشكل كلي. وبهذه الطريقة نستطيع فهم الحقيقة الواقعية للزمان، أي، الاستحالة
المطلقة لأن نجد في الحاضر معادِلاً للآتي. لا قدرة للحاضر على الآتي.