قصيدة
سلام أحمد
تركتني في المقعد الخلفي
وحيدًا ونائمًا في الحافلة
القهوة لم تبرد بعد
والمسافرون غادروا زحمة الشتاء
بأصابعٍ تتكسر كالجليد من سقف المنازل
وأنت لم تأتِ
ترى أهذا هو الهجران
أم شكل القناع الذي غطيته بالحب
الأشياء كلها بدأت به
وانتهت لمقعد خلفي
في حافلة.
أحسد الرجل إلى جانبك
من يقدم القهوة
والحذاء ذا الكعب العالي
أحسد النسيم وما يراه
الزوايا التي يلتقط منها المصورون
أنفاسهم
مع الصور المعذبة بالورد.
بانحناءة خفيضة نحو الأرض
بيدي تراب الغريب وبقايا زيتون أهمس للمهرب في طريقي
لبلاد الفلفل الحار والفستق
هناك على الأسلاك مزقت السراويل
دافعًا بالحقائب لأسفل الوادي
ممسكًا بأبنائي
يسألني رودي الصغير
ما هو شكل الجوع فأمد يدي المدماة
ليشرب كالخيول الهالكة من طلق الرصاص.
كالظباء الشاردة
كعيون نساء البدو وما يتركنه من لهاث في سلة الخوف
لرغبة بطعم النبيذ مراقًا خلف كوم الرمل
تحيين ما تطأينه
بين ظرفين ونهدين بطعم حنة العرسان
في أكفانهم
لمنطق الخائف وما يثيره من حذر في جفن القلق
ساعات من لهب
وقت أمرن فيه جسدًا على طرائق الهلاك
تحت الركام أو على الناصية.
كم يشبه الموتى مسوغاتهم
وكم لا تنفع الشموع دليلاً في طريق العودة
يتشابه الموتى
حتى لا تدرك القاتل من القتيل
كالظباء في حلم النائم
تخرج من عتمة العطش والسماء موسومة بالدم.
أنا شجرة... هواء يمر بالعاصفة
وخليج يتباطأ على جسد الشواطئ
غريب يمد قدميه ليستريح الماء
...
لا أريد أن أصنع التاريخ
اتركوا لي نافذة لأرى من يكتبه
بالدموع والدم.
في سوق يغص بباعة الحظ ومهرجين
بين الرماد المنثور كدم الأضحيات وعاطلين
ينظرون من سحب السجائر
إلى عيون المارة
أجد طريقي لردفين مشاغبين كقطط في كيس عماء
لا ترفضين ولا ترتدع يدي
أنا يدي
تدفعينني نحو الزقاق حيث تتشظى المرايا
الخطيئة هي ما نسره
في لحظة وجود اغتنم الوجود وأنا ما عليه
في سوق مكتظ
عطرك يدل عليك
وأن يشبهني النص بما دفعته من نرد كلام
كبوصلة الحياة... أنت حياة.
مشتتًا يجذبني شبيهك
الهواء مئزر لأرامل ينشرن سراويلَ مضرجة بدم الكرز
وشهوة أرانب في شبق السفاد
النيلي والأزرق وما يحمله النهر الغادي جدولاً
والعنب المسروق من الحواكير
لأطفال يلبسون الصيف أسمالهم
بأحذية الذاكرة
لنصف وجه جانبي يلملم الحطب
في كرمة الزيتون لتتدفأ أمهات
يعذبهن ماء الطمث بالكثير من رغبة
لرجل تلمع عيونه في العتم.
أنا المتأرجح بين جذوع الشجر
ينظر في سماء تمطر
رذاذ النحاس
الهارب من قسوة الإباء لعراء قارص
كنهار إلهي طويل.
يصنع الظل ما يريده الضوء
يدفع الموتى أثمان كونهم أحياء
والحياة كما أراد القدر رسم على وشم مصير
إن كنا نحلم فليكن
وإن كنا نعيش فلنقل عشنا
لندفع بالعصافير لتسقط في مناه الكون
ولنغدو خطاة لندرك طعم الحقائق.
سهوًا تسقط يداي على كتفك
لا أملك ما لي
والبحر كحقل من نار
ما السفن... ما الأنواء
إلا وجوه تصف الأضداد لتراكيب البشر الفانين
من عاج أو قبلات اللاءات اللاهثة
وهشيم النور صاعدًا من سرِّه تسرب
نورها القزحي.
يا ليل، يا وجهًا مضرجًا بعطر التجربة
بروح الخائفين أن تكشف الأسرار
على بعض السرائر
يا جنونه والهوى لو تعلم ما يعلم الممسوس
في لحظات وجد
ما يعطى ليس كما تكنه الأضلع
ونشتكي وفي الشكوى كلام
يطفئ المعنى
كما تُطفأ اللفائف
على لسان الآه.
شربت من بحرك ولا قاع
وحالي حال الغريب
يأتي على القرى ممدود الأذرع
نصيبه ما يلاقي من الأذى
وإذا تناهى الليل
يدني ذاته في عباءة الخوف
يا نور كن نارًا
يا عتم كن خيط الزوال لهذا العالم
ناشدتك فكن سبيلي
جائعًا تقاذفتني الحياة
وحيدًا وكل وحيد تجربة
صغيرًا والصغائر تهرب كالفراشات
لأجمعها في شباك النار.
يتامى ظلمة الليل والبراح في سعة المكان
تقولين استظل بجناحي فآمن أيتها الأخت
وحيدين يتمسك أحدنا بنأي الآخر
ودمك أيتها الأخت على يدي
أنظر في المدى
مضرجًا بك
وحيدين بظلين منسدلين
انهمار الليل على سقف المدن
في بقايا ذلة العتم
وانتفاضات النهار.
يدي
كلام
وقلبي إنسان
في معطفي مطر المدن
وعيناي ملح.
إن كنت حملاً
لم كل هذي السكاكين
أنا شرفة لقامة الضوء
وصلاة للجهات
أحميك من نزق الهواء
مفردًا ملاءاتي لفراشك القزحي
كما طائر يسلم أجنحة للريح
مهاجرًا والمهاجر ذاكرة
على طريق حبك
كطفل الخطوة الأولى.
درعا
حياتنا معجونة بالخوف
روحنا تشبه شجرًا يطفو
فناؤه بيديه
يتلقفنا الحضيض
ويدفعنا كأشجار ميتة
على مسار الأنهر
جداول ملائكةٍ على أسنة اليأس
محاربون... وقتلة
عشاق يدفعون بنسائهم
ليلتمسوا بسيف الغريب
شهوة الكرز
وشبق المصباح بنو سان الليل
على ظله
....
الصفر المسكين لم يشكل
شيئًا في الحياة
أنا الصفر... بطريقةٍ ما
دفعني الزمن إلى الطرف الآخر من الرقم
والرقم كبير
حتى أن بقاياي
لا تزال تفكر بطريقة الصفر
.....
إنني مذعور... مذعورٌ يا حبيبتي
قلبي يرتجف... خبئيني في صدرك
لكل امرأة حالة أم
في هذي اللحظات
أحتاج أن أبكي بكثافة نهر
وبساطة أقحوان
لكل نهر طريقة في الالتواء
يركض... ليلتفت
أحتاج لأن أفكر بلغة العشب
وحكمة الجداول
وقدرة الوادي على الاحتضان.
ما لا أراه ابتسامة في غرفة مظلمة
ملمس ريش
وكلام لاهث
كمن يركض في حقل فراشات.
لم يبق سن أجعله ذريعة
لأجلس في كرسيك
فقط لأرى وأتألم
وأنت تخرجين عصبًا
أو تحفرين ضرسًا
فقط لأنظر كم عيناك غريبتان وعميقتان
من على كرسي التعذيب هذا.
سجناء الحافلة
مقيدون ولا نملك إلا النظر
باتجاه العاصفة
سجناء من بهيم الليل
نستمع لفيروز
بمذياع سجاننا.
تتحدثين إلي عارية
إلى جانبه
على الطرف الآخر من الهاتف
تمطر السماء
وأسمع من لهاثك
عصف الريح
وفمه الشهواني على خطوط الجسد
أحيانًا أحس
أنك تحت هذا الشبق
تدخنين كعادتك.
تطعمين العصافير في الشرفة
أتذكرك...
يكفي أن أنظر إلى إطار الصورة المكسور
ورائحة المسافر من المسافات البعيدة
أتذكرك
وكيف ينسى العاشق حياة أجمل
من أن تعدها أصابع.
قلبي مطيتك ومسرور
أن جعلتني حصانك الخشبي
قلبي اليائس من الحب
حديقتك
متخاذلاً معذبًا
قلبي على راحتي
دام وأنت تضحكين كالطفل بلعبته
وأنا أكاد أذوب
أشم لحمي المحترق
هكذا صنيعتك أنا وإليك
أعود.
*** *** ***